samedi 19 mars 2016

الإرهاب والمعالجات المغلوطة: تغريدة خارج السرب





 الإرهاب والمعالجات المغلوطة: تغريدة خارج السرب


منذ أكثر من سنة فكرت في الكتابة في هذا الموضوع وكلما هممت حدثت حادثة حالت دون عزمي، إيمانا منّي بأن هذا الموضوع يجدر ألاّ يناقش والدماء تنزف وإنما العقل يقتضي أن يناقش بهدوء، وفي هدوء وشاء الله وقدرّ أن أكتب جزءه الأول يوم 24 نوفمبر 2015 فلمّا حدث الهجوم الإرهابي على حافلة الأمن الرئاسي في شارع محمد الخامس واستشهد عدد كبير من الأمنيين توقفت عن الكتابة، وكان هجوم يوم 7 مارس 2016 على مدينة بنقردان دافعا للعودة إلى إتمام المقال فلا مجال للتأخير!
ـــــــــــــــــــــ


 رغم أن "الإرهاب" مفهوم لم يُحدّد، ولم يتمّ يوما الاتفاق حوله أو حصره في جماعة محددة أو فكر معيّن، ورغم أن "الإرهاب" يمارس من الأفراد والجماعات والدول ويمارس بكل الوسائل التقليدية مثل العصا والسكين، أو الحديثة المدمرة دمارا شاملا مثل الطائرات النفاثة والصواريخ العابرة للقارات والأسلحة النووية فإن هذا المقال سيتناول موضوع الإرهاب بالمفهوم الذي فرضه الإعلام وأصحاب النفوذ داخليا ومحليّا ودوليّا.
وسنسلم جدلا بأن  "الإرهاب" هو ما تمارسه بعض الجماعات المنتسبة للمرجعية الإسلامية فحسب مثل  "القاعدة" أو "داعش" وغيرهما من الأسماء ونُركّز حديثنا على تونس التي هي بالتأكيد ليست جزيرة معزولة عما حولها خاصة في ظل الطوفان الإلكتروني الذي قرّب المسافات وجعل من العالم قرية صغيرة يُؤثر بعضها في بعض.

التونسيون والإرهاب
ذكر  تقرير أمنيّ أمريكيّ نُشر مُؤخرا  أن أكثر المقاتلين الأجانب في صفوف ما سُمى بـ"الدولة الإسلامية" هم تونسيون وأن عددهم يفوق الخمسة آلاف مقاتل بفارق كبير عن صاحب المرتبة الثانية من السعوديين الذين يبلغ عددهم حوالي ألفي مقاتل.
وقبل أن يصدر هذا التقرير كانت وسائل الإعلام تتحدث عن النسبة العالية للتونسيين في صفوف هذه الجماعات وكانت المواقع الاجتماعية تنقل لنا بالصوت والصورة تونسيين في جبهات القتال يحملون السلاح ويتوعدون "تونس" "بالفتح القريب".
ورأينا تونسيين من "جبهة النصرة" الموالية للقاعدة يأسرون  تونسيين موالين "لداعش" ويقتلونهم تنفيذا "لحكم الله فيهم"، والعكس كذلك!

وإذا تجاوزنا الحديث عن بعض المحاولات الطائشة أو المعزولة فإنه يمكن القول بأن "الإرهاب" لم يُصبح ظاهرة في تونس يتناولها الإعلام والساسة والمحلّلون بشكل يومي وتتصدى لها قوات الأمن والجيش باستمرار، إلا بعد الانخرام الأمني وفوضى السلاح في ليبيا أساسا. *

ولكن الإرهاب أصبح معطى حقيقيا سواء كانت خلفيته  قناعات فكرية ـ تزعم أنها تستند إلى شرعية الكتاب والسنة وما يُستخلص منهما من تأويلات مجافية لروح النص ومقصده والواقع التي نزلت فيه ـ أو مخابراتية محلية أو أجنبية، وأصبح يزهق الأرواح البريئة والدماء المعصومة ويضرب في شرق البلاد وغربها وشمالها وجنوبها. بل استفحل الأمر إلى درجة أن الإرهاب لم يعد يكتفي بعملية هنا أو هناك وإنما أصبح يطمع في احتلال مواقع وامتلاك قواعد.

والسؤال الذي يجب أن يطرحه من لا يخاف في الله والوطن لومة لائم هو :
ـ هل ما يطرح من معالجات لملف الإرهاب يحل المشكلة أم يعقّدها؟
والسؤال الآخر الذي يجب أن يعالج بصدق وشجاعة بالتوازي مع ذلك السؤال أو قبله هو:
 ـ لماذا وصلنا إلى هذه الحالة؟

لا أزعم أنني أملك أجوبة شافية كافية لذينك السؤالين، ولكن الأكيد أن الأجوبة تحتاج جرأة في التناول وصدقا في الطرح. ولأن موضوع الإرهاب قد تحدث فيه من هبّ ودبّ وارتفع فيه الصخب ـ وسمعنا  "محللين وخبراء" يتقيؤون كلاما ساذجا من قبيل "خبراء من حماس جاؤوا لتدريب الإرهابيين على حفر الأنفاق" و"أبو بكر البغدادي موجود في سرت، نقل إلى طرابلس على متن طائرة تركية" وغير ذلك من التفاهات التي لا تحصى ولا تعد ولا يتسع المجال لذكرها ـ فإنني رأيت أن أعبّر عن رأيي في الموضوع.

كيف وجد الإرهاب في تونس؟
 نحاول أن نقدم رؤوس أقلام في إطار الجواب عن سؤال " لماذا وصلنا إلى هذه الحالة؟"، وهنا يجدر التذكير بأن "الإرهاب" ليس وليد اليوم ولا هو نتيجة للانفلات الأمني أو ارتخاء القبضة الأمنية عقب ما سمي "بالربيع العربي" سواء في تونس أو غيرها من البلدان. بل عرفته كل العصور، وإذا جاز الحديث عن "إرهاب معاصر"  فإن الذين عايشوا نشأته واطلعوا على خباياه يتذكرون أن منطلقه الفكري كان في سجون عبد الناصر، وأنه كان ردة فعل خاطئة أقلّ قوّة من مُسبّبتها ومُعاكسة لها في الاتجاه، ومن هناك تفرّخ الفكر الإرهابي بعضه من بعض وزايد بعضه على بعض، وكفّر بعضه بعضا وسفك بعضه دم بعض إضافة إلى سفك دماء الأبرياء.

وإذا أردنا أن نشخص تشخيصا سليما كي نصف الدواء الصحيح المفيد لا بد من الاعتراف بأن دوافع الإرهاب في أغلب الأحيان مفهومة ومتوقعة حتى لا نقول مبرّرة!
ذلك مثلا أن طفلا بريئا يُعذّب والده أمام عينيه  وتُسحل أمه وتُجرّ من شعرها وتُجرّد من ملابساها ويُعتدى على أخته، لا ينتظر منه أن ينشأ نشأة سوية وأن يكون وسطيا متسامحا معتدلا يدفع السيئة بالحسنة.
 وكذلك الشاب الذي يُعتقل ظلما ويُدمر حاضره ومستقبله! ... بل المعجزة ألاّ يسلك ذلك الاتجاه المنحرف، وهو ينشأ في أمة تتغلغل فيها ثقافة الثأر من جهة وظاهرة الاستخفاف بكرامة الإنسان والإفلات من العقاب من جهة أخرى!

حين يُضيّق على الإنسان في حريته ورزقه، ويُدمر حاضره  ويُهرسل مستقبله ويُكبت فكره ورأيه ولا يجد من ينصحه ويوجهه ويترفق به، ثم يُحشر في الزاوية فلا يتوقع منه غير اللجوء "للمخالب والأنياب " أملا في النجاة أو نكاية في "العدوّ". بذلك يكون هؤلاء فريسة سائغة للأفكار الإرهابية الهدامة، بل هي تعد لهم ملجأ وملاذا عند المحاصرة والفرار من الاعتقال الذي يعني ـ فيما تعودوا عليه من ممارسة ـ  السلخ قبل الوصول إلى القضاء الذي لا ينصف  في الغالب مظلوما ولا يعاقب ظالما!


وبنظرة للماضي القريب أي عقب اندلاع "الثورة" وسقوط  "بن عليّ" نجد أن الاستقطاب الإيديولوجي الأعمى ومحاولة تسجيل نقاط ضد "الخصم" السياسي الإسلامي ـ أي النهضة ـ قد دفع خصومها الإيديولوجيين إلى إشعال نار الفتنة والتضييق على الشباب المتدين ونعته بالتطرف والإرهاب ومحاولة حشره في الزاوية والتضييق عليه ومنعه من النشاط المدني والسلمي وذلك في محاولة ـ ناجحة ـ لقطع الطريق نهائيا بينه وبين النهضة، وكان كثير من هؤلاء الشباب لم تتبين معالمهم الفكرية بعد.
 كانوا بصدد البحث عن "مرجعية" فكرية يركنون إليها. ربما كان بعضهم قريبا من الفكر النهضوي، وكثير منهم سلفيون مسالمون ولكن مجابهتهم بالرفض المطلق للفكر الديني وشيطنتهم وتصويرهم في شكل كاريكاتوري جعلهم يردّون على التطرف العلماني بتطرف ديني!

لا أريد أن أسهب في هذا ولكن أكتفي بمجرّد التذكير ببعض الأحداث مثل   "جامعة منوبة" و"لا ربي ولا سيدي" و"برسي بوليس" ومنع الشباب السلفي من القيام بالعمل الإغاثي والإجتماعي والإعتداء عليهم بالعنف والتشهير بهم لما شاركوا في حماية الأحياء والمحلات من النهب والسرقة  أوقات الفوضى الأمنية.
وكذلك الحملة الممنهجة على الشيوخ الذين زاروا تونس وأغلبهم دعاة سلمية واعتدال وإن كانوا من حملة الفكر السلفي أمثال (الكويتي نبيل العوضي والسعودي محمد موسى الشريف، والمصري محمد حسان).

إن هذه الحملات العلمانية المتطرفة التي استهدفت رموز الوسطية والاعتدال أمثال العلامة الدكتور يوسف القرضاوي والشيخ راشد الغنوشي كانت وقودا لدفع الشباب نحو التطرف وقطع خط الرجعة أمامه!
حملات أججها مسعّرو الحرب من غلمان العلمانية فكانوا كأطفال لعبوا بأعواد الثقاب معتقدين أنهم يستثمرون سياسيا في الإرهاب ولكن النار اندلعت، وبعد اندلاعها يعجز الصبيان عن إخمادها! بل لا بدّ لها من رجال ذوي خبرة واختصاص في الإطفاء حتى لا تأكل الأخضر واليابس ومن أشعل ومن حاول أن يطفئ!

حين قال الشيخ الغنّوشي "الشباب السلفي أبناؤنا يذكرونني بشبابي" في محاولة للعلاج والإصلاح وإرجاعهم لمنهج الوسط والإعتدال استثمر عشاق اللحم البشري المشوي والدماء هذه الجملة ومسكوها فيما يشبه الاسطوانة المشروخة، وأصبح لا يتكلم منهم متكلم إلا ذكّر بها في محاولة بائسة وكاذبة لتوريط خصم سياسي أبعد منهم بمساحات شاسعة عن الإرهاب وأكثر منهم تجذرا في ثقافة التسامح والتعايش والقبول بالآخر المختلف!

وحين أشار على استحياء الرئيس السابق الدكتور المرزوقي لإعطاء فرصة لهذا الشباب حتى لا يمضي بعيدا في طرق التطرف والإرهاب قامت الدنيا ولم تقعد! ... فقط لأنه "ترويكي" شريك النهضة "الإرهابية المتطرفة"!

ومما زاد اقناع الشباب باللجوء للعنف والإرهاب ما رآه من اعتداء سافر على الديمقراطية وحق الشعب في اختيار من يحكمه والانقلاب على إرادته ونسف الصناديق أو إفراغها من محتواها. وذلك كله أضعف حجة دعاة السلمية والإعتدال وجعلهم في وضع حرج وزهّد الشباب المتحمس في خيارهم!

كيف نعالج الإرهاب بعد حصول الكارثة؟
الآن وقد حصلت الكارثة وأصبح الإرهاب ظاهرة وواقعا فإنه لابد من مواجهته بخطة متكاملة تشمل عدة مجالات نذكر بعضها:
المجال الأول عسكري أمني:  بمفهومه العام وينقسم بدوره إلى جزء تكتيكي آني يُواجه الإرهاب المواجهة اليومية، فمن يرفع السلاح يُواجه بالسلاح المفيد والتقنية الفعالة والمعدّات التي تحمي ما أمكن من أرواح الجنود والشعب.
والجزء الثاني لابدّ من مخطط إستراتيجي عسكري أمني للتوقّي من الإرهاب يشرف على إعداده المخلصون من أهل الاختصاص بالوسائل التي تدرّبوا عليها وتعلّموها وفي مقدمتها العمل الاستعلاماتي الناجع والذكيّ، وبذلك  يمكن  التعامل مع الإرهاب في مهده قبل أن يبدأ في حصد الأرواح!



المجال الثاني إعلامي: إعلامنا في أغلبه الأعمّ إعلام تقوده الإيديولوجيات الصدامية المنغلقة واللوبيات التي لا تعير اهتماما لمصلحة الوطن ولا يهمها أن تهدم البيت على ساكنيه. إعلام أبعد ما يكون عن المهنية والإحتراف. إعلام صحفيوه و"خبراؤه" و"محللوه" يفتئتون على الأمن والجيش ويصنّفون الناس حسب هواهم ويرمون بالتهم على مزاجهم ويصدرون أحكامهم قبل القضاء، ولا يؤمنون بأن المُتّهم بريء حتى تثبت إدانته. وإذا لم يتم إصلاح الإعلام فإن الداء سيستفحل والبلاء سيعم لا قدّر الله! هذا فضلا عن الأجندات الخارجية التي تدفع وتموّل وتشتري الذمم والضمائر!

المجال الثالث حقوقي: لا بدّ من إشاعة حقوق الإنسان والتقيد بها وجعلها ثقافة عامة. يجب القطع مع سياسة التعذيب والتنكيل بأهالي المتهمين فـ"لا تزر وازرة وزر أخرى" "  وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى"!
لابدّ من القطع مع الدعوات التي تقول: "لا سبيل للحديث عن حقوق الإنسان في مواجهة الإرهاب"! لأن هذه الدعوات تنمي ظاهرة الإرهاب ولا تقاومها!
ويجدر  التنديد بممارسات  من قبيل دعوة بعض صُنّاع الإرهاب في النقابات الأمنية الذين هدّدوا بمنع الزيارة والقفّة عن مساجين السلفية والنهضة نكاية فيهم، كما جاء في دعوات معلنة ومنشورة بالصوت والصورة!

النشاط الحقوقي ضَعُف وضَمُر عقب "الثورة" بما يُثير الرّيبة، فبعد أن كانت الجمعيات تتنافس عمّن يكتب اسمها أولا في توقيع  بيان يندّد بانتهاك حقوق الإنسان في عهد "بن عليّ" نرى اليوم تقاعسا وفتورا، يمكن أن يُفسّر بتقلّص التّمويل الأجنبي الذي كان يُسند لكثير من "الحقوقيين" وكانوا ينكرونه!

الإنسان هو الإنسان قبل "الثورة" أو بعدها، والإعتداء على حقوقه وكرامته لا تكون نتيجته إلا مزيدا من التطرف والإرهاب!




المجال الرابع ديني: الإرهاب  يستند إلى فكر ديني منحرف ومشوه، شوّهه الجهل والقمع والتصحر الديني وخطة "تجفيف منابع التديّن".
ولا يمكن  اليوم "تجفيف منابع الإرهاب" إلا بنشر الوعي الديني الوسطي والمتسامح الذي يُؤمن ويعتقد بأن الإنسان حرّ وأن حرّيته مقصد من مقاصد الدين العظمى، وأنه لا إكراه في الدين، من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ما لم يعلن الحرب على من آمن!

لا يمكن مواجهة الإرهاب بسياسة دينية تحاصر كل المخالفين وتعزل الأئمة المعتدلين لأن لهم رأيا أو موقفا يخالف رأي من هو في السلطة!  ولا يمكن مواجهة الإرهاب بمفاهيم كنسية يراد لها أن تفرض على المساجد والخطاب الديني!
لابدّ من إصلاح ديني حقيقي يُنفّذ في الشارع والمساجد والمؤسسات التربوية وعبر إصلاح حقيقي وفعّال  للتعليم يقطع مع التصحر والإفساد الذي بثته العلمانية المتطرفة طيلة عقود "الإستقلال"، وأشرف عليه خبثاء ماكرون جعلوا الشباب التونسي من أكثر الشباب المسلم جهلا بالدين وأبسط أبجدياته!

من أقدم على رفع السلاح تبنّى قبل ذلك فكرا منحرفا ولم يجد في الغالب فكرا يُواجه فكره بالحجة ويُبيّن خطأه وتهافته! .. إن مواجهة الفكر المتطرف بالحجة والعلم الديني قد أثبتت جدواها  في كثير من البلدان منها المغرب ومورتانيا واليمن ومصر حيث رجع كثير من الشباب عما كانوا يتبنون من فكر خارجيّ منحرف ليس له من أدوات الإقناع غير القتل والدماء!

المجال الخامس ثقافي وفنّي: نعم للثقافة الأصيلة وللفنّ الملتزم النابعين من بيئتنا والمتصالحين مع ثقافتنا وهويتنا والتي يحترمها الذوق الإنساني السليم! ... أدبا وشعرا ورسما ومسرحا وسنيما ورقصا وموسيقى وغناء وهي مجالات واسعة ومتنوّعة يمكن أن تكون عاصما للشباب من الإنحراف نحو التطرف!

ولكن المشكل أن الثقافة والفنّ في بلدنا تُختزل عند النخبة العلمانية المتغرّبة في المبتذل منها والمصادم مصادمة فجة لثقافة الشعب وهويته. ومن تعرّض لهذا النوع الهابط المبتذل بالنّقد يكون كمن تعرّض لبقرة الهندوس بالذبح، تُرفع في وجهه تهمة "عدوّ الثقافة والفنّ".
 والأدهى والأمر أن هذا النوع من "الثقافة والفنّ" يجد كلّ الدّعم الداخلي والخارجي وله الحرّية المطلقة، في حين يصادر النوع الآخر ويضيق عليه! ... "عصفور السطح" و"صراع" مثال دون استرسال!


المجال السادس سياسي: لعل هذا هو المجال الأهم والذي يحتاج وجود قادة سياسيين شجعان من كل المشارب الفكرية ينبذون الفرقة ويدعون إلى الوحدة الوطنية في وجه خطر داهم، ويطلعون على تجارب البلدان التي حاربت الإرهاب ويتواضعون على خطة تبدأ من حيث انتهى من سبق بالتجربة وليس من حيث ابتدأ.
 وأعتقد أن تجربة الجارة الكبرى الجزائر من أهم التجارب، فجيشها أكثر عددا وعدة وكذلك أمنها ودركها، ولو لا شجاعة الرئيس بوتفليقة وما افتتح به عهده من "وئام مدني" حقن كثيرا من الدماء لبقيت الجزائر غارقة في الإرهاب، ولتواصلت  أخبار التفجيرات والهجومات بشكل يومي، ولاستمرت أعداد الضحايا في ازدياد كما كانت في تسعينات القرن الماضي!

لابدّ من جرأة وشجاعة تعطي الفرصة لمن أخطأ أو همّ بالخطأ كي يعود إلى حضن الوطن! ويكون له فرصة لحياة كريمة مع الأهل والأحباب. يجب أن يترك خط الرجعة والتوبة مفتوحا وبذلك يمكن إحداث خرق في صفوف حملة الفكر المتطرف والإرهابيين، وفي خلاف ذلك لن يكون أمامهم غير الإستمرار في غيّهم. ومن لم يعد لبلده مسالما ـ الأغلب أنه ـ سيعود متسللا مقاتلا، فيَقتُل ويُقتَل وكلا الأمرين ليسا مقصدا دينيا ولا مطلبا وطنيّا!

أعلم أن المزايدين من مُسعّري الحرب في المكاتب الفارهة سيتلقفون هذا الكلام بكثير من الشيطنة والإصطياد في الماء العكر  ولكنه كلام العقل والحكمة، والعاقل من اتعظ بغيره واستفاد من تجارب الآخرين وحقن ما أمكن من الدماء وقلل ما أمكن من الخسائر قبل أن يتأخر الأمر أو يفوت الأوان!


المجال السابع الإجتماعي: لابد من التعويل على المجال الإجتماعي وتعاون كل مكونات المجتمع لاحتضان الشباب قبل وقوعه في لعنة الإرهاب. المدرسة والأسرة والأصدقاء والعشيرة والقبيلة كلها يجب أن تُفعّل تحسّبا للبلاء قبل وقوعه، ومحاولة علاجه بعد وقوعه!
 الحب والإحاطة الشعبية يمكن أن يساهما في معالجة ظاهرة الإرهاب.
 نداء أمّ قبل أن تُثكّل، وصرخة زوجة قبل أن تُرمّل، وبكاء ابن أو بنت قبل أن يُيتّم يمكن أن يعيد الرشد والعقل لمن انحرف، وهي وسائل يجب ألاّ يُحقّر منها شيء!

كلمة الختام:
 
ترتيب المجالات آنفة الذكر لم يكن ترتيبا تفاضليّا، والمأمول  أو الأكيد أن الإرهاب لا مستقبل له في تونس إن شاء الله، مادامت الدولة قائمة والشعب مُوحدا والجيش ساهرا والأمن يقظا، والأنانية مُحاصرة والإيديولوجيا مُقزّمة! والفساد مُحاربا مُلاحقا، والإصلاح مطلبا، والعمل مُقدسا، والمساواة أمام القانون واقعا والعدل شرعة ومنهجا!
و تجفيف منابع الإرهاب لا يكون بالقهر والظلم لكل من له علاقة بصاحب الفكر المنحرف، بل  بالعدل وثقافة حقوق الإنسان فكرا وممارسة، واحترام الذات البشرية!
 هكذا يمكن تحييد قسم كبير  من حملة الفكر السلفي الذي إن عومل بالظلم والقهر ارتمى في حضن الإرهاب!
القهر والتعذيب هو الحاضنة الأساسية للإرهاب والمفرخة له وليس بحال مقاوما له!
وليت قومي يعقلون!
والله من وراء القصد!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* هذا الجزء كتب يوم 24 نوفمبر 2015


طـه البعزاوي
8 مارس 2016
http://www.alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=29094


Aucun commentaire: