فيلم وثائقي على "فرنسا 2" حول حرب الجزائر
في ظاهره موضوعي ومحايد.. وفي باطنه ترويج لوجهة النظر الفرنسية
http://youtu.be/_gccULRTiVU
لأول مرة ومنذ حوالي خمسين سنة على إمضاء اتفاقيات "إيفيون" واعلان استقلال الجزائر بث التلفزيون الفرنسي (قناة فرنسا 2 تحديدا ) فيلما وثائقيا حول حرب الجزائر من 1954 إلى 1962 وقد تضمن الفيلم وعلى امتداد ساعة كاملة صورا نادرة حول وقائع هذه الحرب كانت أغلبها حبيسة الأرشيف الفرنسي.
الموعد كان في سهرة الإثنين وورد الفيلم في جزئين وكان بعنوان: "حرب الجزائر: التمزق" وهو من إخراج "غابريال لوبومان" وقد اشترك هذا الأخير مع المؤرّخ "بنيامين ستورا" في كتابة سيناريو الفيلم وتولّى الممثّل "كاد ميراد" قراءة النص وأغلب هؤلاء وإن كانوا فرنسيي الجنسية فإنه تربطهم علاقة مباشرة مع الجزائر فكاد ميراد مثلا والده جزائري وبنيامين ستورا ولد بقسنطينة الجزائرية. وقد عقب عرض الفيلم نقاش أداره "دافيد بوجاداس" الوجه الإعلامي التلفزيوني الفرنسي المعروف وذلك بحضور عدد من الشخصيات الأدبية والسياسية ممّن كتبوا حول الحرب أو ورثوا قصصا عنها من الآباء والأجداد وكذلك ممن عاشوا هذه الحرب على غرار أحد رموز جبهة التحرير الوطني بالجزائر.
إن الفيلم وإذ يمكن الإتفاق حول قيمته التقنية وحول الجهد الذي بذل من أجل تجميع كم هام من الصور النادرة ومن مصادر مختلفة ( فرنسية أوروبية بالخصوص ) واستعراضه لأغلب الفاعلين في هذه الحرب من قادة عسكريين وزعماء سياسيين ومحاربين وحركات إرهابية ورغم محاولته الظهور في مظهر الملتزم بالموضوعية فإنه يبقى مفتوحا على قراءات مختلفة وحتى متناقضة حسب نوعية المشاهد. فلا نتوقّع من المشاهد الجزائري مثلا أن ينظر للفيلم من نفس زاوية المشاهد الفرنسي.
عندما لا نسمي الأشياء بأسمائها
لكن ما يمكن ملاحظته بعد تأمل الأحداث أن هناك نزعة نحو ترجيح وجهة النّظر الفرنسية على حساب الجزائريين. رويدا رويدا ومع تواصل الأحداث يشعر المشاهد خاصّة ممّن ينتظر من هذا الفيلم شيئا من الإنصاف للجزائرييّن بخيبة الأمل. فالفيلم يحمّل المسؤولية للطرفين بنفس المستوى إن لم نقل إنه كان منحازا للفرنسيين. فالجزائريون الذين كانوا ضحية الإستعمار والإستغلال, الجزائريون الذين سقطوا بمئات الآلاف في حرب التحرير الوطني ظهروا في الفيلم في شكل إرهابيين وبؤساء ومعدمين وكأنهم بشر من درجة ثانية في حين ظهر الفرنسيون على النقيض من ذلك وكأنهم أصحاب الحق فهم -حسب هذا الفيلم -سكان الجزائر منذ أجيال الذين وجدوا أنفسهم مهددين بمغادرة مهد الآباء والأجداد والأرض المتعلقين بها. لم نلاحظ استعمال مصطلح المستعمر والمعمّر والإستعمار وإنما تم استعمال مصطلح « فرنسيو الجزائر». الفيلم وإن تضمن مشاهد حول فظاعة الحرب واستعمال فرنسا لأسلحة محرّمة دولية على غرار» النابالم « فإنه تم ذكر ذلك عرضا ولم يقع الحديث بالتفصيل عن عدد الموتى وضحايا هذه الأسلحة الذين سقطوا بالآلاف ومقابل ذلك تم التركيز على عدد القتلى من الفرنسييّن الذي لا يقارن لا من قريب ولا من بعيد مع عدد قتلى الجزائريين. وما فتئ الفيلم وعبر مختلف ردهاته يطرح أسئلة حول التمزّق الذي عاشته الجزائر وحول ضياع قيمة التعايش بين الطرفين أي الفرنسيين والجزائريين مع استعمال نغمة حزينة.
غياب مفهوم الحرية والتحرر
لم يخض في مسألة حق الجزائريين في التحرر والتخلص من الإستعمار وتقرير مصيرهم بل أطنب في طرح التساؤلات لماذا هذه الحرب وما هو اسمهما متجاهلا أن لهذه الحرب اسما وهي حرب التحرير الوطني. لم تكن هذه الحرب حرب الجزائر بقدر ما كانت حرب فرنسا بترسانتها الضخمة وبمئات الآلاف من الجنود الفرنسيين إضافة إلى الجزائريين الذين جندتهم بعد أن كانوا في صفوف المجاهدين وإضافة إلى من يعرفون بالحركي وهذه قضية أخرى وقع ذكرها عرضا. ولعله يجدر التذكير في هذا السياق أن المخرج الجزائري رشيد بوشارب كان قد طرح قضية الحركي في فيلمه « خارج القانون» وتعرض لبؤس تلك الفئة التي عاشت على الهامش في أحواز باريس والمدن الكبرى بفرنسا بعد أن لفظهم شعبهم بسبب توظيف الفرنسيين لهم في حربهم وفي مقاومتهم لحق الجزائريين في الإستقلال.
استعرض الفيلم بطبيعة الحال الدور الكبير الذي اضطلع به الجنرال ديغول في منح الجزائر استقلالها بعد أن تبين له وهو صاحب فكرة شن الحرب على الجزائر لإضعافها وبالتالي التفاوض مع هذا البلد المنهك بشروط فرنسية أنه لابد له من هذه الخطوة من أجل فرنسا لأن حرب الجزائر ووفق ما تكرر في أكثر من مشهد في الفيلم من شأنها أن تأخذ فرنسا في دوامتها ومن شأنها أن تهدد أمن فرنسا لأن الحرب تحولت في وقت ما إلى فرنسا. رأينا الجنرال ديغول في زياراته المتعددة للجزائر وشاهدنا بالخصوص خطابه الشهير أمام الجزائريين و»فرنسيي الجزائر» عندما قال لهم «لقد فهمتكم».
تعرض الفيلم كذلك إلى محاولات الإنقلاب على الرئيس الفرنسي ومحاولات اغتياله وذلك للحيلولة دون منح الجزائريين استقلالهم بعد أن لاح لـفرنسيي الجزائر» الذين نادوا بعودته إلى الحكم وهو الذي اعتزل السياسة في موطنه أنه لم يعد ينسجم مع رغبتهم في بقاء الجزائر جزءا تابعا للتراب الفرنسي . لقد توقف الوثائقي تقريبا عند ابرز المحطات الحاسمة في هذه الحرب لكن يبقى الشعور بالمرارة قائما مع انتهاء أحداثه. الاشقاء الجزائريون يطالبون عبثا كما هو معروف باعتذار رسمي من السلطات الفرنسية على ارتكاب فرنسا لمجازر وجرائم ضد الإنسانية من قتل وتعذيب خلال حرب الجزائر،و الحرب الشاملة على شعب طالب بحقه في الإستقلال لكن الفيلم لم يتحدث عن حرب استعمارية شاملة وإنما فضل أصحابه الحديث عن تمزّق لحبل الوصل وهو يكون بذلك غير منصف للجزائريين وغير منصف للتاريخ في حد ذاته.
في ظاهره موضوعي ومحايد.. وفي باطنه ترويج لوجهة النظر الفرنسية
http://youtu.be/_gccULRTiVU
لأول مرة ومنذ حوالي خمسين سنة على إمضاء اتفاقيات "إيفيون" واعلان استقلال الجزائر بث التلفزيون الفرنسي (قناة فرنسا 2 تحديدا ) فيلما وثائقيا حول حرب الجزائر من 1954 إلى 1962 وقد تضمن الفيلم وعلى امتداد ساعة كاملة صورا نادرة حول وقائع هذه الحرب كانت أغلبها حبيسة الأرشيف الفرنسي.
الموعد كان في سهرة الإثنين وورد الفيلم في جزئين وكان بعنوان: "حرب الجزائر: التمزق" وهو من إخراج "غابريال لوبومان" وقد اشترك هذا الأخير مع المؤرّخ "بنيامين ستورا" في كتابة سيناريو الفيلم وتولّى الممثّل "كاد ميراد" قراءة النص وأغلب هؤلاء وإن كانوا فرنسيي الجنسية فإنه تربطهم علاقة مباشرة مع الجزائر فكاد ميراد مثلا والده جزائري وبنيامين ستورا ولد بقسنطينة الجزائرية. وقد عقب عرض الفيلم نقاش أداره "دافيد بوجاداس" الوجه الإعلامي التلفزيوني الفرنسي المعروف وذلك بحضور عدد من الشخصيات الأدبية والسياسية ممّن كتبوا حول الحرب أو ورثوا قصصا عنها من الآباء والأجداد وكذلك ممن عاشوا هذه الحرب على غرار أحد رموز جبهة التحرير الوطني بالجزائر.
إن الفيلم وإذ يمكن الإتفاق حول قيمته التقنية وحول الجهد الذي بذل من أجل تجميع كم هام من الصور النادرة ومن مصادر مختلفة ( فرنسية أوروبية بالخصوص ) واستعراضه لأغلب الفاعلين في هذه الحرب من قادة عسكريين وزعماء سياسيين ومحاربين وحركات إرهابية ورغم محاولته الظهور في مظهر الملتزم بالموضوعية فإنه يبقى مفتوحا على قراءات مختلفة وحتى متناقضة حسب نوعية المشاهد. فلا نتوقّع من المشاهد الجزائري مثلا أن ينظر للفيلم من نفس زاوية المشاهد الفرنسي.
عندما لا نسمي الأشياء بأسمائها
لكن ما يمكن ملاحظته بعد تأمل الأحداث أن هناك نزعة نحو ترجيح وجهة النّظر الفرنسية على حساب الجزائريين. رويدا رويدا ومع تواصل الأحداث يشعر المشاهد خاصّة ممّن ينتظر من هذا الفيلم شيئا من الإنصاف للجزائرييّن بخيبة الأمل. فالفيلم يحمّل المسؤولية للطرفين بنفس المستوى إن لم نقل إنه كان منحازا للفرنسيين. فالجزائريون الذين كانوا ضحية الإستعمار والإستغلال, الجزائريون الذين سقطوا بمئات الآلاف في حرب التحرير الوطني ظهروا في الفيلم في شكل إرهابيين وبؤساء ومعدمين وكأنهم بشر من درجة ثانية في حين ظهر الفرنسيون على النقيض من ذلك وكأنهم أصحاب الحق فهم -حسب هذا الفيلم -سكان الجزائر منذ أجيال الذين وجدوا أنفسهم مهددين بمغادرة مهد الآباء والأجداد والأرض المتعلقين بها. لم نلاحظ استعمال مصطلح المستعمر والمعمّر والإستعمار وإنما تم استعمال مصطلح « فرنسيو الجزائر». الفيلم وإن تضمن مشاهد حول فظاعة الحرب واستعمال فرنسا لأسلحة محرّمة دولية على غرار» النابالم « فإنه تم ذكر ذلك عرضا ولم يقع الحديث بالتفصيل عن عدد الموتى وضحايا هذه الأسلحة الذين سقطوا بالآلاف ومقابل ذلك تم التركيز على عدد القتلى من الفرنسييّن الذي لا يقارن لا من قريب ولا من بعيد مع عدد قتلى الجزائريين. وما فتئ الفيلم وعبر مختلف ردهاته يطرح أسئلة حول التمزّق الذي عاشته الجزائر وحول ضياع قيمة التعايش بين الطرفين أي الفرنسيين والجزائريين مع استعمال نغمة حزينة.
غياب مفهوم الحرية والتحرر
لم يخض في مسألة حق الجزائريين في التحرر والتخلص من الإستعمار وتقرير مصيرهم بل أطنب في طرح التساؤلات لماذا هذه الحرب وما هو اسمهما متجاهلا أن لهذه الحرب اسما وهي حرب التحرير الوطني. لم تكن هذه الحرب حرب الجزائر بقدر ما كانت حرب فرنسا بترسانتها الضخمة وبمئات الآلاف من الجنود الفرنسيين إضافة إلى الجزائريين الذين جندتهم بعد أن كانوا في صفوف المجاهدين وإضافة إلى من يعرفون بالحركي وهذه قضية أخرى وقع ذكرها عرضا. ولعله يجدر التذكير في هذا السياق أن المخرج الجزائري رشيد بوشارب كان قد طرح قضية الحركي في فيلمه « خارج القانون» وتعرض لبؤس تلك الفئة التي عاشت على الهامش في أحواز باريس والمدن الكبرى بفرنسا بعد أن لفظهم شعبهم بسبب توظيف الفرنسيين لهم في حربهم وفي مقاومتهم لحق الجزائريين في الإستقلال.
استعرض الفيلم بطبيعة الحال الدور الكبير الذي اضطلع به الجنرال ديغول في منح الجزائر استقلالها بعد أن تبين له وهو صاحب فكرة شن الحرب على الجزائر لإضعافها وبالتالي التفاوض مع هذا البلد المنهك بشروط فرنسية أنه لابد له من هذه الخطوة من أجل فرنسا لأن حرب الجزائر ووفق ما تكرر في أكثر من مشهد في الفيلم من شأنها أن تأخذ فرنسا في دوامتها ومن شأنها أن تهدد أمن فرنسا لأن الحرب تحولت في وقت ما إلى فرنسا. رأينا الجنرال ديغول في زياراته المتعددة للجزائر وشاهدنا بالخصوص خطابه الشهير أمام الجزائريين و»فرنسيي الجزائر» عندما قال لهم «لقد فهمتكم».
تعرض الفيلم كذلك إلى محاولات الإنقلاب على الرئيس الفرنسي ومحاولات اغتياله وذلك للحيلولة دون منح الجزائريين استقلالهم بعد أن لاح لـفرنسيي الجزائر» الذين نادوا بعودته إلى الحكم وهو الذي اعتزل السياسة في موطنه أنه لم يعد ينسجم مع رغبتهم في بقاء الجزائر جزءا تابعا للتراب الفرنسي . لقد توقف الوثائقي تقريبا عند ابرز المحطات الحاسمة في هذه الحرب لكن يبقى الشعور بالمرارة قائما مع انتهاء أحداثه. الاشقاء الجزائريون يطالبون عبثا كما هو معروف باعتذار رسمي من السلطات الفرنسية على ارتكاب فرنسا لمجازر وجرائم ضد الإنسانية من قتل وتعذيب خلال حرب الجزائر،و الحرب الشاملة على شعب طالب بحقه في الإستقلال لكن الفيلم لم يتحدث عن حرب استعمارية شاملة وإنما فضل أصحابه الحديث عن تمزّق لحبل الوصل وهو يكون بذلك غير منصف للجزائريين وغير منصف للتاريخ في حد ذاته.
أوّل فيلم سينمائي يقر بجرائم الجيش الفرنسي في الجزائر
«العدو الحميم»:
«العدو الحميم»:
الشرق الأوسط
نشر في الصباح يوم 11 - 10 - 2007
يبدأ هذا الاسبوع عرض الفيلم الجديد، للمخرج فلورون سيري: "العدو الحميم". الانتاج متّميز من حيث الاشكالية التي يعرضها والتقنيات السينمائية المستعملة. وهو أول إنتاج يتطّرق بشجاعة لموضوع بقي طويلا ضمن المحظورات فقد ظلت السينما الفرنسية تتفادى الخوض في موضوع الحرب الفرنسية - الجزائرية (1954- 1962) بسبب حجم الحساسيات، التي تُثار بمجرد الحديث عن هذه الحقبة التاريخية، إضافة للعامل العاطفي الذي يميزها، وكمّ الذكريات المؤِلمة التي لا تزال حيّةً في الذاكرة المشتركة للشعبين الفرنسي والجزائري. الانتاج متميز على اعتبار أن الافلام القليلة التي عالجت الموضوع قبل هذا، كانت كثيراً ما يَغلب عليها طابع الحنين والعاطفة، ولم يجر فيها تصوير العنف الذي ميّز هذه الحرب، إلا بطريقة إيحائية وضعيفة.
"العدو الحميم" يختلف من حيث جرأة المعالجة، ويمكن اعتباره أول إنتاج سينمائي فرنسي، يقِر رسميا بجرائم الجيش الفرنسي في الجزائر، ويتحدث عن تجاوزات الجيش في استعماله لاساليب التعذيب والاسلحة المحظورة في واحدة من أعنف حروب العصر الحديث. وهو إنجاز كبير في حد ذاته، علماً أن فرنسا انتظرت 37 سنة أي حتى أكتوبر 1999، لتعترف رسمياً بأن ما حدث في الجزائر كان حرب مقاومة واستقلال. وهي التي ظلت لعقود وحتى بعد انتهاء الحرب تصّر على تسمية ما حدث في هذه الحقبة "بعمليات لحفظ الامن".
أحداث الفيلم تتعاقب عبر شخصية الضابط "تريان" الذي يمثل دوره "بنوا مجيمال" الحائز على جائزة أفضل ممثل، في مهرجان كان سنة 2000 عن دوره الممّيز في فيلم "عازف البيانو". أحداث الفيلم تحكي قصة شاب يتطوع في الجيش الفرنسي سنة 1959 قادما من جنوب فرنسا لخدمة وطنه، وهو لا يعرف عن هذه المستوطنة الفرنسية سوى ما يراه في النشرات، من أخبار عن بضعة متمردين يقلقون أمن الوطن في الجزائر، ليفاجأ بعد ذلك بحجم العنف وبشاعة الحرب وأساليب الجيش القاسية في التعامل مع الجزائريين. "تريان" هو بطل الفيلم، وهو في ذلك تجسيد لتأنيب الضمير الاخلاقي، حيث نراه يتمرد في كل مرة على أساليب التعذيب، القتل الهمجي والترحيل، ويدخل في اشتباك مستمر مع زملائه بخصوص الاساليب المستعملة. لقطات المواجهة التي تجمعه بزميله دونياك الذي يلعب دوره الممثل "ألبير دوبونتيل" تجسد التناقضات الكبيرة التي ميزت هذه الحرب، كاللقطة التي بدا فيها تريان وهو يسأل زميله دونياك، لماذا يعامل الجيش الاهالي بهذه الطريقة، وهو الذي، من المفروض، أنه آت لحمايتهم. أليسوا مواطنين فرنسيين أم أنهم مواطنون من الدرجة الثانية؟ أو تلك اللقطة التي يبرر فيها ضابط المخابرات "برتو" لتريان لجوءه لاسلوب التعذيب مع الاهالي، ليعترف له بعد ذلك أنه نفسه قد عانى من التعذيب، وهو جندي في الحرب التي خاضتها فرنسا في الهند الصينية. كما نرى الجندي دونياك، وهو ينتقد المقاومين الجزائريين، ويجادل المجاهد الذي مثل دوره الجزائري محمد فلاق، حول جدوى المقاومة، لنعلم بعد ذلك أنه نفسه قاوم الالمان في منطقة "ليموزان". التناقضات تستمر وتتصاعد لغاية آخر الفيلم، حيث نكتشف أن الشخصيات تنقلب تماما. فبينما يقرر الجندي دونياك الذي كان يختلف مع تريان ويجد التبريرات للتجاوزات والعنف، الهرب من الجيش، يصبح الضابط تريان، مثل غيره ممن يعذبون وينتهكون الحقوق.
تأثير التجربة الهوليوودية للمخرج فلوران سيري، الذي سبق أن تعاون مع بروس ويليس في فيلم "الرهينة"، بدا واضحاً في طريقة تصويره للفيلم الذي جاء قريبا جدا من الافلام الحربية الامريكية. فهو على غرار فيلم "من ينقذ الجندي رايان؟" و"بلاتون". وقد ظهر ذلك تقنياً، من خلال اللقطات القصيرة والمفاجئة، وسرعة تسلسلها، مع اللجوء لتصوير المعارك من زوايا مّقربة. تبني هذه التقنية جاء مُتعمدًا، كما يقول مخرج الفيلم الذي يشرح: "انها تقنية استخدمت لتجسيد قوة العنف والفظاعة التي تميزت بها هذه الحرب. كان من اللازم وضع المتفرج في قلب الاحداث. وهذا لن يحدث إلا إذا حملنا الكاميرا على الكتف ودخلنا بها ساحة القتال، لنعيش أحداثها بأعين الجنود". التأثير الهوليوودي كان واضحا أيضا، باعتراف المخرج نفسه الذي قال انه استوحى عنوان الفيلم من عبارة شهيرة في فيلم "بلاتون" للمخرج الامريكي أوليفر ستون حيث يقول أحدهم: "ليس عدوك هو من أمامك بل من بداخلك...". وهو نفسه مغزى الفيلم الفرنسي الذي يطرح إشكالية صراع الانسان مع نفسه، بسبب تصادم قناعاته الشخصية وضميره الاخلاقي، مع ما يمليه عليه واجبه كجندي يحافظ على مصالح وطنه. لكن على عكس الافلام الحربية الامريكية، فإن "العدو الحميم" ليس بطوليا، ولا يُظهر الجيش الفرنسي إلا وهو يُهَاجم أو يُهزم، كما بينّ هشاشة قضية الجنود الذين غمرهم الشّك في جدوى القتال، فظهر العمل كأنه دعوة لنبذ العنف والحروب. وهو ما أوحت به عبارة الجندي دونياك الذي قال في آخر الفيلم: "أصدقاؤنا ماتوا من أجل لا شيء..."
للتذكير فإن موضوع الفيلم يتطرق لحقبة مهمة من الحرب الفرنسية - الجزائرية. وهي الفترة الممتدة بين جويلية 1959 الى غاية مارس 1960، والمطابقة تاريخياً للمرحلة المسماة "بمخطط شال" التي عمد خلالها الفرنسيون إلى تصعيد المواجهة من أجل القضاء على المجاهدين المختبئين في الجبال. كما تميزت هذه الفترة بارتفاع وتيرة التجاوزات، وإفلات الجنود من العقاب، بسبب التصويت على قانون حالة الطوارئ في أوت 1955، فكثُر التعذيب وترحيل الاهالي. ولهذا فقد اعتبرت هذه الفترة تاريخيا، من أعنف فترات الحرب الجزائرية -الفرنسية.
وقد ظهرت في نهاية الفيلم، فقرة مكتوبة تُذكرنا أن مليوني فرنسي شاركوا في هذه الحرب وأن 27.000 منهم فقدوا حياتهم، مقابل 1.600.000 جزائري (مليون ونصف) حسب الارقام الجزائرية.
انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire