الهجاء
السياسى بين ابن الزبير وابن عباس / صفحة من التاريخ الأسود للسلف الصالح
من هو الأسوأ : دونالد ترامب أم عبد
الله بن الزبير ؟
آحمد صبحي منصور في الإثنين 14 مارس 2016
من هو الأسوأ
: دونالد ترامب أم عبد الله بن الزبير ؟
الهجاء
السياسى بين ابن الزبير وابن عباس / صفحة من التاريخ الأسود للسلف الصالح
مقدمة
1 ـ ( الرعاع
) مصطلح ثقافى وليس مصطلحا طبقيا . هو يدل على فساد خلقى وفُحش لفظى . ليس
شرطا أن يكون صاحبه فقيرا ، فهناك فقراء مهذبون ، وهناك مترفون أثرياء من
الرعاع . فى دولة المستبد الشرقى يتصدر المشهد الفاسدون والرعاع ، وتطغى أخبارهم
وبذاءاتهم على أجهزة الاعلام . ونشهد فى أمريكا الان ( 2016 ) ظاهرة غريبة تحدث
لأول مرة فى تاريخ التنافس على الرئاسة ، وهى ظاهرة دونالد ترامب ، الذى يسعى الى
ترشيح الحزب الجمهورى ( المحافظ ) . هو بيليونير ورجل أعمال ناجح ، ولكنه بكلامه
وتصرفاته ينتمى الى طائفة الرعاع . فارق هائل بينه وبين السياسيين الأمريكيين
والغربيين ، الذين قد يتخذون قرارات إجرامية ولكن يتكلمون بتهذيب وأدب راق رائع ،
يسمونه ( الدبلوماسية ).!.
ما علينا
..!!
2 ـ بل علينا
..!!
3 ــ لأن عبد
الله بن الزبير ينتمى الى نفس فصيلة الرعاع ( ثقافيا ) . لم يكن فقيرا بل ورث عن
أبيه ملايين الأموال وجمع مثلها من عطايا الأمويين الذين ثار عليهم فيما بعد ، وهو
أقل شأنا منهم حسبا ونسبا . وبمقياس عصرنا فهو أكثر ثراءا من دونالد ترامب ، إلا
إن ترامب أكثر كرما بينما كان ابن الزبير أبخل الناس فى عصره . ولقد طمع ابن
الزبير فى الخلافة وأوقع عصره فى فتنة عقيم قتل فيها عشرات الآلاف ، وهو لم يكن
صالحا للخلافة بمقياس عصره لأنه لا ينتمى الى أشرف عنصرى قريش ( الهاشميين
والأمويين ) ثم بسبب طبيعته الشخصية المذمومة عربيا ، وقد كان بخيلا جبانا .
وبمقارنة أخرى بينه وبين دونالد ترامب ، فإن ترامب مهما بلغ حمقه وبذاءته إلا إنه
يتنافس فى الانتخابات فى تداول سلمى للسلطة ، ولا يقتل خصومه الذين لا يؤيدونه فى
الرأى ، بينما أشعل ابن الزبير المنطقة حروبا ليغير المعادلة السياسية ويصبح خليفة
رغم أنف الأمويين والهاشميين ، ثم إنه لم يتورع عن قتل المعارضين السلميين له ، بل
كاد أن يحرق الهاشميين لأنهم رفضوا البيعة له بالخلافة .! وهذه سابقة تاريخية على
مستوى العالم ـ حسب علمنا ، وهى أيضا لم تتكرر ـ حسب علمنا . ولا نعتقد أن هذه
الفكرة المجنونة يمكن أن تزور عقل دونالد ترامب ـ ولو على إستحياء .! .
4 ــ وعلى
هامش الحرب التى أشعلها ابن الزبير ، وعلى هامش إضطهاده للهاشميين ، فإن
طبيعة الرعاع فيه أنتجت أيضا نوعا من الهجاء السياسى للهاشميين ، فقام ابن الحنفية
بالرد عليه ، بينما نبغ فى الرد عليه ابن عباس. وابن عباس كان يمتلىء إحتقارا لابن
الزبير . ومشهور أن ابن عباس فشل فى إقناع الحسين بالبقاء فى مكة وعدم الذهاب الى
العراق حتى لا يخلو المجال لابن الزبير وطموحه المدمر للخلافة . وبعد فشله فى
إقناع الحسين قابل ابن عباس إبن الزبير فقال له : (قرّت عينك يا ابن الزبير .! .
هذا الحسين يخرج الى العراق ويخلّيك والحجاز . وأنشد :
يالك
من قنبرة بمعمر
خلا لك
الجوُّ فبيضى وصفرى
ونقّرى ما
شئت أن تنقرى .) . هنا إحتقار هائل لابن الزبير الذى صار خليفة لبعض الوقت ثم
انتهى أمره مصلوبا مقطوع الرأس .
نعطى لمحة عن
الهجاء السياسى بين ابن الزبير ، وخصميه ابن الحنفية وابن عباس .
أولا :
1 ـ
بلغ ابن الحنفية ( محمد بن على بن أبى طالب ) أن ابن الزبير نال من (
على بن أبى طالب ) وأنتقص منه ، فأُتى له برحل فوضعه فى المسجد الحرام ، وقام
خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلى على محمد ثم قال : ( شاهت الوجوه ، يا معشر
قريش . أيقال هذا بين ظهرانيكم وأنتم تسمعون ؟ ويُذكر ( علىُّ ) فلا تغضبون ؟ .
ألآ إن عليا كان سهما صائبا من مرامى الله أعداءه ، يضرب ووجوههم ويهوّعهم ( أى
يجعلهم يتقيأون ) مأكلهم ، ويأخذ بحناجرهم . ألا وإنّا على سنن ومنهج حاله ، وليس
علينا فى مقادير الأمور حيلة ، وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون ) . هذه خطبة
تعكس شخصية محمد بن الحنفية المُسالمة ، برغم ما فيها من غضب . ونلاحظ أنه لم يذكر
إسم ابن الزبير ، وركّز عن الدفاع عن والده (على بن أبى طالب ) .
ولكن ابن
الزبير لم يتحمل مقالة ابن الحنفية فى الدفاع عن أبيه ( على بن أبى طالب ) فأصدر
تصريحا يقول فيه ( هذه عذرة بنى الفواطم ، فما بال ابن أمة بنى حنيفة ).
يعنى التعريض بمحمد بن على بن أبى طالب ، لأن أمه ليست فاطمة بنت النبى ، كأنه عيب
فيه يكون مؤاخذا به أنه ليس ابنا لفاطمة بينت محمد .! ثم قال عن محمد ( إبن أمة
بنى حنيفة ) أى وصف أمّه أنها (أمة ) أى جارية مملوكة . ولم تكن كذلك .
وبلغ محمد
ابن الحنفية قوله ، فقال : ( يامعشر قريش ..وما ميزنى عن بنى الفواطم ؟ اليست
فاطمة بينت رسول الله حليلة ( زوجة ) أبى ؟ وام أخوتى ؟ أو ليست فاطمة بنت
اسد بن هاشم جدتى ؟ وأم ابى ؟ أليست فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم جدة
أبى وام جدتى ؟ أما والله لولا خديجة بنت خويلد لما تركت من بنى أسد عظما إلا
هشمته ، فإنى بتلك التى فيها المعاب صبير )(أى هو كفيل بالرد على تلك الاتهامات )
السيدة خديجة هى اخت العوام والد الزبير . ( اليعقوبى فى تاريخه 261 : 261
). وابن الحنفية هنا إقتصر على الدفاع دون أن يهاجم ابن الزبير المعتدى .
ثانيا :
1 ـ حين رفض
بنوهاشم مبايعة ابن الزبير فقطع ابن الزبير ذكر رسول الله فى خطبه ، وهاجم بنى
هاشم ، وزعم انه ليست لهم سابقة فى قريش . وبلغ الخبر ابن عباس ،وكان قد أصابه
العمى ، فخرج غاضبا ، فأتى المسجد الحرام فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى
عليه وصلى على رسوله ، ثم قال : ( إن ابن الزبير يزعم أن لا أول لرسول الله
ولا آخر . ( أى ليست لهم سابقة ولا مفاخر ) فياعجبا كل العجب لافترائه وكذبه
. والله إن أول من أخذ الايلاف وحمى عيرات ( قوافل ) قريش لهاشم ( أى هاشم
بن عبد مناف جد الهاشميين )، وأن أول من سقى بمكة عذبا ( أى ماءا عذبا ) وجعل باب
الكعبة ذهبا لعبد المطلب ( أى عبد المطلب بن هاشم جد النبى عليه السلام ). والله
لقد نشأت نشأتنا مع ناشئة قريش ( أى عاش ونشأ فى قريش فى مكة )، وإن كنا لقالتهم
إذا قالوا ( أى المتكلمون والزعماء ) ، وخطباءهم إذا خطبوا . وما عن مجد كمجد
أولنا ( أى لا يوجد مجد مثل مجد آبائنا ) . وما كان فى قريش مجد لغيرنا
لأنها فى كفر ماحق ، ودين فاسق وضلالة فى عشواء عمياء ، ( يعنى أن بنى أمية
ــ وهم أكفاء لبنى أعمامهم الهاشميين ـ ليس لهم مجد لانهم تزعموا الكفر فى
قريش ) حتى إختار الله تعالى لها نورا ، وبعث لها سراجا ، فأنتجه طيبا من طيبين ،
لا يسبه بمسبة ( أى لا مجال لأحد ان ينتقص منه أو أن يسُبّه ) ولا يبغى عليه غائلة
. فكان ( النبى محمد ) أحدنا وولدنا وعمنا وابن عمنا . ثم إن أسبق السابقين اليه
منا وابن عمنا ( أى كان الهاشميون الأسبق فى الايمان برسالته ) ، ثم تلاه فى
السبق اهلنا ولُحمتنا واحدا بعد واحد . ثم إنا لخير الناس بعده وأكرمهم ادبا
وأشرفهم حسبا ، وأقربهم منه رُحما . و اعجبا لابن الزبير .!! يعيب بنى هاشم .
وإنما شرُف هو وأبوه وجدُّه بمصاهرتهم . أما والله إنه لمسلوب قريش . ومتى كان
العوّام بن خويلد يطمع فى صفية بنت عبد المطلب . قيل للبغل : من خالك ؟ فقال :
خالى الفرس ) . يقصد ابن عباس أن العوام والد الزبير قد تشرف بزواجه من صفية بنت
عبد المطلب ولم يكن لها كفؤا . وختم ابن الزبير خطبته بهذا المثل المؤلم : (قيل
للبغل : من خالك ؟ فقال : خالى الفرس ) . يعنى أن الحمار نزا على مهرة فأنجب منها
بغلا ، فقيل للبغل من أبوك فتحرج أن يقول أن أباه الحمار خجلا من أبيه الحمار فقال
( خالى الفرس ) فخرا بالفرس .!!
2 ـ وهاجم
ابن الزبير وهو على المنبر ابن عباس ، وكان ابن عباس جالسا مع الناس ، فقال ابن
الزبير يشير اليه : ( إن هاهنا رجل قد أعمى الله قلبه كما أعمى بصره . يزعم أن
متعة النساء حلال من الله ورسوله . ويفتى فى القملة والنملة . وقد إحتمل بيت مال
البصرة بالأمس وترك المسلمين بها يرتضحون النوى ( يصحنون ويكسرون النوى )،
وكيف ألومه فى ذلك ، وقد قاتل أم المؤمنين وحوارى رسول الله ومن وقاه بيده . )
كانت لابن عباس نقطة سوداء فى حياته ، كان أميرا للبصرة فى خلافة ابن عمه (على بن
أبى طالب ) ، وحين تهاوى مُلك ( على ) تخلى عنه ابن عباس ، وهرب من البصرة ومعه
بيت المال ، وإحتمى بأخواله فى الصحراء . هذا ما أراده ابن الزبير بقوله عنه (.
وقد إحتمل بيت مال البصرة بالأمس وترك المسلمين بها يرتضحون النوى )
3 ـ رد ابن
عباس : فقال ابن عباس لقائده : إستقبل بى وجه ابن الزبير وارفع من صدرى ، ففعل ،
فقال ابن عباس : يا ابن الزبير .
قد انصف
القارة من راماها
أنا إذا ما
فئة نلقاها
نرد أولاها
على أخراها
حتى تصير
حرضا دعواها
( القارة
قبيلة عربية مشهورة بالمهارة فى رمى السهام ، ويريد ابن عباس أنه قادر على رد
السهام التى وجهها له ابن الزبير ، ثم أكمل خطابه فقال : )
( يا
ابن الزبير : أما العمى فإن الله تعالى يقول : ( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى
القلوب التى فى الصدور ) . وأما فُتياى فى القملة والنملة فإن فيهما حكمين لا
تعلمهما أنت ولا اصحابك . وأما حملى المال فإنه كان مالا جبيناه فأعطينا كل ذى حق
حقه ، وبقىت بقية هى دون حقنا فى كتاب الله فأخذناها بحقنا ، وأما المتعة فسل أمك
اسماء إذ أنزلت عن عوسجة . وأما قتالنا أم المؤمنين فبنا سميت أم المؤمنين ، لا بك
ولا بأبيك . فانطلق أبوك وخالك الى حجاب مدّه الله عليها فهتكاه عنها . ثم إتخذاها
فتنة يقاتلان دونها ، وصانا حلائلهما فى بيوتهما . فما انصفا الله ولا محمدا من
أنفسهما ، أن أبرزا زوجة نبيه وصانا حلائلهما . واما قتالنا اياكم ، فإنا لقيناكم
زحفا ، فإن كنا كفارا فقد كفرتم بفراركم منا ، وإن كنا مؤمنين فقد كفرتم بقتالكم
أيانا . وايم الله لولا مكانة صفية فيكم ومكانة خديجة فينا لما تركت بنى أسد بن
عبد العزى عظما إلا كسرته . ) (شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج 5 / 821 : 823 )
.
كان ابن عباس
مؤلما فى رده . إذ قال فى مواجهة ابن الزبير إن أٌمّه أسماء بنت أبى
بكر قد تزوجها الزبير زواج متعة ، وأن عائشة صارت ( أم المؤمنين ) بسبب زواجها
بالنبى الهاشمى ، وأنه كان مفروضا عليها الحجاب وألا تغادر بيتها ، ولكن الزبير
وطلحة هتكا الحجاب الأمر المفروض عليها بالقرآن ، وبينما تركا زوجاتهما فى الحفظ
والصون أدخلا زوجة النبى فى معركة . ثم حُجته الرائعة عن حرب الجمل ، إن كان
الهاشميون كفارا وطلحة والزبير وعائشة وابن الزبير مؤمنين فقد كفر أصحاب الجمل
بفرارهم ، وإن كان الهاشميون مؤمنين وعلى حق فإن الزبير وطلحة كفروا بقتالهم .
وعليه فإن طلحة والزبير وابن الزبير وعائشة هم كفرة فى كل الأحوال طبقا لاستنتاج
ابن عباس .
أخيرا
1 ـ فى
النهاية حبسهم ابن الزبير ، وخطب فقال : ( قد بايعنى الناس ولم يتخلف عن
بيعتى إلا هذا الغلام : محمد بن الحنفية ، والموعد بينى وبينهم أن تغرب الشمس ثم
أضرم عليهم داره نارا ) ، ولكن ذلك لم يتم لأن خيل المختار وردت قبل غروب الشمس ،
وإستنقذت ابن الحنفية وأصحابه ) ( المسعودى فى مروج الذهب : ج 2 / 86
. ).
2 ــ دونالد
ترامب يصف خصمه الجمهورى ( مارك روبيو ) بالصغير إحتقارا لشأنه . وهنا نرى ابن
الزبير يخاطب ابن الحنفية بنفس الاحتقار : (هذا الغلام : محمد بن الحنفية ).
ثقافة الرعاع تجمع ابن الزبير بدونالد ترامب ، ولكن يبقى السؤال : من هو
الأسوأ : دونالد ترامب أم عبد الله ابن الزبير ؟
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire