من
العناصر المساعدة على فهم الأثر الفنيّ ورصد احتمالات معانيه العنوان
باعتباره عتبة أساسيّة في عمليّة التأويل. و"صالح بن يوسف: جريمة دولة؟"
عنوان ورد في صيغة استفهاميّة تعد بتقصيّ المسألة وإثباتها بالحجة والدليل.
ولكنّ الفيلم يفاجئنا منذ البداية بحسم المسألة فيقدّر مع أوّل شهادة أنّ
اغتيال يوسف بن صالح جريمة دولة محدّدا الجاني والضحية، قاتلا في متفرّجه
الضمني التّوقع وحائلا دون لعب المخرج دور المحقق من الفيلم البوليسي الذي
أدّاه بإتقان في فيلم "اغتيال فرحات حشاد".
يتحوّل دور المخرج نتيجة تحديد الجاني
(بورقيبة) إلى البحث في دوافع ارتكاب الجريمة. ضمن هذه الأفق ترسم ضفيرة
الشهادات لصالح بن يوسف شخصيّة المتشبع بالهوية الإسلامية (حرص والده على
إكسابه ثقافة مزدوجة وشقيقة الشيخ الزيتونيّ) والمدرب على قبول الآخر (بما
منحته نشأته في جرب المتعدّدة ثقافيّا) مما جعله يحول العمل في الحزب من
الزعامة الفردية إلى العمل المؤسساتي تدعمه في ذلك قدرة على التعبئة
الجماهيريّة تكفل له ولاء 80 % من الشعب. كما تدفعه غيريته إلى إيثار
مصلحة البلاد على مصلحته الشخصيّة فيتنازل عن رئاسة الحزب طوعا لبورقيبة
ولا يقرر مواجهته إلا بعد خيانته للعهد وقبوله باستقلال داخلي منقوص يحرم
البلاد من شؤون الدفاع والأمن والعدل والخارجيّة فتتركه بيد المستعمر. أما
بورقيبة فيرتمي في حضن فرنسا وينتصر إليها في حربها ضد المحور في الحرب
العالميّة الثانية، مما يلحق ضررا كبيرا بشعبيته، فيتوارى عن الأنظار
ويسافر إلى المشرق تاركا أعباء القياد إلى بن يوسف وعلى تضخم أناه وتمسكه
بقيادة الحزب لا يكسب ولاء خمس السّكان ولولا تواطؤ الاتحاد العام التونسي
للشغل معه في مؤتمر صفاقس لما حسم الصراع لفائدته.
المخرج جمال الدلالي
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire