انتشار الإسلام في شمال إفريقيا ( بين
الفتح والغزو).
بدأت طلائع التوسع العربي لشمال افريقيا في عهد الخليفة الثالث عثمان ، واستمرت سجالا مدا وجزرا قرابة السبعين سنة ، ولو يشفع بناء القيروان في تثبيت ركائز الحكم العربي (بل دولة بني امية) والإسلام (التسنن الاموي)إلا في أواخر القرن الأول الهجري ، والذي أنبأ باستمرارالمقاومة باستراتيجية جديدة داخل جبة الإسلام ، وباسم العدالة والمساواة ، وتطبيقا لشرائع الرحمن في التعامل مع أهالي البلدان المفتوحة ، فوجد المذهب الخارجي مرتعه في بلاد الأمازيغ أسوة بما فعله الأجداد ضد الرومان بمقارعة الكثلكة باسم الدوناتية ، وإذ قلنا مانقول سوى من أجل تعريه الخطأ وكشفه، والتنبيه إلى مكمنه وخطورته ، وشتان بين الإسلام ، وفعل الإنسان ، ولا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى .
***الغزو العربي ( دولة بني امية =التسنن الاموي) لشمال افريقيا .
قد يصاب المؤمن المسلم بإحباط شديد لهذه التعابيرالتي تبدو قاسية ، بقلب المسميات رأسا على عقب ، وقد نوصف بشتى النعوت الكُفرية التي تعودنا عليها ، غير أن قراءة التاريخ يستدعي نوعا من الحصافة والذاتية لاستخراج المكنونات، وليُكتشف المسكوت عنه مصداقا لقوله تعالى: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم )[1]ولأن الأمازيغي لم يكن طرفا في تدوين الوقائع ، ولم يفصح عن أدواره وأفعاله التي فُُسرت على أهواء الوافدين المهيمنين ، فكان شعارالأمازيغي دائما :[قليل من الفعل ، وكثير من السكوت ]، وبسكوتنا ضاع الجُهد ، وضاعت الهُوية ، وأصبحنا في خبر كان، بعد أن كنا كُلا متكاملا ، وقبلنا التذييل عن طواعية وطيب خاطر ومثلنا بجدارة عبيد الأطراف ، ومهما حاولنا التقرب من مركز الهوية العربية ، إلا وكنا كالفراش الذي يرنو مرحا للمصباح ، وبدنوه منه يتفحم ويحترق .
تذكر الحوليات الإسلامية ( دولة بني امية =التسنن الاموي) المشبعة بالعقيدة السمحاء ، الفعل العربي في شمالنا الإفريقي ( بالفتح) ، وتتغاضى في مجملها على تسميته بالغزو، لحاجات مؤدلجة يعلمونها ، أو رغبة منهم في تليين الواقف، و تهدئة العقول ،أوالتخفيف من وقع الفعل بتبسيطه وإبراز الجانب العقدي الطافح فيه ،أو الطمس المقصود للحقائق وحجبها عن المجتمع ، غير أن المتتبع لفعل انتشار الإسلام في أمهات الكتب التاريخية وعلى لسان مؤرخين عرب مسلمين ، يكتشف في قراءته لما بين الأسطر، أن هناك تغييبا كليا لذواتنا وأفعالنا ، فأصبحنا في قاموسهم لا ناس بتعبير عمرو بن العاص عند فتحه لمصر .
والفرق بين الفتح والغزو بائن وواضح ، فالأول يتم بطرق سلمية مصداقا لقوله تعالى (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ )[2] ، والغزو هو تطبيق صريح للجهاد الهجمومي( جهاد الطلب) ، الذي لا يتناسب و ترسيخ مبادئ وتعاليم الإسلام (اسلام كتاب الله)، إذ لا يعقل أن تفرض العقيدة فرضا وبالقوة تحت وقع السيف ، لأن نشر الإسلام بالقوة يترك أوشاما وندوبا يصعب برؤها والتآمها بسهولة ، كما أن تشريعات الجهاد فرضت في الجوهر من أجل الدفاع وليس الهجوم ، فالدين ينتشر بالأساليب السلمية أفضل ، ولعل في تعداد المسلمين حاليا إشارة ضمنية بأن عدد المسلمين الذين أسلموا سلما ، أكثر عددا من المسلمين الذين أسلموا تحت وطأ السيف ، فما جناه الإسلام سلما أفضل مما جُني بالقوة ؟ وقد يصدق قول محمد المغوط القائل [ ما من قوة في العالم ترغمني على محبة ما لا أحب،وكراهية ما لا أكره، ما دام هناك تبغٌ، وثقابٌ، وشوارعٌ].
***الجهاد الممارس في شمال إفريقيا هو جهاد الطلب الهجمومي ، ( مصحف القرآن (الكتب المقدسة الستة منهم البخاري) بيد ، والسيف بيد أخرى ) وما عليك إلا الإختيار بين أمور ثلاثة ( الإسلام ( التسنن الاموي) ، الجزية صاغرا ، الحرب ) ، وبدون تمهيدات ومقدمات ، فلم تشر المصادر ولا المراجع إلى أي جهد يذكر في محاولة تعريف العرب بالإسلام قبل غزوهم لبلاد الأمازيغ، ،فلا إرساليات ولادعاة يُفهمون الناس فحوى الدين الجديد وهم الذين كانواعلى دين النصرانية الأريوسية قادة لا منقادين، مثلهم مثل أقباط مصر ، وهو ما يتوضح عند مساءلة ديهية ( الكاهنة ) لأسراها الثمانين ( الذين أسرتهم في معركتها الناجحة مع حسان بن النعمان ) وأدركت عنهم مغزى الغزو العربي بقولها ( أن العرب إنما يطلبون من إفريقية المدائن والذهب والفضة )؟ [3].
وقد يتوصل الدارس إلى خطأين جوهريين ارتكبا في حق الأمازيغ والإسلام بسبب الممارسات والتجاوزات المرتكبة .
***أولها الطابع الدنيوي للغزو ، ويتضح ذلك منذ الغزوة الأولى بقيادة عبد الله بن أبي سرح [4] الذي عاهده الخليفة عثمان على خمس الخمس من الغنيمة ،( البداية والنهاية لابن كثير ) ، وهو حافز قوي ساعد في القضاء على البزنطيين في معركة سبيطلة ، وتصالح معهم ومع الأمازيغ (اصولهم عربية) على جزية قوامها (300قنطار من الذهب ) تدفع سنويا مقابل ترك افريقية( تونس الحالية) والخروج منها[5]. ولعل في تلك الأموال ومثلها ما جعل ثمن الجارية بوزنها ذهبا في عهد عثمان ، وجعل الخليفة يوزع الذهب على أقاربه وأعرابه بالقفاف والصاع ( الذهب أصبح لديهم أكواما يوزعونه كما يوزع القمح والشعير ، بينما يأخذون الجزية والضريبة من فقراء الأمصار المفتوحة) ؟ دون أن يسألوا كيف انتزعت من أصحابها الحقيقين في العراق وفارس ومصر والمغرب ، وبأي طريقة تم الاستيلاء عليها ؟ وهو ما جعل ابن خلدون يذكر أن الأمازيغ ارتدوا اثنتي عشرة مرة من طرابلس إلى طنجة ، وهوتأكيد وتوضيح أن عملية الغزو لم تحسم في معركة واحدة ، كما وقع في سوريا والعراق ومصر والأندلس، لعلة تشير إلى عدم التطابق بين التصريح والفعل ، أو ما سماه أحمد الزاهد في كتابه الغزو العربي ( دولة بني امية =التسنن الاموي) لشمال إفريقيا نبالة النص ودناءة الممارسة .
***تحويل الجهاد الإسلامي إلى حرب استدمارية باسم الإسلام ، وأصبح النزوع إلى القوة سبيلا لنشره ، ولو كانت القوة صالحة في أمور المعتقد لثبت الإسلام واستقر في أوربا الشرقية التي اكتسحها المسلمون العثمانيون بالقوة ، حتى بلغوا مشارف العاصمة فيينا ، ولبقي الإسلام عامرا في قلوب الأسبان إلى اليوم ؟ وبالمقابل انتشر الإسلام في الملايو وماليزيا وأندونيسيا ، وأجزاء واسعة من الصين، دون إراقة قطرة من الدماء البشرية !!
*** وثانيها العبودية والاسترقاق، وإن عمل الإسلام على تجفيف منابعهما إيحاء وتشجيعا، إلا أنهما غدا المورد الأساس أثناء انتشار الإسلام في شمال إفريقيا ، فقد وردت حقائق يندى لها الجبين ، فلا الآية الرابعة من سورة محمد[6] نفعت ، ولا آيتي 70 و71 من الأنفال شُفعت ، ولا قول عمرالمزعوم [متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ] طُبق ، فأصبح مغربنا الخزان الذي لا ينضب للعبيد والرقيق التي كان ترسل قسرا وتباعا إلى مركز الخلافة وأسواق نخاستها ، وذكر جورج مارسييه [7] في كتابه البربرية الإسلامية أن عدد العبيد الذين أرسلوا في عهد عقبة بن نافع الفهري المكنى بفاتح إفريقيا إلى دار الخلافة بدمشق بلغ ثمانين ألف (80.000 ) و35.000خمسة وثلاثين ألفا في عهد ولاية حسان بن النعمان ، و100.000 مائة ألف ، في عهد موسى بن نصير ، أما النساء البربريات فكن مشهورات في قصور الخلفاء والأمراء ، فكانت إحداهن تباع بما لا يقل عن ألف قطعة ذهبية .
وهو ما يوضحه السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء باب عبد الملك بن مروان قائلا: (كتب هشام بن عبد الملك إلى عامله على افريقية: أما بعد، فإن أمير المؤمنين رأى ما كان يبعث به موسى بن نصير إلى عبد الملك بن مروان رحمه الله، أراد مثله منك، وعندك من الجواري البربريات المالئات للأعين الآخذات للقلوب، ما هو معوز لنا بالشام وما ولاه. فتلطف في الإنتقاء، وتوخ أنيق الجمال، عظم الأكفال، وسعة الصدور، ولين الأجساد، ورقة الأنامل،وسبوطة العصب، وجدالة الأسوق، وجثول الفروع، ونجالةالأعين، وسهولة الخدود، وصغر الأفواه، وحسن الثغور، وشطاط الأجسام، واعتدال القوام، ورخامة الكلام).
***وتصور يا صديقي أن جيشا أعرابيا وقف على مشارف قريتكم بدون مقدمات وتمهيدات يطالبكم الإختيار بين الأمور الثلاثة الإسلام أو الجزية أم الحرب ؟ وترى جيشا يستبيح قريتك ، ويعتدي على أهاليها قتلا وسبيا واستباحة ، ويجمعون النساء والأطفال والفتيات في صفوف متراصة ،ويجمعون المال والنعم أكواما، فيأخذون أربعة أخماس لتفرق على الجيش المقاتل ، ويُبعث بالخمس إلى دار الخلافة لتوزع على أمراء الجند ، وتخيل ما تسمعه من صراخ الأطفال وهم يفصلون على أمهاتهم ، وآهات الفتايات اللواتي يُتخذن سبايا وملكات اليمين ، يفعل بهن السيد العربي ما يشاء وباسم الإسلام ، وهو ذاته الذي طبقته الجماعات الجهادية الدموية في الجزائر أيام تمكن الإرهاب العصيب ، ولعل في إرسال الأطفال الصغار دون الكبار إلى بلاد الحجاز بأمر الخليفة عمر هو السبب الأساس في نقمة غلام المغيرة أبو لؤلؤة النصراني[8]وهو من سبي نهاوند الذي اقتص من عمر وعدالته باغتياله بعد أن أضاع العرب المسلمون أسرته وأطفاله ووطنه ، بعد أن رق قلبه على الصبايا والأطفال اليتامى الذين جلبوا كفيء وغنيمة حرب التوسع والتمدد الإسلامي، وهو يستمع لصراخهم وبكائهم و يبكي أسفا وهويتحسس رؤوسهم قائلا : ( إن العرب أكلت كبدي).
*** أن التجاوزات المرصدة هي التي تجعل من المقاومة شيئا مشروعا ، ومن هذه التجاوزات التي مُوهت بالإسلام زورا، وما هي بالإسلام ، ورجحت القول بأن الفعل التوسعي باسم الإسلام يغلب عليه الطابع الدموي ، وينحوا نحو طابع الإستبداد وإخضاع الآخر بالقوة ، وهو ما يرجح فرضية الغزو العربي أكثر من الفتح الإسلامي ، وأن الطابع البدوي للعرب منغرس في وجدانهم لم يقو الإسلام على انتزاعه وبتره ، وهم الذين حسبوا الكافور ملحا عند فتخ عمورية ونهبوا كنوز كسرى وتحفه ، ولم يكتشفوا الفرق بين الكافور والملح إلا بعد خلطه بالطعام الذي أصبح شديد المرارة [9]. وهي البداوة ذاتها هي التي انغرست في جسد الأمة المغربية إثر تعرضها لهجمة أعرابية قوية أتت على الأخضر واليابس، ممثلة في كارثة غزو أعراب هلال وسليم وابن معقل خلال منتصف القرن الحادي عشر للميلاد وشنوا حربا علينا تُعرفها مجامع الفقه باسم الحرابة .
وصفوة القول أن الفعل العربي في شمال إفريقيا أيام الغزو باسم الإسلام ، شوه الوجه الحقيقي للدين الحنيف ، وأضفى عليه نوعا من التشابه مع المستعمرين الآخرين السابقين واللاحقين ، وهو ما يبرر المقاومات الشرسة التي أبداها [ إكسل ] كسيلة ،و ديهيا [الكاهنة ] وغيرهما ، ليس من منطق محاربة الإسلام بقدر ما هو محاربة لطغيان الوافدين باسم الإسلام ، وهو الشيء الذي يبرر اختيار الأمازيغ للفكر الثوري الخارجي ( نسبة للخوارج)، فبرزت قوات تعمل بقناعات ثورية تجيز الخروج عن السلطان الجائر الضال، فغدت البلاد مرتعا خصبا للخوارج الصفرية والإباضية ، وملاذا آمنا لكل المضطهدين في المشرق ، فبرزت بأثرها للوجود الحركة العبيدية ، وتأسست دولة الأدارسة العلوية ، ودولة الرستميين الخارجية، والذين أصبحوا جميعهم سدا منيعا في رغبات آل العباس في الهيمنة عليها .
__الهوامش/_____________________________________
[1] (سورة النساء 148 ).
[2] ( سورة[النحل : 125)
[3] ابن عذارى المراكشي ، البيان المغرب ، ج ص36 ، دار الثقافة بيروت .
[4] هو عبد الله بن أبي سرح العامري ، كاتب الوحي ، ارتد عن الإسلام والتحق بمشركي مكة ، أخذ له عثمان بن عفان الأمان من النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه أخ لعثمان من الرضاعة ( ابن عذارى المراكشي ، البيان المغرب ج ص 9 )
[5] المصدر السابق ص / 12
[6] فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ [محمد : 4]
[7] . LA BARBARIS MUSLMANE ( georges MARCAIS)
[8] تصفه الكتب العربية السنية بالمجوسي ، وذكره الطبري وابن كثير بالنصراني ،
لعل رغبة السنة في تحريف انتمائه يعود إلى الصراع المذهبي القائم بينهم وبين الشيعة .
[9] ( تاريخ الطبري 3/19 :20 ، تاريخ ابن كثير 7/ 66 : 67 ]
نقلا عن الحوار المتمدن-العدد: 2873 - 2009 / 12 / 30
الكاتب: الطيب آيت حمودة بتاريخ : 2012-11-05
23:31:00
منقول بتصرف بسيط غفاري
http://www.amazighworld.org/arabic/history/index_show.php?id=2920
” عندما غزا المسلمون أفريقيا
هكذا كان الوضع قبل الف ونيف سنة
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire