موقعة الحرة وانتهاك حُرمة المدينة : صفحة سوداء
من تاريخ السلف الصالح
أولا : عام 63
1 ـ بعد مأساة كربلاء عيّن يزيد بن معاوية (
عاملا ) أى واليا على المدينة هو ( عثمان بن محمد بن أبي سفيان ) الذى ارسل
إلى يزيد وفدا من أهل المدينة فيهم عبدالله بن حنظلة الأنصاري وعبدالله بن
أبي عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي والمنذر بن الزبير ورجالا كثيرا من أشراف أهل
المدينة . فقدموا على يزيد بن معاوية فأكرمهم وأحسن إليهم وأعظم جوائزهم ، واعطى
المنذر بن الزبير مائة ألف درهم .
2 ـ ثم رجعوا الى المدينة حيث أعلنوا شتم يزيد
وخلع بيعته ، وقالوا : ( إنا قدمنا من عند رجل ليس له دين يشرب الخمر ويعزف
بالطنابير ويضرب عنده القيان ويلعب بالكلاب ويسامر الفتيان وإنا نشهدكم أنا قد
خلعناه )، فاجابهم الناس يقولون عن يزيد ( خلعناه كما نخلع نعالنا ) .
وبايعوا عبدالله بن حنظلة الانصارى أميرا عليهم . وكان المنذر بن الزبير ممن
يحرض على يزيد ، وكان من قوله : ( إن يزيد والله لقد أجازني بمائة الف درهم
وإنه لا يمنعني ما صنع إلي أن أخبركم خبره وأصدقكم عنه ، والله إنه ليشرب الخمر
وإنه ليسكر حتى يدع الصلاة . ) . وبلغ يزيد بن معاوية قول المنذر بن الزبير فيه
فقال : ( اللهم إني آثرته وأكرمته ففعل ما قد رأيت فاذكره بالكذب والقطيعة . ) .
3 ــ وبعث يزيد بن معاوية (النعمان بن بشير
الأنصاري ) ليقنع أهل المدينة بالرجوع عن خلع بيعته ، وقال له: ( ائت الناس وقومك
فافثأهم عما يريدون فإنهم إن لم ينهضوا في هذا الأمر لم يجترئ الناس على خلافي ،
وبها من عشيرتي من لا أحب أن ينهض في هذه الفتنة فيهلك . ) فأقبل النعمان بن بشير
فأتى قومه ودعا الناس إليه عامة وأمرهم بالطاعة ولزوم الجماعة وخوفهم الفتنة وقال
لهم : ( إنه لا طاقة لكم بأهل الشأم ) فرفضوا .
ثانيا : وفى مطلع عام 64 :
1 ـ هاجم أهل المدينة الوالى الأموى ( عثمان بن
محمد بن أبي سفيان ) ومن معه من بنى أمية ومواليهم ومؤيديهم ، وكانوا نحو
ألف رجل ، فهربوا الى بيت مروان بن الحكم فحاصروهم فيه. فارسلوا رسالة يستغيثون
فيها بيزيد بن معاوية فى دمشق ، حملها اليه حبيب بن كرّة ، فدخل على يزيد وسلمه
الرسالة ، وفيها : ( بسم الله الرحمن الرحيم . أما بعد فإنه قد حصرنا في دار مروان
بن الحكم ومنعنا العذب ورمينا بالجبوب ، فياغوثاه يا غوثاه ) . وقرأ يزيد
الرسالة ، فأرسل الى عمرو بن سعيد بن العاص ليجعله قائدا على الجيش الذى يتوجه
للمدينة ، فرفض عمرو بن سعيد بن العاص وقال : (إنما هي دماء قريش تهراق بالصعيد
فلا أحب أن أكون أنا أتولى ذلك ، يتولاها من هو أبعد منهم مني ) ، وعيّن الخليفة
يزيد ( مسلم ابن عقبة المري ) قائدا للجيش ، وكان شيخا كبيرا ضعيفا مريضا. وجمع
مسلم بن عقبة اثنا عشر الف رجل، واعطى كل فرد مائة دينار مع العطاء السنوى.
وتحرك الجيش وأوصى يزيد بن معاوية قائد الجيش ( مسلم بن عقبة ) فقال : (إن
حدث بك حادث فاستخلف في الجيش حصين بن نمير السكوني ). وقال له ( ادع القوم
ثلاثا ، فإن هم أجابوك وإلا فقاتلهم، فإذا أظهرت عليهم فأبحها ثلاثا ، فما فيها من
مال أو رقة أو سلاح أو طعام فهو للجند ، فإذا مضت الثلاث فاكفف عن الناس . وانظر
علي بن الحسين فاكفف عنه واستوص به خيرا وأدن مجلسه ، فإنه لم يدخل في شيء مما
دخلوا فيه .) .
2 ــ وعرف أهل المدينة بإقتراب الجيش الأموى
فشددوا الحصار على الأمويين المحاصرين فى بيت مروان بن الحكم ، وقالوا : (
والله لا نكف عنكم حتى نستنزلكم ونضرب أعناقكم او تعطونا عهد الله وميثاقه لا
تبغونا غائلة ولا تدلوا لنا على عورة ولا تظاهروا علينا عدوا فنكف عنكم ونخرجكم
عنا ) ، فأعطوهم عهد الله وميثاقه ( لا نبغيكم غائلة ولا ندل لكم على عورة ) .
فأخرجوهم من المدينة
3 ـ وخرجت بنو أمية بأثقالهم . فقابلوا مسلم بن
عقبة بوادي القرى . ودعا مسلم بن عقبة بعمرو بن عثمان بن عفان ، فقال له : (
أخبرني خبر ما وراءك ، وأشر علي ) قال : ( لا أستطيع أن أخبرك . أخذ علينا العهود
والمواثيق ألا ندل على عوره ولا نظاهر عدوا ). فانتهره ، ثم قال : ( والله
لولا أنك ابن عثمان لضربت عنقك ، وايم الله لا أقيلها قرشيا بعدك.)( أى لا أقبلها )
فخرج فأخبر بنى أمية فارتعبوا من مسلم بن عقبة ، فقال مروان بن الحكم لابنه
عبدالملك : ( ادخل قبلي لعله يجتريء بك عني . ) فدخل عليه عبدالملك ، فقال
له مسلم بن عقبة : ( هات ما عندك أخبرني خبر الناس وكيف ترى ) فقال له : ( نعم.
أرى أن تسير بمن معك فتنكب هذا الطريق إلى المدينة حتى إذا انتهيت إلى ادنى
نخل بها نزلت فاستظل الناس في ظله وأكلوا من صقره ، حتى إذا كان الليل أذكيت الحرس
الليل كله عقبا بين أهل العسكر ، حتى إذا أصبحت صليت بالناس الغداة ، ثم
مضيت بهم وتركت المدينة ذات اليسار، ثم أدرت بالمدينة حتى تأتيهم من قبل الحرة
مشرقا ، ثم تستقبل القوم فإذا استقبلتهم وقد أشرقت عليهم وطلعت الشمس طلعت
بين أكتاف أصحابك فلا تؤذيهم ، وتقع في وجوههم فيؤذيهم حرها ويصيبهم أذاها ، ويرون
ما دمتم مشرقين من ائتلاق بيضكم وحرابكم وأسنة رماحكم وسيوفكم ودروعكم وسواعدكم ما
لا ترونه أنتم لشيء من سلاحهم ما داموا مغربين . ثم قاتلهم واستعن بالله عليهم فإن
الله ناصرك إذ خالفوا الإمام وخرجوا من الجماعة. ) فقال له مسلم : ( لله أبوك أي
امرئ ولد إذ ولدك.! لقد رأى بك خلفا . ) .
4 ـ ونفّذ مسلم بن عقبة نصيحة عبد الملك بن مروان
بن الحكم . وأتى مسلم بن عقبة المدينة من المشرق ، ودعا أهلها فقال : ( يا
أهل المدينة إن أمير المؤمنين يزيد بن معاوية يزعم أنكم الأصل وإني أكره هراقة
دمائكم ، وإني أؤجلكم ثلاثا ، فمن ارعوى وراجع الحق قبلنا منه ، وانصرفت عنكم ،
وسرت إلى هذا الملحد الذي بمكة ( يعنى عبد الله بن الزبير ) وإن أبيتم كنا قد
أعذرنا إليكم ) . ولما مضت الأيام الثلاثة قال : ( يا أهل المدينة قد مضت الأيام
الثلاثة فما تصنعون ؟ أتسالمون أم تحاربون ؟ فقالوا : بل نحارب . فقال لهم :
لا تفعلوا بل ادخلوا في الطاعة ونجعل حدنا وشوكتنا على هذا الملحد ) يقصد
عبد الله بن الزبير فى مكة . فرفضوا .
5 ــ وحفر أهل المدينة خندقا ، ووزعوا انفسهم فى
الدفاع عن المدينة ، وكان القائد العام هو الأمير عبدالله بن حنظلة الأنصاري .
واشتد أهل المدينة فى الهجوم حتى وصلوا فسطاط مسلم بن عقبة ، وكان مسلم فى مرضه قد
أمر أن يوضع سريره ظاهرا وأمر أتباعه بالدفاع عنه وإلا حرمهم من العطاء ، وتلاحم
المقاتلون وانتهت المعركة بهزيمة اهل المدينة وقتل زعمائهم .
6 ــ وأباح مسلم لجيشه المدينة ثلاثة ايام ،
يقتلون الناس ويأخذون الأموال ويغتصبون النساء . ثم دخل المدينة فدعا
الناس للبيعة على أنهم ممتلكات ليزيد بن معاوية، يحكم في دمائهم وأموالهم
وأهليهم ما شاء. وقتل من لم يبايع بهذه الصيغة ، قال يزيد بن عبد الله بن
ربيعة:( نبايع على كتاب الله ) ، فأمر به فضربت عنقه. وجىء له بسعيد بن المسيب
إلى مسلم فقالوا: بايع فقال: أبايع على سيرة أبي بكر وعمر، فأمر بضرب عنقه ،
فشهد له رجل أنه مجنون فخلى عنه.وطلب بعضهم الأمان فقتلهم مسلم بن عقبة. ونفّذ
وصية يزيد فى إكرام على زين العابدين .
7 ـ ورووا فظائع عما جرى فى المدينة . قالت إحداهن
: ( رأيت امرأة من قريش تطوف فعرض لها ( شخص ) أسود فعانقته وقبلته، فقلت:
يا أمة الله أتفعلين هذا بهذا الأسود؟ قالت: هو ابني وقع عليّ أبوه يوم الحرة
فولدت هذا.)، وعن اغتصاب بنات المدينة العذارى روى المدائني : ( ولدت
ألف امرأة بعد الحرة من غير زوج ).
ثالثا :
1 ـ وكان مسلم بن عقيل يؤمن بأن ما يفعله هو عمل
صالح ، فقد قال : ( ليس شيء أحب إلي من الموت على طهارتي، فإني لا أشك أن الله قد
طهرني من ذنوبي بقتلي هؤلاء الأرجاس.)
2 ـ وردا على إذلال أهل المدينة وإنتهاك حُرمتها
صيغت أحاديث تعطى المدينة قُدسية وتهدد من يهاجمها ، وشاعت هذه الأحاديث حتى
تم تسجيلها فى العصر العباسى الثانى ، ومنها حديث البخاري
:(لا يكيد أهل المدينة أحد إلا انماع كما ينماع الملح في الماء)).و
حديث ( مسلم ) : ( لا يريد أحد المدينة بسوء إلا أذابه الله في
النار ذوب الرصاص - أو ذوب الملح في الماء -)).، ( من أراد أهل المدينة
بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء)).وحديث أحمد بن حنبل :
(من أخاف أهل المدينة ظلماً أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس
أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً)). ، (من أخاف أهل
المدينة أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)).و الدار
قطني عن أحدهم : ( خرجنا مع أبينا يوم الحرة وقد كف بصره فقال: تعس من
أخاف رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلنا: يا أبة وهل أحد يخيف رسول الله صلى
الله عليه وسلم؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((من أخاف أهل هذا الحي من الأنصار فقد أخاف ما بين هذين)) - ووضع يده على
جبينه .
3-.وفى العصر المملوكى شاع تقديس السلف الصالح
وتبرير خطاياهم، وقد روى ابن كثير فى تاريخه ( البداية والنهاية ) هذه الأحاديث فى
تعليقه على موقعة الحرة . وقال : ( قد استدل بهذا الحديث وأمثاله من ذهب إلى
الترخيص في لعنة يزيد بن معاوية ...ومنع من ذلك آخرون وصنفوا فيه أيضاً لئلا يجعل
لعنة وسيلة إلى أبيه أو أحد من الصحابة، وحملوا ما صدر عنه من سوء التصرفات على
أنه تأول وأخطأ. وقالوا: إنه كان مع ذلك إماماً فاسقاً، والإمام إذا فسق لا
يعزل بمجرد فسقه على أصح قولي العلماء ، بل ولا يجوز الخروج عليه لما في ذلك من
إثارة الفتنة، ووقوع الهرج وسفك الدماء الحرام، ونهب الأموال، وفعل الفواحش مع
النساء وغيرهن، وغير ذلك مما كل واحدة فيها من الفساد أضعاف فسقه كما جرى مما تقدم
إلى يومنا هذا..) ودافع ابن كثير عن يزيد بن معاوية فقال : ( .وأما ما يذكره بعض
الناس من أن يزيد لما بلغه خبر أهل المدينة وما جرى عليهم عند الحرة من مسلم بن
عقبة وجيشه، فرح بذلك فرحاً شديداً، فإنه كان يرى أنه الإمام وقد خرجوا عن طاعته،
وأمروا عليهم غيره، فله قتالهم حتى يرجعوا إلى الطاعة ولزوم الجماعة.كما أنذرهم
بذلك على لسان النعمان بن بشير ومسلم بن عقبة كما تقدم، وقد جاء في
(الصحيح): ((من جاءكم وأمركم جميع يريد أن يفرق بينكم فاقتلوه كائناً من
كان)).
4 ـ هذا رأى الامام السلفى ابن كثير متناقضا فى
دفاعه عن ( السلف الصالح ) .
آحمد
صبحي منصور في الأربعاء 09 مارس 2016
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire