samedi 9 août 2014

الزيدية الجزء 3

الزيدية الجزء 3




بحوث في الملل والنّحل - ج ٧

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني

المحقق: المترجم: الموضوع : الفرق والمذاهب الناشر: مؤسسة الامام الصادق عليه السلام 


 

أحمد بن يحيى بن المرتضى المهدي لدين للّه

بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 7 ، ص 420 ـ 427
________________________________________
(420)
12
أحمد بن يحيى بن المرتضى المهدي لدين للّه (764 ـ 840 هـ) موَلّف البحر الزخار
ابن المرتضى أحد الاَئمّة الزيديين اللامعين، لايشق غباره، فهو بحر لا يبارى في الفقه والاَُصول ولنذكر شيئاً من حياته: قال مجد الدين الموَيدي:
الاِمام المهدي لدين اللّه، أحد من ارتضع من العلوم لبابها، واكترع من لجج البحار عبابها، هو أبو الحسن أحمد بن يحيى بن المرتضى بن أحمد بن المرتضى بن المفضل بن منصور بن المفضل الكبير بن عبد اللّه الحجاج بن علي بن يحيى بن القاسم بن يوسف بن الاِمام يحيى بن الاِمام الناصر لدين اللّه أحمد بن يحيى الحسين بن القاسم الرسيّ.
تلقى العلوم الاَدبية واللغوية والدينية من أُسرته وبلغ إلى حد بايعه العلماء بالاِمامة بعد وفاة الاِمام الناصر صلاح الدين بن محمد عام 793 هـ بينما بايع الوزراء ابن الاِمام الناصر يعني علي بن صلاح. فصارت الغلبة نصيب الثاني فسجن ابن المرتضى، ولقد كان التوفيق حليفه في السجن فتفرغ للتأليف وانتج آثاراً لها مكانة كبرى في الاَوساط العلمية لا سيما الزيدية إلى أن وافته المنية عام 840هـ.
وينقل الموَيد أنّ الهادي بن إبراهيم يستعطف عليّ بن صلاح الذي سجن
________________________________________
(421)
ابن المرتضى ويطلب منه إطلاق سراحه بالاَبيات الشعرية التالية:
فقلت له فداك أبي وأُمي * تلطف بالقرابة والرحامة
فإنّ السيد المهدي منكم * بمنزلة تحق له الفخامة
ألم يكن جدك المهدي خالاً * له وكفى بذاك في الرحامة
أخاف إذا استمر القيد فيه * تجىء مقيداً يوم القيامة
فيسألك الاِله بأي ذنب * تقيده وتحبسه ظلامة (1)
أُعتقل ابن المرتضى في سجن صنعاء سبع سنوات ثم أفرج عنه فتوجه إلى «ثلاء» سنة 801 هـ إلى صعدة سنة 802 هـ وفي سنة 816 هـ رحل إلى بلاد حجّة وتزوج هناك وعكف إلى التأليف وترك الترقب بالمهدي وأراح قلبه من مشاكل السياسة، وقد ترجمه غير واحد من الاَعلام منهم: الشوكاني، قال:
(ولد) بمدينة ذمار يوم الاثنين لعله سابع شهر رجب سنة 775هـ خمس وسبعين وسبعمائة (2) قرأ في علم العربية فلبث في قراءة النحو والتصريف والمعاني والبيان قدر سبع سنين. وبرع في هذه العلوم الثلاثة وفاق غيره من أبناء زمانه ثم أخذ في علم الكلام على صنوه الهادي، وعلى القاضي يحيى بن محمد المدحجي فسمع على الآخر الخلاصة وحفظ الغياضة ثم شرح الاَُصول للسيد مانكديم، ثم أخذ في علم اللطيف فقرأ تذكرة ابن متويه على القاضي المذكور مرة. ثم على القاضي على بن عبد اللّه بن أبي الخير مرة أُخرى ثم قرأ عليه المحيط والمعتمد لاَبي الحسين البصري ومنتهى السوَل. وسمع على الفقيه علي بن صالح السيرة النبوية ونظام الغريب، ومقامات الحريري. وعلى المقرىَ المعروف بابن
________________________________________
(1) التحف شرح الزلف: 127 ـ 128.
(2) ويروى أنّه ولد 774 هـ كما عليه المقدم للكتاب البحر الزخار.
________________________________________
(422)
النساخ الكشاف، وعلى أخيه الهادي المتقدم علم الفقه وقرأ غير ذلك وتبحر في العلوم واشتهر فضله وبعد صيته وصنف التصانيف.
ففي أُصول الدين: «نكت الفرائد في معرفة الملك الواحد» و «القلائد وشرحها الدرر الفرائد» و «الملل وشرحها الاَُمنية والاَمل» و «رياضة الاَفهام في لطيف الكلام» وشرحها «دامغ الاَوهام» وفي أُصول الفقه: «كتاب الفصول في معاني جوهرة الاَُصول» و «معيار العقول وشرحه منهاج الوصول» وفي علم النحو: «الكوكب الزاهر شرح مقدمة طاهر» و «الشافية شرح الكافية» و «المكلّل بفرائد معاني المفصل» و «تاج علوم الاَدب في قانون كلام العرب» و «أكليل التاج وجوهرة الوهاج» وفي الفقه: «الاَزهار» وشرحه «الغيث المدرار» في أربعة مجلدات «والبحر الزخار» في مجلدين.
وفي الحديث: كتاب «الاَنوار في الآثار الناصة على مسائل الاَزهار» في مجلد لطيف وكتاب «القمر النوار في الرد على المرخصين في الملاهي والمزمار».
وفي علم الطريقة: «تكملة الاَحكام» وفي الفرائض: «كتاب الفائض» .
وفي المنطق: «القسطاس» وفي التاريخ: «الجواهر» و «الدرر» وشرحها يواقيت السير. وقد انتفع الناس بمصنفاته لاسيما الفقهية فإنّ عمدة زيدية اليمن في جميع جهاته على الاَزهار وشرحه والبحر الزخار (1)
وقد بسط الكلام في سيره وآثاره علي بن عبد الكريم الفضيل شرف الدين.
قال: فلاحظ من سيرة المهدي _ عليه السلام _ انّه بعد أن خرج من سجن صنعاء جنّد نفسَه للجهاد والجلاد، ولكن جهادُه وجلاده في هذه الفترة لم يكن مع المنصور علي بن صلاح ولا مع غيره وإنّما كان مع الجهلِ والبدعِ والضلالاتِ،
________________________________________
(1) الشوكاني: البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن التاسع: 1|122.
________________________________________
(423)
جاهَد هذا الثالوثَ الرهيبَ بلسانه، وبيانه، وسلوكه، وخرج بنفسه من أجل ذلك إلى القرية وتجول في السهول حيثما تسكن القبائل وتأوي إليها النسور القشاعم من أحفاد الاَنصار وأشبال أحفاد الاَنصار، وفيها حمل راية الجهاد ونادى بوجوب الاجتهاد وبحرية وقدسية الفكر والرأي للانتقاد الحرّ والاستنباط الحرّ من مصادر الاِسلام الاَُولى كتاب اللّه وسنّة رسوله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ والاستفادة من الثروات الفكرية التي خلَفها الاَئمة الهادونَ، والعلماء المجتهدون في كل أصقاع الاَرض، ومن أجل ذلك ألّف الموَلفات الشاملة وحرر الرسالات الصادعة وبدّد الشبهات بالحجج النيرات، ولذا ظهرت بعض موَلفاته في هذه الفترة على النحو التالي:
في «ثلا» وبعد خروجه من السجن ألف كتاب (البحر الزخار) الجامع لمذاهب علماء الاَمصار وفيه تظهر آراوَه وأنظاره الخاصة في كل المسائل التي اشتمل عليها الكتاب.
وفي سنة 816 هـ سافر من «ثلا» إلى بلاد مسور وفيه مكث ما شاء اللّه وبدأ في كتابة «غايات الاَفكار» وهو شرح لما تضمنه كتاب «البحر الزخار» من العلوم.
وبعد أن سافر إلى الاَهنوم وأصلح أحوال أهله رجع إلى «الحيمة» لنفس الغرض، ومنها استدعاه أهل حراز لاِصلاح شأنهم ومكث في «حراز» ما شاء اللّه وفيه ألف «الدامغ» و «منهاج الوصول لمعيار العقول» و كتاب «علوم الاَدب» و «القسطاس في المنطق» و «القاموس الفائض في الفرائض» ثم رجع إلى «مسور» لزيارة أولاده وفي هذه الفترة ألف «القمر النوار» .
ثم نزل «الدقائق» من بلاد «لاعة» وفيها ألف «حياة القلوب» .
وفي سنة 836هـ توفي الاِمام الهادي علي بن الموَيد وأوصى بتسليم ما كان بيده من الحصون إلى الاِمام المهدي صاحب الترجمة فأمر ابنه الحسن بن الموَيد بتعهدها وافتقادها، أمّا الاِمام نفسه فقد رحل إلى ظفير حجّة، حيث اتّخذه وطناً له
________________________________________
(424)
وذلك في سنة 838 هـ، وفي سنة 840هـ توفاه اللّه شهيداً بالطاعون وقبره بالظفير مشهور رحمه اللّه وجزاه خيراً وألحقنا به صالحين (1)
آثاره المعروفة :
ثم إنّ الذي شهّر الاِمام ابن المرتضى هو آثاره القيمة نذكر منها ما يلي:
1 ـ البحر الزخار الجامع لمذاهب أهل الاَمصار:
وقد طبع مرة واحدة عام 1368 مبتوراً مشتملاً على أربعة فنون:
1ـ الاَحكام الفقهية 2 ـ الفرائض الشرعية 3 ـ الغرائب من فقه السيرة النبوية المسمّى بالدرة 4 ـ تكملة الاَحكام والتصفية عن بواطن الآثار.
ثم طبع ثانياً عام 1393هـ منضماً إلى الكتب التالية:
1 ـ أُصول الدين، 2 ـ أُصول الفقه، 3 ـ علم اللطيف (الفلسفة) 4 ـ الملل والنحل 5 ـ آيات الاَحكام 6 ـ تاريخ سيرة سيد البشر وأصحابه العشرة الغرر، وعترته المنتجبين الزهر.
وقد طبع الكتاب في سبعة أجزاء، والجزء الاَوّل باسم المقدّمة، والكتاب مشتمل على عشرة فنون، وهو موسوعة كبيرة أحتفل بها العلماء في الاَوساط المتنورة.
2 ـ كتاب الاَزهار في فقه الاَئمة الاَطهار :
وقد حظي الكتاب بالاهتمام البالغ من قبل المقلّدين والمجتهدين وربما يقال نظمت ونضدت فيه مسائل الفقه، أو ثمانية وعشرين ألفاً من مسائل الشريعة منطوقاً ومفهوماً وعليه اعتمدت الزيدية حتى عصرنا هذا.
________________________________________
(1) البحر الزخار، ج1: المقدمة بقلم علي بن عبد الكريم بن محمد الفضيل شرف الدين:19ـ 26.
________________________________________
(425)
والحقّ أنّه لم يحظ متن فقهي من متون الاَئمة بمثل ما حظى به متن الاَزهار من عناية العلماء واهتمامهم بتعليقاتهم، وهو بين الزيدية، كالعروة الوثقى عند الاِمامية.
ولقد ألّف بعده كتابان: الآثار، والهداية على غرار الاَزهار، ولكن لم يحرزا القبول والاَوّل لحفيد الموَلّف شرف الدين المتوفى سنة 965هـ والثاني لصارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير المتوفى سنة 924هـ.
وهناك من قام بمناقشة المضمون وكيفية الاستنباط كالعلامة الجلال في كتابه ضوء النهار، ورد عليه، ابن الاَمير في كتابه «منحة الغفّار».
إلى أن وصلت النوبة للشوكاني فقام بالتعليق عليه مع النقد اللاذع وسمّى كتابه بـ «السيل الجرار المتدفق على حدائق الاَزهار» والاسم يعرب عن المسمّى وهو بصدد هدم ما بناه الاِمام، وتخريب ما أرساه وقد أثار هذا النوع من التأليف مشاعر أكثر رجالات العلم المتحررين، فكتبوا ردوداً عليه.
وأما تصانيفه فيبلغ عدد الجمع 33 وقد طبع قسم منها ضمن البحر الزخار وتعرفت على فهرسته في ترجمة الشوكاني له.
ولم يكتف الاِمام بالرسائل والمواعظ والموَلفات في نشر علومه وأفكاره، بل قرض الشعر ونظّم القصائد الهادفة، وله قصيدة تذكر أبناء فاطمة الزهراء ـ سلام اللّه عليها ـ ويقول:
إذا ما رأيت الفاطمي تمردا * أقام على كسب المعاصي وأخلدا
فذاك الذي لما أكتسى ثوب عزة * تبدل أثواب الدناءة وارتدا
فياسوءتا للفاطمي إذا أتى * أسير المعاصي يوم يلقى محمدا
فلو لم يكن إلاّ الحياء عقوبة * ولم يخش أن يصلى الجحيم مخلّدا
________________________________________
(426)
لكان له واللّه أعظم وازعٍ * من النكر والفحشاء كهلاً وأمردا
فقل لبني الزهراء إن محمدا * بنى لكموا بيت التقاء وشيدا
وأنّ أباكم حيدر بعده الذي * حماه وقد قامت إلى هدمه العدى
فلا تهدموا بنيان والدكم وقد * تحسى أبوكم دونه جرع الردا
فشّر فتىً في العالمين فتى أتى * وقد أصلحت كفا أبيه فأفسدا
نظرة في كتاب طبقات المعتزلة:
إنّ من سبر كتاب طبقات المعتزلة لابن المرتضى يقف على أنّه يرى منهج الاعتزال صورة صحيحة للاِسلام، وأنّه والاعتزال، وجهان لعملة واحدة حيث ذكر للمعتزلة اثنتي عشر طبقة إلى عصره. بالشكل التالي:
الطبقة الاَُولى: الخلفاء الاَربعة وعبد اللّه بن العباس وعبد اللّه بن مسعود وغيرهم من الصحابة.
الطبقة الثانية: الحسنان اللّذين منهما اشتهر القول بالتوحيد والعدل ثم ذكر أسماء عدّة من تلك الطبقة.
الطبقة الثالثة: الحسن بن الحسن المثنى، وعبد اللّه بن الحسن وأولاده: النفس الزكية وغيره (1)ومن أولاد علي أبو هاشم عبد اللّه بن محمد الحنفية.
الطبقة الرابعة: غيلان بن مسلم الدمشقي وواصل بن عطاء وعمرو بن عبيد إلى أن انتهى إلى الطبقة الاَخيرة.
________________________________________
(1) لو كان المقياس في تنظيم الطبقات هو التقدم الزمني، فالاَولى عد أولاد عبد اللّه بن الحسن من الطبقة اللاحقة.
________________________________________
(427)
إنّ واصل بن عطاء هو موَسس منهج الاعتزال، وقد انتقل إلى أحد الاَُصول الخمسة أي المنزلة بين المنزلتين من النقاش الدائر بينه وبين الحسن البصري، ثم تكامل المنهج وتصقّل عبر العصور فكيف يكون الاعتزال صورة أُخرى للاِسلام؟
ومن قرأ كتاب طبقات المعتزلة للاِمام ابن المرتضى، لا يشك في أنّ الكاتب معتزلي مائة بالمائة، ومع ذلك هو زيدي متمسك بأهداب المذهب الزيدي كذلك فكيف جمع بينهما. لا أدري، ولعله، اعتزل في غير باب الاِمامة.
* * *

الفصل الثالث

أئمة الزيدية ودولتهم في اليمن

قد تعرفت على أسماء وحياة الثائرين بعد زيد الشهيد إجمالاً ، وهوَلاء الأماثل قاموا في

وجه الظلم في مناطق مختلفة ، بصورة انتفاضات ناجحة وغير ناجحة.

ويأتي الآن دور الثائرين الأفاضل ، الموَسسين دولاً في قطر كبير من الأقطار الثلاثة

وهوَلاء عبارة عن :

أئمة الزيدية وتأسيس الدولة في اليمن.

أئمة الزيدية وتأسيس الدولة في طبرستان.

أئمة الزيدية وتأسيس الدولة في المغرب.

وإليك البيان ابتداء من أئمتهم في اليمن وأوّل ثائرهم وفي الحقيقة موَسس دولتهم هو :

١

يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي بن إبراهيم طباطبا

قال صاحب المجدي في حقّ والده : الحسين بن القاسم الرسّي كان سيداً كريماً ولد له يحيى ، وهو أبو الحسين الهادي ، الجليل ، الفارس ، الديّن ، إمام الزيدية وكان مصنفاً ، شاعراً ، ظهر باليمن مات سنة ٢٩٨ هـ وكان يتولى الجهاد بنفسه
٣٦٩

ويلبس جبة صوف وكان قشفاً رحمه‌الله (١).

وقال ابن عنبة : أمّا أبو عبد اللّه الحسين بن القاسم الرسي وكان سيداً كريماً ، فأعقب من رجلين :

١ ـ أبو الحسين يحيى الهادي.

٢ ـ أبو محمد عبد اللّه السيد العالم.

أمّا يحيى الهادي بن الحسين بن القاسم الرسّي يكنى أبا عبد اللّه ، كان إماماً من أئمة الزيدية ، جليلاً فارساً ، ورعاً ، مصنفاً ، شاعراً ، ظهر باليمن ويلقب بالهادي إلى الحقّ ، وكان يتولى الجهاد بنفسه ويلبس جبة صوف ، له تصانيف كبار في الفقه قريبة من مذهب أبي حنيفة ، وكان ظهوره باليمن أيام المعتضد سنة ٢٨٠ هـ وتوفي هناك عام ٢٩٨ هـ وخُطِبَ له بمكـة سبع سنين ، وأولاده أئمة الزيدية وملوك اليمن وقد ولي الحكومة بعد رحيل الهادي ولداه :

١ ـ أبو القاسم محمد المرتضى ، قام بالأمر بعد أبيه.

٢ ـ أحمد الناصر قام بالأمر بعد تنازل أخيه.

وسيوافيك ترجمة الوالد والولدين في الفصل السادس المختص ببيان أعلامهم المجتهدين ، وإليك أسماء الأئمّة الذين كان لهم الحكم إلى قيام الجمهورية عام ١٣٨٢ هـ.

وقد توالت الاِمامة من عقب الاِمام يحيى بعد الولدين إلى قيام الجمهورية العربية في أرض اليمن إلاّ في فترات قليلة ، فلأجل إيقاف القارىَ على أسمائهم نأتي بالقائمة التالية ومن أراد التفصيل فليرجع إلى الكتب المعدّة لذلك.

__________________

١ ـ النسابة العلوي العمري : المجدي : ٧٨.
٣٧٠
سلسلة أئمة الزيدية في اليمن :

قد قام غير واحد من الزيدية بذكر أئمتهم حسب التسلسل الزمني ، وتصدّيهم لأمر الاِمامة منهم :

أحمد بن يحيى بن المرتضى (ت ٨٤٠ هـ) في مقدمة البحـر الزخار قال : « باب في تعداد أئمة الزيدية » والمقصود الدعاة دون المقتصدين هو مرتب على مراتبهم في القيام عليهم‌السلام أولهم علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه بويع له في المدينة ...

ثم ولده الحسن بن علي قام يوم الاثنين لثمان بقين من شهر رمضان ...

ثم أخوه الحسين بن علي قام حين أتى نعي معاوية ...

ثم الحسن بن الحسن قام ودعا وبايعه خلق كثير ...

ثم زيد بن علي قام يوم الأربعاء ...

ثم يحيى بن زيد قام ودعا ...

ثم ساق أسماء الأئمّة إلى والده الاِمام المهدي علي بن محمد بن علي بن منصور بن يحيى بن مفضل بن الحجاج بن علي بن يحيى بن القاسم بن الاِمام يوسف الداعي بن يحيى بن أحمد الناصر بن الهادي إلى الحق ولد سنة ٧٠٥ هـ وتوفي سنة ٧٧٤ هـ. (١)

ولا تعجب من ذكر الاِمام علي بن أبي طالب والحسنين ، والحسن بن الحسن ، وزيد بن علي دون الاِمام زين العابدين ، من أئمة الزيدية مع أنّ زيداً تولد وقام بالدعوة بعد قرن وربع وذلك لأجل أنّ المراد من الزيدية هي يتَّبعُ المنهج

____________

١ ـ البحر الزخار : ٢٢٥ ـ ٢٣١ ، آخر كتاب الجواهر والدرر في سيرة سيد البشر.
٣٧١

الخاص في باب الاِمامة وهو الذي قام ودعا إلى إمامته وبويع وخرج ، وله من الموَهلات والمواصفات المذكورة في بابها ، والاِمام والسبطان مشوا على هذا الدرب دون الاِمام السجاد عليه‌السلام.

وممن قام بتدوين أسماء وحياة أئمة الزيدية موَلف كتاب « التحف شرح الزلف » فقد نظم أسماء الأئمّة نظماً وشرحها شرحاً ، والموَلف أُنموذج السلف السيد مجد الدين بن محمد بن منصور الحسن الموَيدي شيخ الزيدية في العصر الحاضر باليمن فقد أتى بأسمائهم وقليلاً من حياتهم إلى الاِمام المتوكل على اللّه يحيى بن الاِمام المنصور باللّه محمد بن يحيى الذي قام بعده وفاة أبيه سنة ١٣٢٢ هـ قال : فجنّد الجنود وخفقت له الرايات ، وصفت البنود ، وفي أيامه النعمة الكبرى والمنة العظمى إخراجه الأتراك وإجلاوَهم من اليمن وفي هذا التاريخ (١٣٦٥ هـ) أوامره ونواهيه في أرض اليمن جارية (١).

وقد سبق زمن تأليف الكتاب على دعوة الاِمامين بعد المتوكل ولم يذكر منهما شيئاً أعني :

١ ـ الناصر لدين اللّه أحمد بن يحيى حميد الدين (ت ١٣٨٢ هـ).

٢ ـ المنصور باللّه محمد البدر بن أحمد بن يحيى حميد الدين.

حيث لم يحكم الثاني إلاّ أياماً قلائل وأُزيل عن الحكم بقيام الثورة وإعلان الجمهورية بقيام أحد العسكريين باسم السلال عام ١٣٨٣ هـ.

وبما أنّا استوفينا ذكر الأئمّة الدعاة حتى عصر الاِمام يحيى الهادي نذكر سلسلة الزيدية بعد عصره إلى زماننا هذا ، وقد استخرجت القائمة من عدّة مصادر ولم نذكر فيها الدعاة الذين ليسوا بأئمة بل هم حسب مصطلح الزيدية

__________________

١ ـ التحف شرح الزلف : ١٩٤ ولاحظ أيضاً كتاب اليمن عبر التاريخ : ٢٥٠ ـ ٢٥٩ تأليف أحمد حسين شرف الدين وهو يذكر أئمّة الزيدية باليمن فقط.
٣٧٢

مقتصدون ، وقد عقد في البحر الزخار باباً لأسماء هوَلاء أيضاً (١).

وقد استعنت في تنظيم القائمة ، أحد الفضلاء أعني الشيخ علي اليمني دامت إفاضاته.

١ ـ الاِمـام المرتضى لديـن اللّه محمـد بن يحيى وهو ابن الهادي يحيى بن الحسين ، بويع له بالاِمامة في غرة محرم سنة ٢٩٩ هـ بعد وفاة الهادي واستمر في الحكم عشرة أشهر ثم تنازل عن الحكم لما رأى من تخاذل بعض الناس ، وتوفي في أيام أخيه الناصر أحمد سنة عشر وثلاثمائة وعمره اثنتان وثلاثون سنة ، وكان يلقب بجبريل الأرض لنسكه ، ودفن بجوار الهادي في مدينة صعدة في اليمن.

٢ ـ الاِمام الناصر أحمد بن الهادي يحيى بن الحسين ، بويع له بعد تنازل المرتضى محمد وكان حين وفاة الهادي في الحجاز ثم قدم بعد ذلك ، وكانت له حروب مع القرامطة وهزمهم في جميعها وصفت له أكثر اليمن ، واستمر في الحكم حتى توفي سنة ثلاثمائة وخمسة وعشرين ودفن بجوار أبيه وأخيه.

٣ ـ المنصور باللّه القاسم بن علي بن عبد اللّه العياني قام ببلاد خثعم من أرض الشام ثم خرج إلى اليمن وتوفي سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة بقرية عيان شمال اليمن وهو من ذرية محمدبن القاسم بن إبراهيم طباطبا.

٤ ـ الاِمام الناصر أبو الفتح الديلمي وهو أبو الفتح بن الحسين بن محمد من ذرية علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، قام في بلاد الديلم شمال إيران في عام ثلاثين وأربعمائة ، ثم خرج إلى اليمن فاستولى على أكثر اليمن واستشهد سنة نيف وأربعين أو خمسين وأربعمائة في وقعة بينه وبين علي بن محمد الصليحي.

__________________

١ ـ البحر الزخار : المقدمة / ٢٢٥ ، والمراد من المقتصدين هم الذين لم يتمكنوا من الخروج وإن كانت لهم دعوة.
٣٧٣

٥ ـ الاِمام المتوكل على اللّه أحمد بن سليمان من ذرية الناصر أحمد بن الهادي ، استولى على جميع اليمن وخطب له بينبع وخيبر وتوفي في ربيع سنة ست وخمسين وخمسمائة عن ست وستين سنة.

٦ ـ الاِمام المنصور باللّه عبد اللّه بن حمزة ينتهي نسبه إلى عبد اللّه بن الحسين ابن القاسم بن إبراهيم طباطبا ، دعوته سنة أربع وتسعين وخمسمائة ويعتبر مجدد المذهب الزيدي في القرن السابع الهجري ، توفي في محرم سنة أربع عشرة وستمائة عن عمر يناهز الثانية والخمسين.

٧ ـ الاِمام المهدي أحمد بن الحسين من ذرية محمد بن القاسم بن إبراهيم طباطبا ، دعا إلى اللّه سنة ست وأربعين وستمائة وقتل سنة ست وخمسين وستمائة.

٨ ـ الاِمام المنصور باللّه الحسن بن بدر الدين دعا في الخامس والعشرين من شوال سنة سبع وخمسين وستمائة وتوفي سنة سبعين وستمائة عن أربع وسبعين عاماً.

٩ ـ الاِمام المتوكل على اللّه المطهر بن يحيى وكانت دعوته سنة ست وسبعين وستمائة وتوفي في سنة سبع وتسعين وستمائة.

١٠ ـ الاِمام المهدي محمد بن المطهر وكانت دعوته سنة إحدى وسبعمائة وتوفي سنة ثمان وعشرين وسبعمائة عن سبعين عاماً ، ويعتبر من المجددين للمذهب الزيدي في القرن الثامن.

١١ ـ الاِمام الموَيد باللّه يحيى بن حمزة ينتهي نسبه إلى الاِمام علي بن موسى الرضا من جهة الاِمام الجواد عليه‌السلام ثم الاِمام علي الهادي عليه‌السلام وكان قيامه سنت تسع وعشرين وسبعمائة وتوفي سنة تسع وأربعين وسبعمائة.

١٢ ـ الاِمـام المهدي لدين اللّه علي بن محمد ، كانت ولادته سنـة سبعمائة وخمسة للهجرة ودعوته سنة سبعمائة وخمسين للهجرة وتوفي في جمادي الآخرة سنة
٣٧٤

سبعمائة وأربعة وسبعين للهجرة وقيل في ربيع الأوّل من نفس العام.

١٣ ـ الاِمـام الهادي لدين اللّه علي بن الموَيد ، كانت دعوتـه سنة سـت وسبعمائة وتوفي في العاشر من محرم سنة ست وثلاثين وثمانمائة عن ثمانين سنة ، ومدّة حكمه ما يقرب من أربعين سنة.

١٤ ـ الاِمام المهدي لدين اللّه أحمد بن يحيى المرتضى ، ولادته سنة سبعمائة وأربعة وستين وكانت دعوته سنة سبعمائة وثلاثة وتسعين فأُسر وحبس فلمّا آيس الهادي علي بن الموَيد من خروجه من الحبس دعا لنفسه ، وتوفي المهدي في سنة ثمانمائة وأربعين للهجرة.

١٥ ـ الاِمام المتوكـل على اللّه المطهـر بن محمد وهو من ذرية عبد اللّه بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم طباطبا.

كان قيامه في سنة ثمانمائة وإحدى وأربعين وتوفي في صفر سنة تسع وسبعين وثمانمائة.

١٦ ـ الاِمام الهادي عز الدين بن الحسن ، كانت دعوته في تسعة شوال سنة ثمانين وثمانمائة ويعتبر مجدداً للدين في القرن التاسع الهجري ، وحكم اليمن ومكّة وكانت وفاته في رجب سنة تسعمائة عن خمس وخمسين عاماً.

١٧ ـ الاِمام المتوكل على اللّه يحيى شرف الدين بن شمس الدين بن الاِمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى ، كانت بيعته في جمادي الأولى سنة اثنتي عشرة وتسعمائة وفي أيامه خرج الجراكسة والأتراك من اليمن وتوفي سنة خمس وستين وتسعمائة وهو ابن سبع وثمانين سنة.

١٨ ـ الاِمام الهادي الحسن بن عز الدين ، كانت دعوته أواخر أيام الاِمام شرف الدين وذلك بإشارة من الاِمام شرف الدين بعد ذهاب بصره ، فبويع له سنة ثمان وخمسين وتسعمائة وتوفي سنة سبع وثمانين وتسعمائة عن سبع وسبعين سنة.
٣٧٥

١٩ ـ الاِمام الناصر لدين اللّه الحسن بن علي بن داود ، بويع له سنة أربع وثمانين وتسعمائة ، أسّره الأتراك سنة ثلاث وتسعين وتسعمائة في سادس عشر من شهر رمضان وسجن في اليمن سنة ثم أُرسل إلى القسطنطينية وبقي مسجوناً إلى أن توفي سنة أربع وعشرين وألف للهجرة.

٢٠ ـ الاِمام المنصور باللّه القاسم بن محمد بن علي ، بويع له في محرم سنة ألف وستة هجرية ، وهو مجدد القرن الحادي عشر ، وهو وأولاده الذين أخرجوا الأتراك من اليمن وتوفي سنة ألف وتسعة وعشرين هجرية.

٢١ ـ الاِمام الموَيد باللّه محمد بن القاسم بن محمد ، بويع له بعد وفاة أبيه القاسم بن محمد وتوفي بعد صلاة الجمعة في اليوم الثامن من شهر رجب في سنة ألف وأربع وخمسين للهجرة ، وفي أيامه تم خروج الأتراك نهائياً من اليمن.

٢٢ ـ الاِمام المتوكل على اللّه إسماعيل بن القاسم بن محمد ، بويع له بعد وفاة الموَيد سنة أربع وخمسين وألف وتوفي في جمادي الآخر سنة سبع وثمانين وألف وامتدّ حكمه إلى ظفار عمان.

٢٣ ـ الاِمام المنصور باللّه القاسم بن الموَيد باللّه محمد بن القاسم بن محمد ، بويع له بعد وفاة عمه المتوكل على اللّه إسماعيل وتوفي سنة ألف وسبعة وعشرين للهجرة النبوية على صاحبها وآله السلام.

٢٤ ـ الاِمام الموَيد باللّه محمد بن المتوكل على اللّه إسماعيل ، دعا بعد وفاة الموَيد وتوفي سنة سبع وتسعين وألف للهجرة.

٢٥ ـ الاِمام المتوكل على اللّه إسماعيل بن أحمد بن عبد اللّه الكبسي المغلس دعوته سنة إحدى وعشرين ومائتين وتوفي سنة ثمان وأربعين ومائتين ويعتبر مجدداً للمذهب الزيدي في القرن الثاني عشر.

٢٦ ـ الاِمـام المنصور باللّه أبو محمد أحمد بن هاشم بن المحسن ، كانت
٣٧٦

دعوته سنة ألف ومائتين وأربع وستين وتوفي سنة ألف ومائتين وتسع وستين.

٢٧ ـ الاِمام المنصور باللّه محمد بن عبد اللّه الوزير ، كانت دعوته سنة ألف ومائتين وسبعين ثم اعتزل بعد سنة من قيامه وتوفي سنة ألف وثلاثمائة وسبعة.

٢٨ ـ الاِمام المتوكل على اللّه المحسن بن أحمد الحوثي ، كانت دعوته في سنة ألف ومائتين وإحدى وسبعين وتوفي سنة ألف ومائتين وخمس وتسعين.

٢٩ ـ الاِمام المهدي لدين اللّه أبو القاسم محمد بن القاسم بن إسماعيل الحسيني يرجع نسبه إلى الاِمام يحيى بن حمزة الحسيني ، كانت دعوته سنة ألف ومائتين وثمان وتسعين للهجرة ثم أُخذ بعد ذلك وسجنه الأتراك وتوفي سنة ألف وثلاثمائة وتسعة عشر للهجرة.

٣٠ ـ الاِمام الهادي لدين اللّه شرف الدين بن محمد الحسيني ، يرجع نسبه إلى الاِمام يحيى بن حمزة الحسيني خرج أواخر القرن الثالث عشر أثناء سجن الاِمام المهدي وتوفي سنة ألف وثلاثمائة وسبعة.

٣١ ـ الاِمام المنصور باللّه محمد بن يحيى بن محمد حميد الدين وهو من ذرية الاِمام القاسم بن محمد ، دعا سنة سبع وثلاثمائة وهو وابنه الاِمام يحيى حميد الدين من أخرج الأتراك من اليمن وتوفي سنة ألف وثلاثمائة واثنين وعشرين.

٣٢ ـ الاِمام المتوكل على اللّه يحيى بن محمد حميد الدين ، دعا بعد وفاة والده المنصور باللّه محمد في سنة ألف وثلاثمائة واثنين وعشرين ، وهو الذي أخرج الأتراك نهائياً من اليمن وله المنة الكبرى في إبقاء اليمن بعيداً عن الاستعمار والأجانب ، واستمرّ حكم الاِمام يحيى حتى استشهد سنة ألف وثلاثمائة وسبع وستين.

هوَلاء هم الأئمّة الذين حكموا اليمن بعد الهادي يحيى بن الحسين وهم
٣٧٧

الذين أجمعوا على إمامتهم وكان هناك غيرهم ممن حكم اليمن إلاّ أنّهم لم يصلوا إلى درجة الاِمامة عندهم وهم إمّا دعاة أو محتسبون ، وجاء بعد الاِمام يحيى من أخذ بثأره الاِمام أحمد بن يحيى حميد الدين كان عالماً جليلاً وفارساً شجاعاً وكان عادلاً في حكمه إلاّ أنّه لم تكتمل شروط الاِمامة فيه واستمر حكمه إلى سنة ألف وثلاثمائة وثلاثة وثمانين للهجرة.
٣٧٨
الفصل الرابع

أئمة الزيدية ودولتهم في طبرستان

وقد أسّس بعض الثائرين على منهج زيد الثائر دولة زيدية في طبرستان ، وهم بين داع وإمام ، أو بين إمام جهاد ، وإمام اجتهاد ، نعم هنا مشكلة وهو اجتماع إمامين في عصر واحد وإن كانا في قطرين ، وسيوافيك أنّ الناصر الأطروش من أئمة الزيدية في طبرستان كان معاصراً مع الاِمام الهادي يحيى بن الحسين الذي توفي ٢٩٨ هـ ، وإليك أسماءهم وقليلاً من حياتهم :

١ ـ الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ت ٢٧٠ هـ).

قال المسعودى : وفي خلافة المستعين وذلك في سنة ٢٥٠ هـ ، ظهر ببلاد طبرستان الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل ، بن الحسن ، بن زيد بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ـ رضي اللّه عنهم ـ فغلب عليها وعلى جرجان بعد حروب كثيرة وقتال شديد وما زالت في يده إلى أن مات سنة سبعين ومائتين (١).

وقال الجزري : وفيها توفي الحسن بن زيد العلوي ، صاحب طبرستان ، في رجب وكانت ولايته تسع عشرة سنة وثمانية أشهر وستة أيام ، وولي مكانه أخوه

__________________

١ ـ المسعودي : مروج الذهب : ٤ / ٦٨.
٣٧٩

محمد بن زيد.

وكان الحسن جواداً مدحه رجل فأعطاه عشرة آلاف درهم ، وكان متواضعاً للّه تعالى.

حكى عنه أنّه مدحه شاعر فقال : اللّه فرد ، وابن زيد فرد ، فقال : بفيك الحجر ، ياكذاب ، هلا قلت اللّه فرد ، وابن زيد عبد. ثم نزل عن مكانه ، وخرّ ساجداً للّه تعالى ، وألصق خده بالتراب وحرم الشاعر (١).

٢ ـ أخوه : محمد بن زيد بن محمد بن إسماعيل ، فقام مكانه أخيه « الحسن » وحاربه رافع بن هرثمة ودخل محمد بن زيد إلى الديلم في سنة ٢٧٧ هـ ، فصارت في يده وبايعه بعد ذلك رافع بن هرثمة ، وصار في جملته وانقاد لدعوته والقول بطاعته ( إلى أن توفي سنة ٢٨٧ هـ بعد ما أُثخن في معركة الحرب مع السامانيين ) وكان الحسن بن زيد ومحمد بن زيد يدعوان إلى الرضا من آل محمد وكذلك من طرأ بعدهما ببلاد طبرستان (٢).

٣ ـ الاِمام الناصر للحقّ الأطروش ، أبو محمد : الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر الأشرف (٣) بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( ٢٣٠ ـ ٣٠٤ هـ ) وستوافيك ترجمته في الفصل القادم.

٤ ـ الحسن بن القاسم بن الحسن بن علي بن عبد الرحمن بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن السبط ( ت ٣١٦ هـ ).

قال الموَيدي : هو الاِمام الداعي إلى اللّه أبو محمد الحسن بن القاسم بن

__________________

١ ـ الجزري : الكامل : ٧ / ٤٠٧.

٢ ـ المسعودي : مروج الذهب : ٤ / ٦٨.

٣ ـ إنّما يوصف بالأشرف لكونه من جانب الأب والأمّ علوياً في مقابل عمر الأطرف إذ كان علوياً من جانب الأب.
٣٨٠

الحسن بن علي بن عبد الرحمن الشجري : كان هذا الاِمام من أركان الناصر للحق الحسن بن علي الاطروش ، وكان يضرب بعدله المثل ، واستشهد سنة ست عشرة وثلاثمائة وله اثنتان وخمسون سنة ، وأقام أود الدين الحنيف في نيسابور والري ونواحيهما وفي الجبل والديلم.

وقال الموَيدي في الزلف :

كذا الحسن بن القاسم بن الفرد بعده
   

   

فلم يبق في جيلان للحقّ مانع (١)

٥ ـ محمـد بن الحسن بن القاسم بن علي بن عبد الرحمن بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن السبط (ت ٣٦٠ هـ).

قال الموَيدي : هو الاِمام أبو عبد اللّه المهدي لدين اللّه محمد بن الاِمام الحسن بن القاسم بن علي بن عبد الرحمن الشجري بن القاسم بن الحسن بن زيد ابن الحسن السبط.

وهذا الاِمام الذي جمع بين القاسمية والناصرية بعد التباين العظيم بسبب الاختلاف في الاجتهاد فأظهر القول بأنّ كل مجتهد يصيب في الاجتهاديات وهو الذي قيل فيه لو مادت الأرض لشيء لعظمه لمادت لعلم أبي عبد اللّه الداعي ووالده الاِمام الحسن بن القاسم الذي تقدم بعد الاِمام الناصر الاطروش.

قام ببغداد ثم وصل الديلم وبايعه من علماء الأمّة أربعة آلاف ، سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة قبضه اللّه بـ « هوسم » سنة ٣٦٠ هـ ، روي عن الاِمام أبي طالب أنّه مات مسموماً (٢).

وبذهاب هوَلاء ، ذهبت الدولة الزيدية في طبرستان ولهم إلى الآن آثار وقبور تزار.

____________

١ ـ مجد الدين الموَيدي : التحف شرح الزلف : ٧٢ ـ ٧٣.

٢ ـ التحف شرح الزلف : ٨٣ ـ ٨٤.
٣٨١
الفصل الخامس

الدولة الزيدية في المغرب
الادارسة :

كان لعبد اللّه المحض أي عبد اللّه بن الحسن بن الحسن السبط عليه‌السلام ستة أبناء قد ذكرنا أسماءهم عند ذكر ثورة محمد بن عبد اللّه النفس الزكية ، منهم :
١ ـ إدريس بن عبد اللّه المحض :

قال المسعودي : لما خرج محمد بن عبد اللّه المحض المعروف بالنفس الزكية تفرق إخوته في البلاد ، يدعون إلى إمامته ، فكان فيمن توجه ، ابنه علي بن محمد إلى مصر ، فقتل هناك ، وسار ابنه الحسن إلى اليمن فحبس فمات في الحبس ، وسار إخوة موسى إلى الجزيرة ، ومضى أخوه يحيى إلى الريّ ، ثم إلى طبرستان ، ومضى أخوه إدريس بن عبد اللّه إلى المغرب فأجابه خلق من الناس فبعث المنصور من اغتاله بالسم فيما احتوى عليه من مدن المغرب (١).

قال العلوي العمري النسابة : كان إدريس بن عبد اللّه مع الحسين صاحب

__________________

١ ـ المسعودي : مروج الذهب : ٣ / ٣٩٦.
٣٨٢

الفخ (١) ، فلما قتل الحسين انهزم حتى لحق بالمغرب فسمّ هناك (٢).

وقال ابن عنبة : لما قتل الحسين انهزم إدريس حتى دخل المغرب فسمّ هناك بعد أن ملك ، وكان قد هرب إلى فاس وطنجة ومعه مولاه راشد ودعاهم إلى الدين فأجابوه وملكوه ، فاغتم الرشيد (هارون) لذلك حتى امتنع من النوم ودعا سليمان ابن جرير الرقي متكلم الزيدية وأعطاه سماً ، فورد سليمان بن جرير متوسماً بالمذهب فسرّ به إدريس بن عبد اللّه ثم طلب منه عزة ووجد خلوة من مولاه راشد فسقاه السم فهرب ، فخرج راشد خلفه فضربه على وجهه ضربة منكرة وفاته ، وعاد وقد مضى إدريس لسبيله.

كانت بيعة إدريس بن عبد اللّه في شهر رمضان سنة ١٧٢ هـ واستمر بالأمر إلى ست سنين إلاّ ستة شهر (٣).

وقال الزركلي : إدريس بن عبد اللّه بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب : موَسس دولة الأدارسة في المغرب وإليه نسبتها ، أوّل ما عرف عنه أنّه كان مع الحسين بن علي بن الحسن المثلث ، في المدينة أيام ثورته على الهادي العباسي سنة ١٦٩ هـ ثم قتل الحسين ، فانهزم إدريس إلى مصر فالمغرب الأقصى سنة ١٧٢ هـ ، ونزل بمدينة وليلي (على مقربة من مكناس وهي اليوم مدينة قصر فرعون) وكان كبيرها يومئذ إسحاق بن محمد فعرّفه إدريس بنفسه ، فأجاره وأكرمه ، ثم جمع البربر على القيام بدعوته ، وخلع طاعة بني العباس ، فتم له الأمر (يوم الجمعة ٤ رمضان ١٧٢ هـ) فجمع جيشاً كثيفاً وخرج به غازياً فبلغ بلاد تادَلة

__________________

١ ـ فخ ـ بفتح أوّله وتشديد ثانيه ـ واد بمكة قتل فيه الحسين بن علي بن الحسن العلوي يوم التروية سنة ١٦٩ هـ وقتل معه جماعة من أهل بيته وفيه دفن عبد اللّه بن عمرو جماعة من الصحابة ، انظر مراصد الاِطلاع ، ما دة فخ.

٢ ـ النسابة العلوي العمرى : المجدي : ٦٢.

٣ ـ ابن عنبة : عمدة الطالب : ١٥٧ ـ ١٥٨.
٣٨٣

(قرب فاس) ففتح معاقلها ، وعاد إلى وليلي ، ثم غزا تلمسان فبايع له صاحبها ، وعظم أمر إدريس فاستمر إلى أن توفي مسموماً في وليلي في عام ١٧٧ هـ وهو أول من دخل المغرب من الطالبيين ، ومن نسله الباقي إلى الآن في المغرب شرفاء العلم (العلميون) والشرفاء الوزانيون ، والريسيون ، والشبيهيون ، والطاهريون الجوطيون ، والعمرانيون ، والتونسيون (أهل دار القيطون) والطالبيون ، والغالبيون ، والدباغيون ، والكتانيون ، والشفشاويون ، والوَدْغيريون ، والدرقاويون ، والزكاريون (١).
٢ ـ إدريس بن إدريس بن عبد اللّه المحض :

يقول ابن عنبة : وأعقب إدريس بن عبد اللّه المحض من ابنه إدريس وحده ، وكان إدريس بن إدريس لما مات أبوه حملاً ، وأُمه أم ولد بربرية ، ولما مات إدريس ابن عبد اللّه وضعت المغاربة التاج على بطن جاريته أُم إدريس فولدته بعد أربعة أشهر ، قال الشيخ أبو نصر البخاري : قد خفي على الناس حديث إدريس لبعده عنهم ونسبوه إلى مولاه راشد ، وقالوا : « إنّه احتال في ذلك لبقاء الملك له ، ولم يعقب إدريس بن عبد اللّه وليس الأمر كذلك فإنّ داود بن قاسم الجعفري وهو أحد كبار العلماء وممن له معرفة بالنسب ، حكى أنّه كان حاضراً قصة إدريس بن عبد اللّه وسمّه وولادة إدريس بن إدريس ، قال : وكنت معه بالمغرب فما رأيت أشجع منه ولا أحسن وجهاً ، وقال الرضا بن موسى الكاظم عليهما‌السلام : « إدريس بن إدريس ابن عبد اللّه من شجعان أهل البيت واللّه ماترك فينا مثله » وقال أبو هاشم داود بن القاسم بن إسحق بن عبد اللّه بن جعفر الطيار : أنشدني إدريس بن إدريس لنفسه ـ أبياتاً شعرية ـ.

__________________

١ ـ الزركلي : الأعلام : ١ / ٢٧٩.
٣٨٤

وكان لاِدريس بن إدريس بن عبد اللّه المحض أحد عشر رجلاً وبنتين : رقية وأُم محمد ، ولكنه أعقب من سبعة ، وهم :

١ ـ القاسم ٢ ـ عيسى ٣ ـ عمر ٤ ـ داود ٥ ـ يحيى ٦ ـ عبد اللّه ٧ ـ حمزة.

وقد قيل : إنّه أعقب من غير هوَلاء أيضاً ولكل منهم ممالك في بلاد المغرب هم بها ملوك إلى الآن (١).

وفي تعليقة الكتاب : والذي أولدهم إدريس بن إدريس أحد عشر رجلاً ، وبنتين : رقية وأُم محمد ، والذي أعقب فيهم سبعة ، والذي ملك الأمر منهم في بلاد المغرب محمد واستمر بالأمر ثماني سنين ثم توفي في شهر ربيع الأوّل سنة ٢٢١ هـ ، وقام بعده أولاده ثم أحفاده وكان آخرهم الحسن بن القاسم كنون بن محمد بن القاسم بن إدريس الذي تولى الملك سنة ٣٤٨ وقتل سنة ٣٧٥ وبموته انقرضت دولة الأدارسة من بلاد المغرب وقد ملكوا الأمر ٢٠٠ سنة تقريباً.

وقال ابن عذارى المراكشي : أخذت الهجرات العربية تنثال على مراكش من أفريقية والأندلس ، فقرر إدريس الثاني تأسيس عاصمة له وشرع في إنشاء مدينة فاس عام ١٩٢ هـ حيث سكن البربر المنطقة الشرقية والعرب المنطقة الغربية ، وقد أصبحت هذه المدينة مركزاً من أكبر مراكز الاِسلام علمياً ودينياً وتجارياً وصناعياً.

قام إدريس الثاني بحملات عسكرية في جبال أطلس وظل يتنقل بعدها بين فاس وتلمسان ووليله إلى أن مات مسموماً عام ٢١٣ هـ في ظروف غامضة.

ترك اثني عشر ولداً هم : محمد وأحمد وعبد اللّه وعيسى وإدريس وجعفر

__________________

١ ـ ابن عنبة : عمدة الطالب : ١٥٩ ومعنى ذلك بقاء حكمهم وسلطتهم إلى أوائل القرن التاسع.
٣٨٥

ويحيى وحمزة وعبد اللّه والقاسم وداود ويحيى ، ولّي منهم : محمد بن إدريس ، ففرّق البلاد على إخوته بأمر جدته البربرية « كنزة » ولكن الخلاف نشأ بين بعض الاِخوة ولم تستقرّ بعدها دولة الأدارسة بسبب منازعة الخوارج لهم برئاسة عبد الرزاق الخارجي الصفري إلى أنّ انتهت عام ٣٢٣ هـ (١).

وقال الزركلي : إدريس بن إدريس بن عبد اللّه بن الحسن المثنى ، أبو القاسم : ثاني ملوك الأدارسة في المغرب الأقصى ، وباني مدينة فاس. ولد في وليلي (بجبل زرهون. على نحو ٣٠ كم من مكناس) وتوفي أبوه وهو جنين ، فقام بشوَون البربر راشد (مولى أبيه إدريس الأوّل وأمينه) وقتل راشد سنة ١٨٦ هـ فقام بكفالة إدريس أبو خالد العبدي ، حتى بلغ الحادية عشر ، فبايعه البربر في جامع وليلي سنة ١٨٨ هـ فتولّى ملك أبيه وأحسن تدبيره وكان جواداً فصيحاً حازماً ، أحبته رعيته. واستمال أهل تونس وطرابلس الغرب والأندلس إليه (وكانت في يد العباسيين بالمشرق ، يحكمها ولاتهم) وغصت وليلي بالوفود والسكان فاختلط مدينة « فاس » سنة ١٩٢ هـ وانتقـل إليها. وغزا بلاد المصامدة فاستولى عليها ، وقبائل نفزة (من أهل المغرب الأوسط) فانقادت إليه ، وزار تلمسان ـ وكان أبوه قد افتتحها ـ فأصلح سورها وجامعها وأقام فيها ثلاث سنوات ، ثم عاد إلى فاس. وانتظمت له كلمة البربر وزناتة ، واقتطع المغربين (الأقصى والأوسط) عن دولة العباسيين من لدن السوس الأقصى إلى وادي شلف. وصفا له ملك المغرب وضرب السكة باسمه وتوفي بفاس (٢) في ٣١٢ هـ. وكان قد ولد عام ٧٧١ هـ وبذلك يكون عمره ٣٦ عاماً.

__________________

١ ـ ابن عذارى المراكشي : البيان المغرب في أخبار الأندلسي والمغرب : ٢١٠ كما في الزيدية للدكتور أحمد محمود صبحي : ١١٣.

٢ ـ الزركلي : الأعلام : ١ / ٢٧٨.
٣٨٦
الفصل السادس

الأعلام المجتهدون من الزيدية

إنّ أعلام الزيدية بين إمام جهاد واستشهاد وإمام فقه واجتهاد ، فمن الطبقة الأولى:

١ ـ يحيى بن زيد.

٢ ـ محمد النفس الزكية.

٣ ـ إبراهيم بن عبد اللّه.

٤ ـ عيسى بن زيد.

٥ ـ الحسين الفخيّ.

٦ ـ يحيى بن عبد اللّه.

٧ ـ ابن طباطبا.

٨ ـ محمد بن محمد بن زيد ، وغيرهم.

وقد تعرفت على موجز أحوالهم وجهادهم واستشهادهم.

نعم هناك أئمة فقه واجتهاد أشادوا هذا المذهب بتفكيرهم وبجهادهم العلمي المتواصل عبر القرون منضماً إلى حروبهم مع المتمردين والظالمين ، وها نحن
٣٨٧

نأتي على ذكر لفيف منهم مع الاِشارة إلى حياتهم وتأليفاتهم ، وأفضل مرجع لدراسة أحوالهم إلى القرن السابع ، كتاب « الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية » ، تأليف أبي الحسن حسام الدين حميد بن أحمد المحلي (٥٨٢ ـ ٦٥٢ هـ).

وقد ألّف في ذلك المجال كتب تتضمن حياة أئمة الزيدية نشير إلى أسمائها :

١ ـ « قرة العيون في أخبار اليمن الميمون » لوجيه الدين عبد الرحمن بن علي (ت ٩٤٤ هـ) نشرها القاضي محمد بن علي الأكوع.

٢ ـ « مصـادر الفكر العربي الاِسلامي » في اليمـن لعبد اللّه الحبشي ، طبع بيروت ـ ١٩٧٨ م.

٣ ـ « اتحاف المهتدين بذكر الأئمّة المجدّدين » لمحمد بن محمد بن يحيى « زبارة » (ت ١٣٨٠ هـ).

٤ ـ « البـدر الطالـع بمحاسن من بعد القرن السابع » للشوكاني (ت ١٢٥٠ هـ).

٥ ـ « حكام اليمن المجتهدون » لعبد اللّه محمد الحبشي ، طبع بيروت.

٦ ـ « مطلـع البدور ، ومجمـع البحور » لابن أبي الرجال صفـي الدين (ت ١٠٩٢ هـ) مخطوط.

٧ ـ « طبقات الزيديّة » تأليف إبراهيم بن القاسم الشهاري (ت ١١٥٣ هـ) مخطوط.

إلى غير ذلك ممّايقف عليه المتتبع في آثار الزيدية.
٣٨٨

١

أحمد بن عيسى بن زيد بن علي

(١٥٧ ـ ٢٤٧ هـ)

الاِمام أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام يكنّى أبا عبد اللّه ، وأُمّه عاتكة بنت الفضل بن عبد الرحمن بن العباس ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب.

ولد يوم الثاني من شهر محرم الحرام سنة ١٥٧ هـ ، توفي والده وهو صغير السن.

قال أبو الفرج الأصفهاني : إنّه وُشيَ إلى هارون بأحمد بن عيسى والقاسم بن علي بن عمر بن علي بن الحسين فأمر بإشخاصهما إليه من الحجاز فلمّا وصلا إليه ، أمر بحبسهما فحبسا في سعة عند الفضل بن الربيع مكاناً عنده قال : فاحتال بعض الزيدية فدسّ إليهما فالوذجاً في حاجات أحدهما مُبْنج فأطعما المُبْنج الموكّلين فلمّا علما إلى ذلك قد بلغ فيهم خرجا ، ـ إلى أن قال : ـ ولم يزل مدّة ببغداد مستتراً ، وقد بلغ الرشيد خبره ، فوضع الرصد في كل موضع ، وأمر بتفتيش كل دار ، يتّهم صاحبهما بالتشيع وطلب أحمد فيها ، فلم يزل ذلك دأبه حتى أمكنه التخلص فمضى إلى البصرة فأقام بها (١).

وقال الذهبي : أحمد بن عيسى بن زيد له كتاب « الصيام » روى عن حسين (يريد الحسين بن علوان) روى عنه محمد بن منصور الكوفي (٢).

وقال السيد الموَيّدي : الاِمام أبو عبد اللّه أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن

__________________

١ ـ أبو الفرج : مقاتل الطالبيين : ٤٠٨ ـ ٤٠٩.

٢ ـ الذهبي : ميزان الاعتدال : ١ / ١٢٧ برقم ٥١٢.
٣٨٩

الحسين السبط عليهم‌السلام فقيه آل محمد ، وله الأمالي المعروفة بعلوم آل محمد سمّاها الاِمام المنصور باللّه « بدائع الأنوار » توفي وقد جاوز الثمانين سنة ٢٤٧ هـ وقد كان حبسه الرشيد ثم أخرجه اللّه تعالى وبقي في البصرة إلى أن توفّي.

أولاده : محمد وعلي (١).

أقول : يروي عن حسين بن علوان كثيراً ومحمد بن بكر العلائي ، وعن محمد ابن بكر عن أبي الجارود عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام.

وروى عنه : ابناه : علي ومحمد ، ومحمد بن المنصور المرادي بواسطة ابنيه المذكورين وبلا واسطة ولم يرو عن أبيه.

وأمّا كتاب الأمالي فهو الذي طبع باسم « رأب الصدع » في ثلاثة أجزاء بتحقيق العلامة علي بن إسماعيل بن عبد اللّه الموَيد الصنعاني وصدر عن دار النفائس ببيروت عام ١٤١٠ هـ وقال محقق الكتاب إنّه كصحيح البخاري عند أهل البيت النبوي الشريف (٢).

وقد أخرج الموَلف فيه ٢٧٩٠ حديثاً عن الرسول وأئمة أهل البيت والباقر والصادق عليهم‌السلام ، وقد أكثر النقل عن النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن غير طريق علي وأبنائه عليهم‌السلام ، كما حدّث عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام والكتاب جدير بالمطالعة والدراسة والاستفادة والاعتماد عليه ، عند صحّة السند ، فلا يتمّ جامع حديثي للشيعة إلاّ بنقل ما ورد فيه عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام.

وقد استخرج المحقّق ـ المغفور له ـ مصادر ما رواه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن طريق الصحابة والتابعين ، وقصرت يده عن استخراج ما رواه عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام عن المصادر الحديثية الشيعيّة ، ليكون آية للصحة والاِتقان. وذيّل الجزء الثالث برسالة أسماها : « تعريف برواة الأحاديث والآثار الواردة في الكتاب » وهي ممتعة.

الجامع لأحاديثه هو أبو جعفر محمد بن منصور بن يزيد المرادي. وإليك

__________________

١ ـ الموَيدي : التحف شرح الزلف : ٤٥.

٢ ـ رأب الصدع : ١ / ١١.
٣٩٠

سند الحديث الأوّل :

أخبرنا أبو جعفر محمد بن منصور بن يزيد ، قال : حدثني أحمد بن عيسى بن زيد عن حسين بن علوان ، عن أبي خالد ، عن زيد عن آبائه عن علي عليه‌السلام وإليك ترجمتهم :

١ ـ محمد بن منصور بن يزيد (١) ولقد رجعت في ترجمة محمد بن منصور المرادي إلى العلامة بدر الدين أحد العلماء الكبار في اليمن والذي يزور حالياً الجمهورية الاِسلامية في إيران ، وحرّر شيئاً ما هذا ملخصه :
ترجمة محمد بن منصور الكوفي المرادي موَلف الامالي :

قال العلامة أحمد بن صالح ابن أبي الرجال أحد كبار علماء الزيدية في كتابه مطلع البدور :

شيخ العترة والشيعة ، عذب الشريعة ، لمن أراد بحار الشريعة محمد بن منصور المقري المرادي كان الأئمّة يجلّونه إجلال الأب الكريم وهو ينزلهم في منزلهم الشريف العظيم ، وكان شيخاً معمّراً قد ذكر في عمره بخط بعض الطلبة كلام لم يتفق عندي فانقله.

وهو الذي جمع أمالي أحمد بن عيسى ، وهو أحد الأربعة الذين اعتمد عليهم في الجامع الكافي ، لأنّ موَلف الجامع الكافي وهو صاحب « المقنع » وهو الذي قال الذهبي فيه : الامام المحدث الثقة العالم مسند الكوفة أبو عبد اللّه محمد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمن العلوي جمع كتاباً فيه علم الأئمّة بالعراق فاجتمع فيه ما لم يجتمع في غيره.

وقال السيد العلاّمة صارم الدين إبراهيم بن محمد عليه‌السلام لمحمد بن منصور ، تفسير ، قلت : وذكر بعض شيوخنا رضي‌الله‌عنه أنّ لمحمد بن منصور

____________

١ ـ لم يترجمه الذهبي في سير أعلام النبلاء ، ولافي ميزان الاعتدال ، ولا جمال الدين المزّي في تهذيب الكمال.
٣٩١

كتاب التفسير الكبير ، وكتاب التفسير الصغير ، وكتاب أحمد بن عيسى عليه‌السلام لعله يريد الأمالي وسيرة الأئمّة العادلة ، وكتاب رسالة بخراسان ، وبعض ينسبها إلى الحسن بن زيد بطبرستان. انتهى.

وقال ابن النديم : المرادي من الزيدية وهو أبو جعفر محمد بن منصور المرادي الزيدي وله من الكتب : كتاب التفسير الكبير ، كتاب التفسير الصغير ، كتاب أحمد بن عيسى ، كتاب سيرة الأئمّة العادلة ، وله كتب في الاحكام مثل طهارة وصلاة وغير ذلك على تلاوة كتب الفقه ، وله كتاب الخميس. كتاب رسالته على لسان بعض الطالبيين إلى الحسن بن زيد بطبرستان (١).

٢ ـ أحمد بن عيسى بن زيد ، وقد مرت ترجمته.

٣ ـ حسين بن علوان ، قال النجاشي : الكلبي ولاءً كوفي عامي (غير شيعي) وأخوه الحسن يكنّى أبا محمد ، ثقة ، رويا عن أبي عبد اللّه عليه‌السلام وليس للحسن كتاب ، والحسن أخص بنا وأولى ، روى الحسين عن الأعمش ، وهشام بن عروة ، وللحسين كتاب تختلف رواياته (٢).

٤ ـ أبو خالد : قال النجاشي : عمرو بن خالد الواسطي عن زيد بن علي له كتاب كبير رواه عنه نصر بن مزاحم المنقري وغيره (٣) روى الصدوق في أماليه بإسناده عن عمرو بن خالد قال : قال لي زيد بن علي بن الحسين : في كل زمان رجل منّا أهل البيت يحتج اللّه به على خلقه ، وحجّة زماننا ابن أخي جعفر بن محمد عليه‌السلام لايضل من تبعه ولا يهتدي من خالفه (٤) وضعفه الذهبي تبعاً لعادته من تضعيف شيعة أهل البيت عليهم‌السلام ومواليهم (٥).

__________________

١ ـ ابن النديم : الفهرست : ٢٤٤.

٢ ـ النجاشي : الرجال : برقم ١١.

٣ ـ النجاشي : الرجال : برقم ٧٦٩.

٤ ـ المامقاني : تنقيح المقال : ٢ / ٣٣٠ برقم ٨٦٩١.

٥ ـ الذهبي : ميزان الاعتدال : ٣ / ٢٥٧ برقم ٦٣٥٩.
٣٩٢

٢

القاسم الرسي

(١٦٩ ـ ٢٤٦ هـ)

القاسم بن إبراهيم (طباطبا) بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن المثنى المعروف بالقاسم الرسي ، فهو الحجر الأساس لظهور الأئمّة في اليمن وهو جد الاِمام الهادي يحيى بن الحسين الذي خرج في اليمن وأسّس حكومة زيدية فيها طالت قروناً.

وممن ترجمه : أبو الحسن حسام الدين حميد الدين المحلي فقد ذكر نسبه ، وصفاته ، وطرفاً من مناقبه وأحواله وزهده وقسماً من الوصايا والحكم والآداب المنقولة منه ، ثم شرح دعوته وقال : لما استشهد أخوه محمد بن إبراهيم عليه‌السلام وهو بمصر دعا إلى نفسه وبثّ الدعاة وهو على حال الاستتار فأجابه عالَم من الناس من بلدان مختلفة ، وجاءته بيعة أهل مكة ، والمدينة ، والكوفة ، وأهل الريّ ، وقزوين ، وطبرستان وتخوم الديلم ، وكاتبه أهل العدل من البصرة والأهواز ، وحثّوه على الظهور وإظهار الدعوة.

وأقام عليه‌السلام بمصر نحو عشر سنين واشتد الطلب له هناك من عبد اللّه ابن طاهر فلم يمكنه المقام ، فعاد إلى بلاد الحجاز وتهامة وخرج جماعة من دعاته من بني عمه وغيرهم إلى بلخ والطالقان والجوزجان ، فبايعه كثير من أهلها وسألوه أن ينفذ إليهم بولد له ليظهروا الدعوة ، فانتشر خبره قبل التمكن من ذلك ، فوجهت الجيوش في طلبه فانحاز إلى حيّ من البدو ، واستخفى فيهم وأراد الخروج بالمدينة في وقت من الأوقات فأشار عليه أصحابه بأن لا يفعل ذلك ـ إلى أن قال : ـ ولم يزل على هذه الطريقة ، مثابراً على الدعوة ، صابراً على التغرّب والتردّد في النواحي والبلدان متحملاً للشدة مجتهداً في إظهار دين اللّه.

ولما تهيّأت مقدمات ظهوره وكانت له بيعات كثيرة في أوقات مختلفة أوّلها
٣٩٣

(سنة ١٩٩ هـ) والبيعة الجامعة كانت سنة ٢١٩ هـ في منزل محمد بن منصور المرادي بالكوفة. فشلت دعوته ولم تساعده المقادير إلى كل ما أراد ، فانتقل إلى الرسِّ في آخر أيامه ، وهي أرض اشتراها وراء جبل أسود بالقرب من ذي الحليفة ، وبنى هناك لنفسه ولولده وتوفي بها سنة ٢٤٦ هـ وله سبع وسبعون سنة ، ودفن فيها ومشهده معروف يزوره من يريد زيارته.

وله من الموَلفات :

١ ـ الدليل الكبير ، وقد بالغ فيه في الكلام على الفلاسفة.

٢ ـ الدليل الصغير.

٣ ـ كتاب العدل والتوحيد الكبير ، وفيه من أُصول العدل والتوحيد وتصديق الوعد والوعيد والمبالغة في الكلام على الجبرية على لطافة حجمه ، ما يشهد بغزارة علمه ، ووفور فهمه.

٤ ـ الرد على ابن المقفّع.

٥ ـ الرد على النصارى.

٦ ـ كتاب المسترشد.

٧ ـ كتاب الرد على المجبرة.

٨ ـ كتاب تأويل العرش والكرسي.

٩ ـ كتاب المسألة وفيها مناظرته مع الملحد

١٠ ـ كتاب تثبيت الاِمامة وتقديم أمير الموَمنين على المشايخ.

١١ ـ كتاب الفرائض والسنن.

١٢ ـ كتاب الطهارة.

١٣ ـ كتاب صلاة اليوم والليلة.

١٤ ـ كتاب مسائل علي بن جهشيار.

١٥ ـ كتاب الناسخ والمنسوخ.

١٦ ـ كتاب سياسة النفس (١).

__________________

١ ـ حسام الدين المحلي : الحدائق الوردية : ٢ / ٢ ـ ٦ ؛ ولاحظ الأعلام للزركلي : ٥ / ١٧١. التحف شرح الزلف ٦٣ ـ ٧٠.
٣٩٤

٣

يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي

(٢٤٥ ـ ٢٩٨ هـ)

هو الاِمام الهادي إلى الحقّ المبين ، أبو الحسين يحيى بن الحسين بن القاسم ابن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب. ولد بالمدينة المطهرة سنة ٢٤٥ هـ وحمل إلى جده القاسم فوضعه في حجره المبارك وعوّذه ، وقال لابنه : بم سمّيته؟ قال : يحيى ، وقد كان للحسين أخ يسمى يحيى توفي قبل ذلك ، فبكى القاسم حين ذكره وقال : هو واللّه ، يحيى صاحب اليمن. ـ إلى أن قال : ـ أقام اللّه به الدين في أرض اليمن وأحيا به رسوم الفرائض والسنن ، فجدد أحكام خاتم النبيين ، وآثار سيد الوصيين.

قيامه سنة ٢٨٠ هـ ، وله مع القرامطة الخارجين عن الاِسلام نيف وسبعون وقعة كانت له اليد فيها كلها ، ومع بني الحارث نيف وسبعون وقعة ـ إلى أن قال : ـ وخطب له بمكة المشرفة سبعة سنين كما ذكر ذلك في عمدة الطالب وغيره ، وقبضه اللّه إليه شهيداً بالسم وهو في ثلاث وخمسين سنة ليلة الأحد لعشر بقين من ذي الحجّة سنة ٢٩٨ هـ ، ودفن يوم الاِثنين في قبره الشريف المقابل لمحراب جامعه الذي أسّسه بصعدة (١).

ذكر حسام الدين المحلّـي طرفاً من مناقبه وأحواله وسيرته ، وأنّه الموَسس للدولة الزيدية في اليمن ، وإليك فهرساً من أسماء كتبه التي ذكرها المحلي وقال : وصنف التصانيف الفائقة والكتب البديعة :

__________________

١ ـ مجد الدين الموَيدي : شرح الزلف : ٦٢ ـ ٧٠ بتلخيص.
٣٩٥

١ ـ كتاب المنتخب في الفقه ، وهو من جلائل الكتب وفيه فقه واسع وعلم رائع. ٢ ـ كتاب الفنون في الفقه ، مهذب ملخص. ٣ ـ كتاب المسائل. ٤ ـ كتاب مسائل محمد بن سعيد. ٥ ـ كتاب الرضاع.٦ ـ كتاب المزارعة.٧ ـ كتاب أُمهات الأولاد. ٨ ـ كتاب الولاء. ٩ ـ كتاب القياس.

ومنها في التوحيد كتب جليلة القدر : ١ ـ كتاب التوحيد ٢ ـ كتاب المسترشد ٣ ـ كتاب الاِرادة والمشيئة ٤ ـ الرد على ابن الحنفية في الكلام على الجبرية ٥ ـ نوادر القرامطة ٦ ـ كتـاب أُصول الديـن ٧ ـ كتـاب الاِمـامـة ٨ ـ كتـاب إثبات النبوة والوصية ٩ ـ كتاب الرد على الاِمامية ١٠ ـ كتاب البالغ المدرك ١١ ـ كتاب المنزلة بين المنزلتين ١٢ ـ كتـاب الحملة ١٣ ـ كتـاب الديانة ١٤ ـ كتـاب الخشيـة ١٥ ـ كتاب تفسير خطايا الأنبياء ١٦ ـ كتـاب الرد على ابن جرير ١٧ ـ كتاب التفسير في ٦ أجزاء ١٨ ـ كتاب معان القرآن في ٩أجزاء ١٩ ـ كتاب الفوائد جزءان إلى غير ذلك ، وقد ذكر عبد اللّه بن محمد الحبشي له ٧٧ أثراً أتى بأسمائها وخصوصياتها ومحل نسخها المخطوطة.

وقد طبع منه كتابان :

الأوّل : كتاب الأحكام وقد طبع في جزأين وهو يشمل الكتب التالية :

١ ـ الطهـارة. ٢ ـ الصلاة. ٣ ـ الجنائـز. ٤ ـ الزكاة. ٥ ـ الصيام. ٦ ـ الحجّ. ٧ ـ النكاح. ٨ ـ الطلاق. ٩ ـ الرضاع. ١٠ ـ النفقات. ١١ ـ البيوع. ١٢ ـ الشفعة. ١٣ ـ الشركة. ١٤ ـ المضاربة. ١٥ ـ الرهن. ١٦ ـ الكفالة ، والضمان ، والحوالة ، والوكالة.١٧ ـ الغصب والاِقـرار. ١٨ ـ التفليس. ١٩ ـ الصلـح. ٢٠ ـ الاِيمـان ، والنذور ، والكفارات. ٢١ ـ الدعـوى. ٢٢ ـ المزارعـة. ٢٣ ـ الهبـة ، والصدقة ، والعمرى ، والرقبي ، والعارية ، والوديعة. ٢٤ ـ الضالة ، واللقطة ، واللقيط. ٢٥ ـ الحدود. ٢٦ ـ الديات ، والجراحة ، والجنايات. ٢٧ ـ الفرائض. ٢٨ ـ الصيد.
٣٩٦

٢٩ ـ الذبائح. ٣٠ ـ الأطعمة والأشربة واللباس. ٣١ ـ الوصايا. ٣٢ ـ القاضي ، والقضاء ، والشهادات. ٣٣ ـ السير. ٣٤ ـ الزهد ، والآداب ، وغيره من محاسن الأخلاق.

الثاني : كتاب الردّ والاحتجاج على الحسن بن محمد بن الحنفية أجاب فيه على ثلاث وأربعين سوَالاً وجهه الحسن على القائلين بالاختيار.

قال الاِمام ، في صدر الكتاب : فإنّه وقع إلينا كلام الحسن (١) بن الحنفية ، يوَكد فيه الجبر ، ويشدد في ذلك منه الأمر ، ويزعم فيه أنّ اللّه سبحانه جبر العباد أجمعين من الملائكة المقربين ، والأنبياء المرسلين ، وجميع الثقلين على كل الأعمال من صالح أو طالح فرأينا أن نجيبه في ذلك وننقض عليه ما جاء به من المهالك ونثبت عليه في ذلك كله لربنا وسيدنا وخالقنا ما هو أهله مما هو عليه وما لا يجوز لخلق اللّه ، أن يقول بغيره فيه ، فاختصرنا له في قوله الجواب ، وتركنا خشية التطويل ، كثيراً من الأسباب ، فلينظر من نظر في قولناوقوله ، وجوابنا لسوَاله بلب حاضر ورأيٍ حيٍّ صادر ، يبن له الحقّ إن شاء اللّه ويثبت في قلبة الصدق (٢).

طبعت الرسالة ضمن رسائل العدل والتوحيد في ١٧٧ صفحة.

وطبعته معها ، رسائل أُخر عام ١٤٠٠ هـ في بيروت بإشراف سيف الدين الكاتب المجاز من جامعة الأزهر.

وقد خرج مرتين ، مرة سنة ٢٨٠ هـ حتى بلغ موضعاً يقال له الشرفة بالقرب من صنعاء وأذعن له الناس بالطاعة ، وأقام مدّة يسيرة ، حتى خذله أهل البلاد ، فعاد إلى الحجاز ثم وصلت كتبهم إليه سنة ٢٨٣ هـ فأجاب طلبهم.

__________________

١ ـ وهو من أحفاد محمد الحنفية ، أعني : الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن محمد الحنفية ، ألّف رسالة يوَكّد فيها الجبر ، طبعت الرسالة في ضمن البدايات الكلامية من جانب المستشرقين.

٢ ـ الاِمام الهادي يحيى بن الحسين : الرد والاحتجاج ضمن رسائل العدل والتوحيد : ١٩.
٣٩٧

وقد ذكر الموَيدي قسماً من أشعاره وقصائده ، ومما قال :

نحن الفواطم لهونا طعن القنا
   

   

ومدامنا حرب يدور رحاها

ومما كتب إلى بني حرث مع كتاب :

خذوا حذركم مني فإنّي مسيِّر
   

   

إليكم جيوش اللّه واللّه غالب (١)

__________________

١ ـ حسام الدين المحلي : الحدائق الوردية : ٢ / ١٣ ـ ٢١ ، عبد اللّه محمد الحبشي : حكام اليمن الموَلفون المجتهدون ٢١ ـ ٤٥.
٣٩٨

٤

الناصر للحقّ ، الأطروش أبو محمد الحسن بن علي

(٢٣٠ ـ ٣٠٤ هـ)

هو أبو محمد الحسن بن علي بن الحسن ، بن علي بن عمر الأشرف بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام.

أحد الأئمّة الزيديين ، موَسس دولتها في طبرستان ، صاحب التآليف والتصانيف ، وقد كان مع محمد بن زيد إلى أن قتل محمد بجرجان فجرّه القضاء إلى بلاد الديلم وهم كفار فأسلموا على يديه ، وظهروا وذلك سنة ٢٨٧ هـ بعد ظهور الهادي في اليمن بسبع سنين (١) واستنقذهم من الضيم وبقي على هذه الحالة يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلى أن استولى على أهلها سنة ٣٠١ هـ.

ذكره حسام الدين المحلي وحكى طرفاً من مناقبه فقال : وحكي أنّه عليه‌السلام حضر لغذاء بعض الأشراف فلما سمع البكاء من داره ، قال : هذا الميت الذي يبكى عليه مات حتف أنفه على فراشه وبين أهله وعشيرته ، وإنّما الأسف على أُولئك النفوس الطاهرة التي قتلت تحت أديم السماء ، وفرّق بين الأجساد والروَوس ، وعلى الذين قتلوا في الحبوس وفي القيود والكبول.

وله تآليف نذكرها :

١ ـ كتاب « البساط » ٢ ـ كتاب في التفسير احتج فيه بألف بيت من الشعر

__________________

١ ـ التقدير بالسبع باعتبار القيام الأوّل ، لأنّه قام أوّلاً سنة ٢٨٠ هـ ولم يكن ناجحاً ، وقام ثانياً عام ٢٨٣ هـ.
٣٩٩

٣ ـ كتاب « الحجـاج الواضحـة » ، وفيه دلائـل حسنة على إمامة أمير الموَمنين. ٤ ـ كتاب « الأمالي » ، إلى غير ذلك مما يبلغ إلى أربعة عشر كتاباً واسع وأُلِّفَ في فقهه كتاب « الحاصر لفقه الناصر » للسيد الموَيد باللّه ، وكتاب « الناظم » للسيد أبي طالب ، وكتاب « الموجز » للشيخ أبي القاسم البستي ، وكتاب « الاِبانة » للشيخ العالم أبي جعفر محمد بن يعقوب الهوسمي ، (هذه الكتب الأربعة أُلفت في فقه الناصر وجميع أهل الجبل من الزيدية كلهم على مذهبه في الفروع) توفي ليلة الجمعة لخمس بقين من شعبان سنة ٣٠٤ هـ وله أربع وسبعون سنة. ومن أحسن شعره قصيدة أوّلها :

أناف على السبعين ذا الحول رابع
   

   

ولابـد لي إلاّ إلى اللّه راجع

وصرت تقومني العصا
   

   

أدبّ كأنّي كلما قمت راكع (١)

وكانت مدّة ظهوره بـ « آمل » ثلاث سنين وأشهراً ودفن فيها ومشهده هناك معروف. وعلى ضوء ذلك فلو كانت إمامته مختصة بهذه السنين الأخيرة فلا يكون في وقت واحد إمامان. ولكن المعروف أنّه دعا إلى نفسه قبل ذلك كما عرفت حيث دخل بلاد ديلم عام ٢٨٧ هـ داعياً إلى نفسه.

قال مجد الدين الموَيدي : وكان يرد بين الصفين متقلداً مصحفه وسيفه ، ويقول : أنا ابن رسول اللّه وهذا كتاب اللّه ، فمن أجاب إلى هذا وإلاّ فهذا. قال محمد بن جرير الطبري في تاريخه ، ولم ير الناس مثل عدل الأطروش وحسن سيرته وإقامته الحقّ. وقال ابن حزم : كان الأطروش ، فاضلاً حسن المذهب ، عدلاً في أحكامه ، ولى طبرستان ...

__________________

١ ـ حسام الدين المحلي : الحدائق الوردية : ٢ / ٢٨ ـ ٤٠. والتحف شرح الزلف : ٧٠ ـ ٧٣.
٤٠٠

وقال الاِمام أبو طالب : وكان يحث الناس على نصرة الهادي يحيى بن الحسين (١) ويقول من يمكنه أن ينصره وقرب منه فنصرته واجبة عليه. ومن تمكن من نصرتي وقرب مني فلينصرني. كان طويل القامة يضرب إلى الأدمة ، به طرش من ضربة.
أولاده :

أبو الحسن الأديب الشاعر ، وأبو القاسم جعفر وأبي الحسين أحمد وقد أشار ، موَلف التحف إلى تعاصر الاِمامين : الهادي والناصر في قطرين بقوله :

وعاصره في الجيـل أفضـل قائـم
   

   

وأبسل من يدعى إذا انحاز هالع (٢)

____________

١ ـ في المصدر الحسن وهو مصحف الحسين.

٢ ـ الموَيدي : التحف شرح الزلف : ٧٠ ـ ٧٣.الهالع : الجبان
٤٠١

٥

الاِمام المرتضى أبو القاسم محمد بن يحيى

(٢٧٨ ـ ٣١٣ هـ)

هو ابن الاِمام الهادي بايعه الناس بعد وفاة والده سنة ٢٩٩ هـ ، وأقام بصعدة وفي يده بلاد همدان ونجران وخولان ، وسيّر جنوده لقتال القرامطة ، فقتلوا في كل فج واستقامت له الأمور ، وبويع يوم الخميس لاِحدى وعشرين ليلة مضت من ذي القعدة من سنة ٢٩٩ هـ وكان ورعاً متقللاً من المعاش كثير العبادة موَثراً للعلم والعمل وقد تخلّـى عن الحكم بعد سنتين لأخيه الناصر بعد أن رأى أشياء ساءته من عشيرته وله من العمر ٣٢ سنة.

موَلفاته :

١ ـ الأصول في العدل والتوحيد ٢ ـ تفسير القرآن ٧ أجزاء ٣ ـ جواب ابن فضل القرمطي ٤ ـ جواب مسائـل ابن مهـدي ٤ أجزاء ٥ ـ رسالة الاِمام المرتضى إلى أهل طبرستان ٦ ـ الرسائـل السبع المنتقاة ٧ ـ الرد على الروافض ٨ ـ الرد على القرامطة أتباع علي بن فضل ٩ ـ الشرح والبيان في تفسير القرآن.

وله شعر جيد ، وله قصيدة مطلعها :

ياحي همدان انّ اللّه فضلكم
   

   

بنصر آل رسول اللّه في الكتب (١)

ولما تنازل ورثه في الحكم أخوه الآتي :

__________________

١ ـ حسام الدين المحلي : الحدائق الوردية : ٢ / ٤١ ـ ٤٦ ، الحبشي : حكام اليمن : ٤٦.
٤٠٢

٦

الناصر لدين اللّه أحمد بن يحيى ابن الحسين

ولد الاِمام الهادي

( ... ـ ٣٢٠ هـ)

ذكر حسام الدين المحلي طرفاً من مناقبه وشعره وظهوره وأجمل الكلام في سبب تنازل أخيه الاِمام المرتضى عن الحكم لصالحه ، وقد كانت بيعته سنة ٣٠١ هـ ، يقول : وبويع له بالخلافة يوم الجمعة في مسجد الهادي إلى الحقّ (والده) واجتمع إليه خلق كثير من الناس ، ثم أقبلت نجران وأهل همدان فبايعوه على الطاعة ، فأرسل قواده واعماله إلى جميع مخالفيه وساس الأمور أحسن سياسة ، وكانت أكثر حروبه مع الباطنية ، إلى أن وافته المنية سنة ٣٢٠ هـ وكانت مدّة ظهوره نحو عشرين سنة ودفن بصعده إلى جنب أخيه وأبيه ومشاهدهم معروفة مزورة (١).

__________________

١ ـ حسام الدين المحلي : الحدائق الوردية : ٢ / ٤٦ ـ ٥٣ ، وحكام اليمن للحبشي : ٥٤ وفيه أنّه توفي عام ٣٢٥ هـ.
٤٠٣

٧

الاِمام السيد الموَيد أبو الحسين أحمد بن الحسين بن هارون

(٣٣٣ ـ ٤١١ هـ)

من أئمة الزيدية في أواخر القرن الرابع وأوائل الخامس ، ترجمه حسام الدين المحلي في الحدائق الوردية وقال : نسب تعنو له الأنوار ، وتغض من شعاعها الشموس والأقمار ، ينتهي إلى جوهر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جواهره ، ونمت إلى عنصره الكريم عناصره ، وهذا هو الفضل الرائق ، والحسب الفائق.

كان وحيد عصره وفريد دهره ، والحافظ لعلوم العترة عليهم‌السلام والناصر لفقه الذرية الكرام فَأُخذ عنه مذهب الزيدية ، وقرِىَ عليه الكلام على طريقة البغدادية وكان في الأصل إمامياً فوضح له الحقّ فانقاد له أحسن انقياد واختلف أيضاً إلى أبي الحسين علي بن إسماعيل بن إدريس. وقُرأ عليه فقه الزيدية والحنفية وروى عنه الحديث عن الناصر للحق عليه‌السلام.

وكان أبو الحسين هذا من أجلة أهل طبرستان رئاسة وستراً وفضلاً وعلماً ، قال مصنف سيرته : وكان عليه‌السلام في الورع والتقشف والاحتياط والتفرد إلى حد يقصر العبارَة عنه ، والفهم عن الاِحاطة وتصوّف في عنفوان شبابه حتى بلغ في علومهم مبلغاً منيعاً وحلّ التصوف والزهد محلاّ ً رفيعاً وصنف سياسة المريدين.

وكان يحمل السمك من السوق إلى داره ، وكانت الشيعة يتشبثون ويتبركون بحمله فلا يمكن أحداً من حمله ، ويقول : أنا أحمله قسراً للهوى وتركاً للتكبر لا لاعواز من يحمله.
٤٠٤

وكان قدس اللّه روحه يجالس الفقراء وأهل المسكنة ويكابر أهل السير والعفة ويميل إليهم ، وكان يرد الهدايا والوصايا إلى بيت المال وكان يكثر ذكر الصالحين وإذا خلى بنفسه يتلو القرآن بصوت حزين إلى آخر ما ذكره (١).

وقال الزركلي : أحمد بن الحسين بن هارون الأقطع ، من أبناء زيد بن الحسن العلوي الطالبي القرشي ، أبو الحسين : إمام زيدي ، من أهل طبرستان. مولده بها في آمل ، ودعوته الأولى سنة ٣٨٠ بويع له بالديلم ولقب بالسيد « الموَيد باللّه » ومدة ملكه عشرون سنة. وكان غزير العلم ، له مصنفات في الفقه والكلام ، منها « الأمالي » و « التجريد » في علم الأثر ، و « شرحه » في أربعة مجلدات (٢).

أقول : له ترجمة ضافية في مقدمة الجزء الأوّل من كتابه « شرح التجريد في فقه الزيدية ».

وما ذكره حسام الدين المحلي من أنه كان إمامياً ، ثم صار زيدياً ، حقّ ، وقد نبه بذلك الشيخ الطوسي في أوائل كتاب التهذيب ناقلاً عن الشيخ المفيد أنّه قال : إنّ أبا الحسين الهاروني العلوي كان يعتقد الحقّ ويدين بالاِمامة فرجع عنها لما التبس عليه الأمر في اختلاف الأحاديث وترك المذهب ، ودان بغيره لما لم يتبين له وجوه المعاني فيها. وهذا يدل على أنّه دخل فيه على غير بصيرة واعتقد المذهب من جهة التقليد ، لأنّ الاختلاف في الفروع لا يوجب ترك ما ثبت بالأدلة من الأصول (٣).

أقول : قد ذكرنا علل اختلاف الأخبار المروية عن أئمة أهل البيت وذكرنا أسبابها المختلفة ، مقرونا بالشواهد في محاضراتنا في الأصول (٤) وكان الشيخ أبا

__________________

١ ـ حسام الدين المحلى : الحدائق الوردية : ٢ / ٦٥ ـ ٦٦.

٢ ـ الزركلي ، الأعلام : ١ / ١١٦.

٣ ـ الطوسي : التهذيب : ١ / ٢ ـ٣.

٤ ـ المحصول : ٤ / ٤٢٩ ـ ٤٣٧.
٤٠٥

الحسين لم يكن واقفاً عليها عن كثب ، وإلاّ لما ترك المذهب ، وقد وصل إلينا من كتبه ، كتابه « شرح التجريد في فقه الزيدية » في ثلاثة أجزاء كبار ـ على القطع الرحلي ، نشرته مكتب عنبر بدمشق عام ١٤٠٥ والكتاب شرح لفتاوى الاِمامين : القاسم بن إبراهيم الرسي ، والهادي يحيى بن الحسين بوجه مبّسط ، وقد تجلّـى فيه تبحره في الفقه الزيدي بعيداً عن الفقه الحنفي كما هو ظاهر لمن طالع الكتاب بالاِمعان والدقة ولأبي الحسين الهاروني ، شعر رائق منه ما يمدح به الصاحب بن عباد نقتبس منه ما يلي :

سقى عهدها ، صوب من المزن الهاطل
   

   

يحيّى بها تلك الربا والمنازل

منازل نجم الوصل فيهن طالع
   

   

يضىء ونجم الهجر فيهن آفل

إلى أن يقول :

ألا أيّها ذا الصاحب الماجد الذي
   

   

أنا مله العليا غيوث هواطل

أنامل لو كنت تشير إلى الصفا
   

   

تفجر للعافين منها جداول

إليك عميد المجد سارت ركابهم
   

   

وليس لهم إلاّ علاك وسايل

وأسعدتهم والنحس لولاك ناجم
   

   

وأعذرتهم والذل لولاك شامل

فكل زمان لم تزينه عاطل
   

   

وكل مديح غير مدحك باطل (١)

__________________

١ ـ شرح التجريد : قسم المقدمة : بقلم يوسف بن السيد محمد الموَيد الحسن : ٧١ ـ ٧٢.
٤٠٦

٨

الحاكم الجشمي

(٤١٣ ـ ٤٩٤ هـ)

المحسـن بن محمد بن كرامة الجشمـي البيهقـي ، المعروف بـ « الحـاكم الجشمي » ، أحد المفسرين العظام المتبحرين في علام الكلام ، شيخ الزمخشري. قرأ بنيسابور وغيرها. واشتهر بصنعاء « اليمن » وتوفي مقتولاً بمكة. له تآليف يبلغ إلى اثنين وأربعين ، وإليك بعضها :

١ ـ « التهذيب » في تفسير القرآن ، في ثمانية أجزاء ، ويوجد منها الجزء ٤ ، ٦ ، ٨ في مكتبة الفاتيكان تاريخ كتابتها سنة ٥٦٥ هـ.

٢ ـ شرح عيون المسائل في علم الكلام.

٣ ـ التأثير والموَثر في الكلام.

٤ ـ المنتخب في فقه الزيدية.

٥ ـ السفينة في التاريخ إلى زمانه في أربعة أجزاء.

٦ ـ تحكيم العقول في الأصول.

٧ ـ الاِمامة على مذهب الزيدية.

٨ ـ الرسالة التامة في نصيحة العامة.

٩ ـ جلاء الأبصار في علم الحديث.

١٠ ـ « تفسيران » بالفارسية ، مبسوط وموجز (١).

إنّ الكعبي المعتزلي ألف كتاباً باسم « ذكر المعتزلة » وأكمله عبد الجبار القاضي المعتزلي بكتاب أسماه « فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة » وقد استدركه الحاكم الجشمي بطبقتين من طبقات المعتزلة : الحادية عشرة ، والثانية عشرة ، وقد طبعه فوَاد السيد ، أمين المخطوطات بدار الكتب المصرية عام ١٤٠٦ هـ (٢)

__________________

١ ـ الزركلي ، الأعلام : ٥ / ٢٨٩.

٢ ـ لاحظ : بحوث في الملل والنحل : ٣ / ٤٠٨ ـ ٤٠٩.
٤٠٧

٩

أبو سعيد نشوان بن سعيد الحميري

( ... ـ ٥٧٣ هـ)

كان أوحد أهل عصره ، وأعلم أهل زمانه في اللغة والنحو والاِنسان والتواريخ وسائر ما يتصل بفنون الأدب ، شاعراً ، كاتباً خطيباً مفوها. وكانت له في الفرائض اليد الطولى.

قال السيوطي : الفقيه العلاّمة المعتزلي النحوي اللغوي ، كذا ذكره الخزرجي ، وقال : كان أوحد أهل عصره ، وأعلم أهل دهره ، فقيهاً نبيلاً ، عالماً متفنّناً ، عارفاً بالنحو واللغة والأصول والفروع والأنساب والتواريخ وسائر فنون الأدب ، شاعراً فصيحاً بليغاً مفوهاً.

صنف : شمس العلوم في اللغة ، ثمانية أجزاء.

قال في البلغة : سلك فيها مسلكاً غريباً ، يذكر الكلمة من اللغة ، فإن كان لها نفع من جهة الطلب ذكره ، فاختصره ولده في جزأين وسمّاه « ضياء الحلوم ».

وقال ياقوت : استولى نشوان على تلاع وحصون وقدّمه أهل جبل صَبِـر ، حتى صار ملكاً.

وقال غيره : مات بعد عصر يوم الجمعة رابع عشر ذي الحجّة سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة (١).

وكان نشوان ذا نفس وثّابة ، طموحة إلى المعالي ، لاترضى إلاّ بالوصول إلى قمة المجد والجمع بين شرف العلم وشرف الملك.

__________________

١ ـ بغية الوعاة : ٢ / ٣١٢ برقم ٢٠٥٧.
٤٠٨
موَلفاته :

١ ـ شمس العلوم ودواء كلام العرب من العلوم ، وهـو من كتب الأدب الهامة ألّفه في ثمانية أجزاء ورتبه على حروف المعجم ، وهو أشبه بدائرة المعارف الرائجة في عصرنا ، وقد اختصر هذا الكتاب ابنه في جزأين وسمّاه « ضياء الحلوم » كما مرّ وقد نشرت منتخبات منه في أخبار اليمن بعناية عظيم الدين أحمد مطبوعة في مطبعة بريد في مدينة ليدن في سنة ١٩١٦ م.

٢ ـ القصيـدة الحميريـة أو النشوانية ، وهي خلاصة السيرة لملوك حمير ، والاِذواء والاِقبال ، مطلعها.

الأمر جـد وهـو غـير مزاح
   

   

فاعمل لنفسك صالحاً ياصاح

٣ ـ كتاب القوافي

٤ ـ التبيان في تفسير القرآن

٥ ـ أحكام صنعاء وزبيد

٦ ـ ارجوزة في الشهور الرومية

٧ ـ رسالة على التصريف

آخرها رسالة « الحور العين وتنبيه السامعين ». وقد طبعت عام ١٣٦٧ هـ بتحقيق كمال مصطفى وذكر ترجمة الموَلف في أوّله شكر اللّه مساعيه. وقدّم له المحقق محمد زاهد الكوثري. ومن قرأ الكتاب يقف على أنّه كان زيدياً ، ومع ذلك ربما لا يصرح بمذهبه.

ومن ذلك ما يذكره في باب الاِمامة عدّة نظريات ، منها : نظرية إبراهيم بن سيار النظام ، وهي إمامة أكرم الخلق وخيرهم عند اللّه ، فمن كان أتقى الناس للّه ،
٤٠٩

وأكرمهم عند اللّه ، وأعلمهم باللّه ، وأعملهم بطاعته ، كان أولاهم بالاِمامة ، والقيام في خلقه ، كائناً من كان منهم ، عربياً كان أو أعجمياً ، ثم يقول : قال مصنف الكتاب : وهذا المذهب الذي ذهب إليه النظام هو أقرب الوجوه إلى العدل وأبعدها عن المحاباة (١).

ومن المعلوم أنّ الضابط الذي أعطاه النظام وقبله الموَلف لا ينطبق إلاّ على علي عليه‌السلام ، مع ذلك لم يصرّح الموَلف بالاسم.

وقد خص فصلاً لفضل زيد (٢) وذكر خروجه : ويظهر منه أنّ باليمن في عصره كان فرقتين فقط :

الجارودية من الزيدية ، والمباركية من الاِسماعيلية (٣).

وفي الكتاب بحوث واسعة حول الفرق الاِسلامية ، ولأجل ذلك صار الكتاب ممتعاً.

وقد ترجمه الزركلي (٤) ولم يزد شيئاً عما جاء في مقدمة ذلك الكتاب.

__________________

١ ـ الحور العين : ٢٥٢.

٢ ـ الحور العين : ١٨٨.

٣ ـ نفس المصدر : ١٥٦.

٤ ـ الأعلام : ٨ / ٢٠.
٤١٠

١٠

الاِمام المنصور باللّه : عبد اللّه بن حمزة بن سليمان

(٥٦١ ـ ٦١٤ هـ)

عبد اللّه بن حمزة بن سليمان المنتهي نسبه إلى إبراهيم طباطبا بن إسماعيل الديباج بن إبراهيم الحسن بن المثنى ، كان آية في الحفظ ، قرأ الأصولين على حسام الدين أبي محمد الحسن بن محمد الرصاص. وألف كتباً كثيراً وله شعراً رائق نقلها حسام الدين المحلي في الحدائق الوردية وترجم له ، ترجمة ضافية استغرق خمسين صفحة ذكر أنّه دعا لنفسه عام ٥٩٣ هـ ، وبويع عام ٥٩٤ هـ وتوفي عام ٦١٤ هـ بأرض حولان ، قال عبد اللّه الحبشي : تسلم الاِمامة بتكليف من أهل عصره. وكان يأمل في دعوة الأمير عماد الدين بن يحيى فاعتذر عنها وتحملها الاِمام عبد اللّه ، على مشقّة. وفي بداية دعوته جاءت رسائل من أهل حصن « ميتك » يطلبونه لتخليصهم من نفوذ بني حاتم. وكانوا قد استولوا على ناحيتهم فاعتذر فلم يقبلوا عذره وما زالوا به حتى أقبل عليهم وخلّصهم من بني حاتم. ويقول الموَرخون : إنّه قبل أن يدخل حصن « ميتك » أرسل إلى أهله يقول : « قد ملكت هذا الحصن ولكم فيه حقّ العمارة ولست أُقيم إلاّ برضاكم ، فإن تأذنوا لي وإلاّ خرجت عنه » فقالوا بأجمعهم : رضينا بك ، فأقام بين ظهرانيهم سنتين وثلاثة أشهر.

وأكثر أخباره معارك مع سلاطين بني حاتم ، وكان قد أتى من مصر إلى اليمن سيف الاِسلام « طغتكين » سنة ٥٧٩ هـ ، فوقعت بينه وبين الاِمام بعض المعارك كتلك الوقعة التي قتل فيها أخوه الاِمام محمد بن حمزة.

وما زالت الحروب بينهم حتى مات « طغتكين » سنة ٥٩٣ هـ. وتم الصلـح
٤١١

بينه وبين السلطان علي بن حاتم بعد أن جدّد لنفسه الدعوة.

وله كتب في شتى المواضيع من الفقه وأُصوله والكلام والحديث والأدب :

١ ـ صفوة الأخيار في أُصول الفقه ٢ ـ حديقة الحكم النبوية شرح الأربعين السلفية ٣ ـ الشافي في أُصول الدين أربعة أجزاء٤ ـ الرسالة الهادية بالأدلة البادية في السبي ٥ ـ الأجوبة الكافية بالأدلة الوافية ٦ ـ الدرة اليمنية في أحكام السبي والغنيمة ٧ ـ الاختيار المنصورية في المسائل الفقهية ٨ ـ الاِيضاح لعجمة الاِفصاح أكثره يتعلق بالسير ٩ ـ كتاب الفتاوى مرتب على كتب الفقه ١٠ ـ الرسالة القاهرة بالأدلة الباهرة في الفقه ١١ ـ الرسالة الحاكمة بالأدلة العالمة ١٢ ـ الرسالة الناصحة المشيرة بترك الاعتراض على السيرة.١٣ ـ العقيدة النبوية في الأصول الدينية. ١٤ ـ الرسالة الفارقة بين الزيدية والمارقة. ١٥ ـ الرسالة النافعة بالأدلة القاطعة ١٦ ـ الرسالة الكافية إلى أهل العقول الوافية ١٧ ـ الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة. ١٨ ـ الجوهرة الشفافة الرادعة للرسالة الطوافة ١٩ ـ الأجوبة الرافعة للاِشكال ٢٠ ـ الزبدة في أُصول الدين ٢١ ـ العقد الثمين في الاِمامة ٢٢ ـ القاطعة للأوارد في الجهاد ٢٣ ـ كتاب تحفة الاِخوان ٢٤ ـ الرسالة التهامية ٢٥ ـ ديوانه.

ومن شعره الرائق قوله في حقّ الوصي :

بني عمنا! إنّ يوم « الغدير »
   

   

يشهد للفارس المعلم

أبينا علي وصي الرسول
   

   

ومن خصه باللوا الأعظم

لكم حرمة بانتساب إليه
   

   

وها نحن من لحمه والدم

لأن كان يجمعنا هاشم
   

   

فأين السنام من المنسم؟

وإن كنتم كنجوم السماء
   

   

فنحن الأهلّة للأنجم

ونحن بنو بنته دونكم
   

   

ونحن بنو عمه المسلم

حماه أبونا أبو طالب
   

   

وأسلم والناس لم تسلم
٤١٢

وقد كان يكتم إيمانه
   

   

فأمّا الولاء فلا يكتم

وأي الفضائل لم نحوها
   

   

ببذل النوال وضرب الكمي؟

قفونا محمد في فعله
   

   

وأنتم قفوتم أبا مجرم (١)

هدى الملك هدي العروس
   

   

فكافئتموه بسفك الدم

ورثنا الكتاب وأحكامه
   

   

على مفصح الناس والأعجم

فإن تفزعوا نحو بارئكم
   

   

فزعنا إلى آية المحكم

أشرب الخمور وفعل الفجور
   

   

من شيم النفر الأكرم؟

قتلتم هداة الورى الطاهرين
   

   

كفعل يزيد الشقي العمي

فخرتم بملك لكم زائل
   

   

يقصر عن ملكنا الأدوم

ولابد للملك من رجعه
   

   

إلى مسلك المنهج الأقوم

إلى النفر الشمّ أهل الكسا
   

   

ومن طلب الحقّ لم يظلم (٢)

وقد ترجمه الزركلي في الأعلام وذكر صورة تآليفه مشيراً إلى المخطوط منه والمطبوع وذكر « العقد الثمين » ورمز بعلامة « خ » مشيراً إلى أنّه مخطوط (٣) مع أنّه طبع في الثمانينات بعد قيام الجمهورية وهو رد على الاِماميّة ، ولأجل إيقاف القارىَ على نماذج من نقده على الاِمامية نأتي بنظره في النص على إمامة علي ، وهو ممن يقول بأنّ النص كان خفياً لا جليّاً ، قال :

الخلاف بين الشيعة في علي بن أبي طالب أمير الموَمنين في وجوه :

أحدها : في كيفية النصّ عليه عليه‌السلام بعد اتفاقهم على ثبوت إمامته بالنص.

__________________

١ ـ يعني أبا مسلم الخراساني ، عبد الرحمن القائم بالدعوة العباسية سنة ١٢٩ هـ.

٢ ـ مصادر الترجمة : الحدائق الوردية : ٢ / ١٣٢ ـ ١٨٢. الغدير : ٥ / ٣٩٦ ـ ٤٠٠ ، حكّام اليمن : ٨٢.

٣ ـ الزركلي : الأعلام : ٤ / ٨٣ ولاحظ : التحف شرح الزلف : ١٠٣ ـ ١٠٥.
٤١٣

ثانيها : في حاله بعد ظهور قتله وإخبار الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك وإخبار علي عليه‌السلام بذلك من بعده وكون ذلك معلوماً بالضرورة.

وثالثها : في حكم المتقدمين عليه ، المخالفين له :

ونحن نترك كلامه في الأمرين الأخيرين ونقتصر بكلامه في الأمر الأوّل ، وقد اختار أن النصّ على إمامته لم يكن جلياً بل كان خفياً ولكن الاِمامية تقول بكونه جلياً قال : وأمّا الاِمامية فقد ادّعوا أنّ النصّ جلي بحيث نعلم أنّ الجميع اضطروا إلى العلم بالمراد ، وان الكلّ علموا أنّ قصد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كون علي إمام الأمّة بعده بلا فصل .....

ثمّ أشكل عليه بقوله : إنّه لو كان المراد من النصّ معلوماً بالضرورة لاستغنوا عن الكشف والبيان كما هو الحال في الأمور الضرورية ، مثلاً إنّا لا ننصب لأهل الاِسلام الدليل على أنّ الصلوات خمس ، وأنّ الزكاة مفروضة في الأموال ، وأنّ الحجّ إلى بيت اللّه ، وأنّ نبيّ هذه الأمّة محمّد رسول اللّه ، لما كانت هذه معلومة ضرورة ، لم تفتقر إلى بيان ولا كشف. ولما رأى علماءهم المبرزين كالشريف المرتضى الموسوي ومن تقدمه وتأخر عنه من أهل الكلام ، بالغوا في تبيين معنى الآية والخبر بل الأخبار علمنا أنّهم من اعتقاد الضرورة ، على شفا جرف هار ، لأنّ من تحمل المشقة في إظهار الظاهر كان عابثاً وكيف يكشف المكشوف أو مجتهد في صفة المشاهد المعروف.

ولأنّا قد اتفقنا نحن وإيّاهم ونحن الجم الغفير والعدد المتعذر الانحصار الكثير ، فكيف لم يحصل العلم لكلّنا أو بعضنا. ونحن وإيّاهم قد اتفقنا على أنّ الاِمام بعد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا فصل علي بن أبي طالب وأنّ من تقدم عليه فقد أخطأ وعصى ، فلو كان ما ذكروا من النصّ يوصل إلى الضرورة لوصلنا لاتفاقنا نحن وإيّاهم على العلم بالدليل وكيفية ترتيب الاستدلال فلو حصل العلم لهم ، لحصل
٤١٤

لنا ضرورة (١).

يلاحظ عليه : أوّلاً : أنّ الاِمامة ـ حسب عقيدة الشيعة ـ من الأصول التي يعتبر فيها العلم ، ولا يكفي فيها الظن والحدس ولا خبر الآحاد ، والمراد من العلم ، هو العلم بما صدر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإذا كان المطلوب فيها العلم ، ثم الاعتقاد وعقد القلب فهو يطلب لنفسه أن يكون النص الوارد في ذلك المجال جلياً مورثاً للعلم واليقين ، ذابّاً للشك والريب عن أذهان المكلّفين حاضرهم وغائبهم ، وكل من وصل إليه خطابه إلى يوم القيامة ، وإلاّ فلا ينتج إلاّ الظن والشك غير المفيدين في ذلك الباب.

وبعبارة أُخرى : إذا كان الاِعلام بإمامة علي واجباً على النبي من اللّه سبحانه ، اذاً لا يخلو الأمر من حالتين : إمّا أن يكون مع تمكنه من النص الجليّ ، أو لا معه ، والثاني لا تصدقه حياة النبي خصوصاً القسم الأخير منها ، عندما استقر الاسلام ملقياً جرانه ومتبوّئاً أوطانه (٢) فكان النبي ، مطاعاً ومهاباً ، منذ وعى الوحي الاِلهي بملأ قلبه « الّذِينَ يُبَلّغُونَ رِسالاتِ اللّه وَيَخْشَونَهُ وَلا يَخْشَونَ أحداً أبداً وَكَفى باللّه حسيباً » (الأحزاب ـ ٣٩) وعلى ضوء ذلك فكان في وسع النبي ، التنصيص الواضح بولاية الاِمام في أنّه سبحانه جعله إماماً للناس بعد رحيله. إذاً العدول عنه إلى النص الخفي ، تعريض للأمّة ، للتفرقة والنزاع ، وزرع لبذر الخلاف والنقاش ومع أنّه سبحانه يقول : « وَاعَتَصِمُوا بِحَبلِ اللّهِ جَميعاً ولا تَفَرَّقوا » (آل عمران ـ ١٠٣).

ثانياً : أنّ القضايا البديهية في المنطق تنقسم إلى أقسام ، بعضها غنية عن

__________________

١ ـ الاِمام المنصور باللّه حمزة بن عبد اللّه بن سليمان : العقد الثمين : ٧ ـ ٨.

٢ ـ اقتباس من كلام الاِمام علي نهج البلاغة : الخطبة ٥٦.
٤١٥

الكشف والبيان والبرهنة والاستدلال دون البعض الآخر والمجموع عبارة عن :

١ ـ الأوّليات ٢ ـ المشاهدات ٣ ـ المتواترات ٤ ـ التجربيات ٥ ـ الحدسيات ٦ ـ الفطريات.

ولكل تعريف واحد ، والثلاثة الأول وإن كانت غنية عن البرهنة والاستدلال ، لكن الثلاثة الأخيرة ، بحاجة إليها. مع كونها من أُصول اليقينيات والبديهيات لدى المنطقيين.

مثلاً كون نور القمر مستفاداً من الشمس من الحدسيات ، لكن الاِذعان بالحكم المذكور غير غني عن البيان ، ولأجل ذلك يستدل عليه بتشكل القمر عند اعتراض الأرض بينه وبين الشمس ، ومثلها التجربيات التي لا تفارق عن بذل الجهد ، في طريق المطلوب أيّاماً وشهوراً. وأمّا الفطريات فمصطلح المنطقيين فيها غير مصطلح القرآن ، فهي عندهم عبارة عما لا يصدقه العقل بمجرد تصور طرفيها ـ كالأوّليّات ـ بل لا بد من وسيط إلاّ أنّ هذا الوسيط ليس مما يذهب عن الذهن حتى يحتاج إلى الفكر.

وعلى ذلك فليس كل قضية ضرورية ، غنية عن الكشف والبيان.

إنّ الاِمام ابن حمزة جعل القضايا الضرورية مساوية للأوّليّات التي يصدقها العقل لذاتها وبدون سبب خارج عن ذاتها مثل قولنا ، الكل أعظم من الجزء وغفل عن أنّ المراد من النصّ الجلي هو المفيد للعلم بالضرورة وإن كانت الاِفادة متوقفة على أُمور بسيطة ، لو التفت إليها ، لحصل العلم ، فبذل الجهد في الاستدلال بحديث الغدير ، سنداً ومضموناً لا ينافي كونها من القضايا اليقينية المفيدة لليقين ولو بعد التأمل في أُمور حوله.

وثالثاً : أنّ النبي الأكرم ألقى حديث الغدير الذي هو من أوضح الأدلة على إمامة علي عليه‌السلام في منصرفه عن حجة الوداع في أرض تسمى بـ « غدير خم » ،
٤١٦

ألقاه في محتشد عظيم ضمّ إلى نفسه أزيد من ثمانين ألف صحابي من أقطار مختلفة.

وقد وقف من شهد الواقعة على مقاصد النبي ومآربه ، من غير شك ولا ترديد فيها ، ولكن ابتعاد الأجيال اللاحقة ، عن عصر الرسول ، صار سبباً ، لاختفاء كثير من القرائن اللفظية والحالية التي كان لها دور في تبيين المقصود فمست الحاجة بجمعها وترصيفها على وجه ، تحكي لنا الواقعة على ما هي عليها ، بلا زيادة ولا نقيصة حتى يصير الغائب كالحاضر في فهم المراد ، وينتقلا بالضرورة إلى معنى واحد.

وبعبارة أُخرى : الغرض من البيان والكشف إحضار الواقعة بمالها من الخصوصيات المسموعة والمرئية في عقلية الغائب حتى يكون هو والحاضر في رحاب الخطاب سيان ، وهذا طبيعة كل قضية حصل الفصل الزمني بينها والجيل اللاحق ، فليس للقائل بصحة الواقعة إلاّ مسير واحد ، وهو إخراج الواقعة عن ملفِّ التاريخ وتصويرها على وجه كأنّ الجيل اللاحق ، يرى نفس ما رآه السابق حتى يكون الجيلان أمام التاريخ سواسية ، ومثل ذلك لا يُخرج الواقعة عن كونها جلية.
٤١٧

١١

الموَيد باللّه يحيى بن حمزة بن علي

(٦٦٩ ـ ٧٤٩ هـ)

هو الاِمام الموَيد باللّه ، أبو إدريس يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم بن يوسف بن علي بن إبراهيم بن محمد بن أحمد بن إدريس بن جعفر بن علي التقي ابن محمد الجواد بن الاِمام علي الرضا.

وهو المعروف بعلمه الجم ، واطّلاعه الواسع ، وتوغّله في علم الكلام وبروزه في أسرار البلاغة والفصاحة ، يعرّفه الموَيدي بقوله :

هذا الاِمام من منن اللّه على أرض اليمن ، وأنواره المضيئة في جبين الزمن ، نفع اللّه بعلومه الأئمّة وأفاض من بركاته على هذه الأمّة ، قام بالحكم بعد وفاة الاِمام محمد بن المطهر سنة ٧٢٩ هـ وتوفي ٧٤٩ هـ عن عمر يناهز ٨٢ سنة.

وأمّا موَلفاته فهي كثيرة جداً وقد وصل إلينا منها الكتاب الآتي :

الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الاِعجاز ، فرغ منه موَلفه سنة ٧٢٨ هـ طبع بالقاهرة عام ١٣٣٢ هـ بمطبعة المقتطف في ثلاثة أجزاء وهذا الكتاب من حسنات الدهر ، وقد أفادنا كثيراً عند البحث عن إعجاز القرآن في محاضراتنا في الاِلهيّات.

ومن تأليفاته المهمة أيضاً :

الشامل لحقائق الأدلة العقلية وأُصول المسائل الدنيوية ، ومنه نسخة في المكتبة العربية في اليمن برقم ٨٨ وهذا هو الكتاب الذي استخرجه الدكتور أحمد
٤١٨

محمود صبحي آراء الموَلف الكلامية منه وضم إليه آراء مختلف المتكلمين الذين أدلوا بآرائهم حول مختلف الموضوعات.

غير أنّ الذي أبرزه بين العلماء هو كتابان :

الأوّل : كتاب الطراز على ما عرفت.

الثاني : كتاب الانتصار في الفقه ، وهو الينبوع الذي نهل منه ابن المرتضى (وستوافيك ترجمته) وهو المادة الأولى لكتاب البحر الزخار. ويذكر أنّه في ١٨ مجلداً ، وقد ذكر غير واحد من المترجمين له كتاب :

الديباج الوضي في الكشف عن أسرار كلام الوصي ، وهو شرح لكتاب نهج البلاغة الذي جمعه الشريف الرضي (١).

__________________

١ ـ الموَيدي : التحف شرح الزلف : ١٢٠ ـ ١٢٣ ، وانظر حكام اليمن : ١٣٣ ـ ١٤٨ ، ولاحظ الاِمام المجتهد يحيى بن حمزة وآراءه الكلامية تأليف الدكتور أحمد محمود صبحي ، نشره عام ١٤١٠ هـ.
٤١٩

١٢

أحمد بن يحيى بن المرتضى

المهدي لدين للّه

(٧٦٤ ـ ٨٤٠ هـ)

موَلّف البحر الزخار

ابن المرتضى أحد الأئمّة الزيديين اللامعين ، لايشق غباره ، فهو بحر لا يبارى في الفقه والأصول ولنذكر شيئاً من حياته : قال مجد الدين الموَيدي :

الاِمام المهدي لدين اللّه ، أحد من ارتضع من العلوم لبابها ، واكترع من لجج البحار عبابها ، هو أبو الحسن أحمد بن يحيى بن المرتضى بن أحمد بن المرتضى بن المفضل بن منصور بن المفضل الكبير بن عبد اللّه الحجاج بن علي بن يحيى بن القاسم بن يوسف بن الاِمام يحيى بن الاِمام الناصر لدين اللّه أحمد بن يحيى الحسين بن القاسم الرسيّ.

تلقى العلوم الأدبية واللغوية والدينية من أُسرته وبلغ إلى حد بايعه العلماء بالاِمامة بعد وفاة الاِمام الناصر صلاح الدين بن محمد عام ٧٩٣ هـ بينما بايع الوزراء ابن الاِمام الناصر يعني علي بن صلاح. فصارت الغلبة نصيب الثاني فسجن ابن المرتضى ، ولقد كان التوفيق حليفه في السجن فتفرغ للتأليف وانتج آثاراً لها مكانة كبرى في الأوساط العلمية لا سيما الزيدية إلى أن وافته المنية عام ٨٤٠ هـ.

وينقل الموَيد أنّ الهادي بن إبراهيم يستعطف عليّ بن صلاح الذي سجن
٤٢٠

ابن المرتضى ويطلب منه إطلاق سراحه بالأبيات الشعرية التالية :

فقلت له فداك أبي وأُمي
   

   

تلطف بالقرابة والرحامة

فإنّ السيد المهدي منكم
   

   

بمنزلة تحق له الفخامة

ألم يكن جدك المهدي خالاً
   

   

له وكفى بذاك في الرحامة

أخاف إذا استمر القيد فيه
   

   

تجىء مقيداً يوم القيامة

فيسألك الاِله بأي ذنب
   

   

تقيده وتحبسه ظلامة (١)

أُعتقل ابن المرتضى في سجن صنعاء سبع سنوات ثم أفرج عنه فتوجه إلى « ثلاء » سنة ٨٠١ هـ إلى صعدة سنة ٨٠٢ هـ وفي سنة ٨١٦ هـ رحل إلى بلاد حجّة وتزوج هناك وعكف إلى التأليف وترك الترقب بالمهدي وأراح قلبه من مشاكل السياسة ، وقد ترجمه غير واحد من الأعلام منهم : الشوكاني ، قال :

(ولد) بمدينة ذمار يوم الاثنين لعله سابع شهر رجب سنة ٧٧٥ هـ خمس وسبعين وسبعمائة (٢) قرأ في علم العربية فلبث في قراءة النحو والتصريف والمعاني والبيان قدر سبع سنين. وبرع في هذه العلوم الثلاثة وفاق غيره من أبناء زمانه ثم أخذ في علم الكلام على صنوه الهادي ، وعلى القاضي يحيى بن محمد المدحجي فسمع على الآخر الخلاصة وحفظ الغياضة ثم شرح الأصول للسيد مانكديم ، ثم أخذ في علم اللطيف فقرأ تذكرة ابن متويه على القاضي المذكور مرة. ثم على القاضي على بن عبد اللّه بن أبي الخير مرة أُخرى ثم قرأ عليه المحيط والمعتمد لأبي الحسين البصري ومنتهى السوَل. وسمع على الفقيه علي بن صالح السيرة النبوية ونظام الغريب ، ومقامات الحريري. وعلى المقرىَ المعروف بابن النساخ الكشاف ،

__________________

١ ـ التحف شرح الزلف : ١٢٧ ـ ١٢٨.

٢ ـ ويروى أنّه ولد ٧٧٤ هـ كما عليه المقدم للكتاب البحر الزخار.
٤٢١

وعلى أخيه الهادي المتقدم علم الفقه وقرأ غير ذلك وتبحر في العلوم واشتهر فضله وبعد صيته وصنف التصانيف.

ففي أُصول الدين : « نكت الفرائد في معرفة الملك الواحد » و « القلائد وشرحها الدرر الفرائد » و « الملل وشرحها الأمنية والأمل » و « رياضة الأفهام في لطيف الكلام » وشرحها « دامغ الأوهام » وفي أُصول الفقه : « كتاب الفصول في معاني جوهرة الأصول » و « معيار العقول وشرحه منهاج الوصول » وفي علم النحو : « الكوكب الزاهر شرح مقدمة طاهر » و « الشافية شرح الكافية » و « المكلّل بفرائد معاني المفصل » و « تاج علوم الأدب في قانون كلام العرب » و « أكليل التاج وجوهرة الوهاج » وفي الفقه : « الأزهار » وشرحه « الغيث المدرار » في أربعة مجلدات « والبحر الزخار » في مجلدين.

وفي الحديث : كتاب « الأنوار في الآثار الناصة على مسائل الأزهار » في مجلد لطيف وكتاب « القمر النوار في الرد على المرخصين في الملاهي والمزمار ».

وفي علم الطريقة : « تكملة الأحكام » وفي الفرائض : « كتاب الفائض ».

وفي المنطق : « القسطاس » وفي التاريخ : « الجواهر » و « الدرر » وشرحها يواقيت السير. وقد انتفع الناس بمصنفاته لاسيما الفقهية فإنّ عمدة زيدية اليمن في جميع جهاته على الأزهار وشرحه والبحر الزخار (١).

وقد بسط الكلام في سيره وآثاره علي بن عبد الكريم الفضيل شرف الدين.

قال : فلاحظ من سيرة المهدي عليه‌السلام انّه بعد أن خرج من سجن صنعاء جنّد نفسَه للجهاد والجلاد ، ولكن جهادُه وجلاده في هذه الفترة لم يكن مع المنصور علي بن صلاح ولا مع غيره وإنّما كان مع الجهلِ والبدعِ والضلالاتِ ،

__________________

١ ـ الشوكاني : البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن التاسع : ١ / ١٢٢.
٤٢٢

جاهَد هذا الثالوثَ الرهيبَ بلسانه ، وبيانه ، وسلوكه ، وخرج بنفسه من أجل ذلك إلى القرية وتجول في السهول حيثما تسكن القبائل وتأوي إليها النسور القشاعم من أحفاد الأنصار وأشبال أحفاد الأنصار ، وفيها حمل راية الجهاد ونادى بوجوب الاجتهاد وبحرية وقدسية الفكر والرأي للانتقاد الحرّ والاستنباط الحرّ من مصادر الاِسلام الأولى كتاب اللّه وسنّة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والاستفادة من الثروات الفكرية التي خلَفها الأئمّة الهادونَ ، والعلماء المجتهدون في كل أصقاع الأرض ، ومن أجل ذلك ألّف الموَلفات الشاملة وحرر الرسالات الصادعة وبدّد الشبهات بالحجج النيرات ، ولذا ظهرت بعض موَلفاته في هذه الفترة على النحو التالي :

في « ثلا » وبعد خروجه من السجن ألف كتاب (البحر الزخار) الجامع لمذاهب علماء الأمصار وفيه تظهر آراوَه وأنظاره الخاصة في كل المسائل التي اشتمل عليها الكتاب.

وفي سنة ٨١٦ هـ سافر من « ثلا » إلى بلاد مسور وفيه مكث ما شاء اللّه وبدأ في كتابة « غايات الأفكار » وهو شرح لما تضمنه كتاب « البحر الزخار » من العلوم.

وبعد أن سافر إلى الأهنوم وأصلح أحوال أهله رجع إلى « الحيمة » لنفس الغرض ، ومنها استدعاه أهل حراز لاِصلاح شأنهم ومكث في « حراز » ما شاء اللّه وفيه ألف « الدامغ » و « منهاج الوصول لمعيار العقول » وكتاب « علوم الأدب » و « القسطاس في المنطق » و « القاموس الفائض في الفرائض » ثم رجع إلى « مسور » لزيارة أولاده وفي هذه الفترة ألف « القمر النوار ».

ثم نزل « الدقائق » من بلاد « لاعة » وفيها ألف « حياة القلوب ».

وفي سنة ٨٣٦ هـ توفي الاِمام الهادي علي بن الموَيد وأوصى بتسليم ما كان بيده من الحصون إلى الاِمام المهدي صاحب الترجمة فأمر ابنه الحسن بن الموَيد بتعهدها وافتقادها ، أمّا الاِمام نفسه فقد رحل إلى ظفير حجّة ، حيث اتّخذه وطناً له
٤٢٣

وذلك في سنة ٨٣٨ هـ ، وفي سنة ٨٤٠ هـ توفاه اللّه شهيداً بالطاعون وقبره بالظفير مشهور رحمه‌الله وجزاه خيراً وألحقنا به صالحين (١).
آثاره المعروفة :

ثم إنّ الذي شهّر الاِمام ابن المرتضى هو آثاره القيمة نذكر منها ما يلي :
١ ـ البحر الزخار الجامع لمذاهب أهل الأمصار :

وقد طبع مرة واحدة عام ١٣٦٨ مبتوراً مشتملاً على أربعة فنون :

١ ـ الأحكام الفقهية ٢ ـ الفرائض الشرعية ٣ ـ الغرائب من فقه السيرة النبوية المسمّى بالدرة ٤ ـ تكملة الأحكام والتصفية عن بواطن الآثار.

ثم طبع ثانياً عام ١٣٩٣ هـ منضماً إلى الكتب التالية :

١ ـ أُصول الدين ، ٢ ـ أُصول الفقه ، ٣ ـ علم اللطيف (الفلسفة) ٤ ـ الملل والنحل ٥ ـ آيات الأحكام ٦ ـ تاريخ سيرة سيد البشر وأصحابه العشرة الغرر ، وعترته المنتجبين الزهر.

وقد طبع الكتاب في سبعة أجزاء ، والجزء الأوّل باسم المقدّمة ، والكتاب مشتمل على عشرة فنون ، وهو موسوعة كبيرة أحتفل بها العلماء في الأوساط المتنورة.
٢ ـ كتاب الأزهار في فقه الأئمّة الأطهار :

وقد حظي الكتاب بالاهتمام البالغ من قبل المقلّدين والمجتهدين وربما يقال نظمت ونضدت فيه مسائل الفقه ، أو ثمانية وعشرين ألفاً من مسائل الشريعة منطوقاً ومفهوماً وعليه اعتمدت الزيدية حتى عصرنا هذا.

__________________

١ ـ البحر الزخار ، ج١ : المقدمة بقلم علي بن عبد الكريم بن محمد الفضيل شرف الدين : ١٩ ـ ٢٦.
٤٢٤

والحقّ أنّه لم يحظ متن فقهي من متون الأئمّة بمثل ما حظى به متن الأزهار من عناية العلماء واهتمامهم بتعليقاتهم ، وهو بين الزيدية ، كالعروة الوثقى عند الاِمامية.

ولقد ألّف بعده كتابان : الآثار ، والهداية على غرار الأزهار ، ولكن لم يحرزا القبول والأوّل لحفيد الموَلّف شرف الدين المتوفى سنة ٩٦٥ هـ والثاني لصارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير المتوفى سنة ٩٢٤ هـ.

وهناك من قام بمناقشة المضمون وكيفية الاستنباط كالعلامة الجلال في كتابه ضوء النهار ، ورد عليه ، ابن الأمير في كتابه « منحة الغفّار ».

إلى أن وصلت النوبة للشوكاني فقام بالتعليق عليه مع النقد اللاذع وسمّى كتابه بـ « السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار » والاسم يعرب عن المسمّى وهو بصدد هدم ما بناه الاِمام ، وتخريب ما أرساه وقد أثار هذا النوع من التأليف مشاعر أكثر رجالات العلم المتحررين ، فكتبوا ردوداً عليه.

وأما تصانيفه فيبلغ عدد الجمع ٣٣ وقد طبع قسم منها ضمن البحر الزخار وتعرفت على فهرسته في ترجمة الشوكاني له.

ولم يكتف الاِمام بالرسائل والمواعظ والموَلفات في نشر علومه وأفكاره ، بل قرض الشعر ونظّم القصائد الهادفة ، وله قصيدة تذكر أبناء فاطمة الزهراء ـ سلام اللّه عليها ـ ويقول :

إذا ما رأيت الفاطمي تمردا
   

   

أقام على كسب المعاصي وأخلدا

فذاك الذي لما أكتسى ثوب عزة
   

   

تبدل أثواب الدناءة وارتدا

فياسوءتا للفاطمي إذا أتى
   

   

أسير المعاصي يوم يلقى محمدا

فلو لم يكن إلاّ الحياء عقوبة
   

   

ولم يخش أن يصلى الجحيم مخلّدا

٤٢٥

لكان له واللّه أعظم وازعٍ
   

   

من النكر والفحشاء كهلاً وأمردا

فقل لبني الزهراء إن محمدا
   

   

بنى لكموا بيت التقاء وشيدا

وأنّ أباكم حيدر بعده الذي
   

   

حماه وقد قامت إلى هدمه العدى

فلا تهدموا بنيان والدكم وقد
   

   

تحسى أبوكم دونه جرع الردا

فشّر فتىً في العالمين فتى أتى
   

   

وقد أصلحت كفا أبيه فأفسدا
نظرة في كتاب طبقات المعتزلة :

إنّ من سبر كتاب طبقات المعتزلة لابن المرتضى يقف على أنّه يرى منهج الاعتزال صورة صحيحة للاِسلام ، وأنّه والاعتزال ، وجهان لعملة واحدة حيث ذكر للمعتزلة اثنتي عشر طبقة إلى عصره. بالشكل التالي :

الطبقة الأولى : الخلفاء الأربعة وعبد اللّه بن العباس وعبد اللّه بن مسعود وغيرهم من الصحابة.

الطبقة الثانية : الحسنان اللّذين منهما اشتهر القول بالتوحيد والعدل ثم ذكر أسماء عدّة من تلك الطبقة.

الطبقة الثالثة : الحسن بن الحسن المثنى ، وعبد اللّه بن الحسن وأولاده : النفس الزكية وغيره (١) ومن أولاد علي أبو هاشم عبد اللّه بن محمد الحنفية.

الطبقة الرابعة : غيلان بن مسلم الدمشقي وواصل بن عطاء وعمرو بن عبيد إلى أن انتهى إلى الطبقة الأخيرة.

__________________

١ ـ لو كان المقياس في تنظيم الطبقات هو التقدم الزمني ، فالأولى عد أولاد عبد اللّه بن الحسن من الطبقة اللاحقة.
٤٢٦

إنّ واصل بن عطاء هو موَسس منهج الاعتزال ، وقد انتقل إلى أحد الأصول الخمسة أي المنزلة بين المنزلتين من النقاش الدائر بينه وبين الحسن البصري ، ثم تكامل المنهج وتصقّل عبر العصور فكيف يكون الاعتزال صورة أُخرى للاِسلام؟

ومن قرأ كتاب طبقات المعتزلة للاِمام ابن المرتضى ، لا يشك في أنّ الكاتب معتزلي مائة بالمائة ، ومع ذلك هو زيدي متمسك بأهداب المذهب الزيدي كذلك فكيف جمع بينهما. لا أدري ، ولعله ، اعتزل في غير باب الاِمامة.
٤٢٧

١٣

الاِمام المنصور باللّه القاسم بن محمد علي

(١٠٢٩)

موَلف كتابي : الاساس ، والاعتصام

هو الاِمام الأجل المنصور باللّه أبو محمد القاسم بن محمد بن علي بن محمد ابن علي بن الرشيد بن أحمد بن الأمير الحسين الأملحي بن علي بن يحيى بن محمد ابن يوسف الأشل بن القاسم بن الاِمام الداعي إلى اللّه يوسف بن الاِمام المنصور باللّه يحيى بن الاِمام الناصر أحمد بن الاِمام الهادي إلى الحقّ يحيى بن الحسين قام بعد إياسه من خروج الاِمام الناصر الحسن بن علي في المحرم سنة ست وألف وطهّر الأرض من الردى. ونشر فيها الاِيمان والهدى ولقد جدد اللّه بعلمه وسيفه الدين الحنيف وأحيى بجهاده واجتهاده معالم الشرع الشريف وطلع عليه‌السلام من أيّام الشدائد إلى الحصن المنيع جبل برط من بلد همدان بن زيد.

قبضه اللّه ثاني عشر شهر ربيع الأوّل سنة تسع وعشرين وألف عن اثنتين وستين سنة.

أولاده :

محمد وعلي الشهيد ـ أحمد ـ والحسن ـ والحسين ـ وإسماعيل وإسحاق درج ـ ويحيى ـ وعبد اللّه ـ ويوسف.

موَلفاته :

ومن موَلفاته الاعتصام في السنة بلغ فيه إلى الحجّ وأتمه السيد العلامة أحمد ابن يوسف زيارة المتوفى سنة ١٢٥٢ هـ.

المرقاة ـ في أُصول الفقه.
٤٢٨

الاِرشاد والتحذير وغير ذلك.

والأساس في أُصول الدين الذي يقول فيه الأبيات البليغة من البحر الكامل.

هذا الأساس كرامة فتلقه
   

   

ياصاحبي بكرامة الاِنصاف

واحرز نفيساً من نفائس نثره
   

   

جمعت بغوض في خِضمِّ صاف

جمع المهيمن بيننا في دينه
   

   

جمعاً يفي بإصابة وتصادف (١)

وله شروح.

وقال مجد الدين في مقدمة كتاب الاعتصام : هو الذي ألّف اللّه به الدين بعد شتاته ، ووصل به حبل الاسلام بعد انبتاته ، ورفع بدعوته من الملة الحنفية اعلامها ، وأنفذ بجهاده من الشريعة المطهرة في الأقطار أحكامها ، وجلى الظلم ، وكشف به البهم ، ذو الآيات الظاهرة والبراهين الزاهرة ، والأخلاق النبوية ، والعلوم العلوية ، الذي كشف به غياهب ظلم الظالمين ، الاِمام الأعظم الداعي إلى التي هي أقوم ، أبو محمد مولانا الاِمام أمير الموَمنين ، وسيد المسلمين ، والصادع بالحقّ المبين ، المحيي لطريقة سلف الأئمّة السابقين ، المنصور باللّه القاسم بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن الرشيد بن أحمد بن الأمير الحسين بن الأمير علي بن يحيى العالم البر بن محمد العالم التقي بن يوسف الأصغر الأشل بن الاِمام الداعي إلى اللّه القاسم بن الاِمام الداعي إلى اللّه يوسف الأكبر بن الاِمام المنصور باللّه يحيى بن الاِمام الناصر لدين اللّه أحمد بن الاِمام الهادي إلى الحقّ يحيى بن الحسين الحافظ بن الاِمام ترجمان الدين القاسم بن إبراهيم الغمر بن إسماعيل الديباج بن إبراهيم الشّبه بن الحسن الرضي بن الحسن السبط بن أمير الموَمنين وسيد الوصيين وأفضل الصديقين علي بن أبي طالب وابن فاطمة البتول الزهراء ، والصديقة الكبرى ،

__________________

١ ـ مجد الدين : التحف في شرح الزلف :
٤٢٩

سيدة نساء الأعاجم والأعارب ابنة سيد المرسلين ، وختم النبيين أحمد الأمين ، صلوات اللّه وسلامه وتحياته وإكرامه عليهم أجمعين ما أنهلت السحايب ، وأنارت الكواكب وانزاحت بأنوار هدايتهم الغياهب (١).

هذا وكتابه الأكياس خير دليل على شجاعته الأدبية في بيان الحقّ ، وترك التقية أو المماشاة مع أهل السنّة قال في فصل « حكم أبي بكر في فدك ».

« قال الاِمام يحيى والاِمام المهدي عليهما‌السلام : وحكم أبي بكر في فدك صحيح ، لأنّه حكم باجتهاده.

قلنا : هو المنازع ، وأيّما منازع حكم لنفسه فحكمه باطل إجماعاً ، ولو لم يخالف اجتهاده قال الشاعر :

ومن يكن القاضي له من خصومة
   

   

أضرّ به إقراره وجحوده

وأيضاً فانّ الاِمام عندهما ( عليهما‌السلام ) علي عليه‌السلام ، وهو لم يرض ولايته ، فكيف يصح قضاوَه.

وأيضاً كانت اليد لفاطمة عليها‌السلام ، لأنّ في الرواية أنّها ( ـ عليها‌السلام ـ ) أتته تطلب حقها بعد أن رفع عاملها ، فايجاب البينة عليها خلاف الاِجماع.

وأيضاً اعتمد على خبره وهو : « نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما خلفناه صدقة » مع احتمال أن يكون معناه : أنّ الصدقة (أي الزكاة التي لا تحلّ لبني هاشم غير موروثة بل تصرف في مصرفها).

ولفاطمة عليها‌السلام أن تعتمد على خبرها وخبر علي والحسن والحسين عليهم‌السلام. صح لنا ذلك من رواية الهادي عليه‌السلام (في كتاب « تثبيت الاِمامة) » (أُم أيمن (أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنحلها) مع أنّه نصّ صريح لا يحتمل التأويل (٢).

__________________

١ ـ الاعتصام بحبل اللّه المتين ، المقدمة : ١ ، بقلم مجد الدين بن محمد الموَيدي. مفتي الزيدية في اليمن حالياً.

٢ ـ القاسم بن محمد : الأساس لعقائد الأكياس : ١٦٥.
٤٣٠

ومع ذلك نرى أنّه يتتعتع ويتلعثم في بيان حكم من تقدم الوصي.

ولا يجتري أن يحكم بأنّهم بغوا على الاِمام وعصوه قال :

واختلف في حكم من تقدم الوصي عليه‌السلام.

والحقّ أنّهم إن لم يعلموا استحقاقه عليه‌السلام دونهم بعد التحري فلا إثم عليهم ، وإن أخطأوا لقوله تعالى : « وَلَيْسَ عَلَيْكُم جُناحٌ فيما أخطأتم به » (الأحزاب ـ ٥) ولم يفصل.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (رفع عن أُمتي الخطأ والنسيان) ولم يفصل.

وإن علموا فخطيئتهم كبيرة للاِجماع على أنّ منع إمام الحقّ من تناول الواجب أو منع الواجب منه بغى عليه ، والاِجماع على أنّ البغي عليه فسق ، لأنّه اتباع لغير سبيل الموَمنين واللّه تعالى يقول :

« ويتَّبِعْ غَيرَ سَبِيلِ المُوَْمِنينَ نُوَلّهِ ما تَولّى ونُصْلِهِ جَهَنَّم وساءَتْ مَصِيرا » (النساء ـ ١١٥) ولعل توقف من أئمتنا عليهم‌السلام لعدم حصول العلم بأنّهم علموا أو جهلوا (ذلك) ومعارضة إبقائهم على الأصل من الجهل باستحقاقه ( عليه‌السلام ) ، بأنّ الأصل في أعمال المكلفين التي تعلق بالحقوق العمد ، ألا نرى أن رجلاً قتل رجلاً ، ثم ادعى الخطأ أنّه لا يقبل قوله بالاِجماع.

وبوجوب حمل علماء الصحابة على السلامة ، وعدم الاِخلال بتعريفهم ، إذ مثل ذلك واجب لقوله تعالى : « إنَّ الذِينَ يَكتُمونَ ما أنزَلنا مِنَ البيِّناتِ والهُدَى مِن بعد ما بينّاهُ للناسِ فِي الكِتابِ أُولئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ ويَلْعَنُهُمُ اللاعِنُون » (البقرة ـ ١٥٩) ولنقل تعريفهم إياهم نقلاً لم يبلغ حد التواتر وجب الوقف في حقهم دون علماء الصحابة لحصول العلم بتلبّسهم بالمعصية ، وهو اغتصاب إمامته عليه‌السلام ، ولم يحصل مثل ذلك في حقّ علماء الصحابة (١).

____________

١ ـ القاسم بن محمد : الأساس لعقائد الأكياس : ١٦٢ ـ ١٦٣.
٤٣١
٤٣٢
الفصل السابع

شخصيات زيدية ذات اتجاهات خاصة

الطابع الفريد للمذهب الزيدي ، هو أنّه عقليّ في الأصول والعقائد ، يقتفي أثر الدليل والبرهان ويتعرض للشكوك والشبهات ، ويجيب عنها ، وهو يرافق المعتزلة في أكثر المسائل إلاّ ما يرجع إلى الاِمامة ، ويناضل الأشاعرة في غالبها. ومع أنّ المذهب الأشعري ، هو المذهب المعتدل بين المذهب العقلي المحض (الاعتزال) والنقليّ المحضّ (الحشوية) فالمذهب الزيدي لايرافقه إلاّ في الأقل القليل في مجال العقائد.

وأمّا اتجاهه في الفقه فهو نفس ذلك الاتجاه ، فالفقه الرائج بين الزيدية هو فقه الاِمـام يحيـى الهـادي (٢٤٥ ـ ٢٩٨ هـ) ، موَلّف « الأحكام » ولكنه حنفيّ الاتجاه ، يعمل بالقياس والاستحسان ، ويرجّح بالعقل عند تعارض الأدلة.

هذا هو طابع المذهب الزيدي ، ومع ذلك ترى أنّ شخصيات بارزة نقضوا ذلك الاِطار ، وتحرّروا عن القيد الذي ضربه المذهب عليهم ، وهم بين :

متفتّح مع السلف وأهل الحديث ، أو موَيد للحركة الوهابية المدّمرة لآثار الرسالة باسم مكافحة الشرك.

والممثّل للاتجاه الأوّل ، هو ابن الوزير في القرن الثامن ، كما أنّ الممثّل للاتجاه الثاني ، الأمير الصنعاني في القرن الثاني عشر ، والجامع بين الاتجاهين في القرن الثالث عشر هو الشوكاني وبما أنّه كان لهم دور في تطوير المذهب الزيدي في بعض الأدوار ، وإن غاب نجمهم بعد حين ، ناسب أن نشير إلى زوايا من حياتهم وتفكيراتهم حسب التسلسل الزمني.
٤٣٣

زيدي تسنّن

١

ابن الوزير محمد بن إبراهيم

(٧٧٥ ـ ٨٤٠ هـ)

هو محمد بن إبراهيم بن علي بن المرتضى بن المفضل بن المنصور ، بن محمد ، بن العفيف ، بن مفضل بن الحجاج ، بن عليّ ، بن يحيى بن القاسم ، ابن الاِمام الداعي يوسف ، ابن الاِمام المنصور باللّه يحيى بن الناصر أحمد ابن الهادي يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنهم جميعاً ، ولد في رجب عام ٧٧٥ هـ وتوفي في محرم عام ٨٤٠ هـ ، مجتهد باحث ، من أعيان اليمن وهو أخو الهادي بن إبراهيم تعلّم بصنعاء وصعدة ومكة ، وأقبل في أواخر عمره على العبادة (١).

يعرّفه ابن حجر العسقلاني : أنّه مقبل على الاشتغال بالحديث ، شديدُ الميل إلى السنّة بخلاف أهل بيته (٢).

ويقول الشوكاني : « وكلامه لا يشبه كلام أهل عصره ولا كلام من بعده بل هو نمط من كلام ابن حزم وابن تيمية وهو في عداد أئمة الزيدية المجتهدين الذين لا يرفعون إلى التقليد رأساً ولا يشوبون دينهم بشيء من البدع الذي لا يخلو أهل مذهب من المذاهب شيء منها » (٣).

وكلامه في كتاب « إيثار الحقّ على الخلق » يعرف موقفه من المذاهب

__________________

١ ـ الشوكاني : البدر الطالع لمحاسن من بعد القرن السابع : ٢ / ٨١ برقم ٣٩ ، وقد ذكر نسبه الزركلي بغير ماذكرناه ، وماذكرناه هو المعتمد ، لأنّ الشوكاني من أهل البيت.

٢ ـ المصدر نفسه : ٨٣.

٣ ـ المصدر نفسه : ٨٣.
٤٣٤

الكلامية يقول فيه :

لقد رأيت مصنفي كتب المذاهب ينتصر فيها المصنف لمذهب واحدٍ في القويّ والضعيف ، ولم يسلك أحد منهم مسلك مصنفي كتب الفقه التي تذكر فيها مذاهب أهل الملة الاِسلامية ، ويقوّى فيها ما قوّته الدلائل البرهانية سواء أكانت لقريب أم بعيد ، لصديق أم بغيض ، وكتب العقائد أحقّ بسلوك هذا المسلك من كتب الفروع ، أمّا كون الحقّ واحداً فصحيح ، ولكن لا يستلزم أن يكون الصواب في جميع المواضع المتفرقة قد اجتمع لفرقة منها إلاّ ما حصل فيه إجماع من الأمّة والعترة ، وانّ من أندر الأشياء أن يحرص المتكلم على معرفة الحقّ في أقوال المخالفين.

والذي وسّع دائرة المراء والضلال هو البحث عما لا يُعلَم والسعي فيما لا يُدرك والاشتغال بالبحث عن الدقائق التي لاطريق إلى معرفتها ، السير في الطريق التي لا توصل إلى المطلوب. وليس طلب أي علم بجحود ولا كل مطلوب بموجود.

إنّ المحتاج إليه من المعارف الاِسلامية في الأصول سبعة أُمور كلها فطرية جليّة وهي :

١ ـ إثبات العلوم الضرورية التي يبتني الاِسلام على ثبوتها.

٢ ـ ثبوت الربّ عزّ وجلّ.

٣ ـ توحيده سبحانه وتعالى.

٤ ـ كماله بأسمائه.

٥ ـ ثبوت النبوّات.

٦ ـ الاِيمان بجميع الأنبياء وعدم التفريق بينهم.

٧ ـ ترك الابتداع في الدين بالزيادة على ما جاء به الأنبياء أو النقص عنه.
٤٣٥

هذه الأمور السبعة تكفي العامّي فإن تعرض فيها لشبهة قادحة تمكن من حلها عن طريق القرينة الجلية (١).

إنّ ما ذكره ابن الوزير من أنّه يكفي العامّي الاعتقاد بالأمور وإن كان أمراً صحيحاً ، لكن إلزام الجميع بالعمل على نمط واحد ، أمر لا يقبله العقل وهل يصح إيقاف البحث على وجوه أصحاب العقول والأدمغة الكبيرة ، كالفارابي وابن سينا ، وابن رشد والرازي ونصير الدين الطوسي ومن جاء بعدهم بحجّة أنّه يكفيهم تحصيل البرهان على الأمور المذكورة.

إنّ تحريم الحوار الصحيح والمناظرة المبنيّة على الأسس الصحيحة ممّا دعى إليه الذكر الحكيم ، وأحاديث العترة الطاهرة وقد قدّمنا شيئاً من ذلك في غضون الأجزاء السابقة.

أظنّ انّ الوزير تأثر بالتيار السلفيّ الذي أثاره ابن تيميّة (٦٦١ ـ ٧٢٨ هـ) وتلميذه ابن القيّم (ت ٧٥١ هـ) قريباً من عصره وبلغ إلى أرض الحجاز واليمن ، ولقد كانت الأذهان الساذجة ، أرضاً خصبة لتلك الفكرة فإنّها كانت تحمل حقاً وباطلاً فمن جانب تدعو إلى الاجتهاد الحرّ وترك التقليد ، لاِمام من أئمة الفقه ، ومن جانب آخر ، يدعو إلى إغلاق العقل وإعدامه في مجال المعارف وتقليد حرفية النصوص الواردة فيها. وإن انتهى إلى القول بالتشبيه والتجسيم والجهة ، غاية الأمر يتبرّأون من مضاعفاتها ، بلفظ « بلا كيف ».

إنّ ابن الوزير مع ذكائه وتوقّده ، تأثر بموجة الفكر السلفي ، وابتدع من حيث لا يشعر ، فزعم أنّ السلفية مذهب ، مع أنّه ليس بمذهب وليس السلف خيراً من الخلف ، ولا الخلف بأقصر منهم عقلاً ووعياً ، والحجّة هو الكتاب والسنّة الصحيحة والعقل الصريح الذي لولاه ، لانسدّ باب المعرفة ، فما معنى ترجيح

__________________

١ ـ إيثار الحقّ على الخلق.
٤٣٦

السلف على الخلف ، ورفض تقليد الأئمّة الفقهية ، ووضع قيد السلفية على العقول والأفئدة مكان تقليدهم.

يقول الشوكاني : إنّ صاحب الترجمة لما ارتحل إلى مكة وقرأ علم الحديث على شيخه ابن ظهيرة قال له : ما أحسن يا مولانا لو انتسبتَ إلى الاِمام الشافعي أو أبي حنيفة؟ فغضب وقال : لو احتجت إلى هذا النسب والتقليدات ، ما اخترت غير الاِمام القاسم بن إبراهيم (الرسي) أو حفيده الهادي.

ثم إنّه أتى بأسماء كتبه : وإليك ما ذكره :

١ ـ العواصم والقواصم في الذب عن سنّة أبي القاسم.

٢ ـ الروض الباسم وهو مختصر كتاب العواصم (وقد طبع في مصر في إدارة الطباعة المنيرية).

٣ ـ ترجيح أساليب القرآن على أساليب اليونان ، يقول الشوكاني : وهو كتاب في غاية الاِفادة والاِجادة على أُسلوب مخترع لا يقدر على مثله إلاّ مثله ، طبع بمصر عام ١٣٤٩ هـ.

٤ ـ نصر الأعيان على شر العميان ، ردّ فيه على المعري.

٥ ـ البرهان القاطع في معرفة الصانع ألّفه عام ٨٠١ هـ ، وطبع بمصر عام ٨٠١ هـ.

٦ ـ التنقيح في علوم الحديث.

٧ ـ إيثار الحقّ على الخلق ، المطبوع بمصر عام ١٣١٨ هـ.

إلى غير ذلك مما ذكره الشوكاني وغيره (١).

__________________

١ ـ البدر الطالع : ٢ / ٩٠ ، الأعلام للزركلي : ٥ / ٣٠٠.
٤٣٧

زيدي تسنّن وتوهّب

٢

ابن الأمير : محمد بن إسماعيل

(١٠٩٩ ـ ١١٨٦ هـ)

موَلّف سبل السلام

هو محمد بن إسماعيل بن صلاح ، ينتهي نسبه إلى الأمير يحيى بن حمزة الحسني ، الذي تعرفت عليه.

ولد بكحلان ، ثم انتقلت أُسرته عام ١١١٠ هـ إلى صنعاء عاصمة اليمن ، وتعلّم النحو والبيان وعلوم الفقه وأُصول الدين ، ثم سافر إلى الحجاز مرتين ، وأخذ علوم الحديث هناك وبرع في العلوم المختلفة حتى برع أقرانه وتفرّد بالرئاسة العلمية في صنعاء وأظهر الاجتهاد والوقوف مع الأدلة ونفر من التقليد وزيّف ما لا دليل عليه من الآراء الفقهية.

ومن كتبه النافعة كتاب « سبل السلام في شرح بلوغ المرام » لابن حجر.

أمّا بلوغ المرام فقد ألّفه الحافظ ابن حجر العسقلاني ، وجمع فيه كل الأحاديث التي استنبط الفقهاء منها الأحكام الفقهية مبيناً عقب كلّ منها ، من أخرجه من أئمة الحديث كالبخاريّ ومسلم ، ومالك ، وأبي داود ، وغيرهم موضحاً درجة الحديث من صحة أو حسن أو ضعف ، مرتّباً له على أبواب الفقه ، وضمّ إلى ذلك في آخر الكتاب قسماً مهماً في الآداب والأخلاق والذكر والدعاء.

أمّا الشرح فالأصل كما يقوله الشوكاني هو « البدر التمام » للمغربي ، اختصره
٤٣٨

محمد بن إسماعيل الأمير ، فبيّن لغته وسبب الضعف فيما ضعّفه الحافظ ابن حجر ، إذ أنكره ، أو وهمه أو أعلّه ، وذكر ما يدلّ عليه الحديث من الأحكام الفقهية ومن قال بها من كبار المجتهدين صحابة وتابعين وأئمة المذاهب ـ رض ـ ومن خالفها مبيّناً نوع المخالفة ودليلها ، ثم يقضي بالكتاب والسنّة غير متحيز إلى مذهب من المذاهب (١).

قال الشوكاني : وجرت له مع أهل عصره خطوب ومحن : منها في أيام المتوكل على اللّه القاسم بن الحسين ، ثم في أيّام ولده الاِمام المنصور باللّه الحسين بن القاسم ، ثم في أيام ولده الاِمام المهدي العباس بن الحسين ، وتجمع العوام لقتله مرّة بعد مرّة حفظه اللّه من كيدهم ، وكفاه شرّهم وولاه الاِمام المنصور باللّه ، الخطابة بجامع صنعاء فاستمر كذلك إلى أيّام ولده المهديّ ـ إلى أن قال : ـ وكانت العامة ترميه بالنصب مستدلين على ذلك بكونه عاكفاً على الأمّهات ، وسائر كتب الحديث ، عاملاً بما فيها ، ومن صنع هذا الصنع رمته العامّة بذلك لا سيما إذا تظهر بفعل شيء من سنن الصلاة كرفع اليدين وضمّهما (القبض والتكتف) (٢).

هنا ملاحظات :

١ ـ إنّ ابن الأمير بلغ درجة الاجتهاد المطلق ، فرفض الالتزام بمذهب خاصّ وقام يعمل برأيه وهو بغية كل طالب داع. لكن المظاهرة على مخالفة العامة لماذا؟!فإنّ رفع اليد وضمها الذي يعبر عنه في الفقه الاِمامي بالتكتف أو قبض اليد اليسري باليمنى ، كما هو التعبير الرائج اليوم ، سنّة وليس بفرض ـ لو لم يكن بدعة أُموية ـ (٣) أو ما كان من واجب ابن الأمير عقلاً ترك السنّة ، لدفع الفتنة.

__________________

١ ـ سبل السلام مقدمة المحقّق : محمد بن عبد العزيز الخولي الطبعة الرابعة ـ ١٣٧٩ ، والبدر الطالع : ٢ / ١٣٧ ، برقم ٤١٧.

٢ ـ الشوكاني : البدر الطالع : ٢ / ١٣٤.

٣ ـ لاحظ : الاعتصام بالكتاب والسنّة للموَلف : ٦١.
٤٣٩

وقد روي أنّ الاِمام الشافعي زار مرقد الاِمام أبي حنيفة وصلى فيه ولم يَقنُت ، ثم سئل عن ترك القنوت مع أنّه مذهبه ، قال توقيراً للاِمام فإنّه لا يرى القنوت سائغاً.

هذا هو عقل الاِمام الشافعي وتدبيره وليكن لنا أُسوة :

٢ ـ إنّ الاقتصـار بما في بلوغ المـرام من الروايات ، في مقام الاِفتاء شاهد صدق على أنّ الرجل ترك مذهب أهل البيت تماماً ، وتفتح على روايات أهل السنّة وصار ينقض ويبرم في ظل أحاديثهم. ومن المعلوم أنّ التظاهر بتلك الفكرة في الأوساط الزيدية يثير حفيظة الأكثرين وليس المروي عن أئمة أهل البيت ، بأدنى مما روى عن الصحابة والتابعين.

٣ ـ يبدو أنّ ابن الأمير كان إنساناً ساذجاً متأثراً بكل تيّار يصل إليه إذا رافق نفسيته ، ولما بلغ إليه خروج محمد بن عبد الوهاب في نجد ، ووقف على رأيه من تدمير آثار الرسالة والنهي عن التوسل والزيارة أخذ بترويج أفكاره ولم يقتصر بذلك وقد ألّف كتاباً في ذلك المضمار أسماه « تطهير الاعتقاد من أدران الاِلحاد » واسمه يحكى عن مدى تعصبه بالتوهّب ، قد أكثر عنه النقل السيد الأمين ـ قدس‌سره ـ في كتاب كشف الارتياب (١) وهذا يعرب عن ان ابن الأمير اغترّ بمنهجه من دون دراسة وتحليل ثم إنّه أنشأ قصيدة في مدح الداعي وهنّأ به وقال :

سلام على نجد ومن حلّ في نجدٍ
   

   

وإن كان تسليمي على البعد ، لا يُجدي

إلى أن يقول :

وقد جاءت الأخبار عنه بأنّه
   

   

يُعيد لنا الشرع الشريف بما يبدي

ثم هو يتعاطف مع مقولة الحركة ومحتواها ، ويقول في مدح محمد بن عبدالوهاب:

__________________

١ ـ كشف الارتياب : ١٠.
٤٤٠

ويعمر أركان الشريعة ، هادماً
   

   

مشاهد ضلّ الناس فيه عن الرشد

أعادوا بها معنى « سواع » ومثله
   

   

« يغوث » و « ودٍ » بئس ذلك من ودِّ

وقد هتفوا عند الشدائد باسمها
   

   

كما يهتف المضطر بالصمد الفردِ

وقد سرّني ما جاءني من طريقة
   

   

وكنت أرى هذه الطريقة لي وحدي

ولما أتته الأنباء عن قائد الحركة بأنّه يسفك الدماء ، وينهب الأموال ، ويكفّر الأمة المحمدية في جميع الأقطار ، تراجع عن التأييد شكلياً لا من حيث المحتوى ، وقال في قصيدة نقض فيها ، قصيدته الأولى ، مستهلها :

رجعتُ عن القول الذي قلتُ في النجدي
   

   

وقد صحّ لي عنه خلاف الذي عندي

ظننت به خيراً وقلت عسى عسى
   

   

نجد ناصحاً يهدي الأنام ويستهدي

فقد خابَ فيه الظنّ لا خاب نصحنا
   

   

وما كل ظنٍّ للحقائق لي مهدي

ثم أخذ في ردّ شكل تطبيق المبدأ ، فقال :

أبن لي أبن لي لماذا سفكتَ دماءهم
   

   

لماذا نهبت المال قصداً على عمد

وقد عصموا هذا وهذا بقول : لا
   

   

إله سوى اللّه المهيمن ذي المجد

وهذا لعمري غير ما أنت فيه من
   

   

تجاريك في قتل لمن كان في نجد

فمالك في سفك الدماء قطّ حجّة
   

   

خف اللّه واحذر ما تسرّ وما تبدي

٤٤١

لقد عزب عن ابن الأمير أنّه هو الذي أحلّ سفك دمائهم حيث شبههم في قصيدته الأولى عبّاد « سواع » و « ود » وهل يكون دم الوثني! محترماً مصوناً.

إنّ الأمير ندم حين ما لا ينفعه الندم ، وقد أظهر الندامة بعد سفك الدماء الطاهرة ، وقتل النفوس الأبرياء ، ونهب الأموال ، وتدمير البيوت والخيام ، بحجّة أنّهم يتوسلون بالنبي ، أو يزورون قبره الشريف ومن قرأ تاريخ الوهابية الأثيمة يقف على أنّه أُسس على قتل الآف من الرجال والنساء والأطفال ، الذين كانوا يقولون : لا إله إلاّ اللّه ، محمد رسول اللّه ، يصلّون ، يزكون ، ويحجّون ومانقموا منهم إلاّ أنّهم كانوا يعزّرون النبي الأكرم ، ويمجّدون نبي التوحيد ، ويتبرّكون بآثاره ، كما كانت الصحابة متبركين بها.

وعلى كل تقدير فقد تخلّى ابن الوزير عن المذهب الزيدي وتحول إلى سلفي وهابي ، وتسرع في تأييد موقف ابن عبد الوهاب ، فلو كان مذهب السلف ، الاِخافة وسلّ السيف ، وضرب الرقاب ، وتدمير آثار الرسالة ، وإنساء الأنبياء والأولياء عن الأذهان ، وإثبات جهة الفوق والاستواء على العرش الذي هو فوق السموات والأرض ، والجسمية والغضب والضحك واليد اليمنى والشمال ، والأصابع والكف للّه سبحانه بمعانيها اللغوية ، فألف سلام اللّه على الخلف مع بدعه المزعومة ، وتوسلاّته المختلقة بزعمهم.
٤٤٢

زيدي تسنّن وتوهّب

٣

محمد بن علي بن محمد بن عبد اللّه الشوكاني الصنعاني

(١١٧٢ ـ ١٢٥٠ هـ)

أحد الشخصيات البارزة في اليمن الخضراء قد ترجم لنفسه في كتابه البدر الطالع وقال :

نشأ بصنعاء فقرأ القرآن على جماعة من المعلمين ، وختمه على الفقيه حسن ابن عبد اللّه الهبل ، وجوّده على جماعة من مشايخ القرآن ، بصنعاء ثم حفظ الأزهار للاِمام المهدي ، ومختصر الفرائض للعصيفري ، والملحة للحريري ، والكافية والشافية لابن الحاجب ، والتهذيب للتفتازاني ، والتلخيص للقزويني ، والغاية لابن الاِمام ، وبعض مختصر المنتهى لابن الحاجب ، ومنظومة الجزريّ ، ومنظومة الجزاز في العروض وآداب البحث للعضدي ورسالة الوضع له أيضاً. وكان حفظه لهذه المختصرات قبل الشروع في الطلب ، وبعضها بعد ذلك ، ثم قبل شروعه في الطلب كان كثير الاشتغال بمطالعة كتب التواريخ ومجاميع الأدب من أيام كونه في المكتب فطالع كتباً عدّة ، ومجاميع كثيرة ، ثم شرع في الطلب وقرأ على والده رحمه‌الله شرح الأزهار ، إلى آخر ما ذكره من الكتب التي قرأها على مشايخه أو سمعها من أساتذته و ـ ذكر ـ أنّه سمع البخاري من أوّله إلى آخره على السيّد العلامة علي بن إبراهيم ، وسمع صحيح مسلم جميعاً وسنن الترمذي جميعاً وبعض موطأ مالك وبعض شفاء القاضي عياض على السيد العلامة عبد القادر بن أحمد ، وكذلك سمع منه بعض جامع الأصول ، وبعض سنن النسائي وبعض سنن ابن ماجة ،
٤٤٣

وسمع جميع سنن أبي داود وتخريجها للمنذري ، وبعض المعالم للخطابي ـ إلى أن قال : ـ وكذلك بعض المنتقى لابن تيميّة على السيد القادر بن أحمد وكذلك سمع شرح بلوغ المرام (١).

لقد ترك الشوكاني آثاراً في التفسير والفقه والحديث والكلام وهنا نذكر من آثاره ما يلي :

١ ـ فتح القدير في التفسير ، وقد طبع في خمسة أجزاء جمع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير.

٢ ـ نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار في الحديث ، والمنتقى تأليف الشيخ أبو البركات شيخ الحنابلة مجد الدين عبد السلام بن عبد اللّه الحرّاني (٥٤٢ ـ ٦٢١ هـ) جد ابن تيمية.

٣ ـ القول المفيد في أدلّة الاجتهاد والتقليد.

٤ ـ إرشاد الثقات إلى اتفاق الشرائع على التوحيد والميعاد والنبوات ، ردّ به على موسى بن ميمون الأندلسي اليهودي.

إنّ الاِلمام بحياة الشوكاني دراسة وقراءة ، أُستاذاً وشيخاً ، تعرب عن أنّه كان سلفيّ المذهب ، متحرّراً عن التقيّد بمذهب أحد الأئمّة ، وكتابه « نيل الأوطار » يشهد على ذلك. وقد أوجد هزّة في الأوساط اليمنية ، وهو وإن أخذ من السلفية ، بهذا الجانب ، الجميل ، ولكنّه تورّط في مغبّة لوازم التجسيم والتشبيه ، وتتلخص عقائده في الأمور التالية :

أوّلاً : يرى حمل صفات اللّه تعالى الواردة في القرآن والسنّة على ظاهرها من غير تأويل ، وقد ألّف رسالة في ذلك سمّـاها : « التحف بمذهب السلف » ويذكر في تفسير قوله سبحانه : « وَسِعَ كُرسيّهُ السَّمواتِ والأرض » (البقرة ـ ٢٥٥) أنّ

__________________

١ ـ الشوكاني : البدر الطالع : ٢ / ٢١٤ ـ ٢١٧.
٤٤٤

الكرسي جسم وردت به الآثار بصفته. ثم ذكر الأقوال الأخر.

وقال : والحقّ هو الأوّل ، ولا وجه للعدول عن المعنى الحقيقي إلى مجرد خيالات وضلالات (١).

والمتتبع في تفسيره يجد أنّه يقوي مذهب السلف في غالب المواضع حتى روَية اللّه في الآخرة لو سلم كونها مذهب السلف.

ثانياً : لا يرى للمجتهد تقليد أئمة المذاهب الفقهية ، وهو في تلك الفكرة مصيب مشكور ، لكنّه أفرط في تطبيق الآيات الذامة للمشركين في تقليدهم الآباء ، على مقلدي أئمة المذاهب (٢).

نحن نقدر كسر قيد الالتزام بالمذاهب الفقهية للمستطيع استخراج الأحكام عن أدلتها الشرعية ، لكن المجتهد المطلق عبارة عمن استوعب الأدلّة واستقصاها ومنها الأحاديث المروية عن أئمة أهل البيت التي رواها شيعتهم من زيدية وإسماعيلية وإمامية ، لكن الأسف أنّ المتخرجين في حقول الفقه إمّا مقلد لأئمّة الفقه أو خارج عن هذا الاِطار ، ولكنّه ضارب عن أحاديث العترة ، مع أنّها أحد الثقلين.

ثالثاً : إنّ الرجل جمع بين القولين المتضادين ، فمن جانب يرى أنّ الشهداء أحياء حقيقة لا مجازاً.

قال في تفسير قوله تعالى : « وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أمواتاً بَل أحياءٌ عِندَ رَبِّهِم يُرزقُون » (آل عمران ـ ١٥٤) :

__________________

١ ـ الشوكاني : فتح القدير : ١ / ٢٧٧ ـ ٣٧٣ ، ط ، دار المعرفة بالأفست بيروت ، لبنان وكل ما ننقله فهو من هذه الطبعة.

٢ ـ لاحظ فتح القدير ، سورة الأعراف ، تفسير قوله سبحانه : ( وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا آباءنا عليها ... ) (الآية ٢٨).
٤٤٥

أي لاتقولوا لمن يقتل في سبيل اللّه هم أموات بل هم أحياء ، ولكن لا تشعرون بهذه الحياة عند مشاهدتكم لأبدانهم بعد سلب أرواحهم ، لأنكم تحكمون عليها بالموت في ظاهر الأمر بحسب ما يبلغ إليه علمكم ، الذي هو بالنسبة إلى علم اللّه كما يأخذ الطائر في منقاره من ماء البحر وليسوا كذلك في الواقع بل هم أحياء في البرزخ (١).

ومن جانب آخر يرى التوسل بالأنبياء مخالفاً للذكر الحكيم وقد أفاض الكلام في الاِنكار على التوسل عند تفسير قوله سبحانه : « قُل لا أملِكُ لِنَفسي ضَرَّاً ولا نَفعاً إلاّ ما شاءَ اللّهُ لِكُلِّ أُمَّةً أجَلٌ إذا جاءَ أجَلُهُم فلا يَسْتَأخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُون » (يونس ـ ٤٩) فقد ذكر في تفسير الآية نفس ما ورثه من ابن تيمية ولاعق قصعته محمد بن عبد الوهاب (٢) ولولا خوف الاِطالة لأتيت بنص كلامه ليقف القارىَ على وحدة النسج ، وبما أنّنا أفضنا في الجزء الرابع من هذه الموسوعة الكلام في التوسل ، نطوي الكلام غير أنّا نذكر هنا نكته وهي :

إنّ المتوسل لايدّعي أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يملك نفعه أو ضرّه ، حتى يقال : إنّه لا يملك نفع نفسه ولا ضره ، فكيف بغيره ، وإنّما يقول : إنّ الأنبياء والصديقين والشهداء أحياء حسب ما قرره الشوكاني ، والصلة بيننا وبينه موجودة ، فنطلب منهم الدعاء كما نطلبه منهم في حال الحياة ، وربّما توسل بذواتهم ومقاماتهم ، وذلك لاستمطار رحمته سبحانه ، وجلب رضوانه ، والمخاطب الحقيقي لقضاء الحاجة هو اللّه سبحانه والركائب مناخة على أبوابه سبحانه.

رابعاً : إنّ الشوكاني وإن كسر قيد الالتزام بمذهب الزيدية ، ولكنّه لم يتخلّ عنه تماماً في بعض الموارد من تفسيره فربما يذكر بعض الروايات الدالّة على إمامة

__________________

١ ـ فتح القدير : ١ / ١٥٩.

٢ ـ فتح القدير : ٢ / ٤٤٦ ـ ٤٥٠.
٤٤٦

علي عليه الصلاة والسلام ، لكن بشكل هادىَ ، حيث ذكر في تفسير قوله سبحانه : « إنّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ويُوَتُونَ الزّكاةَ وَهُمْ راكعُونَ » (المائدة ـ ٥٥) قولين :

أحدهما : إنّها نزلت في حقّ عبادة بن الصامت ، وثانيهما : أنّها نزلت في حقّ علي ، وأخرج الخطيب في المتفق والمفترق عن ابن عباس ، قال : تصدّق عليّ بخاتم وهو راكع. فقال : النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للسائل : « من أعطاك هذا الخاتم؟ » قال : هذا الراكع ، فأنزل اللّه فيه : « إِنّما وَلِيُّكُم اللّهُ وَرَسُولهُ » وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس ، قال : نزلت في علي بن أبي طالب إلى آخر ما ذكره (١).

ويذكر في تفسير قوله سبحانه : « إِنّما يُريدُ اللّه لِيُذهِبَ عَنْكُمْ الرِّجسَ أهلَ البَيتِ وَيُطَّهِّرَكُم تَطهيرا » (الأحزاب ـ ٢٣) قولين :

الأوّل : أنّها نزلت في زوجات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم قال : قال أبو سعيد الخدري ومجاهد ، وقتادة إنّ أهل البيت المذكورين في الآية علي وفاطمة والحسن والحسين خاصة ، ومن حججهم الخطاب في الآية بما يصلح للذكور لا للاِناث ، وهو قوله : « عنكم ، وليطهركم » ولو كان للنساء خاصة لقال : عنكنّ ، يطهركنّ. وأجاب الأوّلون عن هذا التذكير باعتبار لفظ الأهل كما قال سبحانه : « أتعجبينَ مِنْ أمرِ اللّهِ رحمةُ اللّهِ وبركاتُهُ عَليكُمْ أهلَ البَيتِ » وكما يقول الرجل لصاحبه : كيف أهلك؟ يريد زوجته أو زوجاته ، فيقول : هم بخير. ثم إنّه ذكر أدلّة القولين وخرج بأنّ الحقّ شموله للطائفتين (٢).

ولعلّ هذا الجمع الذي لجأ إليه ، كان مقتضى ظروفه ، وإلاّ فكيف يمكن

__________________

١ ـ فتح القدير : ٢ / ٣٥٠.

٢ ـ فتح القدير : ٤ / ٢٧٩ ـ ٢٨٠.
٤٤٧

القول بالجمع ، وهو خرق للاِجماع المركب أوّلاً ، ومخالف للروايات المتضافرة من أنّ النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع علياً وابنيه وزوجته تحت الكساء وقال : هوَلاء أهل بيت ، ولم يجز لأمّ سلمة أن تدخل تحت الكساء.

لكنه قد قصر في بعض المواضع ، حيث لم يذكر نزول قوله سبحانه : « اليومَ أكمَلتُ لَكُمْ دينَكُمْ وأتممتُ عليكُمْ نِعمَتي ورضِيتُ لكمُ الاِسلامَ دِيناً » (المائدة ـ ٣) في حقّ علي مع تضافر الروايات. وفسر إكمال الدين بإكمال ظهوره على الأديان كلها ، وغلبته لها (١).

نعم ، ذكر في تفسير قوله سبحانه : « يا أيُّها الرَّسولُ بلِّغْ ما أُنزِلَ إليكَ مِنْ ربِّكَ وإنْ لَمْ تَفعَلْ فَما بلَّغْتَ رسالَتَهُ واللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ » (المائدة ـ ٦٧) قال : أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري ، قال : نزلت هذه الآية على رسول اللّه يوم غدير خم في علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه ، وقال : وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود ، قال : كنّا نقرأ على عهد رسول اللّه : ( ياأيـّها الرسول بلِّغ ما أُنزل إليك من ربك » أنّ علياً مولى الموَمنين « وإنْ لَـمْ تَفعلْ فَما بلَّغتَ رِسالَتَهُ واللّهُ يَعصِمُكَ منَ النّاس » (٢).

وعلى كل تقدير فما يذكره في حقّ أئمة أهل البيت أثر من آثار نشأته بين الزيدية ، ولكنّه في مجال العقيدة سلفيّ ، يتمسك بحرفية القرآن ويجوّز الروَية في الآخرة (٣). ويذهب في مجال الفقه إلى حجّية كل صحابي من غير فرق بين المعلوم والمجهول ، حتى ألّف كتاباً باسم « القول المقبول في ردّ خبر المجهول من غير صحابة الرسول » (٤) ويصدر عن الصحاح والمسانيد ويخالف مذهب الزيدية

__________________

١ ـ فتح القدير : ٢ / ١١.

٢ ـ فتح القدير : ٢ / ٦٠.

٣ ـ فتح القدير : ١ / ٨٦ في تفسير قوله سبحانه : (وإذ قلتم ياموسى لن نوَمن لك حتى نرى اللّه جهرة).

٤ ـ نيل الأوطار : المقدمة (و).
٤٤٨

كثيراً. وكتابه المعروف « السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار » يعد ثورة عارمة على الزيدية في المجالات الفقهية. وإليك الكلام في هذا الكتاب.
قصة « السيل الجرار المتدفق » :

ألّف أحمد بن يحيى بن المرتضى (٧٧٥ ـ ٨٤٥ هـ) كتاباً باسم « الأزهار في فقه الأئمّة الأطهار ».

ثم شرحه باسم « الغيث المدرار ». ألّفه على مذهب الاِمام الهادي الزيدي في الفروع ، يقول المقدِّم لكتاب البحر الزخار في مقدمته : « والكتاب لشموله وتحقيقه ، وبلاغة أُسلوبه ، وحسن تبويبه يعدّ من آيات الاِمام (أحمد بن يحيى بن المرتضى) التي اختصه اللّه بها ومنحه إياه لنفع الموَمنين وانتشال الجاهلين من ظلام الحيرة إلى نور المعرفة والهدى » (١).

وقد ألّفه الاِمام في السجن بين عام « ٧٩٤ ـ ٨٠١ هـ » وبما أنّ الكتاب باقة أزهار من الفقه الهادوي فيظن أنّه راجع إليه بعد الخروج من السجن إلاّ إذا كانت المصادر فيه متوفّرة وقد كان العمل عليه في المحاكم والأوساط العلمية.

ومن المعلوم أنّ فكرة التحرير من الفقه الهادوي ، الذي غرس بذرتها ابن الوزير ، وسقاها ابن الأمير ، على طرف النقيض من محتويات الكتاب واشتهاره بين العلماء ولأجل ذلك قام الشوكاني بنقده بكتاب أسماه « السيل الجرار ، المتدفق على حدائق الأزهار » فأثار بكتابه هذا ، والاسم الذي سمّـاه به حفيظة كثير من الزيديين قال في مقدمة الكتاب :

فإنّ مختصر الأزهار لما كان مدرس طلبة هذه الديار في هذه الأعصار ومعتمدهم الذي عليه في عباداتهم ومعاملاتهم المدار ، وكان قد وقع في كثير من

__________________

١ ـ مقدمة البحر الزخار : ١٨.
٤٤٩

مسائله الاختلاف بين المختلفين من علماء الدين والمحققين من المجتهدين : أحببت أن أكون حكماً بينه وبينهم ثم بينهم أنفسهم عند اختلافهم في ذات بينهم ، فمن كان أهلاً للترجيح ومتأهلاً للتقسيم والتصحيح فهو إن شاء اللّه سيعرف لهذا التعليق قدره ويجعله لنفسه مرجعاً ولما ينوبه ذخراً ، وأمّا من لم يكن بهذا المكان ولا بلغ مبالغ أهل هذا الشأن ولا جرى مع فرسان هذا الميدان فهو حقيق بأن يقال له : « ماذا يغشّك ياحمامة فادرجي » وقد طبع الكتاب في مجلدات أربعة قام بطبعه المجلس الأعلى للشوَون الاِسلامية بعد قيام الجمهورية العربية في اليمن. وذلك أيضاً في طريق أهدافه من هدم آثار الاِمامة في اليمن ولو بيد علمائها.

وفي الختام نذكر تأليفه المفيد وهو « البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع » ، ألّفه لغاية خاصة وهو أنّ الخلف ليس بأقل من السلف ، ولامسوغ للتقليد لأئمّة الفقه بل يجب التحرر عن الالتزام بفقه إمام خاص ، قال في مقدمته : فإنّه لما شاع على ألسن جماعة من الرعاع ، اختصاص سلف هذه الأمّة بإحراز فضيلة السبق في العلوم دون خلفها. حتى اشتهر عن جماعة من أهل المذاهب الأربعة تعذّر وجود مجتهد بعد المائة السادسة كما نقل عن البعض ، أو بعد المائة السابعة كما زعمه آخرون. وكانت هذه المقالة بمكان من الجهالة لا يخفى على من له أدنى حظّ من علم ، وأنزر نصيب من عرفان ، وأحقر حصة من فهم ، لأنّها قصر للتفضّل الاِلهي ، والفيض الرباني على بعض العباد دون البعض ، وعلى أهل عصر دون عصر ، وأبناء دهر دون دهر بدون برهان ولا قرآن على أنّ هذه المقالة المخذولة والحكاية المرذولة تستلزم خلو هذه الأعصار المتأخرة عن قائم بحجج اللّه ، ومترجم عن كتابه وسنّة رسوله ، ومبيّن لما شرعه لعباده ، وذلك هو ضياع الشريعة بلا مرية ، وذهاب الدين بلا شك وهو تعالى قد تكفّل بحفظ دينه
٤٥٠

وليس المراد حفظه في بطون الصحف والدفاتر ، بل إيجاد من يبيّنه للناس في كل وقت وعند كل حاجة.

حداني ذلك إلى وضع كتاب يشتمل على تراجم أكابر العلماء من أهل القرن الثامن ومن بعدهم مما بلغني خبره إلى عصرنا هذا ، ليعلم صاحب تلك المقالة أنّ اللّه وله المنّة قد تفضل على الخلف كما تفضل على السلف ، بل ربما كان في أهل العصور المتأخرة من العلماء المحيطين بالمعارف العلمية على اختلاف أنواعها ، من يقلّ نظيره من أهل العصور المتقدمة كما سيقف على ذلك من أمعن النظر في هذا الكتاب وحلّ عن عنقه ، عرى التقليد وقد ضممت إلى العلماء من بلغني خبره من العباد والخلفاء والملوك والروَساء والأدباء ولم أذكر منهم إلاّ من له جلالة قدر ونبالة ذكر وفخامة شأن دون من لم يكن كذلك (١).

وطبع الكتاب في جزئين يشتمل الجزء الأوّل على ٣٥٤ ترجمة للشخصيات العلمية والسياسية ، وقد وقع الخطأ في أرقام تراجم الجزء الثاني فالظاهر منه أنّ الجزئين يحتوي على ترجمة ٥٩٦ شخصية وقد فرغ من تأليف الكتاب عام ١٢١٣ هـ.

ثم إنّ النسابة المعروف اليمني محمد بن محمد بن يحيى بن زبارة ، ذيّله بملحق ، أتى فيه بترجمة ٤٤٠ شخصية من مشاهير اليمن لكن على وجه الاختصار ، وقد ترجم من عثر عليه من تراجم من بعد القرن السابع إلى أثناء القرن الثاني عشر من رجال اليمن الميمون ، ولم يسجّل فيه تراجم الرجال الذين ذكروا في كتاب « نيل الأوطار من تراجم رجال اليمن في القرن الثالث » ألّفه في القاهرة عام ١٣٤٨ هـ شكر اللّه مساعيه.

__________________

١ ـ الشوكاني : البدر الطالع : ١ / ٢.
٤٥١
٤٥٢
الفصل الثامن

فرق الزيدية في كتب تاريخ العقائد

قد ذكر موَرخو العقائد ، للزيدية فرقاً بين مقتصر على الثلاثة ، وإلى مفيض إلى ستة ، وثمانية ، وإليك نصوصهم حسب التسلسل الزمني في التأليف :

١ ـ قال الأشعري : « والزيدية » ست فرق :

فمنهم : الجارودية : أصحاب « أبي الجارود » وإنّما سمّوا « جارودية » لأنّهم قالوا بقول : « أبي الجارود » يزعمون أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصّ على علي بن أبي طالب بالوصف لا بالتسمية ، فكان هو الاِمام من بعده وأنّ الناس ضلّوا وكفروا بتركهم الاقتداء به بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم « الحسن » من بعد علي هو الاِمام ثم « الحسين » هو الاِمام من بعد الحسن.

وافترقت الجارودية فرقتين : فرقة زعمت أنّ علياً نصّ على إمامة « الحسن » وأنّ الحسن نص على إمامة « الحسين » ثم هي شورى في ولد الحسن وولد الحسين فمن خرج منهم يدعو إلى سبيل ربّه وكان عالماً فاضلاً فهو الاِمام ، وفرقة زعمت أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نص على « الحسن » بعد علي وعلى « الحسين » بعد الحسن ليقوم واحد بعد واحد.

وافترقت الجارودية في نوع آخر ثلاث فرق : فزعمت فرقة أنّ « محمد بن عبد اللّه بن الحسن » لم يمت وأنّه يخرج ويغلب ، وفرقة أُخرى زعمت أنّ « محمد بن
٤٥٣

القاسم » صاحب الطالقان حي لم يمت وأنّه يخرج ويغلب ، وفرقة قالت مثل ذلك « يحيى بن عمر » صاحب الكوفة.

والفرقة الثانية من الزيدية ، « السليمانية » : أصحاب « سليمان بن جرير الزيدي » يزعمون أنّ الاِمامة شورى وانّها تصلح بعقد رجلين من خيار المسلمين ، وانّها قد تصلح في المفضول وإن كان الفاضل أفضل في كل حال ، ويثبتون إمامة الشيخين أبي بكر وعمر.

وحكى « زرقان » عن سليمان بن جرير أنّه كان يزعم أنّ بيعة أبي بكر وعمر خطأ لا يستحقان عليها اسم الفسق من قبل التأويل ، وانّ الأمّة قد تركت الأصلح في بيعتهم أياهما ، وكان سليمان بن جرير يقدم على عثمان ويكفره عند الأحداث التي نقمت عليه ، ويزعم أنّه قد ثبت عنده أنّ علي بن أبي طالب لايضل ولاتقوم عليه شهادة عادلة بضلالة ، ولايوجب علم هذه النكتة على العامة إذ كان إنّما تجب هذه النكتة من طريق الروايات الصحيحة عنده.

والفرقة الثالثة : من الزيدية : « البترية » : أصحاب « الحسن بن صالح بن حي » وأصحاب « كثير النواء » وإنّما سمّوا « بترية » لأنّ « كثيراً » كان يلقب بالأبتر ، يزعمون أنّ علياً أفضل الناس بعد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأولاهم بالاِمامة ، وأنّ بيعة أبي بكر وعمر ليست بخطأ ، لأنّ علياً ترك ذلك لهما ، ويقفون في عثمان وفي قتلته ولايقدمون عليه بإكفار ، وينكرون رجعة الأموات إلى الدنيا ، ولايرون لعلي إمامة إلاّ حين بويع ، وقد حكي أنّ « الحسن بن صالح بن حي » كان يتبرّأ من عثمان رضوان اللّه عليه بعد الأحداث التي نقمت عليه.

والفرقة الرابعة من الزيدية : « النعيمية » : أصحاب « نعيم بن اليمان » يزعمون أنّ علياً كان مستحقاً للاِمامة وأنّه أفضل الناس بعد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّ الأمّة ليست بمخطئة خطأ أثم في أن ولّت أبا بكر وعمر رضوان اللّه تعالى عليهما ، ولكنها
٤٥٤

مخطئة خطأ بيّناً في ترك الأفضل وتبرّأوا من عثمان ومن محارب علي وشهدوا عليه بالكفر.

والفرقة الخامسة من الزيدية : يتبرّأون من أبي بكر وعمر ولا ينكرون رجعة الأموات قبل يوم القيامة.

والفرقة السادسة من الزيدية : يتولّون أبا بكر وعمر ، ولايتبرّأون ممن برىء منهما ، وينكرون رجعة الأموات ويتبرّأون ممن دان بها وهم « اليعقوبية » أصحاب رجل يدعى « يعقوب » (١).

٢ ـ قال المسعودي : إنّ الزيدية كانت في عصرهم ثمانية فرق : أوّلها الفرقة المعروفة بـ « الجارودية » وهم أصحاب أبي الجارود زياد بن المنذر العبدي ، وذهبوا إلى أنّ الاِمامة مقصورة في ولد الحسن والحسين دون غيرهما ، ثم الفرقة الثانية المعروفة بـ « المرئية » ، ثم الفرقة الثالثة المعروفة بـ « الأبرقية » ، ثم الفرقة الرابعة المعروفة بـ « اليعقوبية » وهم أصحاب يعقوب بن علي الكوفي. ثم الفرقة الخامسة المعروفة بـ « العقبية » ثم الفرقة السادسة المعروفة بـ « الأبترية » وهم أصحاب كثير الأبتر والحسن بن صالح بن حي. ثم الفرقة السابعة المعروفة بـ « الجريرية » وهم أصحاب سليمان بن جرير. ثم الفرقة الثامنة المعروفة بـ « اليمانية » وهم أصحاب محمد بن يمان الكوفي ، وقد زاد هوَلاء في المذاهب وفرّعوا مذاهب على ما سلف من أُصولهم (٢).

٣ ـ قال نشوان الحميري : افترقت الزيدية ثلاث فرق : بترية وجريرية

__________________

١ ـ الأشعري : مذاهب الاِسلاميين : ٦٦ ـ ٦٩.

٢ ـ المسعودي : مروج الذهب : ٢ / ١٨٣.
٤٥٥

وجارودية. فقالت البترية : إنّ علياً عليه‌السلام كان أفضل الناس بعد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأولاهم بالاِمامة ، وأنّ بيعة أبي بكر وعمر ليست بخطأ ، لأنّ علياً عليه‌السلام سلم لهما ذلك ، بمنزلة رجل كان له حقّ على رجل فتركه له ، ووقفت في أمر عثمان ، وشهدت بالكفر على من حارب علياً ، وسمّوا البترية ، لأنّهم نسبوا إلى كثير النواء ، وكان المغيرة بن سعيد يلقب كثيراً بـ « الأبتر ».

وقالت الجريرية : إنّ علياً كان الاِمام بعد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنّ بيعة أبي بكر وعمر كانت خطأ لا يستحق عليه اسم الكفر ، ولا اسم الفسوق ، وأنّ الأمّة قد تركت الأصلح ، وبرئت من عثمان سبب أحداثه ، وشهدت عليه وعلى من حارب علياً بالكفر.

وقالت الجارودية : إنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصّ على علي عليه‌السلام بالاِشارة والوصف دون التسمية والتعيين ، وإنّه أشار إليه ووصفه بالصفات التي لم توجد إلاّ فيه ، وإنّ الأمّة ضلت وكفرت بصرفها الأمر إلى غيره ، وإنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصّ على الحسن والحسين عليهما‌السلام بمثل نصّه على علي ، ثم إنّ الاِمام بعد هوَلاء الثلاثة ليس بمنصوص عليه ، ولكن الاِمامة شورى بين الأفاضل من ولد الحسن والحسين ، فمن شهر منهم سيفه ودعا إلى سبيل ربّه وباين الظالمين ، وكان صحيح النسب من هذين البطنين ، وكان عالماً زاهداً شجاعاً ، فهو الاِمام.

وافترقت الجارودية في نوع آخر ثلاث فرق :

أ ـ فرقة زعمت أنّ محمد بن عبد اللّه النفس الزكية بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب لم يمت ولا يموت ، حتى يملأ الأرض عدلاً ، وأنّه القائم المهدي المنتظر عندهم ، وكان محمد بن عبد اللّه خرج على المنصور فقتل بالمدينة.

ب ـ وفرقة زعمت أنّ محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن علي بن الحسين
٤٥٦

ابن علي بن أبي طالب ، حي لم يمت ولا يموت ، حتى يملأ الأرض عدلاً ، وأنّه المهدي المنتظر عندهم ، وكان محمد بن القاسم هذا خرج على المعتصم بالطالقان فأسره المعتصم ، فلم يدر بعد ذلك كيف خبره.

وفرقة زعمت أنّ يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب حي لم يمت ، وأنّه القائم المنتظر عندهم ، ولايموت حتى يملأ الأرض عدلاً ، وكان يحيى بن عمر هذا خرج على المستعين ، فقتل بالكوفة. هذه رواية أبي القاسم البلخي عن الزيدية ، وليس باليمن من فرق الزيدية غير الجارودية ، وهم بصنعاء وصعدة وما يليهما (١).
دراسة حول فرق الزيدية :

قد تعرفت على كلمات الموَرّخين في فرق الزيدية ، فهي بين ما يحصرهم في ثلاث ، إلى آخر يعدهم ست فرق ، إلى ثالث يحسبهم ثماني فرق ، وهذا الاختلاف يكشف عن وجود غيوم تُلبّد سماء الواقع ، ولكن الذي يهمنا هنا ، مسألة أُخرى ، أنّ هذه الفرق ، كلها قد بادت وذهبت أدراج الرياح مع بقاء الزيدية في اليمن ، والذي يميز الزيدية عن سائر الفرق الاِسلامية ليس شيء مما ورد في عقائد هذه الفرق وإنّما هو عبارة عن القول بإمامة زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه ووجوب الخروج ـ الثورة ـ على الظلمة ، واستحقاق الاِمامة بالفضل والطلب لا بالوراثة مع القول بتفضيل علي كرم اللّه وجهه وأولويته بالاِمامة وقصرها من بعده في البطنين الحسن والحسين (٢).

__________________

١ ـ نشوان الحميري : الحور العين : ١٥٥.

٢ ـ علي بن عبد الكريم الفضيل شرف الدين : الزيدية نظرية وتطبيق : ١١ المطبوع عام ١٤٠٥ هـ ط. عمان.
٤٥٧

ولايوجد اليوم في اليمن بين الزيدية من المفاهيم الكلامية المنسوبة إلى الفرق كالجارودية ، أو السليمانية ، أو البترية أو الصالحية ، إلاّ مفهوم واحد ، وهو المفهوم العام الذي تعرفت عليه وهو القول بإمامة زيد والخروج على وجه الظلمة واستمرار الاِمامة في بطن الحسنين ، وأنـّها بالطلب والفضل وأمّا أسماء تلك الفرق والعقائد المنسوب إليهم فلا توجد اليوم إلاّ في بطون الكتب والموَلّفات في الفرق الاِسلامية كالملل والنحل ونحوها.

فإذا كانت الحال في اليمن كما ذكره الفضيل شرف الدين فالبحث عن هذه الفرق من ناحية إيجابياتها وسلبياتها ليس مهماً بعد ما أبادهم الدهر ، وإنّما اللازم دراسة المفهوم الجامع بين فرقهم ، نعم هناك أمرين هامين يجب التنبيه عليهما :
١ ـ في تسميتهم بالزيدية :

إنّ موَرخي العقائد يسمّونهم بالزيدية شأنهم شأن سائر الفرق التابعة لاِمامها من غير فرق بين كونه إماماً في الأصول والعقائد كالشيخ الأشعري ، أو إماماً في الفقه والأحكام كالحنفي والشافعي ، فتصور لنا هذه التسمية (الزيدية) أنّ هذه الفرق تلقّت أُصولها وفروعها من إمامهم زيد الشهيد ، كما أخذت الأشاعرة أُصولها من الشيخ الأشعري ، والحنفية من إمامها أبي حنيفة.

ولكن هذه التسمية بهذا المفاد خاطئة جداً ، لأنّه لم تكن لزيد عقيدة خاصة في المسائل الكلامية حتى يكون أتباعه عيالاً له في هذا المجال ، كما أنّه لم يكن له كتاب فقهي استدلالي حتى يرجع المقلِّدون ، إليه في الفروع.

نعم إنّ الثابت عن زيد الشهيد ، أنّه كان يقول بالتوحيد والعدل شأن كل علوي يقتفي أثر الاِمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام. فليس القول بهذين الأصلين دليلاً على أنّهم اقتفوا زيداً في هذين الأصلين.
٤٥٨

كما أنّ الثابت عنه في مجال الفقه يعود إلى المسند الذي تعرفت عليه ، وهو لا يتجاوز عن نقل أحاديث فقهية ، ولا يعلم منه مدى فقاهته واستطاعته في استخراج الفروع من الأصول ، وعلى فرض التسليم بذلك فالفقهاء المعروفون بالزيدية ابتداء من الاِمام أحمد بن عيسى ، إلى الاِمام القاسم الرسّـي ، إلى الاِمام يحيى الهادي ، إلى الناصر الأطروش ، حتى تصل النوبة إلى الاِمام المجتهد يحيى بن حمزة والاِمام المهدي بن المرتضى موَلّف « البحر الزخار » إلى غيرهم من فقهاء كبار ، فهوَلاء لم يعلم من أحوالهم أنّهم اعتمدوا في فتاواهم على فتوى إمام مذهبهم زيد ، بل المعلوم خلافه ، فإنّ الفقه المعروف بالفقه الزيدي إنّما وصل إلى ما وصل من السعة نتيجة جهد هوَلاء الفقهاء الكبار ، فهذا الفقه عطاء بحوثهم الشخصية التي ليس لها صلة بزيد.

ويوَيد ذلك : إنّ المذهب الزيدي يحرم التقليد على كل متمكن من أخذ الحكم من كتاب اللّه وسنة رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو غيرهما من الأدلّة الشرعية ، ولايبيحه في الفروع إلاّ لغير المتمكن من الاجتهاد ، لقوله تعالى : « فَاسألُوا أهلَ الذِّكْرِ إنْ كُنتُمْ لأ تَعْلَمُون » (النحل ـ ٤٣) (١).

فإذا كان الأمر كذلك فالعطاء الموجود في الفقه الزيدي وأُصوله يرجع إلى رجال المذهب الزيدي على اختلاف طبقاتهم ، وهم بين إمام في المذهب كالاِمام القاسم بن إبراهيم المتوفى عام ٢٤٢ هـ وحفيده الاِمام الهادي يحيى بن الحسين المتوفى عام ٢٩٨ هـ والاِمام الناصر الأطروش الحسن بن علي المتوفى عام ٣٠٤ هـ.

إلى مخرّج للمذهب وهم الذين استخرجوا من كلام الأئمّة أو احتجاجاتهم أحكاماً لاتتعارض مع الكتاب والسنة ومن رجال هذه الطبقة :

١ ـ العلاّمة محمد بن منصور المردي المتوفى حوالي عام ٢٩٠ هـ.

__________________

١ ـ علي بن عبد الكريم الفضيل شرف الدين : الزيدية نظرية وتطبيق : ١١.
٤٥٩

٢ ـ العلاّمة أبو العباس أحمد بن إبراهيم المتوفى سنة ٣٥٣ هـ.

٣ ـ العلاّمة أحمد بن الحسين بن هارون الحسني المتوفى عام ٤١٦ هـ.

٤ ـ العلامـة أبو طالـب يحيى بـن الحسين بن هرون الحسني المتوفى سنة ٤٢٤ هـ.

إلى محصّل ، وهم الذين اهتموا بتحصيل أقوال الأئمّة وما استخرج منها ، ونقلوها إلى تلامذتهم بطريق الرواية أو المناولة لموَلفاتهم ، منهم :

العلاّمة القاضي زيد بن محمد الكلاوي الجيلي الملقب بحافظ أقوال العترة.

وسيأتي تفصيل طبقات رجال المذهب الزيدي في خاتمة المطاف ضمن الأمر الثامن (١).

فإذا كان المذهب الزيدي قد نضج في هذه الأعصار وتبلور في ظل جهود هوَلاء الفطاحل الأعلام ، فهو عطاء علمائهم ومفكّريهم في الكتاب والسنّة وسائر القواعد الاجتهادية ، ولا يمت إلى إمامهم زيد بصلة.

فعلى ذلك ، فإنّ هوَلاء في فقههم قبل كونهم زيديين ، رسّيون ، انتساباً إلى الاِمام الأوّل القاسم بن إبراهيم ، وهادويون انتساباً إلى الاِمام الثاني يحيى بن الحسين ، أو ناصريّون انتساباً إلى الاِمام الناصر الأطروش الحسن بن علي.

وممن يدعم تلك الفكرة عالم اليمن الحالي السيد مجد الدين الموَيدي في تقديمه على كتاب « الزيدية نظرية وتطبيق » يقول : فأمّا المذهب الفقهي المعروف المتداول بين أهل الفقه في اليمن فليس المراد به المذهب الزيدي كما يتوهم ولا مذهب جملة أهل البيت ، بل المراد به في الأصل كما نص عليه الأعلام المحقّقون قواعد وأُصول أخذوها من أقوال الاِمام القاسم بن إبراهيم وأولاده وحفيده الهادي

__________________

١ ـ لاحظ ص ٥٢٤.
٤٦٠

إلى الحقّ وولديه المرتضى والناصر عليهم‌السلام نصاً أو تخريجاً ، ثم توسعوا في ذلك فصاروا يذهِّبون على ما ترجح عندهم على مقتضى تلك القواعد وإن خالف نصّ الاِمام الهادي إلى الحقّ عليه‌السلام ، الذي هو إمام المذهب على التحقيق فضلاً عن غيره ، ولهذا رجّح كثير من الأئمّة الأعلام للمتابع أن يأخذ بالنص ويترك التخريج المخالف له ومنهم الاِمام المجدد للدين المنصور باللّه القاسم بن محمد فإنّه ضعف التخاريج غاية التضعيف وبسط القول في ذلك بما فيه الكفاية في كتابه الاِرشاد وكذا غيره من الأئمّة عليهم‌السلام (١).

والذي يثبت أنّ المذهب الزيدي حصيلة التفكير الحرّ في الكتاب والسنّة ولايمت إلى الاِمام زيد ، هو وجود الاجتهاد وعدم غلق بابه خلال العصور المتقدمة ، من دون أن يتخذوا آراء الاِمام الواحد حقاً غير قابل للخدش كما عليه الأحناف والشوافع والحنابلة والمالكية.

يقول الفضيل شرف الدين : العلم المميز للمذهب الزيدي على امتداد التاريخ الاِسلامي هو التجديد المستمر دون التقيد باجتهاد فرد واحد من أئمته أو علمائه أو التمحور الفكري حول ما توصلوا إليه من اجتهادات. فإنّ المطّلع المتتبع لتاريخ الفكر الزيدي يعلم بأنّه بقي منفتحاً على جميع المذاهب الاِسلامية المعتبرة يأخذ منها ماله أساس ومستند من كتاب اللّه والصحيح من سنّة رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دونما تعصب ، أو جمود ، أو انغلاق ، بل أنّ من قواعد المذهب عدم جواز التقليد عند المتمكنين من العلماء القادرين على استنباط الأحكام من الكتاب والسنّة. وبذلك بقي المذهب وعلماوَه روّاد تجديد وإصلاح يعملون لاِيجاد حلول لمختلف قضايا الحياة المتجدّدة في كل العصور إيماناً منهم بأنّ الدين الاِسلامي

____________

١ ـ تقديم السيد مجد الدين على كتاب الزيدية نظرية وتطبيق / و ـ ز.
٤٦١

جاء واسعاً رحباً ليستوعب مختلف قضايا البشرية في مختلف المجتمعات والعصور ويضع لها الحلول الاِيجابية الناجعة ، وإلاّ لما كان القرآن آخر الكتب السماوية المنزلة ، ولما كان محمد خاتم الرسل والأنبياء وآخرهم حتى قيام الساعة (١).

فإذا كان هذا هو الطابع الأوّل للمذهب الزيدي فمن المستحيل نسبه إلى الاِمام الثائر زيد الشهيد الذي لم ترث منه الزيدية إلاّ بضع أحاديث من غير تحليل.

والكلام الحقّ إنّ الزيدي عبارة عن من يقول بالعدل والتوحيد وإمامة زيد ابن علي بعد الأئمّة ، الثلاثة علي والسبطين عليهم‌السلام ووجوب الخروج على الظلمة ، واستحقاق الاِمامة بالفضل والطلب ، هذا هو العنصر المقوم في كون الرجل زيدياً ، وأما سوى ذلك مما يوجد في كتبهم فهو عطاء علمائهم المفكرين طيلة القرون.

وهناك من أعلام الزيدية من يصرّ على خلاف تلك النظرية ، فيرى أنّ إطلاق اسم الزيدية على أتباع الاِمام زيد يرجع إليه مستدلاً بقول الاِمام محمد بن عبد اللّه النفس الزكية : « أما واللّه لقد أحيا زيد بن علي ما دثر من سنن المرسلين ، وأقام عموداً إذا اعوجّ ولم ننحو إلاّ أثره ولم نقتبس إلاّ من نوره » (٢).

يلاحظ عليه : أنّ النص لا يدلّ على وجود التسمية ، كما لا يدل على أنّ هناك منهجاً كلامياً أو فقهياً لزيد الثائر ، وإنّما يدلّ على اتباع أثره في أصل واحد وهو الثورة على الظالمين لاِحياء ما اندثر من السنن ، ونحن بدورنا نجلّ زيد الشهيد عن أن يفرق وحدة المسلمين وبالأخص شيعة جده أمير الموَمنين ويقسمهم إلى زيدي وغير زيدي فيوسع الصدع بدل رأبه ، قال سبحانه : « قُلْ هُوَ القَادِرُ على أن

__________________

١ ـ الفضيل شرف الدين : الزيدية نظرية وتطبيق / أ.

٢ ـ تقديم السيد مجد الدين على كتاب الزيدية نظرية وتطبيق / د.
٤٦٢

يَبعَثَ عَلَيكُمْ عَذاباً مِن فَوْقِكُم أوْ مِنَ تَحتِ أرْجُلِكُمْ أو يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآياتِ لَعَلّهُمْ يَفْقَهُون » (الأنعام ـ ٦٥).

وفي نهاية المطاف إنّي أُرجح قول من يقول إنّ هذه النسبة لم يطلقها الاِمام زيد على أتباعه ولا أطلقها في البداية أتباعه على أنفسهم ، ولما جاء الثائرون بعد زيد ، ناهجين منهجه ، صارت اللفظة إشارة لمن يسلك مسلكه في مجال الخروج على الظلمة وإنقاذ المسلمين من كابوس الأمويين أو العباسيين ، من دون أن يكون فيه دلالة على مذهب كلامي أو فقهي. وعلى ذلك فالزيدية شعار حرية وعزة وكرامة ، وجهاد وتضحية في سبيل اللّه وليس شعاراً لمذهب خاص سوى ما عرفت من الاِيمان بإمامة الاِمام علي وسبطيه عليهم‌السلام.
٤٦٣
٤٦٤
الفصل التاسع

في عقائد الزيدية

قد ساقنا الغور في حياة زيد الثائر الشهيد ، إلى الحكم بأنّه لم يكن صاحب منهج كلامي ، ولا فقهيّ فلو كان يقول بالعدل والتوحيد ، ويكافح الجبر والتشبيه ، فلأجل أنّه ورثهما عن أبيه وجده عن علي عليهم‌السلام وإن كان يفتي في مورد أو موارد فقد كان يصدر عن الحديث الذي يرويه عن الرسول الأعظم عن طريق آبائه الطاهرين وهذا المقدار من الموَهلات لا يصيّر الاِنسان ، من أصحاب المناهج في علمي الكلام والفقه.

نعم جاء بعد زيد ، مفكرون وعاة ، وهم بين دعاة للمذهب ، أو بناة للدولة في اليمن وطبرستان ، فساهموا في إرساء مذهب باسم المذهب الزيديّ ، متفتحين في الأصول والعقائد مع المعتزلة ، وفي الفقه وكيفية الاستنباط مع الحنفية ، ولكن الصلة بين ما كان عليه زيد الشهيد في الأصول والفروع وما أرسوه هوَلاء في مجالي العقيدة والشريعة منقطعة إلاّ في القليل منهما.

أين زيد ربيب البيت العلويّ ، من القول بالأصول الخمسة التي تبناها واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد ، ومن جاء بعدهما من أعلام المعتزلة ، حتى صارت مندسّة في مذهب الزيدية ، بلا زيادة ونقيصة إلى يومنا هذا؟

أين زيد الذي انتهل من المعين العذب العلويّ الذي رفض العمل بالقياس والاستحسان ، من القول بأنّهما من مصادر التشريع الاِسلامي كما عليه
٤٦٥

المذهب الفقهي للزيدية؟

ومن ألمّ بحياة أئمة أهل البيت ابتداءًَ بالاِمام علي عليه‌السلام وانتهاءً إلى حياة الأئمّة كالصادقين والكاظم والرضا ، يقف على أنهم عليهم‌السلام في منتأى من القول بهذا وذاك ، كيف وكان النزاع بينهم وبين مشايخ المعتزلة قائماً على قدم وساق وقد حفظت كتب الحديث والسير ، لفيفاً منها ، وكان الرفض للقياس والاستحسان والظنون التي ما أُنزل بها من سلطان ، شعار مذهبهم ، به كانوا يُعرفون وبه كانوا يمُيزون لكن ـ للأسف ـ نجد دخول هذه العناصر في مذهب الزيدية الذي ينتمي إلى أئمة أهل البيت ، عليّ عليه‌السلام ومن بعده.

اتفقت الأمّة الاِسلامية ولا سيما الاِمامية والزيدية على أنّ الرسول أوصى بالتمسك بالثقلين وأنّه لا يعدل بهما إلى غيرهما ، وشبّه الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهل بيته بسفينة وقال : « مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ». وبالتالي أمر بركوبها في تمام الطريق ، ولايشك أحد في أنّ الباقرين والكاظمين من أئمة أهل البيت ، ومع ذلك فقد فارقت الزيدية هوَلاء في حياتهم العلمية والعملية وبالتالي اقتدوا ببعض الأئمّة دون البعض الآخر ، وركبوا السفينة في بعض الطريق لا في جميعها وصار هذا وذاك سبباً لحدوث شقة كبيرة بين المذهب الزيدي ، وماكان عليه متأخرو أئمة أهل البيت الذي وعاه عنهم شيعتهم من عصر الاِمام علي إلى آخر الأئمّة الاثني عشر عليهم‌السلام ، واشتهر باسم المذهب الاِمامي.

ولا أُغالي إذا قلت : إنّ المذهب الزيدي مذهب ممزوج ومنتزع من مذاهب مختلفة في مجالي العقيدة والشريعة ساقتهم إلى ذلك ، الظروف السائدة عليهم وصار مطبوعاً بطابع مذهب زيد ، وان لم يكن له صلة بزيد إلاّ في القسم القليل.

ومن ثم التقت الزيدية في العدل والتوحيد ، مع شيعة أهل البيت جميعاً ، إذ
٤٦٦

شعارهم في جميع الظروف والأدوار ، رفض الجبر ، والتشبيه ، والجميع في التديّن بذينك الأصلين عيال على الاِمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

كما أنّهم التقوا في الأصول الثلاثة :

١ ـ الوعد والوعيد.

٢ ـ المنزلة بين المنزلتين.

٣ ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

مع المعتزلة حيث أدخلوا هذه الأصول في مذهبهم ، وحكموا بخلود مرتكب الكبيرة في النار إذا مات بلا توبة ، وحرمانه من الشفاعة لأنّها للعدول دون الفساق ، فهي إذاً بمعنى ترفيع الدرجة لا الحط من الذنوب كل ذلك أخذاً بالأصل الأوّل ، كما جعلوا الفاسق ، في منزلة بين المنزلتين فهو عندهم لا موَمن ولا كافر بل هو فاسق ، أخذاً بالأصل الثاني ، ولكنّهم تخبّطوا في الأصل الثالث وزعموا أنّه أصل مختص بالمعتزلة والزيدية ، مع أنّ الاِمامية يشاركونهم في هذه الأصول عند اجتماع الشرائط ، أي وجود دولة إسلامية يرأسها الاِمام المعصوم أو النائب عنه بإسم الفقيه العادل.

إنّ الزيدية التقت في القول بحجّية القياس والاستحسان والاِجماع بما هو هو ، دون كونه كاشفاً عن قول المعصوم ، وحجية قول الصحابي وفعله ، مع أهل السنّة ولذلك صاروا أكثر فرق الشيعة اعتدالاً ـ عند أهل السنّة ـ وميلاً إلى التفتح معهم.

ولكنّ العلامة الفارقة والنقطة الشاخصة التي تميز هذا المذهب عما سواه من المذاهب ، ويسوقهم إلى التفتح مع الاِمامية والاِسماعيلية هو القول بإمامة علي والحسنين بالنص الجلي أو الخفي عن النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقول بأنّ تقدم غيرهم
٤٦٧

عليهم كان خطأ وباطلاً.

هذا هو واقع المذاهب ، وعموده الفقري ، فقد أخذوا من كل مذهب ضغثاً.

نعم كانت عناية مشايخ الزيدية في العصور الأوّلية ، بالنقل عن الصادقين والأخذ بقولهما أكثر من الذين جاءوا بعدهم. وهذا أحمد بن عيسى بن زيد ، موَلف الأمالي فقد أكثر فيها النقل عنهما وعن غيرهما من أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، ولكن أين هو من البحر الزخار لابن المرتضى (٧٦٤ ـ ٨٤٠ هـ) أو سبل السلام للأمير محمد بن إسماعيل الأمير اليمني الصنعاني (١٠٥٩ ـ ١١٨٢ هـ) أو الروض النضير للسباعي ، أو نيل الأوطار في شرح منتقى الأخبار للشوكاني (١١٧٣ ـ ١٢٥٠ هـ) ، فإنهم لايصدرون في عامـة المسائل إلاّ ما شذ ، إلاّ عما يصدر عنه فقهاء أهل السنة ، فالمصادر الحديثية هي الصحاح والمسانيد ، والحجج الفقهية بعد الكتاب والسنّة ، هي القياس والاستحسان ، وكأنّه لم يكن هنا باقر ولا صادق ، ولاكاظم ولا رضا عليهم‌السلام ونسوا وتناسوا مقاماتهم وعلومهم.

نحن نأتي في هذه العجالة بأُصول عقائدهم مستندين إلى ما ألفه الاِمام المرتضى في مقدمة البحر الزخار ، مقتصرين على الروَوس دون الشعب المتفرقة منها. وفي هذه القائمة لعقائدهم يتجلى مدى انتمائهم ، للمعتزلة أو للسنّة والشيعة ، والنص لابن المرتضى بتلخيص منّا.

١ ـ صفاته عين ذاته ، ويستحق بها صفاته لذاته لا لمعان (زائدة) خلافاً للأشعرية حيث يقول : « لمعان قديمة بذاته ليست إياه ولا بعضه ولا غيره ».

وقد أشار بذلك إلى المعاني الزائدة التي أثبتها الأشعري وهي ثمانية مجموعة في قول بعضهم :

حياة ، وعلم ، وقدرة ، وإرادة
   

   

كلام وإبصار وسمع مع البقاء

٢ ـ لا يُرى سبحانه ، ولا يجوز عليه الروَية وإلاّ لرأيناه الآن لارتفاع الموانع
٤٦٨

الثمانية (١). ولا اختص بجهة يتصل بها الشعاع.

٣ ـ ليس بذي ماهية : وعليه المعتزلة والزيدية وأكثر الخوارج والمرجئة.

٤ ـ حسن الأشياء وقبحها عقليان ، وأكثر الزيديـة على أنّه يقبح الشيء لوقوعه على وجه من كونه ظلماً أو كذباً أو مفسدة إذ متى علمناه كذلك ، علمنا قبحه.

٥ ـ مريد بإرادة حادثة : هو سبحانه مريد بإرادة حادثة. خلافاً للكلابية والأشعرية حيث قالوا بإرادة قديمة ، وقالت النجارية بإرادة نفس ذاته ، قلنا : إذاً للزم إيجاده جميع المرادات ، إذ لا اختصاص لذاته ببعضها.

٦ ـ متكلم بكلام : وكلام اللّه تعالى فعله الحروف والأصوات.

٧ ـ فعل العبد غير مخلوق فيه : وخالفت الجهمية وجعلت نسبته إلى العبد مجازاً كطال وقصر.

وقالت النجارية والكلابية وضرار ، وحفص : خلق للّه وكسب للعبد ، لنا وقوعه بحسب دواعيه وانتفاوَه بحسب كراهيته مستمراً بذلك يعلم تأثير الموَثر (العبد) سلمنا لزوم سقوط حسن المدح والذم ، وسبّه لنفسه ، تعالى اللّه عن ذلك.

٨ ـ تكليف ما لا يطاق قبيح : وكانت المجبرة لا تلتزمه حتى صرح الأشعري بجوازه ، لنا تكليف الضرير بنقط المصحف ومن لا جناح له بالطيران ، معلوم قبحه ضرورة وقوله تعالى : « إلاّ وسعها ».

٩ ـ المعاصي ليس بقضاء اللّه.

١٠ ـ لا يطلق على اللّه أنّه يضل الخلق.

١١ ـ الوعد والوعيد : وهو أصل في كلام المعتزلة والزيدية وقد عقد ابن المرتضى باباً وفرع عليه فروعاً والغاية المتوخاة منها ، الحكم بخلود المسلم الفاسق في النار ، وإن شئت قلت : خلود مرتكب الكبيرة الذي مات بلا توبة فيها ولم أعثر

__________________

١ ـ أشار في التعليقة إلى الموانع الثمانية فلاحظ.
٤٦٩

على نصّ في كلام ابن المرتضى ، ولكن صرّح به غير واحد من علمائهم ونأتي بنص العالم المعاصر الزيدي في كتابه « الزيدية نظرية وتطبيق » قال :

أمّا الزيدية وسائر العدلية فقالوا : من مات موَمناً فهو من أصحاب الجنّة خالداً فيها أبداً ، ومن مات كافراً أو عاصياً لم يتب فهو من أصحاب السعير خالداً فيها أبداً لقوله تعالى : « ومَنْ يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيها أبَداً » (الجن ـ ٢٣) وقوله : « وإنّ الفُجّارَ لَفِي جَحِيمٍ* يَصْلَوْنَها يَومَ الدِّينِ وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ » (الانفطار ـ ١٦) وقوله تعالى : « بَلى مَنْ كسَبَ سَيِّئَةً وأحاطَتْ بِهِ خَطِيئتُهُ فَأُوْلئِكَ أصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدونَ » (البقرة ـ ٨١) (١).

١٣ ـ مرتكب الكبيرة لا موَمن ولا كافر : بل فاسق وفي منزلة بين المنزلتين وهذا أحد أُصول المعتزلة لكن الزيدية أدخلوه في الأصل السابق الوعد والوعيد ، قال ابن المرتضى :

والفاسق (مرتكب الكبيرة) ليس بكافر ، خلافاً للخوارج ، ولا موَمن خلافاً للمرجئة إذ هو مدح والفسق ذم فلا يجتمعان (٢).

١٤ ـ الاِمامة تجب شرعاً لا عقلاً وعليه إجماع الصحابة.

١٥ ـ النص على إمامة عليّ والحسنين : الأشعرية : لم ينص صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على إمام بعده ، وقالت الزيدية : بل نصّ على عليّ والحسنين (٣) وقالت البكرية على أبي بكر.

١٦ ـ عقد الاِمامة : وتعقد الاِمامة بالدعوة مع الكمال ولا تنعقد بالغلبة

__________________

١ ـ علي بن عبد الكريم : الزيدية نظرية وتطبيق : ٧٦ وقد أوضحنا عدم دلالة الآيات على مايرونه في الجزء الثالث من هذه الموسوعة عند البحث عن هذا الأصل عند المعتزلة فلاحظ.

٢ ـ عزب عن المرتضى إنّما لا يجوز الجمع بين المدح والذم إذا كان المبدأ واحداً أي إذا ذمّ ومدح لأجل ملاك واحد. دونما إذا كان المبدأ مختلفاً والحيثيات ، متعددة فهو من حيث إيمانه في القلب ممدوح ومن حيث اقترافه المعصية مذموم.

٣ ـ وقال محقق الكتاب : ومنها قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا وأبوهما خير منهما » رواه الأمير الحسين في كتاب الشفا ورواه الأمير الحسن بن بدر الدين في العقد الثمين.
٤٧٠

خلاف الحشوية.

وأوضحه المحقّق في هامش الكتاب وقال مع عدم المنازع فيفوز بذلك أو بأن تحصل له البيعة من الأكثرية مع وجود المنازع ، وكل ذلك بعد سبق ترشيحه من ذوي الحل والعقد لمعرفة حصوله على الشروط الموَهلة له.

١٧ ـ معدن الاِمامة البطنان : الزيدية : على أنّ معدن الاِمامة البطنان ، للاِجماع على صحتهما ولا دليل على غيرهما ، وقالت الاِمامية : بل أولاد الحسين وقالت الأشعرية بل قريش.

١٨ ـ الاِمامان في زمان واحد : أكثر الزيدية لا يصلح إمامان في زمان فقالت الكرامية والزيدية : يصح ، لنا إجماع الصحابة بعد قول الأنصار : منّا أمير ومنكم أمير وإذا عقد لاِثنين في وقت واحد بطلا ويستأنف كنكاح وليّين.

١٩ ـ ومن اعتبر العقد : كفى بيعه واحد برضا أربعة من أهل الحل والعقد وقال أبو القاسم البلخي : يكفي واحد وإن لم يرض غيره ، لنا لم يعقد عمر وابو عبيدة لأبي بكر إلاّ برضا سالم وبشير وأُسيد وبايع عبد الرحمن عثمان ، برضا الباقين (١).

٢٠ ـ الاِمام بعد الرسول عليّ ، ثم الحسن ثم الحسين عليهم‌السلام للأخبار المشهورة.

٢١ ـ القضاء في فدك صحيح خلافاً للاِمامية وبعض الزيدية. لنا : لو كان باطلاً لنقضه علي ولو كان ظلماً لأنكره بنو هاشم والمسلمون. (٢).

٢٢ ـ خطأ المتقدمـين على علـيّ في الخلافة قطعي ، لمخالفتهم ، ولا يقطع

____________

١ ـ أُنظر كيف يستدل بفعل من ترك وصية الرسول حسب اعترافه على مسألة أُصولية.

٢ ـ ولعله لم يبلغه قول علي عليه‌السلام في فدك : « نعم قد كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء ، فشحّت عليها نفوس قوم ، وسخت عليها نفوس قوم آخرين ونعم الحكم اللّه » كما تبلغه خطبة الصديقة الطاهرة حول فدك التي كان بنو هاشم يحفظونها ويعلّمونها أولادهم.
٤٧١

لفسقهم إذ لم يفعلوه تمرداً بل لشبهة فلا تمنع الترضية عليهم لتقدم القطع بإيمانهم فلا يبطل بالشك فيه.

٢٣ ـ خطأ طلحة والزبير وعائشة قطعي لبغيهم على إمام الحقّ.

٢٤ ـ توبة الناكثين : الأكثر أنّه قد صحت توبتهم ، وقالت الاِمامية وبعض الزيدية : لا.

٢٥ ـ الأكثر أنّ معاوية فاسق لبغيه ، لم تثبت توبته فيجب التبرّي منه.

٢٦ ـ يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : بالقول والسيف مع اجتماع الشروط قالت الحشوية : لا وقالت الاِمامية : بشرط وجود الاِمام لنا : « وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمّة » (آل عمران ـ ١٠٤) « فَقاتِلُوا الَّتي تَبْغِي » (الحجرات ـ ١٠).

هذه روَوس عقائد الزيدية استخرجناها من كتاب القلائد في تصحيح الاعتقاد ، المطبوع في مقدمة البحر الزخار ص ٥٢ ـ ٩٦ والموَلف ممن يشار إليه بين علماء الزيدية ، وهو موَلف البحر الزخار ، ومن أحد أئمة الفقه والاجتهاد في القرن التاسع.
النص بالجلي أو الخفي على إمامة علي عليه‌السلام :

إنّ كتب تاريخ العقائد طفحت بهذا العنوان ، فمثلاً نقلوا بأنّ الجارودية ذهبت إلى أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصّ على إمامة عليّ بالوصف دون النص (١) ومعنى هذا أنّ النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد بيّن الملامح العامة للاِمام ، وكان علي عليه‌السلام هو المصداق الوحيد لهذه الملامح.

__________________

١ ـ الأشعري : مقالات الاِسلاميين : ٦٧ ، البغدادي : الفرق بين الفرق : ٣٠.
٤٧٢

وقال النوبختي عن الجارودية : إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصّ على عليّ عليه‌السلام بالوصف دون التسمية ، والناس مقصرون إذا لم يتعرفوا الوصف ولم يطلبوا الموصوف (١).

وربما يعبرون بأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصّّ على ولاية الاِمام نصاً خفياً غير جلي.

هذه الكلمات ونظائرها توجد ، في التعبير عن المذهب الجارودي في مقام الاِمامة.

وأمّا السليمانية أو الجريرية فأظهروا المرونة أكثر من الجارودية ، فقد قالوا : إنّ الاِمامة شورى وأنّها تنعقد بعقد رجلين من خيار الأمّة ، وأجازوا إجازة المفضول وأثبتوا إمامة أبي بكر وعمر ، وزعموا أنّ الأمّة تركت الأصل في البيعة لها ، لأنّ علياً كان أولى بالاِمامة منهما ، إلاّ أنّ الخطأ في بيعتهما لم يوجب كفراً ولافسقاً (٢).

والذي أظن ـ وظنّ الألمعي صـواب ـ أنّ النظرتين قد صدرتا تقية وصيانة لوجودهم بين أهل السنّة. ومع أنّ الزيدية يرفضون التقية كما سيوافيك ، ولكنّهم عملوا بها حيث لا يشاوَون ، فإنّهم قد عاشروا أهل السنّة في بيئة واحدة ومجتمع واحد تربطهم أحكام واحدة ، حيث رأوا أنّ التعبير عن واقع المذهب أي وجود النصّ على الاسم وإن شئت قلت : وجود النصّ الصريح يستلزم تفسيق الصحابة ، وهذا لا يتلائم وطبيعة حياتهم ، فلذلك جعلوا من هذا التعبير واجهة لعقيدتهم الواقعية فجمعوا ـ حسب زعمهم ـ بين العقيدة والهدف في الحياة. كيف وأئمة أهل البيت عليهم‌السلام عن بكرة أبيهم يرون النصّ على خلافة علي عليه‌السلام وهذا المميز لشيعة أئمة أهل البيت عن غيرهم. والذي يميز الشيعة عن غيرهم من الفرق هو هذا العنصر فقط ، وما سوى ذلك عقائد كلامية مستخرجة من الكتاب

__________________

١ ـ النوبختي : فرق الشيعة : ٧٤.

٢ ـ الأشعري : مقالات الاِسلاميين : ٦٨ ، البغدادي : الفرق بين الفرق : ٣٢.
٤٧٣

والسنّة.

فإن كان ما ذكرناه مقبولاً لدى القارىَ وإلاّ فإنّ هذا النوع من التفكير تطرّق إلى المذهب الزيدي في العصور السابقة عن طريق معاشرتهم مع معتزلة بغداد ، الذين قالوا بأفضلية الاِمام علي عليه‌السلام وجواز تقديم المفضول على الفاضل. وقد مرّ تحقيق القول في ترجمة حمزة بن عبد اللّه فلاحظ.
٤٧٤

العقد الثمين في معرفة ربّ العالمين

تأليف الأمير الحسين بن بدر الدين محمد

(٥٨٢ ـ ٦٦٢)

بعد أن أخرجت عقائد الزيدية من كتاب البحر الزخار ، وقفت على رسالة مختصرة باسم العقد الثمين في معرفة ربّ العالمين لموَلّفه العلامة الأمير الحسين بن بدر الدين محمد المطبوع باليمن ، نشرته دار التراث اليمني صنعاء ، ومكتبة التراث الاِسلامي بصعده وهي من أوائل الكتب الدراسية في حقل أُصول الدين والموَلّف من أجلّ علماء الزيدية ، وأكثرهم تأليفاً وتعد كتبه من أهم الأصول التي يعتمد عليها علماء الزيدية ويدرسونها كمناهج (١) وإليك نصها :

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه المختصّ بصفات الاِلهية والقدم ، المتعالي عن الحدوث والعدم ، الذي لم يسبقه وقت ولا زمان ، ولاتحويه جهة ولا مكان ، جلّ سبحانه. دلّ على ذاته بما ابتدعه من غرائب مصنوعاته ، وعجائب مخلوقاته ، حتى نطق صامتها بالاِقرار بربوبيته بغير مَذْوَد ، وبرز مجادلاً لكل من عطّل وألحد.

وصلواته وسلامه على سيدنا محمد الذي هو بالمعجزات موَيد ، وفي المرسلين مرَجّب ومسوّد ، وعلى آله الغرّ الهداة ، والولاة على جميع الولاة ، وعلى

__________________

١ ـ إقرأ ترجمته في : تاريخ اليمن الفكري : ٣ / ٢٨٩ و ٣٠٨ ، والاعلام : ٢ / ٢٥٥ ، التحف شرح الرلف : ١٧٨.
٤٧٥

صحابته المكرّمين الموَيدين ، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد :

التوحيد

[ الدلالة على أن اللّه تعالى خالق العالم ]

أيّها الطالب للرشاد ، والهارب بنفسه عن هُوّة الاِلحاد.

فإذا قيل لك : من ربك؟

فقل : ربي اللّه.

فإن قيل لك : بم عرفت ذلك؟

فقل : لأنّه خلقني ، ومن خلق شيئاً فهو ربّه.

فإن قيل لك : بمَ عرفت أنّه خلقك؟

قل : لأنّي لم أكن شيئاً ثم صرتُ شيئاً ، ولم أكن قادراً ثم صرت قادراً ، و [ كنت ] صغيراً ثم صرت كبيراً ، ولم أكن عاقلاً ثم صرت عاقلاً ، وشاهدت الأشياء تحدث بعد أن لم تكن ؛ فرأيت الولد يخرج ولا يعلم شيئاً ، ثم يصير رضيعاً ، ثم طفلاً ، ثم غُلاماً ، ثم بالغاً ، ثم شاباً ، ثم كهلاً ، ثم شيخاً. ثم رأيت نحو ذلك من هبوب الرياح بعد أن لم تكن ، وسكونها بعد هبوبها ، وطلوع الكواكب بعد أُفولها ، وأفولها بعد طلوعها ، وظهور السحاب وزواله ، وكذلك المطر والنبات والثمار المختلفات. وكل ذلك دلائل الحدوث.

وإذا كانت محدَثة فلا بد لها من محدِث ، لأنّها قد اشتركت في الجسميّة ، ثم افترقت هيئاتها وصورها ؛ فننظر سماءً ، وأرضاً ، وثماراً ، وأشجاراً ، وآباراً ، وبحوراً ، وأنهاراً ، وإناثاً ، وذكوراً ، وأحياءً ، وأمواتاً ، وجمعاً ، وأشتاتاً.
٤٧٦

وكذلك ننظر إلى الأعراض الضروريات المعلومات ، فإنّها اشتركت في كونها أعراضاً ، ثم افترقت وانقسمت بين شهوةٍ ونفرةٍ ، وحياةٍ وقدرةٍ ، ويبوسةٍ ورطوبة ، وطُعومٍ مكروهة ومحبوبة ، وروائح شتى ، وحرّ وبرد ، ووجاء وفناء ، وألوان متضادّة على المحل ، وموت يقطع الرزق والأمل.

فنعرف أنّه لابد من مخالف خالف بينها ، وأحدث ماشاهدنا حدوثه منها ، وأنّه غيرٌ لها ، لأنّها لاتُحدِث نفسها ، إذ الشيء لايُحدثُ نفسه ، لأنّه يُوَدّي إلى أن يكون قَبلَ نفسه ، وغيراً لها ، وكذلك لاتصوّر أنفسها ، ولاتخالف بين هيئتها ، ولايقع ذلك بشيء مما يقوله الجاهلون ، من طبع أو مادّة ، أو فلك ، أو نجم ، أو علّة ، أو عقل ، أو روح ، أو نفس ، أو غير ذلك مما يقولونه ؛ لأنّ ذلك إن كان من قبيل الموجبات لم تخلُ : أن تكون موجودة ، أو معدومة. والموجودة لا تخل : أن تكون قديمة ، أو محدثة. ولايجوز ثبوت ذلك لعلّة قديمة ولامعدومة ، لأنّه لو كان كما زعموا لكان يلزم وجود العالم بما فيه في الأزل ، واستغناوَه عن تلك العلل.

ولا يجوز أن يكون ثبوت ذلك لعلّة محدثة ، لأنّها لاتخلو : إمّا أن تكون مماثلة لما تقدم [ منها ] ، أو مخالفة [ له ] ، إن كانت مماثلة وجب أن يكون معلولها متماثلاً ، وفي علمنا باختلاف ذلك العالم دلالة على بطلان القول بأنّه عن علة مماثلة أو علل متماثلات.

ولا يجوز أن يكون لعلة مخالفة ، ولا علل مخالفة ، لأنّها حينئذ تكون قد شاركت العالم في الاختلاف ؛ الذي لأجله احتاج إليها ، فيدور الكلام إلى ما لا يعقل ولا ينحصر من العلل.

فيجب الاقتصار على المحقّق المعلوم ، والقضاء بأنّ الذي أحدثها وصوّرها ، وخالف بينها هو الفاعل المختار ، وهو الحيّ القيوم.
٤٧٧

فصل [ في أنّ اللّه تعالى قادر ]

فإن قيل : ربّك قادر ، أم غير قادر؟

فقل : بل هو قادر ؛ لأنّه أوجد هذه الأفعال التي هي العالم ، والفعل لا يصح إلاّ من قادر.

أوجده تعالى لا بمماسّة ، ولا بآلة : « إنَّما أمْرُهُ إِذَا أرادَ شَيْئاً أنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون » [ يس : ٨٢ ].

فصل [ في أنّ اللّه تعالى عالم ]

فإنّ قيل : أربك عالم ، أم غير عالم؟

فقل : بل هو عالم ، وبرهان ذلك ما نشاهده فيما خلقه من بدائع الحكمة ، وغرائب الصنعة ؛ فإنّ فيها من الاِحكام والترتيب ، ما يعجز عن وصفه اللبيب ، [ وكل ذلك لا يصح إلاّ من عالم ، كما أنّ الكتابة المحكمة لا تصح إلاّ من عالم بها ، وهو تعالى لا يختص بمعلوم دون معلوم ، فيجب أن يعلم جميع المعلومات ، على كل الوجوه التي يصح أن تعلم عليها.

وهو سبحانه يعلم ما أجنّه الليل ، وأضاء عليه النهار ، ويعلم عدد قطر الأمطار ، ومثاقيل البحار ، ويعلم السرّ ـ وهو ما بين اثنين ـ وما هو أخفى ـ وهو ما لم يخرج من بين شفتين ـ « مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إلاّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلأ خَمْسَةٍ إلاّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أكْثَرَ إلاّ هُوَ مَعَهُمْ » [ المجادلة : ٧ ] بعلمه لايلاصقهم ، وهو شاخص عنهم ولايفارقهم ].
٤٧٨

فصل [ في أنّ اللّه تعالى حي ]

فإن قيل : أربك حيّ ، أم لا؟

فقل : بل حيٌّ ، لأنّه تعالى لو لم يكن حيّاً لم يكن قادراً ، ولا عالماً ، لأن الميّت والجماد لا يفعلان فعلاً ، ولايحدثان صنعاً.

فصل [ في أنّ اللّه تعالى قديم ]

فإن قيل : أربّك قديم ، أم غير قديم؟

فقل : هو موجود لا أوّل لِوجوده ؛ لأنّه لو كان لوجوده أوّلٌ لكان محدَثاً ، ولو كان محدثاً لاحتاج إلى محدِث ، إلى ما لا يتناهى ، وذلك محالٌ ، فهو قديم ، قادر ، حيٌّ ، عليم ، لم يزل ولا يزال ، ولايخرج عن ذلك في حال من الأحوال ، لأنّه لو لم يكن كذلك لم يكن له بدٌّ من فاعل فعله ، وجاعلٍ ـ على صفات الكمال ـ جعله ، أو يكون لعلّة ، وقد ثبت أنّه تعالى قديم ؛ فلايصح القول بشيء من ذلك.

فصل [ في أنّ اللّه تعالى سميع بصير ]

فإن قيل : أربك سميع بصير؟

فقل : أجل لأنّه حيٌّ كما تقدم ، ولايعتريه شيء من الآفات ، لأنّ الآفات لاتجوز إلاّ على الأجسام ، وهو تعالى ليس بجسم ، لأنّ الأجسام محدَثة كما تقدم ، وهو تعالى قديم أيضاً.
٤٧٩

فصل [ في أنّ اللّه تعالى لايشبه الأشياء ]

فإن قيل : أربّك مشبه الأشياء؟

فقل : ربّي لايشبه الأشياء ؛ لأنّ الأشياء سواه : جوهرٌ ، وعرَضٌ ، وجسم. ولايجوز أن يكون جوهراً ، ولا عرضاً ؛ لأنّهما غير حيّين ولاقادرين ، وهو تعالى حيّ قادر ، ولأنّهما محدَثان وهو قديم ولا يجوز أن يكون جسماً ، لأنّا قد بيّنا أنّه خالق الأجسام ، والشيء لايخلق مثله ، ولأنّ الجسم موَلّف مصنوع ، يفترق ويجتمع ، ويسكن ويتحرّك ، ويكون في الجهات ، وتسبقه الأوقات ، وكل ذلك شواهد الحدوث ، وقد ثبت أنّه تعالى قديم ، فلا يجوز أن يكون محدَثاً بل ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

وإذا لم يكن جوهراً ولاجسماً ولاعرضاً لم يوصف بالكيف ، ولا الأين ، ولا الحيث ، ولا البين ، ولا الوجه ، ولا الجنب ، ولا اليدين ، لم يقطعه بعد ، ولم يسبقه قبل ، ولم يجزّئه بعضٌ ، ولا جمعه كلٌّ ، ليس في الأرض ولا في السماء ، ولا حلّ في متحيّز أصلاً ، ولا حدّه فوقٌ ولاتحت ، ولايمين ، ولا شمال ، ولا خلفٌ ، ولا أمام ، ولا يجوز عليه المجيء ولا الذهاب ، ولا الهبوط ولا الصعود.

كان قبل خلق العالم ولا مكان ، ويكون بعد فناء العالم ولا مكان ، وهو خالق المكان مستغن عن المكان ، وخالق الزمان فلم يتقدمه زمان ، ليس بنور ولا ظلام ، لأنّ جميع ما ذكر فان في القدم.

ولأجل ذلك نقول : إنّه لا يجوز أن يقال : هو طويل ، ولا قصير ، ولا عريض ولا عميق ، ولا شويه ولامليح ، ولا أن يقال : هو يسترّ أو يغتمّ ، أو يظنّ أو يهتمّ ، أو يعزمُ ، أو يوَلّم ، أو يلتذّ أو يشتهي ، أو ينفرُ ، لأنّ ذلك كلّه شواهد الوجود بعد العدم ، ومنافٍ لما هو عليه من صفات الكمال والعظمة والجلال.
٤٨٠

فصل [ في آيات الصفات ]

فإن قيل : إنّه قد ذكر في القرآن : « يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ » (المائدة : ٦٤) ، وإنّ له جنباً ، وعيناً ، وأعيناً ، ونفساً ، وأيدٍ ، لقوله : « مِمّا عَمِلَتْهُ أيْدِينا » [ يس : ٧١ ] ووجهاً.

فقل : يداه نعمتاه ، ويَدُهُ قُدْرَتُه ، والأيدي هي : القدرة ، والقوة أيضاً.

وجنباً في قوله تعالى : « يَاحَسْرَتى عَلَى مَافَرَّطْتُ فِيْ جَنْبِ اللّه » [ الزمر : ٥٦ ] ، أي : في طاعته.

ونفساً في قوله تعالى : « تَعْلَمُ مَا فِيْ نَفْسِي وَلأ أعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ » [ المائدة : ١١٦ ] ، المراد به : تعلم سرّي وغيبي ، ولا أعلم سرّكَ وغيبك.

ووجهه : ذاته ، ونفسه : ذاته ، وقوله تعالى : « فَثَمَّ وَجْهُ اللّه » [ البقرة : ١١٥ ] ، أي الجهة التي وجّهكم إليها.

وما ذكر من العين والأعين فالمراد به الحفظ والكَلاءَة والعلم.

وقوله : « اسْتَوى عَلَى العَرْشِ » [ الأعراف : ٥٤ ] ، استواوَه : استيلاوَه بالقدرة والسلطان ، ليس كمثله شيء ، ولا يشبهه ميّت ولا حي.

فصل [ في أنّ اللّه تعالى غني ]

فإن قيل : أربك غني أم لا؟

فقل : إنّه غنيٌّ لم يزل ولا يزال ، ولاتجوز عليه الحاجة في حال من الأحوال ، لأنّ الحاجة لاتجوز إلاّ على من جازت عليه المنفعة والمضرة ، واللّذة والألم ، وهذه الأمور لاتجوز إلاّ على من جازت عليه الشهوة والنفرة ، وهما لا يجوزان إلاّ على الأجسام ؛ فيسترُّ الجسم بإدراك ما يشتهيه ويلتذ به ، وينمو ويزداد بتناوله ، ويغتم
٤٨١

بإدراك ما ينفر عنه ويتضرر به ، وينقص بتناوله. وقد ثبت أنّه تعالى ليس بجسم ، بل هو خالق الجسم ، فكيف يخلق مثل ذاته ، أو تشاركه الأجسام في صفاته؟! بل لا يجوز عليه شيء من ذلك.

فصل [ في أنّ اللّه لا يُرى بالأبصار ]

فإن قيل : أربك يرى بالأبصار ، أم لا يرى؟

فقل : هذه مقالة باطلة عند أُولي الأبصار ، لأنّه لو رئي في مكان لدل ذلك على حُدُوثه ، لأنّ ما حواه محْدُودٌ محدث.

فإن قيل : إنّه يرى في غير مكان. فهذا لا يعقل ، بل فيه نفي الروَية ، وقد قال تعالى : « لاتُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ » [ الأنعام : ١٠٣ ] ، فنفى نفياً عاماً لجميع المكلفين ، و [ لجميع ] أوقات الدنيا والآخرة.

وقال اللّه تعالى لموسى ـ لما سأله الروَية ـ : « لَنْ تَرَانِي » [ الأعراف : ١٤٣ ] ، ولم يسأل موسى عليه‌السلام الروَية لنفسه ، بل عن سوَال قومه ، كما حكاه اللّه في قصص قومه : « فَقَدْ سَألُوا مُوسَى أكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوْا أرِنَا اللّهَ جَهْرَةً فَأخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ » [ النساء : ١٥٣ ] ، ولو سألها لنفسه لصعق معهم. ولما لم يقع منه خطيئة إلا سوَاله لهم الروَية من دون إذن ، قال لربه عزّ وجلّ : « أتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنّا » [ الأعراف : ١٥٥ ].

فصل [ في أنّ اللّه تعالى واحد ]

فإن قيل : أربّك واحدٌ لا ثاني له ، أم لا؟

فقل : بلى هو واحد لا ثاني له في الجلال ، متفرد هو بصفات الكمال ؛ لأنّه لو
٤٨٢

كان معه إله ثان لوجب أن يشاركه في صفات الكمال على الحد الذي اختصّ بها ، ولو كان كذلك لكان على ما قدر قادراً ، ولو كان كذلك لجاز عليهما التشاجر والتنازع ، ولصح بينهما التعارض والتمانع ، ولو قدّرنا هذا الجائز لأدى إلى اجتماع الضدين من الأفعال ، أو عجز القديم عن المراد ، وكل ذلك محال ، تعالى عنه ذو الجلال ؛ لقوله : « لَوْ كَان فِيهِمَا آلِهَةٌ إلاّ اللّه لَفَسَدَتا » (الأنبياء : ٢٢) ، ولقوله عزّ قائلاً : « أم جَعَلُوا للّه شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيءٍ وَهُوَ الوَاحِدُ القَهَّارُ » [ الرعد : ١٦ ] فتبين أنّ الخلق يشهد بإله واحد ، وأنّه ليس هناك خلق ثانٍ يشهد بإله ثان ، وهذا واضح ؛ فإنّ هذا العالم دليلٌ على إله واحد وهو الذي أرسل الرسل ، وأوضح السبُل.

ويَدُل على ذلك قوله عزّ وجلّ : « فَاعْلَمْ أنّهُ لا إِلهَ إلاّ اللّه » [ محمد : ١٩ ] ، وقوله : « شَهِدَ اللّه أنّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَالمَلأئِكَةُ وَأُوْلُوْا العِلْمِ قَائِماً بِالقِسْطِ » [ آل عمران : ١٨ ] ، وقوله : « وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌج » البقرة : ١٦٣ ] ، وقوله : « قُلْ هُوَ اللّه أحَدٌ » [ الصمد : ١ ].

(العدل)

[ فصل في أنّ اللّه تعالى عدل حكيم ]

فإن قيل : أربّك عدل حكيم؟

فقل : أجل ، فإنّه لا يفعل القبح ولا يُخِلُّ بالواجب من جهة الحكمة ، وأفعاله كلّها حسنة.

وإنّما قلنا : إنّه لا يفعل القبيح لأنّه إنّما يقع ممن جهلَ قُبْحَه ، أو دعته حاجة إلى فِعْلِه وإن عَلِمَ قبحَه ، وهو تعالى عالم بقبح القبائح ؛ لأنّها من جملة المعلومات
٤٨٣

وهو عالم بجميعها كما تقدم ، وغنيّ عن فعلها كما تقدم أيضاً ، وعالم باستغنائه عنها ، وكل من كان بهذه الأوصاف فإنّه لا يفعل القبيح ، ألا ترى أنّ من مُلْكُه ألفي ألف قنْطارٍ من الذَّهب ؛ فإنّه لا يسرق الدّانق ، لعلمه بقبح السرق ، وغناه عن أخذ الدانق ، وعلمه باستغنائه عنه ، وكذلك لو قيل للعاقل : إن صدقت أعطيناك درهماً ، وإن كذبت أعطيناك درهماً ، فإنّه لا يختار الكذب ـ في هذه الحال ـ على الصدق ، [ وهما ] على وتيرة واحدة ، وطريقة مستمرة ، ولاعِلّة لذلك إلاّ ما ذكرناه.

فصل [ في أنّ أفعال العباد منهم ] (١).

فإن قيل : هل ربّك خَلَق أفعال العباد؟

فقل : لا يقول ذلك إلاّ أهل الضلال والعناد ، كيف يأمرهم بفعل ما قد خَلَق وأمضى ، أو ينهاهم عن فعل ما قَدْ صَوَّر وقضى ، ولأنّ الاِنسان يلحقه حكم فعله من المدح والثّناء ، والذمّ والاستهزاء ، والثواب والجزاء ، فكيف يكون ذلك من العلي الأعلى؟! ولأنّه يحصل بحسب قصدِه ودواعيه ، وينتفي بحسب كراهته وصرفه على طريقة واحدة ، ولأن اللّه تعالى قد أضاف أفعال العباد إليهم ، فقال :

« يَكْسِبُونَ » ، و « يَمْكُرُونَ » ، و « يَفْعَلُونَ » ، و « يَصْنَعُونَ » ، و « يَكْفُرون » ، و « يَخْلُقُونَ إِفْكاً » ، ونحو ذلك في القرآن كثير ، ولكنّه تعالى أمَرَ تخييراً ، ونهى تحذيراً ، أقدَرَهُم على فعل الضِّدين ، وهداهم النجدين ، ومكّنهم في الحالين ، لم يمنعهم عن فعل المعاصي جبراً ، ولا قهرهم على فعل الطاعات قهراً ،

__________________

١ ـ التعبير موهم للتفويض وهنا تفترق الزيدية عن الاِمامية ، فانّ لأفعال العباد عند الاِمامية نسبتين : نسبة إلى اللّه سبحانه ، ونسبة إلى العبد ، ولأجل وجود النسبة ، فأفعالهم منسوبة إليهم بالمباشرة وهم الفاعلون حقيقة ، وإلى اللّه سبحانه بنحو من النسب إمّا بالتسبيب ، أو اللطف منها ، ولأجل ذلك روى عن الأئمّة عليهم‌السلام أنّه : « لا جبر ولاتفويض ».
٤٨٤

ولو شاء لفعل كما قال عزّ وجلّ : « وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعاً » [ يونس : ٩٩ج يريد به مشيئة الاِجبار لا مشيئة الاختيار ، لأنّه لو أكرههم لم يكونوا مكلّفين ، ولَبَطل الغرض ببعثة المرسلين.

فصل [ في أنّ اللّه لا يعذب أحداً إلاّ بذنبه ]

فإن قيل : ربّك يعذب أحداً بغير ذنبه؟

فقل : لا يعذب أحداً إلاّ بذنبه ؛ لأنّ عقاب من لا ذنب له ظلم ، والظلم قبيح ، وهو تعالى لا يفعل القبيح ، وقد قال تعالى : « وَلأتَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخرى » [ الأنعام : ١٦٤ ].

فصل [ في أنّ اللّه لا يقضي إلاّ بالحق ] (١).

فإن قيل : أربك يقضي بغير الحق؟

فقل : كلاّ ، بل لا يقضي بالكفر والفساد ، لما في ذلك من مخالفة الحكمة والسداد ، لقوله تعالى : « وَاللّهُ يَقْضِي بِالحقِّ » [ غافر : ٢٠ ] ، فلا يجوز القول بأنّ المعاصي بقضاء اللّه تعالى وقَدَره بمعنى الخلق والأمر ، لأنّها باطلٌ ، ولأنّ إجماع المسلمين منعقدٌ على أنّ الرضى بالمعاصي لايجوز ، وإجماعهم منعقد على أنّ الرضا بقضاء اللّه واجب ، ولا مخلص إذاً من ذلك إلاّ بالقول بأنّ المعاصي ليست بقضاء

__________________

١ ـ العنوان حسن جداً ، لكن إخراج المعاصي عن مجال قضائه وإرادته سبحانه يستلزم التفويض الممقوت ، فالحق أنّ كل ما يوجد في الكون من حسن وجميل ، وإيمان وكفر ، وطاعة وعصيان ، ليس خارجاً عن قضائه وعلمه وإرادته لكن على وجه لا يستلزم الجبر ولا يسلب الاختيار. والتفصيل يطلب من محله.
٤٨٥

اللّه ؛ بمعنى أنّه خلقها ، ولا أنّه أمر بها ، وأمّا أنّه تعالى عالم بها فهو تعالى عالم بها ، لأنّها من جملة المعلومات ، وعِلْمُه بها لم يحمل العبد على فعلها ، ولم يجبره على صنعها كما تقدم.

فصل [ في أنّ اللّه لا يكلف أحداً فوق طاقته ]

فإن قيل : هل ربك يُكلّف أحداً فوق طاقته؟

فقل : لا ، بل لا يكلف أحداً إلاّ ما يطيق ؛ لأنّ تكليف ما لا يطاق قبيح ، وهو تعالى لا يفعل القبيح ، فقد قال تعالى : « لأ يُكَلّفُ اللّه ُنَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا » [ البقرة : ٢٨٦ ] ، والوسع : دون الطّاقة ، وقال : « إلاّ مَا آتَاهَا » [ الطلاق : ٧ ].

فصل [ في أنّ اللّه لا يريد شيئاً من القبائح ] (١).

فإن قيل : أربك يريد شيئاً من القبائح؟

فقل : إنّه تعالى لا يريد شيئاً منها ، فلا يريد الظلم ، ولا يرضى الكفر ، ولا يحب الفساد ، لأنّ ذلك كله يرجع إلى إرادة القبيح ، وإرادة القبيح هي قبيحة ، وهو تعالى لا يفعل القبيح.

ألا ترى أنّه لو أخبرنا مُخبرٌ ظاهرهُ العدالة ، بأنّه يريد الزنا والظلم لسقطت عدالته ، ونقصت منزلته ، عند جميع العقلاء ، ولا علّة لذلك إلاّ أنّه أتى قبيحاً ، وهو إرادة القبيح.

وقد قال تعالى : « وَاللّه لأ يُحِبُّ الفَسَادَ » [ البقرة : ٢٠٥ ].

وقال : « وَلأيَرْضَى لِعِبادِهِ الكُفْرَ » [ الزمر : ٧١ ].

وقال : « ومَا اللّهُ يُريدُ ظُلماً للعِبادْ » [ غافر : ٣١ ].

__________________

١ ـ مضى الكلام فيه في التعليقة السابقة.
٤٨٦

فصل [ في أنّ اللّه لا يفعل ما هو مفسدة ]

فإن قيل : فهل ربّك يفعل لعباده ما هو مَفْسَدة؟

فقل : كلاّ ، بل لا يفعل إلاّ الصّلاح ، ولايبلوهم إلاّ بما يدعوهم إلى الفلاح ، سواء كان ذلك محنة أو نعمة ؛ لأنّه تعالى لا يفعل إلاّ الصّواب والحكمة كما تقدم ، فإذا أمرضهم وابتلاهم أو امتحنهم بفوت ما أعطاهم ، فلابُدّ من اعتبار المكلفين ؛ ليخرج بذلك عن كونه عَبَثاً ، وقد نبّه على ذلك بقوله تعالى : « أوَ لأ يَرَوْنَ أنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرّةً أوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لأ هُمْ يَتُوبُونَ وَلأ هُمْ يَذَّكَّرُونَ » [ التوبة : ١٢٦ ] ، ولابُدّ من العِوَض الموفّي على ذلك بأضعاف مضاعفة ، ليخرج بذلك عن كونه ظلماً ، وقد ورَدَ ذلك في السنّة كثيراً ، والغَرَضُ الاختصار.

(النبوة)

فصل [ في معرفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ]

فإن قيل : فقد أكملت معرفة ربّك ، فمن نبيك؟

فقل : محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فإن قيل : فما برهانك على ذلك؟

فقل : لأنّه جاء بالمعجزة عقيب ادّعائه النبوّة ، وكل من كان كذلك فهو نبيّ صادق.

فإن قيل : فما برهانك على أنّه جاء بالمعجز عقيب ادّعائه النبوّة؟

فقل : المعلوم ضرورة أنّه كان في الدنيا قبيلةٌ تُسمّى قريش ، وأن فيهم قبيلة تسمّى : بنو هاشم ، وأنّه كان فيهم رجلٌ اسمه : محمد بن عبد اللّه ، والمعلوم ضرورةً
٤٨٧

أنّه ادّعى النبوة ، وأنّه جاء بالقرآن بعد ادعاء النبوة ، وأنّه مشتمل على آيات التحدّي ، وأنّه كان يتلوها على المشركين ويسمعونها وهم النّهاية في الفصاحة ، والمعلوم ضرورةً شدّةُ عداوتهم له.

وإنّما قلنا : بأنّه معجز لأنّه تحداهم على أنّ يأتوا بمثله فعجزوا ، ثم تحداهم على أن يأتوا بعشر سور مثله فعجزوا ، ثم تحداهم بأنّ يأتوا بسورة من مثله فلم يقدروا على ذلك ؛ لأنّهم لو قدروا على معارضته ـ مع شدّة عداوتهم له وعلمهم بأنّ معارضته بمثل ما جاء به تبطلُ دعواه ـ لما عدلوا عنها إلى الشّاقّ من محاربته ، التي لا تدل على بطلان دعواه ، فدلّ ذلك على كونه معجزاً.

ولأنّ القرآن مشتمل على الاِخبار بالغيوب المستقبلة ، وعلى الاِخبار عن الأمور الماضية ، فكان الأمر على ما أخبر في الماضي والمستقبل ، فدَلّ ذلك على كونه معجزاً ، لايقدر عليه أحد من البشر.

وله معجزات كثيرة تقارب ألف معجزة ، نحو : مجيء الشجرة إليه ، وجريها على الماء كالسفينة ، وسير الشّجرة ، وإحيائه الموتى ، وتسبيح الحصى في يده ، ونحو ذلك كثير ، وإنما قلنا بأنّ من كان كذلك فهو نبي صادق ؛ لأنّ إظهار المعجز على أيدي الكَذّابين قبيح ، وهو تعالى لا يفعله ، وإذا ثبت صدقُهُ وصحّت نبوته ، وجب تصديقه فيما أخبرنا به عن الأنبياء والمرسلين قبله ، ووجب القضاء بصحة نبوتهم وتصديق رسالتهم ، وهذا واضح.

فصل [ في معرفة القرآن ]

فإن قيل : فما اعتقادك في القرآن؟

فقل : اعتقادي أنّه كلام اللّه تعالى ، وأنّه كلام مسموع محدثٌ مخلوق.

فإن قيل : فما دليلك على ذلك؟
٤٨٨

فقل ، أمّا قولي : إنّه كلام اللّه تعالى ، فلقوله تعالى : « وَإِنْ أحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلأمَ اللّه » [ التوبة : ٦ ] ، المعلوم أن الكلام الذي سمعه المشركون ليس بشيء غير هذا القرآن ، ولأنّ المعلوم ضرورة أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يدين ويخبر بذلك ، وهو لا يدين إلاّ بالحق ، ولا يخبر إلاّ بالصدق ، لأنّ ظهور المعجز على يديه قد استأمن وقوع الخطأ فيما يدين به ، وظهور الكذب فيما يخبر به.

وأمّا قولي : إنّه مسموعٌ فذلك معلوم بالحسّ ولقوله تعالى : « إِنّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً » (الجن : ١) والمعلوم ضرورة أنّ ذلك المسموع هذا القرآن.

وأمّا قولي : إنّه محدَثٌ ؛ فلأنّه فعل من أفعاله تعالى ، والفاعل متقدم على فعله بالضّرورة ، ومايتقدمه غيره فهو مُحدَث ، ولأنّ بعضه متقدم على بعض ، وذلك يدل على أنّه محدَث ، ولقوله تعالى : « مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍج » [ الأنبياء : ٢ ]. والذكر هو القرآن ، لقوله تعالى : « وإنّهُ لَذِكْرٌ لكَ ولِقَوْمِكَ » [ الزخرف : ٤٤ ] ، أيْ شَرَفٌ لك ولقومك.

وأمّا قولي : إنّه مخلوقٌ ؛ فلأنّه مُرَتَّبٌ منظومٌ على مقدارٍ معلومٍ موافقٍ للمصلحة. بهذه الصِّفةِ المنزَّلة جَازَ وَصفهُ بأنّه مخلوقٌ ، ولِما رواه عمر بن الخطاب ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « كان اللّه ولا شيء ثم خلق الذكر » ، والذكر هو القرآن كما تقدم.

ثم قل : وأعتقد أنّه حقّ لا باطل فيه ، لقوله تعالى : « وَإِنّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلأ مِنْ خَلْفِهِ » [ فصلت : ٤١ و ٤٢ ].

ثم قل : وأعتقد أنّه لا تناقض فيه ولا تعارض ولا اختلاف ، « وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوْا فِيهِ اخْتِلأفاً كَثيراً » [ النساء : ٨٢ ].
٤٨٩

(الاِمامة)

فصل [ في إمامة الاِمام علي عليه‌السلام ]

فإن قيل : من أوّلُ الأئمّة بعد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأولى الأمّة بالخلافة بعده بلا فصل؟

فقل : ذلك أمير الموَمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب.

فإن قيل : هذه دعوى ، فما برهانك؟

فقل : الكتاب ، والسنّة ، وإجماع العترة.

أمّا الكتاب ، فقوله تعالى : « إِنّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيْمُونَ الصَّلاةَ وَيُوَْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ » [ المائده : ٥٥ ] ، ولم يوَتِ الزكاةَ في حالِ ركوعه غيرُ علي عليه‌السلام ، وذلك أنّ سائلاً سأل على عهد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حال ركوع عليٍ في الصلاة ، وذلك في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلم يعطه أحدٌ شيئاً ، فأشار إليه عليه‌السلام بخاتمه وهو راكع ونواه زكاة ، فأخذه السائلُ ، فنزل جبريل عليه‌السلام بهذه الآية على رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحال ، فكانت في علي عليه‌السلام خاصة دون غيره من الأمّة. وهي تفيد معنى الاِمامة لأنّ الوليّ هو : المالك للتصرّف ، كما يقال هنا : ولي المرأة ، وولي اليتيم ، أي المالك للتصرف عليهما.

وأمّا السنّة ، فخبر الغدير ، وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا : بلى يا رسول اللّه. قال : فمن كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللّهمّ والِ مَنْ والاه وعادِ مَنْ عاداه ، وانصر مَنْ نصره ، واخذل مَنْ خَذَلَهُ » ، فقال له عمر : بخ بخ لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كل موَمن وموَمنة.

وروينا عن الموَيد باللّه بإسناده إلى الصادق جعفر بن محمد الباقر أنّه سُئِلَ
٤٩٠

عن معنى هذا الخير ، فقال : سئل عنها ـ واللّه ـ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : « اللّه مولاي أولى بي من نفسي لا أمر لي معه ، وأنا ولي الموَمنين أولى بهم من أنفسهم لا أمر لهم معي ، ومن كنت مولاه أولى به من نفسه لا أمر له معي ، فعلي مولاه أولى به من نفسه لا أمر له معه ».

وإذا ثبت ذلك فإنّه يفيد معنى الاِمامة ؛ لأنّا لا نعني بقولنا : فلان إمام إلاّ أنّه أولى بالتصرف في الأمّة من أنفسهم ، ولأنّ لفظ المولى لا يفهم منه [ إلاّ ] مالك بالتصرف ، كما يقال : هذا مولى العبد ، أي المالك للتصرف فيه ، وهذا يفيد معنى الاِمامة كما تقدم.

ومما يدلّ على ذلك من السنّة : (خبر المنزلة) وهو معلوم كخبر الغدير ، وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّه لانبيّ بعدي » ، فاستثنى النبوة ، فدَلَّ ذلك على شموله لخصال الفضل كلها ، ومن جملتها مِلْك التصرف على الأمّة ، وأنّه أولى الخلق بالتصرف منهم ، وذلك معنى الاِمامة كما تقدم.

وأمّا الاِجماع فإجماع العترة منعقد على ذلك.

فصل [ في إمامة الحسنين ]

فإن قيل : لمن الاِمامة بعد علي عليه‌السلام؟

فقل : هي للحسن ولده من بعده ، ثم هي للحسين من بعد أخيه عليهما‌السلام.

فإن قيل : فما الدليل على إمامتهما؟

فقل : الخبر المعلوم ، وهو قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ، وأبوهما خير منهما » ، وهذا نصُّ جَلِيّ على إمامتهما ، وفيه إشارة إلى إمامة
٤٩١

أبيهما ، لأنّه لا يكون خيراً منه إلاّ إمام شاركه في خصال الاِمامة وزاد عليه فيها ، فيكون حينئذ خيراً منه ، وهذا واضح ، والاِجماع منعقد على أنّه لا ولاية لهما على الأمّة في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا في زمن علي عليه‌السلام إلاّ عن أمرهما ، وأنّه لا ولاية للحسين في زمن أخيه الحسن إلاّ عن أمره ، فبقيت الاِمامة مخصوصة بالاِجماع.

فصل [ في الاِمامة بعد الحسنين ] (١).

فإن قيل : لمن الاِمامة بعدهما؟

فقل : هي محصورة في البطنين ومحظورة على من عدا أولاد السبطين ، فهي لمن قام ودعا من أولاد من ينتمي نسبه من قِبَل أبيه إلى أحدهما ، متى كان جامعاً لخصال الاِمامة ، من : العِلْمِ الباهر ، والفضل الظاهر ، والشجاعة ، والسخاء ، وجودة الرأي بلا امتراء ، والقوة على تدبير الأمور ، والورع المشهور.

فإن قيل : ما الذي يدل على ذلك؟

فقل : أمّا الذي يدلّ على الحصر فهو أنّ العقل يقضي بقبح الاِمامة ، لأنّها تقتضي التصرف في أُمور ضارة من القتل ، والصّلب ، ونحوهما ، وقد انعقد إجماع المسلمين على جوازها في أولاد فاطمة عليها‌السلام ، ولا دليل يدل على جوازها في غيرهم ، فبقي من عداهم لا يصلح ، ولأنّ العترة أجمعت على أنّها لاتجوز في غيرهم ، وإجماعهم حجّة.

وأمّا الذي يدلّ على اعتبار خصال الاِمامة التي ذكرنا فهو إجماع المسلمين.

فإن قيل : فسّروا لنا هذه الخصال.

فقل : أمّا العلمُ ، فإنّه يكون عارفاً بتوحيد اللّه وعدله ، وما يدخل تحت ذلك ،

__________________

١ ـ الاِمامية قائلة بالنصّ بعدهما إلى الاِمام الثاني عشر ، فالمخالفة بين الطائفتين واضحة في هذا المقام.
٤٩٢

وأن يكون عارفاً بأُصول الشرائع وكونها الأدلة ، وهي أربعة : الكتاب ، والسنّة ، والاِجماع ، والقياس ، والمراد بذلك أن يكون فهماً في معرفة أوامر القرآن والسنّة ونواهيهما ، وعامّهما ، وخاصّهما ، ومجملهما ، ومبينهما ، وناسخهما ، ومنسوخهما ، عارفاً بمواضع الوفاق ، وطُرُق الخلاف في فروع الفقه ، لئلاّ يجتهد في مواضع الاِجماع ، فيتحرى في معرفة القياس والاجتهاد ، ليمكنه ردّ الفرع إلى أصله.

وأمّا الفضل ، فأن يكون أشهر أهل زمانه بالزيادة على غيره في خصال الاِمامة أو كأشهرهم.

وأمّا الشجاعة ، فإنّه يكون بحيث لا يجبن عن لقاء أعداء اللّه ، وأن يكون رابط الجأش وإن لم يكُثُر قَتْلُه وقِتالُه.

وأمّا السخاء ، فأن يكون سخياً بوضع الحقوق في مواضعها.

وأمّا جودة الرأي ، فأن يكون بالمنزلة التي يُرْجَعُ إليه عند التباس الأمور.

وأمّا القوة على تدبير الأمور ، فلا يكون منه نقص في عقله ، ولا آفة في جسمه ، يضعف لأجل ذلك عن النظر في أُمور الدّين وإصلاح أحوال المسلمين.

وأمّا الورع ، فأن يكون كافّاً عن المقبحات ، قائماً بالواجبات.

فرع [ في طريق معرفة مواصفات الاِمام ]

فإن قيل : فما الطريق إلى إثبات كونه على هذه الخصال؟

فقل : أمّا كونه عالماً فيحصل العلم به للعلماء بالمباحثة والمناظرة ، ويحصل لغيرهم من الأتْباع العلم بكونه عالماً بوقوع الاِطباق والاِجماع على كونه كذلك.

وأمّا سائر الخصال فلابد من حصول العلم بكونه عليها ، وإن كان غائباً ، فإنّه يحصل العلم التواتري بذلك ، وكذلك حكم العلم إذا كان غائباً ، فإن طريق
٤٩٣

العلم به الأخبار المتواترة للعلماء وغيرهم ، وإن كان حاضراً فلابد من حصول العلم بكونه جامعاً لها ، لأنّها من أُصول الدين ، فلايأخذ بالأمارات المقتضية للظن بكونه جامعاً لها.

فصل [ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ]

فإن قيل : فماذا تدين به في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

فقل : أدين اللّه تعالى أنّه يجب الأمر بالمعروف الواجب والنهي عن المنكر ؛ لقوله تعالى : « وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُون » [ آل عمران : ١٠٤ ] ، وإنما قلنا : إنّه يجب الأمر بالمعروف الواجب ؛ لاِجماع المسلمين أنّه لا يجب الأمر بالمعروف المندوب ، فلم يبق إلاّ القضاء بالأمر بالمعروف الواجب مع الاِمكان وإلاّ بطلت فائدة الآية ، ومعلوم خلاف ذلك ، وقلنا : يجب النهي عن كل منكر لاِجماع المسلمين على ذلك ؛ ولأنّ المنكرات كلها قبائح فيجب النهي عنها جميعاً مع الاِمكان ، كما يلزم الأمر بالمعروف الواجب مع الاِمكان.

(المعاد)

فصل [ في الوعد والوعيد ]

فإن قيل : فماذا تدين به في الوعد والوعيد؟

فقل : أدين اللّه بأنّه لابدّ من الثواب للموَمنين إذا ماتوا على الاِيمان مستقيمين ، ودخولهم جنات النعيم : « لأ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِمُخْرَجِينَ » [ الحجر : ٤٨ ] « خَالِدِينَ فِيْها أبَداً ».
٤٩٤

وأدين اللّه بصحة ما وعد به من سعة الجنة ، وطيب مساكنها ، وسرُرها الموضوعة ، ومآكلها المستلذة المستطابة ، وفواكهها الكثيرة التي ليست بمقطوعة ولا ممنوعة ، وأنهارها الجارية التي ليست بمستقذرة ولا آسنة ، ولا متغيرة ولا آجنةٍ ، وملابسها الفاخرة ، وزوجاتها الحسان الطاهرة ، والبهية النّاضِرة ، ونحو ذلك مما بيّنه اللّه تعالى في كتابه المجيد ، وهو حقّ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه تنزيل من حكيم حميد.

وأدين اللّه تعالى أنّه لابدَّ من عقاب الكافرين في جهنم بالعذاب الأليم ، وشراب الحميم ، وشجرة الزَّقُّوم طعام الأثيم ، وأنّهم يخلّدون فيها أبداً ، ويلبسون ثياباً من نار ، وسرابيل من القَطِران ، كلّما نضجت جلودُهم بدّلهم اللّه جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب ، وكل ذلك معلوم من ضرورة الدين.

فصل [ في أهل الكبائر ]

فإنّ قيل : ماذا تدين به في أهل الكبائر سوى أهل الكفر؟

فقل : أُسمّيهم : فُسّاقاً ، ومجرمين ، وطغاة ، وظالمين ، لاِجماع الأمّة على تسميتهم بذلك ، ولا أُسمّيهم كفاراً على الاِطلاق ، ولاموَمنين (١) لفقد الدلالة على ذلك.

وأدين اللّه تعالى بأنّهم متى ماتوا مُصرّين على الكبائر فإنّهم يدخلون نار جهنم ، ويخلّدون (٢) فيها أبداً ، ولا يخرجون في حال من الأحوال ، لقوله تعالى : « إنَّ

__________________

١ ـ عند الاِمامية أنّهم موَمنون وللاِيمان درجات ومراتب وقد أوضحنا الحال في الجزء الثالث من هذه الموسوعة عند الكلام عن الأصل الرابع للمعتزلة : المنزلة بين المنزلتين.

٢ ـ عند الاِمامية أنّهم غير مخلدين وقد أوضحنا الحال في الجزء الثاني عند الكلام في الوعد والوعيد عند المعتزلة.
٤٩٥

المُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهّنمَ خَالِدُونَ » [ الزخرف : ٧٤ ] ، والفاسق عاصٍ ، كما أنّ الكافر عاصٍ ، فيجب حمل ذلك على عمومه ، إلاّ ما خصّته دلالةٌ. وقوله تعالى : : « والَّذينَ لا يَدْعون معَ اللّهِ إِلهاً آخرَ لأ يَقْتُلُونَ النّفْسَ الّتِي حَرَّمَ اللّه إِلاّ بالحقّ وَلأ يَزْنُوْنَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيامَةِ وَيَخَلُد فِيهِ مُهَاناً » [ الفرقان : ٦٨ ـ ٦٩ ]. وإجماع العترة على ذلك ، وإجماعهم حجة.

فصل [ في صفة الموَمن وما يجب في حقّه ]

فإن قيل : فمن الموَمن ، وما يجب في حقه؟

فقل : الموَمن من أتى بالواجبات ، واجتنب المُقَبّحات ، فمن كان كذلك ؛ فإنّا نسميه : موَمناً ، ومسلماً ، وزكياً ، وتقياً ، وبراً ، وولياً ، وصالحاً ، وذلك إجماع ، ويجب : إجلاله ، وتعظيمه ، واحترامه ، وتشميته ، وموالاته ، ومودّته ، وتحرم : معاداته ، وبُغضُه ، وتحظر : نميمته ، وغيبَتُهُ ، وهو إجماع أيضاً ، ومضمون ذلك أن تُحِبَّ له ما تحب لنفسك ، وتكره له ما تكره لنفسك ، وبذلك وردت السنّة.

فصل [ في صفة الكافر ]

فإن قيل : فمن الكافر؟

فقل : من لم يَعْلَمْ له خالقاً ، أو لم يَعْلَم شيئاً من صفاته التي يتميز بها عن غيره ، من كونه قادراً لذاته ، عالماً لذاته ، حياً لذاته ، ونحو ذلك من صفاته المتقدمة ، فمن جحد شيئاً من ذلك أو شك أو قلد ، أو اعتقد أنّه في مكان دون
٤٩٦

مكان ، أو أنّه في كل مكان ، أو شكّ في ذلك ، أو اعتقد له شريكاً أو أنّه يفعل المعاصي أو يُرِيدها ، أو يَشُكّ في شيء من ذلك ، أو جحد رَسُولَ اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو ردّ ما عُلم من الدّين ضرورة باضطراب أو شك في شيء من ذلك ، فهو كافرٌ بالاِجماع ، ويجوز أن نسمّيه : فاجراً ، وفاسقاً وطاغياً ، ومارقاً ، ومجرماً ، وضالماً ، وآثماً ، وغاشماً ، ونحو ذلك من الأسماء المشتقة من أفعاله بلا خلاف.

وإن كان يُظهرُ الاِيمان ويبطنُ الكفر ، جاز أن نسميه مع ذلك : منافقاً ، بالاِجماع.

ومن كانت هذه حالته ـ أعني غير المنافق ـ جاز قتله وقتاله ، وحصره ، وأخذ ماله ، وتجب معاملته بنقيض ما ذكرنا أنّه يجب من حقّ الموَمن ، وقد ذكرنا أحكامه مفصّلة في (ثمرات الأفكار في أحكام الكفار).

فصل [ في صفة الفاسق ]

فإن قيل : فمن الفاسق وما حكمه؟

قلنا : أمّا الفاسق فهو مُرْتَكِبُ الكبائر سوى الكفر ، نحو الزاني ، وشارب الخمرة ، والقاذف ، ومن فرّ من زحف المسلمين غير متحرفٍ لقتال ولا متحيز إلى فئة ، وتاركُ الجهاد بعد وجوبه عليه ، وتاركُ الصلاة ، والصيام ، والحج ، مع وجوب ذلك عليه ، غيرُ مُستحلّ لتركه ولا مستخفّ ، والسارق من سرق عشرة دراهم ـ أي قفلة ـ فما فوق بغير حق ، ونحو ذلك من الكبائر ، فمن فعل ذلك أو شيئاًمنه ، فإنّه يجوز أن نسميه بالأسماء المتقدمة قبل هذه في الكافر ، إلاّ لفظ : الكافر ، والمنافق ، فإنّ ما عداهما إجماع أنّه يجوز تسميته به ، وأمّا المنافق فلا بد من دلالة تدل على
٤٩٧

جواز إطلاقه عليه ، وأمّا لفظ : الكافر ، فمنعه كثير من العلماء ، وأجاز إطلاقه جماعةٌ مع التنبيه ، فقالوا : هو كافر نعمة ، وهو الصحيح ؛ لأنّه مروي عن علي عليه‌السلام ، وهو إجماع العترة ، ولِمُوافقة الكتاب.

وأمّا حكمه فحكم الكافر فيما تقدم إلاّ القتل والقتال ، وأخذ الأموال فلا يجوز إلاّ بالحق ، ولايجوز قتله على الاِطلاق ، وكذلك حصره فلا يجوز بحال من الأحوال.

فرع [ في الفرق بين فعل اللّه وفعل العبد ]

فإن قيل : ما الفرق بين فعل اللّه وبين فعل العبد؟

فقل : فعل اللّه جواهر وأعراض وأجسام ، يعجز عن فعلها جملة الأنام ، ومضمونه أنّ كلما وقف على قصد العبد واختياره تحقيقاً أو تقديراً فهو فعله ، ومالم يكن كذا فليس بفعله.

فصل [ في أنّه لا بد من الموت والفناء ]

ثم قل أيُّـها الطالب للنجاة : وأدين اللّه تعالى بأنّه لا بد من الموت والفناء ، والاِعادة بعد ذلك للحساب والجزاء ، والنفخ في الصور ، وبعثرة القبور ، والحشر للعرض المشهور ، والاِشهاد على الأعمال بغير زور ، ووضع الموازين ، وأخذ الكتب بالشمال واليمين ، والبعث والسوَال للمكلفين ، وأن ينقسموا فريق في الجنّة وفريق في السعير ، وكل ذلك معلوم من ضرورة الدين ، وأنّه لابد من المناصفة بين المظلومين والظالمين ، لدلالة العدل بيقين.
٤٩٨

فصل [ في الشفاعة ]

فإن قيل : ما تقول في الشفاعة؟

فقل : أدين اللّه تعالى بثبوتها يوم الدين ، وإنما تكون خاصة للموَمنين (١) ـ دون من مات مصـرّاً من المجرمين على الكبائر ـ ليزيدهم نعيماً إلى نعيمهم ، وسروراً إلى سرورهم ، ولمن ورد العَرْضَ وقد استوت حسناته وسيئاته ، فيشفع له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ ليرقى درجة أعلى من درجة غير المكلفين من الصبيان والمجانين ، وإنّما قلنا : إنّه لا بد من ثبوتها ، لقوله تعالى : « عَسَى أنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً » [ الاِسراء : ٧٩ ] ، قيل : هو الشفاعة ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من كذب بالشفاعة لم ينالها يوم القيامة ».

وأمّا أنّها تكون لمن ذكرناها ، فلقوله تعالى : « مَا لِلظّالمينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلأشَفِيعٍ يُطَاعُ » [ غافر : ١٨ ] ، « مَا لِلظّالِمينَ مِنْ أنْصَار » [ البقرة : ٢٧٠ ] ، وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ليست شفاعتي لأهل الكبائر من أُمتي » ، وقوله تعالى : « وَلأيَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضَى » [ الأنبياء : ٢٨ ] كل ذلك يدلُّ على ما قلنا.

وتم بذلك ما أردنا ذكره للمسترشدين ، تعرّضاً منّا لثواب ربّ العالمين ، ربّنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ، وهب لنا من لدنك رحمة إنّك أنت الوهاب. وصلّ اللّهم وسلم على محمد صفيك وخاتم أنبيائك ، وعلى آله سفن النجاة آمين. وتوفنا مسلمين آمين اللّهمّ آمين.

__________________

١ ـ أراد بالموَمنين العدول وعند الاِمامية يعم العادل والفاسق وقد بينا الدليل في الجزء الثالث عند الكلام في الشفاعة عند المعتزلة.

وهذه المواضع الثلاثة ، هي من مواضع الاتفاق بين المعتزلة والزيدية.
٤٩٩

مصباح العلوم في معرفة الحيّ القيوم

وهناك رسالة أُخرى في عقائد الزيدية باسمّ « مصباح العلوم في معرفة الحيّ القيوم » للعلامة أحمد بن الحسن الرصاص المتوفّى عام ٦٠٠ ـ أو ـ ٦٥٠ وعلى كل تقدير فالرسالة تنتمي إلى النصف الأوّل من القرن السابع كالرسالة السابقة وهي معروفة بالثلاثين مسألة ، وقد حقّقها الدكتور محمد عبد السلام كفافي أُستاذ الآداب الاِسلامية بجامعة القاهرة وجامعة بيروت العربية وقوّم نصّها بالعثور على مخطوطات في مكتبة المتحف البرطاني بلندن ، ولها نسخ في مكتبات أوربا يقول المحقق : « والظاهر من كثرة عدد النسخ أنّ هذه الرسالة كانت ذائعة بين أتباع المذهب الزيدي ولاعجب في ذلك فهي تلخص معتقداتهم تلخيصاً وافياً في صفحات قلائل » (١).

إنّ تعاصر الموَلفين وتقارب مضامين الرسالتين ، ورغبة القراء إلى الاختصار حفزتنا إلى نشر الرسالة الأولى فقط.

__________________

١ ـ مصباح العلوم : المقدمة ٥.
٥٠٠
الفصل العاشر

في أُمور متفرقة
الأوّل : حلقات المناظرة بين الاِمامية والزيدية :

يشهد التاريخ على أنّ حلقات المناظرة كانت تنعقد في الجامعات وبيوت الشخصيات في عصر الشيخ المفيد (٣٣٦ ـ ٤١٣ هـ) ويشارك فيها الاِمامي والزيدي والمعتزلي وغيرهم ، وكان الشيخ يناظر كل هذه الفرق ، ببلاغة تثير إعجاب المشاركين.

وقد ذكر السيد المرتضى (٣٥٥ ـ ٤٦٣ هـ) قسماً من هذه المناظرات في كتابه « الفصول المختارة » الذي اختاره من كتاب « العيون والمحاسن » لأستاذه الشيخ المفيد ، وقد طبع الأوّل دون الثاني.

ونذكر هنا أجوبة الشيخ للاعتراضات الثلاثة التي طرحها أحد شيوخ الزيدية المعروف بالطبراني ويدور الجميع على محاور ثلاثة.

إنّ الاِمامية حنبلية من جهات ثلاث :

١ ـ يعتمدون على المنامات كالحنابلة.

٢ ـ يدّعون المعجزات لأ كابرهم كالحنابلة.

٣ ـ يرون زيارة القبور مثلهم.
٥٠١

وإليك الاعتراضات والأجوبة بنصهما.

قال الشيخ : كان يختلف إليّ حدَث من أولاد الأنصار ويتعلّم الكلام فقال لي يوماً : اجتمعت البارحة مع الطبراني شيخ من الزيدية ، فقال لي : أنتم يامعشر الاِمامية حنبلية وأنتم تستهزئون بالحنبلية ، فقلت له : وكيف ذلك؟ فقال : لأنّ الحنبلية تعتمد على المنامات وأنتم كذلك ، والحنبلية تدّعي المعجزات لأكابرها وأنتم كذلك ، والحنبلية ترى زيارة القبور والاِعتكاف عندها وأنتم كذلك ، فلم يكن عندي جواب أرتضيه ، فما الجواب؟

الجواب على الاعتراض الأوّل :

قال الشيخ أدام اللّه عزّه : فقلت له : أرجع فقل له : قد عرضتُ ما ألقيته إليّ على فلانٍ ، فقال لي : قل له إن كانت الاِمامية حنبلية بما وصفت أيها الشيخ فالمسلمون بأجمعهم حنبلية والقرآن ناطق بصحة الحنبلية وصواب مذاهب أهلها ، وذلك أنّ اللّه تعالى يقول : « إذْ قَالَ يُوسُفُ لاِبيهِ ياأبَتِ إنّي رَأيتُ أحَدَ عَشَرَ كَوكَباً وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ رَأيتُهُمْ لِي ساجِدِينَ * قَالَ يابُنيَّ لاتَقصُصْ رُوَياكَ عَلَى إخوَتِكَ فَيَكيدُوا لَكَ كَيداً إنّ الشَّيطانَ لِلاِنسانِ عَدُوٌّ مُبين » (يوسف : ٤ ـ ٥).

فأثبتَ اللّه جلّ اسمه المنام وجعل له تأويلاً عرفه أولياءه عليهم‌السلام وأثبتته الأنبياء ودان به خلفاوَهم وأتباعهم من الموَمنين واعتمدوه في علم ما يكون وأجروه مجرى الخبر مع اليقظة وكالعيان له.

وقال سبحانه : « وَدَخَلَ مَعَهُ السِجنَ فَتيانِ قالَ أحَدُهُما إنّي أراني أعصِرُ خَمراً وَقالَ الآخرُ إنّي أراني أحمِلُ فَوقَ رَأسي خُبزاً تَأكُلُ الطَيرُ مِنهُ نَبّئنا بِتَأويله إنّا نراكَ مِنَ المُحسِنين » (يوسف ـ ٣٦).

فنبّأهما عليه‌السلام بتأويله وذلك على تحقيق منه لحكم المنام ، وكان سوَالهما له مع جهلهما بنبوته دليلاً على أنّ المنامات حقّ عندهم ، والتأويل لأكثرها صحيح
٥٠٢

إذا وافق معناها ، وقال عزّ اسمه : « وَقالَ المَلِكُ إنّي أرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يأكُلُهُنَّ سَبْعٌ عُجافٌ وَسَبْعَ سُنْبلاتٍ خُضرٍ وَأُخَرُ يابِساتٍ يا أيّها المَلأ أفتُوني في روَياي إن كُنتُمْ لِلروَيا تُعَبرُونَ * قَالوا أضغاثُ أحلامٍ وَما نَحْنُ بِتَأويلِ الأحلامِ بِعالِمين » (يوسف : ٤٣ ـ ٤٤) ثم فسرها يوسف عليه‌السلام وكان الأمر كما قال.

وقال تعالى في قصة إبراهيم وإسماعيل عليهما‌السلام : « فَلَمّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعيَ قَالَ يابُنيَّ إنّي أرى في المنامِ أنّي أذبَحُكَ فَانظُرْ ماذا تَرى قال يا أبتِ افعل ما تُوَمر سَتَجِدُني إن شاءَ اللّهُ مِنَ الصابِرين » (الصافات : ١٠٢) فأثبتا عليهما‌السلام الروَيا وأوجبا الحكم ولم يقل إسماعيل لأبيه عليه‌السلام يا أبت لا تسفك دمي بروَيا رأيتها فإنّ الروَيا قد تكون من حديث النفس ، وأخلاط البدن وغلبة الطباع بعضها على بعض كما ذهبت إليه المعتزلة.

فقول الاِمامية في هذا الباب ما نطق به القرآن ، وقول هذا الشيخ هو قول الملأ من أصحاب الملك حين قالوا : « أضغاث أحلام » ومع ذلك فإنّا لسنا نثبت الأحكام الدينية من جهة المنامات وإنّما نثبت من تأويلها ما جاء الأثر به عن ورثة الأنبياء عليهم‌السلام.

الجواب على الاعتراض الثاني :

فأمّا قولنا في المعجزات فهو كما قال اللّه تعالى : « وَأوحَيْنا إلى أُمّ مُوسى أن أرضِعيه فإذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَألقيهِ في اليمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحزَني إنّا رادُّوه إلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلين » (القصص ـ ٧).

فَضمَّنَ هذا القولُ تصحيح المنام إذ كانَ الوَحي إليها في المنام ، وضمَّنَ المعجز لها لعلمها بما كان قبل كونه.

وقال سبحانه في قصة مريم عليها‌السلام : « فَأشارت إلِيهِ قَالَوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي المَهدِ صَبِيا * قالَ إنّي عَبدُ اللّه آتانِيَ الكِتابَ وَجَعَلَني نَبيّاً * وَجَعَلَني
٥٠٣

مُبارَكاً أينَ ما كُنْتُ وَأوصاني بالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيّاً » (مريم ـ ٢٩ ـ ٣١) فكان نطق المسيح عليه‌السلام معجزاً لمريم عليهما‌السلام إذ كان شاهداً ببراءة ساحتها. وأُمّ موسى عليه‌السلام ومريم لم تكونا نبيين ولا مرسلين ولكنهما كانتا من عباد اللّه الصالحين. فعلى مذهب هذا الشيخ كتاب اللّه يصحح الحنبلية.

الجواب على الاعتراض الثالث :

وأمّا زيارة القبور فقد أجمع المسلمون على وجوب زيارة رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى رووا « منْ حجَّ ولم يزره متعمداً فقد جفاه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وثلم حجّهُ بذلك الفعل » ، وقد قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من سلّم عليّ من عند قبري سمعته ، ومن سلّم عليَّ من بعيد بلغته » سلام اللّه عليه ورحمته وبركاته وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسن عليه‌السلام : « من زارك بعد موتك أو زار أباك أو زار أخاك فله الجنّة ».

وقال أيضاً : في حديث له أوّل مشروح في غير هذا الكتاب : « تزوركم طائفة من أُمتي تريد به برّي وصلَتي فإذا كان يوم القيامة زرتها في الموقف فأخذت بأعضادها وأنجيتها من أهواله وشدائده ».

ولا خلاف بين الأمّة أنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما فرغ من حجّة الوداع لاذ بقبر درس فقعد عنده طويلاً ثم استعبر فقيل له : يارسول اللّه ما هذا القبر؟ فقال : هذا قبر أُمّي آمنة بنت وهب سألت اللّه في زيارتها فأذن لي.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها وكنت نهيتكم عن ادّخار لحوم الأضاحي ألا فادخروها ».

وقد كان أمر في حياته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بزيارة قبر حمزة عليه‌السلام وكان عليه‌السلام يلمّ به وبالشهداء ، ولم تزل فاطمة عليها‌السلام بعد وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تغدو إلى قبره وتروح لزيارته وكان أهل بيته والمسلمون يثبرون على زيارته وملازمة قبره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإن كان ما تذهب إليه الاِمامية من زيارة مشاهد الأئمّة عليهم‌السلام حنبلية وسخفاً من الفعل ،
٥٠٤

فالاِسلام مبني على الحنبلية ورأس الحنبلية رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا قول متهافت جداً يدلّ على قلة دين قائله وضعف رأيه وبصيرته.

ثم قال له : يجب أن تعلم أنّ الذي حكيت عنه قد حرّف القول وقبّحه ولم يأت به على وجهه ، والذي نذهب إليه في الروَيا أنّها على أضرب : فضرب منه يبشر اللّه به عباده ويحذرهم. وضرب تهويل من الشيطان وكذب يخطر ببال النائم. وضرب من غلبة الطباع بعضها على بعض ، ولسنا نعتمد على المنامات كما حكاه لكننا نأنس بما نبشر به ، ونتخوف مما نحذر منها ومن وصل إليه شيء من علمها عن ورثة الأنبياء عليهم‌السلام مَيزّ بين حقّ تأويلها وباطله ومتى لم يصل إليه شيء من ذلك كان على الرجاء والخوف.

وهذا يسقط ما لعله سيتعلق به في منامات الأنبياء عليهم‌السلام من أنّها وحي لأنّ تلك مقطوع بصحتها وهذه مشكوك فيها مع أنّ منها أشياء قد اتفق ذوو العادات على معرفة تأويلها حتى لم يختلفوا فيه ووجدوه حسنا.

وهذا الشيخ لم يقصد بكلامه الاِمامية ولكنه قصد الأمّة ونصر البراهمة والملاحدة ، مع أني أعجب من هذه الحكاية عنه وأنا أعرفه يميل إلى مذهب أبي هاشم ويعظّمه ويختاره ، وأبو هاشم يقول في كتابه « المسألة في الاِمامة » : إنّ أبا بكر رأى في منام كان عليه ثوباً جديداً عليه رقمان ففسره على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له : إن صدقت روَياك تبشر بخير (فستخبر بولدين خ) وتلي الخلافة سنتين ، فلم يرض شيخه أبو هاشم أن أثبت المنامات حتى أوجب بها الخلافة وجعلها دلالة على الاِمامة. فيجب على قول هذا الشيخ الزيدي عند نفسه أن يكون أبو هاشم رئيس المعتزلة عنده حنبلياً بل يكون عنده أبو بكر حنبلياً بل رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّه صحح المنام وأوجب به الأحكام ، وهذا من بهرج المقال (١).

__________________

١ ـ السيد المرتضى : الفصول المختارة : ١٢٨ ـ ١٣٢.
٥٠٥
الثاني : وجود المزاملة بين الطائفتين :

إنّ السبر في التاريخ يثبت بأنّ المزاملة العلمية والاجتماعية بين الشيعة الزيدية والشيعة الاِمامية في الأعصار السابقة كانت وطيدة. وكانت كل طائفة تعرف ما عند الطائفة الأخرى من العقائد والأحكام ، والأدب والشعر. وكانت المجالس المنعقدة في الجامعات والبيوت تحتفل بهما معاً. فكان يدور بينهما النقاش والاِفادة والاستفادة ، ويظهر ذلك من كتاب الشيخ المفيد أعني الفصول المختارة. كما يظهر أيضاً من الرجوع إلى كتابه أوائل المقالات على أنّ له رسالة خاصة في عقائد الجارودية من الزيدية.

كل ذلك يعرب عن صلة وثيقة بين الطائفتين. ولا إشكال أنّ الصلة كانت لصالحهما. ولكن لانعلم في أي عصر ضعفت هذه الصلة إلى أن كادت أن تنقطع.

فلأجل ذلك لانكاد نرى زيديّاً في جامعة النجف الأشرف وسائر حوزات الشيعة الاِمامية وبالعكس إلاّ نادراً. كما لا نرى أي صلة بين الطائفتين في الكتب الموَلفة في العصور الأخيرة من عصر ابن المرتضى إلى يومنا هذا.

ولعلّ الأجواء والظروف السياسية قد أوجدت تلك الهوة ما بينهما فخسرت الطائفتان علمياً وأدبياً إذ هما صنوان يقومان على جذور واحدة.

اسأله سبحانه أن يعيد الوحدة ما بين المسلمين عموماً ، وبين الطائفتين خصوصاً.
٥٠٦
الثالث : نشر الثقافة الزيدية :

إنّ الزيدية ـ بحق ـ تركت ثروة علمية في جميع مجالات العلوم الاِسلامية خصوصاً في الأدب والكلام والفقه ، وتراثهم الباقي ، وفهارس مكتباتهم يشهد على ذلك بوضوح. ولعل أحد العلل في تطور علومهم خصوصاً في الفقه عدم التزامهم بالأخذ بالمذاهب الفقهية المعروفة وإن كانوا متأثرين بالفقه الحنفي.

فوجود الاجتهاد واستمراره في حياتهم من عصر القاسم الرسيّ إلى يومنا هذا ضخّم ثقافتهم ، وأعطى لها أبعاداً كثيرة.

غير أنّ من الموَسوف عليه عدم اطّلاع المسلمين على تلك الثقافة لأنّها صارت محصورة في اليمن وما والاها.

وقد قام العلاّمة البحاثة السيد أحمد الحسيني دام علاه بفهرسة كتبهم بعد رحلتين إلى اليمن الخصيب فجاء مجهوده مطبوعاً في أجزاء ثلاثة ذكر فيها أسماء (٣٣٤٦) من كتبهم المختلفة حسب الحروف الأبجدية وأردفها بالفهارس العامة أهمها فهرس أسماء الموَلفين فقد ذكر أسماء الموَلفات حين التعرض لأسماء الموَلفين وبذلك يغني الاِنسان عن ملاحظة كل كتاب في محله. ومن حسن الحظ أنّ مكتبة الجامع الكبير بصنعاء تحفل بمخطوطات كثيرة للزيدية فعلى المهتمين بالتراث الاِسلامي السعي في تصويرها قبل أن تندثر.

وللتعرف على الشخصيات الزيدية وعلى ثقافاتهم وكتبهم لا محيص من الرجوع إلى كتبهم المختلفة في التراجم والرجال والتاريخ.

ومن هذه الكتب ما نذكره فيما يلي والكل مخطوط لم ير النور :
٥٠٧

١ ـ نسمة السحر في ذكر من تشيع وشعر : تأليف يوسف بن يحيى الحسني الصنعاني (١١٢١ هـ) ترجم فيه لمائة وأربعة وتسعين من شعراء الشيعة المتقدمين والمتأخرين منهم.

٢ ـ نشر العرف لنبلاء اليمن بعد الألف : تأليف السيد محمد بن محمد زبارة الحسني الصنعاني ١٣٨٠ هـ ترجم لأعلام اليمن في القرون الأربعة بعد الألف الهجري إلى سنة ١٣٧٥ هـ. وقد أسمى لكل قرن اسماً.

٣ ـ مطلع البدور ومجمع البحور : تأليف القاضي أحمد بن صالح أبي الرجال الصنعاني (ت ١٠٩٢ هـ) وهو في أربعة أجزاء تشتمل على أكثر من١٣٦٠ ترجمة.

٤ ـ نشر كتاب الحدائق الوردية : لحميد الدين المحلي نشراً جديداً يناسب روح العصر.

إلى غير ذلك من الكتب التي تعرّف أئمة الزيدية وشخصياتهم.

نعم أُلّفت في العصور الأخيرة كتب في تاريخ اليمن لها قيمتها ، وللموَلفين أجرهم.
٥٠٨
الرابع : صيغة الحكومة الاِسلامية لدى الزيدية :

إنّ للحكومة الاِسلامية حسب ما يعطي الاِمعان في الكتاب والسنّة وسيرة المسلمين أُسساً وأركاناً ثلاثة لكلٍّ شأنه ومكانته :
١ ـ السلطة التشريعية :

للسلطة التشريعية مراحل ثلاث بعضها بيد اللّه سبحانه ، والبعض الآخر موكول إلى الأمّة الاِسلامية في ضمن شرائط :

١ ـ التشريع والتقنين للّه خاصة بالأصالة فلا شارع ولا مقنّن سواه ولا يحق لأحد ـ كان من كان وبلغ ما بلغ من العلم والثقافة والمكانة الفكرية والاجتماعية ـ أن يشرّع حكماً أو يحلّ حلالاً أو يحرم حراماً فكل ذلك موكول إلى اللّه سبحانه ، إذ الحكم ، حكمان : إلهي وجاهليّ ولا ثالث لهما فإذا لم يكن معزوّاً إليه ، فهو حكم جاهلي قال سبحانه : « أفَحُكمُ الجاهِليةِ يَبغُون وَمَن أحسَنُ مِنَ اللّهِ حُكماً لِقَومٍ يُوقِنُون » (المائده ـ ٥٠).

نعم هناك مرحلتان : مفوضتان إلى فريق من الأمّة لهم صلاحيّات خاصة وهما :

١ ـ مرحلة التشخيص : أي استنباط الحكم الاِلهي من الكتاب والسنّة ، فهي للفقهاء العدول ، يبذلون جهدهم لفهم حكم اللّه واستخراجه من الأدلّة الشرعية.

٢ ـ مرحلة التخطيط وتبيين برامج البلاد حسب الضوابط الاِسلامية وهي للخبراء وذوي الاِطلاع من الأمّة وهذا ما يصطلح عليه اليوم بالمجلس النيابي.

والفرق بين صيغة الحكومة الاِسلامية والأنظمة البشرية الغربية والشرقية ، هو أنّ سلطة التشريع بيد اللّه سبحانه فيها دون تلك الأنظمة إذ فيها بيد وكلاء
٥٠٩

الشعب فالمجلس النيابي عندهم مجلس التقنين والتشريع وعند المسلمين مجلس التخطيط والتنظيم في ضوء قوانين السماء.
٢ ـ السلطة التنفيذية :

المراد بالسلطة التنفيذية في مصطلح اليوم هو هيئة الوزراء وما يتبعها من دوائر ومديريات منتشرة في أنحاء البلاد ومهمّتها تنفيذ ما يقرره مجلس الشورى من تصميمات وقرارات ومخطّطات في شتى حقول الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، وبالتالي يقع على عاتقها مهمة إدارة البلاد بصورة مباشرة ، لها ألوان وصيغ في الأنظمة البشرية وأما لونها في الحكومة الاِسلامية فليس إلاّ كون السلطة ـ إذا لم يكن هناك نصّ من اللّه سبحانه على شخص خاص ـ موضع رضا الأمّة لأنّها تتسلم زمام السلطة المباشرة على نفوس الناس وأموالهم وأرواحهم ، ولولا الرضا لعاد إلى الاستبداد المبغوض عند الشرع والعقل وقد بسطنا الكلام حول السلطة التنفيذية وصلاحياتها من التخصص ، والوثاقة ، والزهد ، والعدل ، وكونها موضع رضا الأمّة في كتابنا : « مفاهيم القرآن » (١).
٣ ـ السلطة القضائية :

إنّ القضاء يلعب دوراً كبيراً في تبديل الاختلاف إلى الوئام ، والتنازع إلى التوافق وبالتالي ينشر العدل ويصون الحقوق والحرمات ، غير أنّه لا يصلح ذلك المقام إلاّ لفريق من الشعب يتمتعون بالبلوغ والعقل والاِيمان والعدالة وطهارة المولد والعلم بالقانون الاِلهي والذكورة ، سليم الذاكرة ، وعندئذ يحقّق القاضي أهدافه السامية.

__________________

١ ـ مفاهيم القرآن : ٢ / ٢٠٥ ـ ٢١٠.
٥١٠
لا استبداد في الحكومة الاِسلامية :

وما ذكرناه يوقف الاِنسان على صورة بسيطة من الحكومة الاِسلامية المتجلية في نظرية الاِمامة أو الخلافة وليس فيها أي استبداد وسلب الحريات ، وأمّا تخصيص التشريع باللّه سبحانه ، فلأنّه سبحانه أعرف بمصالح عباده ، ولأنّ التقنين سلطة على الأموال والنفوس وهي فرع وجود الولاية عليهما ، ولا ولاية لأحد على أحد إلاّ للّه سبحانه ، فلأجل ذلك خصّ التشريع به سبحانه ، وأمّا المرحلتان الباقيتان أعني الاِفتاء والتخطيط ، فيقوم به فريق منهم ، لهم صلاحيات وقابليّات. فالاِفتاء وإن كان رهن شروط ولكنه لا يشترط فيه رضا الأمّة ، لأنّه مقام علمي ، يتوقف على حيازته ويكفي ثبوت الصلاحية له ، اقترانه بتصديق الخبراء.

نعم التصدي للتخطيط ، رهن رضا الأمّة وتحقيق الرضا وتجسيدها يتبع مصالح العصر وشعور الأمّة.

وأمّا السلطة التنفيذية ، فلو كان الحاكم منصوباً من اللّه سبحانه ، فهو المتبع ، كما في مورد الرسول ، والاِمام المنصوص بعده ، وإلا فالسلطة لفريق من الأمّة ، يتمتع بصفات وقابليات مذكورة في السنّة ، أهمها كونها موضع رضا الأمّة ، ويتجسّد رضاهم بصورة مختلفة مذكورة في محلها.

ومثلها السلطة القضائية فلا يصلح لها إلاّ فريق لهم صفات وموَهلات ، وتنتهي سلطته ، إلى رضا الأمّة الذي يتجسد بصور شتى.
نظرية الاِمامة لدى الزيدية :

إنّ المطروح لدى الزيدية من الاِمامة غير ما ذكرنا ولو كان الملاك لتبيين مذهبهم ما ذكره كتّاب العقائد من غيرهم ، وابن المرتضى من أنفسهم ، فنظام الاِمامة في غير مورد المنصوص عليه عندهم ، أمر لا يلائم روح الكتاب والسنّة ولا
٥١١

متطلبات العصر ، لأنّهم القائلون بإمامة أمير الموَمنين علي بن أبي طالب والحسن والحسين (بالتنصيص السماوي) وزيد بن علي ولاِمامة كل فاطميّ دعا إلى نفسه وهو على ظاهر العدالة ومن أهل العلم والشجاعة وكانت بيعته على تجريد السيف للجهاد (١).

وقال الشهرستاني : إنّهم (الزيدية) يعتبرون في نظام الاِمامة اتّباع كلّ فاطمي عالم ، شجاعُ ، سخي ، خرج بالاِمامة ، سواء كان من أولاد الحسن أو من أولاد الحسين عليهما‌السلام وربّما جوّزوا خروج إمامين في قطرين يستجمعان هذه الخصال ويكون كل واحد منهما واجب الطاعة (٢).

ويقول ابن المرتضى وتنعقد بالدعوة مع الكمال.

الاِمعان في كتب الزيدية حول الاِمامة أو ما حرروه بأقلامهم ، يعرب عن أنّ دعائم الاِمامة عندهم ثلاثة :

١ ـ الوراثة : كون الداعي فاطميّاً.

٢ ـ الدعوة إلى الاِمامة.

٣ ـ الخروج بالسيف.

ولكن باب المناقشة فيها مفتوح.

أمّا المبدأ الأوّل فإذا كان الاِمام منصوصاً من قبل اللّه فالمتبع أمره فاطمياً كان أو لا ، وإن كان أمره سبحانه في غير الاِمام علي عليه‌السلام منطبقاً عليه ، لكن لا بملاك كونهم فاطميين بل بملاكات خاصة أهّلتهم لأن يكونوا أُولي الأمر ، وواجبي الطاعة قال سبحانه : « أطِيِعُوا اللّهَ وَأطيعُوا الرَّسُولَ وَأُولي الأمر مِنكُم » (النساء ـ ٥٩).

__________________

١ ـ المفيد أوائل المقالات : ٣٩ ، طبعة جماعة المدرسين.

٢ ـ ٢ ـ الشهرستاني : الملل والنحل : ١ / ١٥٤.
٥١٢

وإذا كان غير منصوص فاللازم كون الاِمام ذا قابليات توَهّله لاشغال منصب الاِمامة سواء أكان فاطمياً أم لا ، فالاِصرار على هذا المبدأ خصوصاً فيما إذا كان غير الفاطمي أبـصر وأعلم ، وأتقى وأزهد وأوقع في القلوب ، غير صحيح.

ثم إنّ المبدأ الثاني والثالث يثيران الرغبة والطمع في كل فاطمي يرى نفسه عادلاً ، وعالماً وشجاعاً فعند ذلك ينتهي الأمر إلى النزاع والتشاجر وربما ـ لا سمح اللّه ـ إلى إراقة الدماء.

وحاصل الكلام : أنّ مكافحة الاستبداد ورفض ابتزاز أمر الأمّة بلا رضا منها ، رهن أحد أمرين :

١ ـ أن يصدر من اللّه الرحمن الرحيم على عباده ، الواقف على مصالحهم ومفاسدهم ، تنصيص على ولاية أحد ، كالنبي الأعظم وأئمة أهل البيت عند الشيعة.

٢ ـ مشاركة الشعب في بناء النظام حتى يكون مورد رضاهم بنحو من الأنحاء ولاشيء ثالث ، وإلاّ فلو لم يكن هذا ولا ذاك كثر الطالب وزادت الدعوة وربما ينتهي إلى حروب دامية ، وما ذكره الاِمام يحيى بن الحسين لحسم النزاع لايفيد شيئاً حيث قال : إن تشابها في العلم فالاِمامة لأورعهما وإن تشابها في الورع والعلم ، فالاِمامة لأزهدهما ، وإن تشابها في ذلك كله فالاِمامة لأسخاهما ، وإن تشابها فلأشجعهما ، فلأرحمهما ....

إنّ ما ذكره من الضابط لحسم مادة الخلاف لو كانت مفيدة فإنّما تفيد في رفع النزاع في إمامة المسجد ، لا في رفع النزاع في الزعامة الكبرى ، إذ كل يزعم أنّه ، أعلم ، وأورع ، وأزهد ، وأسخى ، وأشجع ، وربما يحلف عليه ويجمع الجموع ...

فلأجل ذلك المأزق الذي يواجه فكرة الاِمامة لدى الزيدية عاد المفكرون
٥١٣

من متأخّريهم إلى طرح الفكرة بشكل يلائم روح العصر ويقول أحد الكتاب :

أمّا الزيدية فلهم طريقان لاختيار الاِمام بعد المنصوص عليهم :

١ ـ ترشيح الشخص العارف من نفسه ، الأهلية بواسطة منشور ـ الدعوة ـ يوضح فيه موجبات الدعوة وأهليّته للقيام بالاِمامة ومنهج عمله فيها.

وعند ذلك يجتمع العلماء والزعماء والمثقفون ـ رجال الحل والعقد ـ ويصلون لمناقشته واختياره ان كان غير معروف لديهم ، ويتشاورون فيما بينهم في موضوع كفاءته ومكانته ، فإذا ارتضوه بعد ذلك بايعوه وإلاّ عدلوا إلى غيره.

٢ ـ يُرشِّـح رجـال الحـل والعقـد واحـداً لمن يرونه صالحاً لهذا المنصب العظيم ، وإذا وافقهم على ترشيحه بايعوه وإلاّ عدلوا إلى غيره (١).

ولعل هذه الأطروحة التي قدمها الفاضل المعاصر تزيح بعض النقاش حول النظرية ، ويصوّرها تصويراً هادئاً قابلاً للتجسيد كما أنّ المعلّق على البحر الزخار ، طرح نظرية الاِمامة بالشكل التالي معلقاً على قول ابن المرتضى « وتنعقد بالدعوة مع الكمال » قوله : مع عدم المنازع فيفوز بذلك أو بأن تحصل له البيعة من الأكثرية مع عدم وجود المنازع ، كل ذلك بعد سبق ترشيحه من ذوي الحل والعقد لمعرفة حصوله على الشروط الموَهلة له (٢).

إنّ ما نقلناه عن العلمين وإن كان يهوّن الخطب في مسألة الاِمامة ، لكن التاريخ يشهد على أنّ السيرة جرت على سيادة من غلب ، ولم يكن ترشيح الشخص ، أو ترشيح رجال الحل والعقد واحداً من الصلحاء إلاّ حبراً على ورق إلاّ

__________________

١ ـ الزيدية نظرية وتطبيق : ١١٨.

٢ ـ ابن المرتضى : مقدمة البحر الزخار : ٩٢.
٥١٤

في فترات قليلة.

هذا وما ماثله أعطت حجة للوسائل الاِعلامية أن تتهجم على نظام الاِمامة بأنّه حكومة استبدادية تسلب فيها الحريات بإرادة الفرد السائس ، ويرافق دائماً بالضغط على الشعب ، وتثني على الجمهورية بأنّ فيها ضماناً على الحريات المعقولة ولم تزل الحرب الاِعلامية قائمة على قدم وساق تدعمها المعسكرات الغربية والشرقية المحاربة لكل نظام ديني قائم في أي قطر من أقطار العالم ، إلى أن أُججّ نار الحرب المبيرة لكل رطب ويابس ، في بلد فقير كاليمن التي لا تملك إلاّ جمال الطبيعة وانتهت إلى انتصار المخالفين في ظل القوات المكثفة التي كانت وراءها الجمهورية العربية المتحدة ، في أيّام جمال عبد الناصر فسقط نظام الاِمامة سياسيّاً وحكومياً وإن كانت القلوب الموَمنة متنبّئة بها.

فالمرجو من اللّه سبحانه أن يوفق المسلمين لتوحيد الكلمة كما وفقهم لكلمة التوحيد ، ويجمع شملهم ، ويثير شعور المفكرين إلى واجبهم تجاه الحكومة الاِسلامية إنّه بذلك قدير وبالاِجابة جدير.
٥١٥
الخامس : المحاربة بين الطائفتين من الشيعة :

إنّ الزيدية والاِسماعيلية ، من الفرق الشيعية ، وبينهما موَتلفات ومفترقات ، وقد اتفقت الطائفتان ، على أنّ تحقيق القيادة الاِسلامية بعد رحيل النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس بالبيعة والاختيار ، ولا للأمة فيها حظّ ، ولا نصيب شأن كلّ مورد سبقت مشيئته على إرادة الأمّة ومشيئتها ، قال سبحانه : « وَما كَانَ لِمُوَمِنٍ وَلا مُوَمِنَةٍ إذا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أمراً أنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أمْرِهِمْ » (الأحزاب ـ ٣٦) بل تحقيقها بالنص من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على فرد من آحاد الأمّة وقد اتفقتا على أنَّ النصّ صدر منه في علي عليه‌السلام وابنيه : الحسن والحسين عليهما‌السلام ، غير أنّ الزيدية قالت باستمرارها بعد الحسين السبط عليه‌السلام بالخروج والدعوة وقد تمثلت الضابطة في بادىَ بدئها بخروج الاِمام زيد ، ثم ابنه يحيى وهكذا ، لكن الاِسماعيلية قالت باستمرار النصّ الاِلهي بعد الحسين على إمامة زين العابدين فابنه الاِمام الباقر ، فالاِمام الصادق ، وبعده ابنه إسماعيل الذي هو مهدي الأمّة عندهم وسيوافيك تفاصيل عقائدهم في الجزء الثامن المختص بفرق الشيعة الباقية.

وطبيعة الحال كانت تقتضي سيادة الوئام والالتحام بين الفرقتين والتعايش الهادىَ في البيئات التي تحتضن كلتا الفرقتين ، كاليمن الخصيب وجنوب الجزيرة كحضرموت ونجران ولكن خاب الظنُّ وخسر ، لأنّ تاريخ اليمن تاريخ دمويّ يحكي عن كون الحرب لم تزل بينهما سجالاً ـ تبيد البلاد والعباد وتهلك الحرث والنسل ـ قروناً كثيرة.

إنّ أئمة الزيدية وإن خرجوا بالسيف وأعلنوا الجهاد ، ولكن لم يكن جهادهم مع المشركين والكافرين بل كانت مع إخوانهم الاِسماعيلية (القرامطة) وهذا هو الاِمام الهادي موَسس الدولة الزيدية في اليمن في أواخر القرن الثالث ،
٥١٦

فقد قدم اليمن وقد غطتها القرامطة والباطنية فجرى له معهم نيف وثمانون وقعة (١) ثم بدت الحروب بين الطائفتين في زمن المتوكل على اللّه (المطهر بن يحيى) وبعده الاِمام يحيى بن حمزة الموَيد باللّه (٦٦٩ ـ ٧٦٩ هـ) وكان الانتصار في أغلب الوقائع مع الزيدية ، وفي النهاية لم تجد الاِسماعيلية بداً من اللجوء إلى الجبال ، والتحصن بها حفظاً لشوَونهم الدينية.

ومن جرّاء هذه الفتن والحروب المدمّرة ، صارت حياة الطائفتين في أغلب العصور ، حياة دموية تأكل الحرب أخضرهم ويابسهم وربما تشعل فتيل الحرب بين مدعيين للاِمامة من الزيدية ، باعتضاد كل بقبيلته وأُسرته ، وقد انتهت الخلافات القبلية إلى ظهور الجمهورية فأطاحت بالاِمامة على الاِطلاق وقالت : لا زيد ولا عمرو ، ولا إبراهيم ولا إسماعيل.

« وَاتَّقُوا فِتنَةً لا تُصِيبَنَّ الّذِينَ ظَلمُوا مِنكُمْ خاصَّة » (الأنفال ـ ٢٥).

__________________

١ ـ التحف شرح الزلف : ٦٤.
٥١٧
السادس : في الصلة بين الزيدية والمعتزلة :

كانت الصلة العلمية بين الزيدية والمعتزلة موجودة ، منذ ظهرتا على صفحة الوجود ، حيث إنّ كلتا الطائفتين يرون العدل والتوحيد من الأصول ، ويكافحون الجبر والتشبيه ، حتى أنّ الاِمام « مانكديم » المستطهر باللّه أحمد بن الحسين بن أبي هاشم المتوفّى عام ٤٢٥ هـ ، تتلمذ على القاضي عبد الجبار المعتزلي المتوفى عام ٤١٥ هـ. وكتب ما أملاه الأستاد ، حول الأصول الخمسة وقد طبع بهذا الاسم ولم يخالفه إلاّ فيما يرجع إلى الاِمامة (١).

ولما قامت ملوك الغزاونة وسلاطين السلاجقة بتحريك الحنابلة والحشوية ، بإبادة المعتزلة وقتلهم وتسعير النار في مكتباتهم وآثارهم وفي عقر دارهم ، عمد بعض الزيدية ، بنقل ما أمكن من كتبهم من العراق إلى اليمن منهم القاضي عبد السلام (٥٥٠ ـ ٥٧٣ هـ) فقد نقل المغني للقاضي عبد الجبار ، والأصول الخمسة ، وغيرهما من الآثار الكلامية لهم من العراق إلى اليمن وكانت اليمن تحتضن بها إلى أن نشرتها أخيراً البعثة العلمية المصرية بعد الفحص في مكتبات اليمن ، وللزيدية فضل حفظ بعض تراث المعتزلة من الاندثار والانطماس. ولولاهم لكانت مصيرها ، مصير سائر الآثار للمعتزلة. قاتل اللّه العصبية العمياء.

__________________

١ ـ راجع مقدمـة الأصـول الخمسـة بقلم محقّقها ص ٢٩ وقد ضبط وفاة « مانكديم » سنة ٤٢٥ هـ. والتحف شرح الزلف : ٨٨.
٥١٨
السابع : عصارة من رسالة أحد المعاصرين الزيديين :

إنّ السيد العلامة بدر الدين الحوثي الحسني اليماني ، ـ الذي زار قم وزارنا في موَسستنا ، وهو الشخصية العلمية الفريدة للزيدية حالياً بعد السيد العلامة مجد الدين الموَيّدي موَلف التحف في شرح الزلف ، نشر كتيباً باسم « الزيدية في اليمن » بيّن فيه ملامح مذهب الزيدية وعقائدهم ومصادرهم الكبرى في مختلف العلوم ، وقدم لها الأستاذ علي أحمد الرازحي وقد أهدى نسخة إلينا نقتبس منها ما يلي :

الزيدية عنوان لطائفة عظيمة من طوائف المسلمين كان لها حضورها الملموس في ميداني الفكر والبسالة تحت ظلال قائدها العظيم الاِمام زيد بن علي شهيد الحقّ والعدل والكرامة.

ولئن كان لكل طائفة معالم بارزة تتميز بها وتعرف من خلالها ، فانّ للزيدية معالم بارزة يراها لها الموالف والمخالف الذي لم يُعم التعصب عين بصيرته :

أحدها : وهو أولاها : المنزلة المنيفة التي يتبوّأها العقل عندها حيث تجعله الحاكم الذي لا يتعقبه أي حاكم غيره ، والحجّة التي بها استحق الاِنسان الخطاب من ربّ العالمين ، ومن خلاله استوحت أُصول عقيدتها حين أقصاه الآخرون وصغروا عظيم منزلته.

ثانيهما : احترام آراء الآخرين من المخالفين لها في الأصول والفروع وعرضها عرضاً رفيقاً بعيداً عن أي تجريح أو تبديع أو تضليل حتى لكأنّ كتبها رياض غنّاء مما يخوِّلها أن تكون تراثاً لكل الطوائف.

الثالث : صيحتها في وجه الظلم والاستبداد ، والقهر ، وسحق الكرامات حين
٥١٩

تحوّلت الخلافة إلى ملك عضوض ، وحين تغيرت وشوهت بعض مفاهيم الاِسلام الناصعة على يدي حكام متسلطين لا يمتلكون أي شرعية (١).

يقول السيد بدر الدين : إنّ الحركات العلمية ظهرت في اليمن بفضل الاِمامين الهادي وجده القاسم ، وبما أنّ الزيدية لا يلتزمون التقليد للهادي بل كلَّ من تمكن من الاجتهاد ، عمل بالدليل ، ظهر بعض الخلافات بينهم ، كما ظهر من بعضهم الميل إلى المعتزلة في غير مسألة الاِمامة وحصل من بعضهم إنكار ذلك لكن العقائد الأصلية الهامّة لا يظهر بينهم فيه خلاف.

ثم إنّ الموَلف أتى بأُصول عقائد الزيدية التي منها التوحيد ، والعدل والنبوات وصيانة القرآن من التحريف ، والاِيمان بالآخرة والبعث بعد الموت والشفاعة التي هي زيادة خير إلى خير ، لا إنقاذ أحد من النار والاِمامة التنصيصية إلى السبط الشهيد ، ثم جاء دور الدعوة والخروج وتحقق بزيد الثائر ومن سار على دربه ...

وقد قام الموَلف بتعريف الكتب والمصادر وقال :

وأهم كتبهم : كتب الهادي والقاسم.

منها : كتاب الأحكام ، والمنتخب والمجموعة الفاخرة التي تجمع عدّة رسائل للهادي ، ومن محاسن الكتب وأنفعها كتب القاسم بن إبراهيم وهي كتب صغار بعضها في مجموع القاسم.

ومن مراجع الزيدية (في الفقه) شرح التجريد للاِمام الموَيد باللّه أحمد بن الحسين الهاروني المدفون بلنجا (٢) ومن مراجعهم في علم الكلام ، حقائق المعرفة

__________________

١ ـ الزيدية في اليمن ، قسم المقدمة ٣ ـ ٥.

٢ ـ المعروف اليوم بلنگرود وقبره موجود هناك.
٥٢٠

للاِمام أحمد بن سليمان وهو من أئمة الزيدية.

ومنها : كتاب الأساس للاِمام القاسم بن محمد وهو من أئمة الزيدية. وقد طبع الكتاب.

ومن مراجع الزيدية في الأخير في الفقه شرح الأزهار وحواشيه.

ومن مراجع الزيدية في الحديث ما تضمنه شرح التجريد (للهاروني).

وكتاب أمالي أحمد بن عيسى ومجموع زيد بن علي ، وأمالي أبي طالب المسمى بـ « تيسير المطالب » ، وأمالي المرشد باللّه وكتاب الاعتصام للاِمام القاسم بن محمد.

ومن مراجعهم في التاريخ : « بلوغ الأماني » للسيد يحيى بن الحسين بن القاسم بن محمد ، ومن كتبهم في أسانيد الكتب بلوغ الأماني في إسناد كتب من آل من أُنزلت عليه المثاني.

ومن كتبهم في الردّ على المخالفين : الشافي للاِمام المنصور باللّه عبد اللّه بن حمزة وهو كتاب عظيم مطبوع ، وفرائد اللئالي في الردّ على المقبلي للمنصور باللّه محمد بن عبد اللّه الوزير وهو مجلد ضخم.

ومن مراجع الزيدية في أُصول الفقه : كتاب بداية العقول شرح غاية السوَال تأليف الحسين بن الاِمام القاسم بن محمد وهو مطبوع ، وشرح الكافل.

ومن مراجع الزيدية في التفسير : كتاب المصابيح ، تفسير الشرقي وهو كبير غير مطبوع ، ولهم موَلفات في التفسير يتعسر تحصيلها فيميل الطلاب لقراءة الكشاف.

ثم أشار السيد بدر الدين ببعض الفروع التي اتفقت فيها الزيدية مع الاِمامية وقال :

ومن مذاهبيهم في الفقه أنّ مسح الخفين لا يجزي في الوضوء ، ومسح الخمار
٥٢١

لا يجزي في الوضوء ، وأنّ مس الذكر لا ينقض الوضوء ، ومن مذاهبهم الأذان بحيّ على خير العمل ولا يقولون : الصلاة خير من النوم ولا يجعلون الكف على الكف في الصدر في الصلاة ، ولا يوَمّنون بعد الفاتحة ، وتثنية الأذان إلاّ التهليل في آخره وكذا الاِقامة. ومن مذاهبهم الجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم في الصلاة في الفاتحة وفي السورة وأنّ الصلاة جماعة لا تصح بإمامة الفاسق ، ومن في حكمه ، وأن لا يعتدّوا بجمعة الظلمة ، وأنّ التكبير على الجنازة خمس ، وأنّه لا يصلّى على الميت الفاسق ، والمذهب السائد عندهم في الزكاة أنّه لا يجوز تسليمها إلى الظلمة إلاّ كرها.

ومن مذاهب الزيدية استحباب صيام يوم الشك بنية مشروطة ، ومن مذاهبه أنّها لا تجب طاعة الظلمة ولا تجوز معاونتهم ولا موالاتهم ، ويجب عندهم اتّباع أهل البيت عليهم‌السلام عملاً بحديث الثقلين : « إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي إنّ اللطيف الخبير نبّأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ».

ومن مذاهبهم في الصحابة أن فيهم الصالحين ومنهم من غيّـر وبدّل ، وفيهم منافقون فيجرح من ظهر فيه الجارح ، ولا ينزلّون منزلة المعصومين ولا يتبعون فيهم طريقة العامّة الّذين يقدسونهم على الاِطلاق ، والمذهب السائد في الزيدية هو اجتناب كتب العامّة أو عدم اعتمادها في الغالب اتّـهاماً لكثير من رواتهم من الفئة الباغية والخوارج والدعاة إلى بدعتهم ولكنهم يأخذون منها ما يوافق الحقّ تأكيداً واحتجاجاً على المخالف ، ومنهم من يرى قبول رواية كافر التأويل وفاسق التأويل ولكن لا يعتمد على ما في تلك الكتب على حد اعتماد كتب أهل الحقّ (١).

__________________

١ ـ الزيدية في اليمن : ١٤ ـ ١٥.
٥٢٢

هذا هو كلام السيد بدر الدين وهو بكلامه هذا يتفتح على الاِمامية وكان لفيف من الزيدية عبر التاريخ على هذا الطريق ، رحم اللّه الماضين من علمائنا وحفظ اللّه الباقين منهم.

« فَبَشِّرْ عِبادي * الّذِينَ يَستَمِعُونَ القَولَ فَيَتَّبِعُونَ أحسَنَهُ أُولئِكَ الّذِينَ هَداهُمُ اللّه وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الألباب » (الزمر : ١٧ ـ ١٨).
٥٢٣
الثامن : في طبقات رجال المذهب الزيدي :

وكما كان لكل مذهب ، أعلام ، فللمذهب الزيدي أيضاً أعلام منقسمة إلى الطبقات التالية :

١ ـ طبقة الموَسّسين.

٢ ـ طبقة المخرجين.

٣ ـ طبقة المحصلين.

٤ ـ طبقة المذاكرين.

وقد اقتبسنا هذا التقسيم مما ذكره الكاتب المعاصر الزيدي علي بن عبد الكريم الفضيل شرف الدين في كتابه : « الزيدية نظرية وتطبيق » فقد قسّم أعلام المذهب الزيدي إلى الطبقات التالية :

طبقة الموَسسين : وتساوى هذه الطبقة إمام المذهب في نظر المذاهب الأخرى ، ومن هذه الطبقة :

١ ـ الاِمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام مات شهيداً سنة ١٢٢ هـ.

٢ ـ الاِمام القاسم بن إبراهيم مات سنة ٢٤٢ هـ.

٣ ـ حفيده الاِمام الهادي إلى الحقّ يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم وهو الموَسس للمذهب في اليمن مات سنة ٢٩٨ هـ.

٤ ـ الاِمام الناصر الأطروش الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر الأشرف بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنهم وهو الموَسس للمذهب الزيدي في خراسان مات سنة ٣٠٤ هـ.
٥٢٤

الطبقة الثانية : طبقة المخرجين للمذهب : وهم الذين استخرجوا من كلام الأئمّة أو احتجاجاتهم بواسطة القياس أو المفهوم ، أحكاماً لا تتعارض مع الكتاب والسنّة لا جملة ولا تفصيلاً ، ومن رجال هذه الطبقة :

١ ـ العلاّمة محمد بن منصور المرادي مات سنة ٢٠٠ هـ ونيف وتسعين.

٢ ـ العلامة أبو العباس أحمد بن إبراهيم مات سنة ٣٥٣ هـ.

٣ ـ العلامة الاِمام الموَيد باللّه أحمد بن الحسين بن هارون الحسني مات سنة ٤١٦ هـ.

٤ ـ العلامة الاِمام أبو طالب يحيى بن الحسين بن هارون الحسني مات سنة ٤٢٤ هـ.

٥ ـ العلامة علي بن بلال الآملي مولى الاِمامين الموَيد باللّه وأبي طالب.

٦ ـ العلامة أحمد بن محمد الأزرقي الهدوي.

والطبقة الثالثة : طبقة المحصلين : وهم الذين اهتموا بتحصيل أقوال الأئمّة وما استخرج منها ونقلوها إلى تلامذتهم بطريق الرواية أو المناولة لموَلفاتهم ، ومن رجال هذه الطبقة :

١ ـ العلامة القاضي زيد بن محمد الكلاوي الجيلي الملقب بحافظ أقوال العترة وهو من أتباع الموَيد باللّه.

٢ ـ العلامة السيد علي بن العباس بن إبراهيم راوي إجماعات أهل البيت ، مات سنة ٣٤٠ هـ تقريباً.

٣ ـ العلامة القاضي الحسن بن محمد بن أبي طاهر الرصاص ، مات سنة ٥٨٤ هـ.

٤ ـ العلامة الاِمام الحسين بن بدر الدين ، مات سنة ٦٦٢ هـ.
٥٢٥

٥ ـ العلامة زيد بن علي بن الحسن بن علي البيهقي ، مات في تهامة في عهد الاِمام أحمد بن سليمان وهو في طريقه إلى مكّة المكرمة.

٦ ـ العلامة القاضي جعفر بن أحمد بن عبد السلام البهلولي ، مات سنة ٥٧٣ هـ.

٧ ـ العلامة الاِمام عبد اللّه بن حمزة ، مات سنة ٦١٤ هـ.

والطبقة الرابعة ، طبقة المذاكرين : وهم الذين راجعوا أقوال من تقدّمهم وبلغتهم بالرواية وفحصوها سنداً ومتنا وعرضوها على أُصول المذهب وقواعده المستمدة من صرائح الكتاب والسنّة ثم أقرّوا ما توافق معها واعتبروه هو المذهب ، وما لم يوافقها لم يعتبروه مذهباً للفرقة الزيدية ، وكان في نظرهم رأياً خاصاً بصاحبه غير معاب عليه لاعتبار أنّ كل مجتهد في الفروع مصيب (١) ومن رجال هذه الطبقة :

١ ـ العلامة القاضي محمد بن سليمان بن أبي الرجال الصعدي ، مات سنة ٧٣٠ هـ.

٢ ـ العلامة القاضي عبد اللّه بن زيد العنسي ، مات سنة ٦٦٧ هـ.

٣ ـ العلامة القاضي يحيى بن حسن البحيبح ، وقد عاصر الاِمام يحيى بن حمزة.

٤ ـ العلامة الاِمام يحيى بن حمزة ، مات سنة ٧٤٩ هـ.

٥ ـ العلامة الاِمام عز الدين بن الحسن الموَيدي ، مات سنة ٩٠٠ هـ.

٦ ـ العلامة القاضي محمد بن يحيى حنش ، مات سنة ٧١٧ هـ.

٧ ـ العلامه القاضي يوسف بن أحمد بن عثمان الثلاثي ، مات سنة ٨٣٢ هـ.

__________________

١ ـ لعله يريد : انّه مأجور وإلاّ فالحق واحد فكيف يكون الكل مصيباً.
٥٢٦

٨ ـ العلامة الاِمام أحمد بن يحيى بن المرتضى ، مات شهيداً بالطاعون سنة ٨٤٠ هـ.

ومعظم رجال طبقات المذهب الزيدي من العلماء المجتهدين. ولذلك فلا يصدق عليهم القول بأنّهم في مستوى طبقة مجتهدي المذهب لأنّ هذه الطبقة لاتظهر دائماً إلاّ بين رجال المذاهب التي لا توجب الاجتهاد على المتمكن منه وليس كذلك المذهب الزيدي. وبالتجوز يمكن أن يوجد في طبقات المذهب من هو في درجة المجتهد المنتسب. أمّا الأكثر فهم في درجة المجتهد المطلق. وقد ظهر من هوَلاء بعد طبقة المذاكرين الكثير ومنهم : الاِمام يحيى شرف الدين مات سنة ٩٦٥ هـ والاِمام القاسم بن محمد مات سنة ١٠٢٩ هـ والاِمام محمد بن إسماعيل الأمير مات سنة ١١٨٢ هـ. والاِمام عبد القادر بن أحمد عبد القادر بن الناصر شرف الدين مات سنة ١٢٠٧ هـ وغيرهم.

وكانت كل الموَلفات الزيدية لاتقتصر على ذكر القول المختار لديها ، وإنّما تجمع كل الأقوال المشهورة للأئمّة والعلماء : أي أنّها موَلفات أُممية وموسوعات لما توَلف فيه. لذلك فالقول المختار للمذهب إنّما كان يوَخذ من أفواه المشائخ ويتناقل بالرواية ، حتى جاء القاضي حسن بن أحمد الشبيبي رحمه‌الله مات سنة ١١٦٩ هـ فوضع كلمة (مذهب) في كتابه شرح الأزهار على القول المختار للمذهب تمييزاً له عن سائر أقوال الأئمّة والعلماء الزاخر بها كتاب شرح الأزهار المعروف واستحسن هذه العلامة سائر العلماء في عصره. ولمكانته في العلم والتقوى تلقّفها عنه الطلاب ، وصارت نسخته من أهم المراجع في ذلك عند الطلاب. كما ذكره الموَلف الموَرخ السيد محمد زباره رحمه‌الله في ملحق البدر الطالع ص ٦٨ (١).

__________________

١ ـ علي بن عبد الكريم الفضيل شرف الدين : الزيدية نظرية وتطبيق : ١٦ ـ ١٨.
٥٢٧

بلغ الكلام إلى هنا عشية يوم العشرين من ربيع الأوّل من شهور عام ١٣١٦ هجرية.

بقي الكلام حول الفرق الباقية من الشيعة وأهمها : الاِسماعيلية وبعدها الفطحية والواقفية والنصيرية وسنقوم ـ بإذن اللّه ـ بدراسة مذاهبهم في الجزء الثامن وبه تتم أجزاء هذه الموسوعة المباركة إن شاء اللّه.

تم هذا الجزء بيد موَلّفه جعفر السبحاني ابن الفقيه الشيخ محمد حسين السبحاني التبريزي. وأرجو من اللّه سبحانه أن يجعله خير وسيلة للصلة بين الطائفتين المتمسكتين بالثقلين كتاب اللّه وأهل البيت آمين رب العالمين.
٥٢٨

الفهارس

* فهرس مصادر الكتاب

* فهرس الموضوعات
٥٢٩
٥٣٠

فهرس مصادر الكتاب

نبدأ تبركاً بالقرآن الكريم.

( حرف الألف )

١ ـ الاتقان : جلال الدين السيوطي ( ٨٤٩ ـ ٩١١ هـ ) دار ابن كثير ، بيروت.

٢ ـ الأخبار الطوال : الدينوري : أبو حنيفة أحمد بن داود ( م ٢٨٢ هـ ) دار إحياء الكتب العربية ، القاهرة ـ ١٩٦٠ م.

٣ ـ الاختصاص : الشيخ المفيد : محمد بن محمد بن النعمان ( ٣٣٦ أو ٣٣٨ ـ ٤١٣ هـ ) تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري ، طبع مؤسسة النشر الإسلامي ، قم المقدسة.

٤ ـ إرشاد المفيد : الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان ( ٣٣٦ أو ٣٣٨ ـ ٤١٣ هـ ) قم المقدسة ـ ١٤٠٢ هـ.

٥ ـ الأساس لعقائد الأكياس : الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد بن علي ( ٩٦٧ ـ ١٠٢٩ هـ ) منشورات التراث الإسالامي ، الجمهورية اليمنية ، صعده ، الطبعة الثانية ـ ١٤١٥ هـ.

٦ ـ الاستبصار : شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي ( ٣٨٥ ـ ٤٦٠ هـ ) دار الكتب الإسلامية ، إيران ـ ١٣٩٠ هـ

٧ ـ الاستيعاب : أبو عمرو يوسف بن عبد الله بن عبد البر ( ٣٦٣ ـ ٤٦٣ هـ ) ، دار نهضة مصر ، القاهرة.

٨ ـ الإشارات : الشيخ الرئيس ابن سينا ( م ٤٢٨ هـ ) طبع إيران.
٥٣١

٩ ـ الاعتصام بالكتاب والسنة : جعفر بن محمد حسين السبحاني ( تولد ١٣٤٧ هـ مؤلف هذا الكتاب ) نشر مؤسسة الإمام الصادق عليه‌السلام ، قم المقدسة ـ ١٤١٤ هـ.

١٠ ـ الاعتصام بحبل الله المتين : الإمام القاسم بن محمد بن علي ( ٩٦٧ ـ ١٠٢٩ هـ ) مكتبة اليمن الكبرى ـ ١٤٠٨ هـ.

١١ ـ اعتقادات فرق المسلمين والمشركين : الرازي : محمد بن عمر الخطيب ( ٥٤٤ ـ ٦٠٦ هـ ) منشورات مكتبة الكليات الأزهرية ، القاهرة ـ ١٣٩٨ هـ.

١٢ ـ الأعلام : خير الدين الزركلي ( ١٣١١ ـ ١٣٩٦ هـ )* دار العلم للملايين ، بيروت ـ ١٤٠٤ هـ.

١٣ ـ أعلام الورى : الطبرسي : الفضل بن الحسن ( ٤٧١ ـ ٥٤٨ هـ ) طبع إيران.

١٤ ـ أعيان الشيعة : السيد محسن الأمين العاملي ( م ١٣٧١ هـ ) دار التعارف ، بيروت.

١٥ ـ الأغاني : أبو الفرج الاصفهاني : علي بن الحسين ( ٢٨٤ ـ ٣٥٦ هـ ) دار إحياء التراث العربي ، بيروت.

١٦ ـ الأمالي : الصدوق : محمد بن بابوية القمي ( م ٣٨١ هـ ) المكتبة الإسلامية ، طهران.

١٧ ـ الطوسي : محمد بن الحسن ( ٣٨٥ ـ ٤٦٠ هـ ) مؤسسة الوفاء ، بيروت ـ ١٤٠١ هـ.

١٨ ـ الإمام زيد : محمد أبو زهرة ( م ٣٩٦ هـ ) دار المعارف ، القاهرة ، مصر.

١٩ ـ الإمام الصادق : محمد أبو زهرة ( م ٣٩٦ هـ ).

٢٠ ـ الإمام المجتهد يحيى بن حمزة وآراؤه الكلامية : أحمد محمود صبحي ، المطبوع عام ١٤١٠ هـ.

٢١ ـ الإمامة والسياسة : ابن قتيبة : عبد الله بن مسلم الدينوري ( م ٢٧٦ هـ ) مطبعة
٥٣٢

مصطفى محمد ، مصر.

٢٢ ـ الانتصار : الشريف المرتضى : علي بن الحسين ( ٣٥٥ ـ ٤٣٦ هـ ) أُفست منشورات الشريف الرضي ، قم المقدسة ، عن منشورات المطبعة الحيدرية ، النجف الأشرف ـ ١٣٩١ هـ

٢٣ ـ أوائل المقالات : المفيد محمد بن محمد بن النعمان ( م ٤١٣ هـ ) مكتبة الحقيقة ، تبريز ـ ١٣٧١ هـ

( حرف الياء )

٢٤ ـ بحار الانوار : العلامة : محمد باقر المجلسي ( م ١١١٠ هـ ) مؤسسة الوفاء ، بيروت ـ ١٤٠٣ هـ.

٢٥ ـ البحر الزخار : أحمد بن يحيى بن المرتضى ( ٧٦٤ ـ ٨٤٠ هـ ) دار الحكمة اليمانية ، صنعاء ، الطبعة الأُولى ـ ١٤٠٩ هـ.

٢٦ ـ بحوث في الملل والنحل : جعفر بن محمد حسين السبحاني ( تولد ١٣٤٧ هـ مؤلف هذا الكتاب ) منشورات لجنة إدارة الحوزة العلمية ، قم المقدسة.

٢٧ ـ البداية والنهاية : ابن كثير : الحافط أبو الفداء ( م ٧٧٤ هـ ) دار الفكر ، بيروت ـ ١٤٠٢ هـ.

٢٨ ـ البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع : محمد بن علي الشوكاني ( ١١٧٢ ـ ١٢٥٠ هـ ) دار المعرفة ، بيروت.

٢٩ ـ بغية الوعاة : جلال الدين السيوطي ( ٨٤٩ ـ ٩١١ هـ ) المكتبة العصرية ، بيروت.

٣٠ ـ البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب : ابن عذاري المراكشي ، مطبوعات بريل ـ ١٩٤٨ م.

٣١ ـ بين يدي الساعة : الدكتور عب الباقي ( المعاصر ).
٥٣٣

( حرف التاء )

٣٢ ـ تاريخ الأدب العربي : دكتور عمر فرّوخ ، دار العلم للملايين ، المطبعة الخامسة ـ ١٩٨٤ م.

٣٣ ـ تاريخ الإسلام : الذهبي : شمس الدين محمد بن أحمد ( م ٧٤٨ هـ ) دار الكتاب العربي ، بيروت ، الطبعة الثانية ـ ١٩٩١ م.

٣٤ ـ تاريخ بغداد : الخطيب البغدادي : أحمد بنعلي (م ٤٦٣ هـ) دار الكتاب العربي ، بيروت.

٣٥ ـ تاريخ التراث العربي : فؤاد سزگين ، منشوارت مكتبة المرعشي النجفي ، قم المقدسة ـ ١٤١٢ هـ.

٣٦ ـ تاريخ الطبري ( تاريخ الأُمم والمملوك ) : محمد بن جرير الطبري ( م ٣١٠ هـ ) مؤسسة الأعلمي ، بيروت.

٣٧ ـ التاريخ الكبير : البخاري : إسماعيل بن إبراهيم ( م ٢٥٦ هـ ) ، دار الفكر ، بيروت.

٣٨ ـ تاريخ مدينة دمشق : ابن عساكر : علي بن الحسن هبة الله ( ٥٠٠ ـ ٥٧٣ هـ ) دار التعارف ، بيروت ـ ١٣٩٥ هـ.

٣٩ ـ تاريخ المذاهب الإسلامية : محمد أبو زهرة ( م ١٣٩٦ هـ ) دار الفكر العربي ، بيروت.

٤٠ ـ تاريخ اليعقوبي : احمد بن أبي يعقوب بن واضح الكاتب العباسي المعروف باليعقوبي ( من علماء القرن الثالث الهجري ) المكتبة الحيدرية ، النجف الاشرف ـ ١٣٨٤ هـ.

٤١ ـ تاريخ اليمن الفكري : احمد بن محمد الشامي

٤٢ ـ التبصير في الدين : أبو المظفر الإسفرائيني ( م ٤٧١ هـ ) بيروت ـ ١٤٠٣ هـ

٤٣ ـ التحف شرح الزلف : مجد الدين بن محمد بن منصور الحسني المؤيدي ، المعاصر مفتي اليمن.
٥٣٤

٤٤ ـ تذكرة الحفاظ : أبو عبد الله : شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي ( ٦٧٣ ـ ٧٤٨ هـ ) دار احياء التراث العربي ، بيروت.

٤٥ ـ تذكرة الخواص : سبط ابن الجوزي : أبو المظفر : يوسف بن فرغلي بن عبد الله البغدادي ( ٥٨١ ـ ٦٥٤ هـ ) مؤسسة أهل البيت ، بيروت ـ ١٤٠١ هـ.

٤٨ ـ التنبيه والرد : ابو الحسين الملطي الشافعي : محمد بن أحمد ( م ٣٧٧ هـ ) تقديم وتعليق محمد زاهد بن الحسن الكوثري ، طبع ١٣٨٨ هـ.

٤٩ ـ تنقيح المقال : عبد الله المامقاني ( ١٢٩٠ ـ ١٣٥١ هـ ) النجف الاشرف ـ ١٣٥٠ هـ.

٥٠ ـ التهذيب : الشيخ الطوسي : محمد بن الحسن ( ٣٨٥ ـ ٤٦٠ هـ ) دار الكتب الإسلامية ، طهران ـ ١٣٩٠ هـ.

٥١ ـ تهذيب التهذيب : العسقلاني: أحمد بن علي بن حجر ( ٧٧٣ ـ ٨٥٢ هـ ) دار الفكر ، بيروت ـ ١٤٠٤ هـ.

٥٢ ـ تهذيب الكمال : جمال الدين أبي الحجاج يوسف المزّي ( ٦٥٤ ـ ٧٤٢ هـ ) مؤسسة الرسالة ، بيروت ـ ١٤٠٦ هـ.

( حرف الثاء )

٥٣ ـ الثقات : محمد بن حبان بن أحمد التميمي ( م ٣٥٤ هـ ) دائرة المعارف العثمانية ، حيدر آباد ، الهند ـ ١٣٩٣ هـ.

٥٤ ـ ثواب الأعمال : الشيخ الصدوق محمد بن بابوية القمي ( م ٣٨١ هـ ) مكتبة الصدوق ، طهران.
٥٣٥

٥٥ ـ ثورة الحسين : محمد مهدي شمس الدين ( المعاصر ) مؤسسة دار الكتاب الإسلامي ، قم المقدسة.

( حرف الجيم )

٥٦ ـ جامع الأُصول : ابن الأثير الجزري : المبارك بن محمد ( ٥٤٤ ـ ٦٠٦ هـ ) دار الفكر ، بيروت ـ ١٤٠٣ هـ.

( حرف الحاء )

٥٧ ـ الحدائق الوردية : الحسن حسام الدين حميد بن أحمد المحلي ( م ٦٥٢ هـ ) الطبعة الثانية ـ ١٤٠٥ هـ.

٥٨ ـ حكام اليمن المؤلفون المجتهدون : عبد الله محمد الحبشي ، دار القرآن الكريم ، بيروت ، الطبعة الأقولى ـ ١٣٩٩ هـ.

٥٩ ـ الحور العين : الحميري : سعيد بن نشوان ( م ٥٧٣ ) طهران ـ ١٣٩٤ هـ بالأُفسيت.

( حرف الخاء )

٦٠ ـ الخرائج والجرائح : قطب الدين الراوندي ( م ٥٧٣ هـ ) مؤسسة الإمام المهدي ، قم ـ ١٤٠٩ هـ.

٦١ ـ الخصال : الشيخ الصدوق : محمد بن بابويه القمي ( م ٣٨١ هـ ) منشورات دار النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين ، قم المقدسة ـ ١٤٠٣ هـ.

٦٢ ـ الخط المقريزية : تقي الدين المقريزي ( م ٨٤٥ هـ ) دار صادر ،بيروت.
٥٣٦

( حرف الراء )

٦٣ ـ رأب الصدع : احمد بن عيسى بن زيد بن علي ( ١٥٧ ـ ٢٤٧ هـ ) تحقيق العلامة علي بن إسماعيل بن عبد الله المؤيد الصنعاني ، دار النفائس ، بيروت ـ ١٤١٠ هـ.

٦٤ ـ الرجال : ابن داود : الحسن بن علي الحلي ( من أعلام القرن السابع الهجري ) طهران ـ ١٣٤٢ هـ.

٦٥ ـ الرجال : الطوسي : محمد بن الحسن ( ٣٨٥ ـ ٤٦٠ هـ ) النجف الاشرف ـ ١٣٨١ هـ.

٦٦ ـ الرجال : أبو عمرو الكشي ( من علماء القرن الرابع الهجري ) مؤسسة الأعلمي ، كربلاء ـ العراق.

٦٧ ـ الرجال : النجاشي : أحمد بن علي ( ٣٧٢ ـ ٤٥٠ هـ ) بيروت ـ ١٤٠٩ هـ.

٦٨ ـ الرد والاحتجاج ضمن رسائل العدل والتوحيد : الإمام الهادي يحيى بن الحسين ( ٢٢٠ ـ ٢٩٨ هـ ) منشورات دار مكتبة الحياة ، بيروت ـ لبنان.

٦٩ ـ روضات الجنات : محمد باقر الخونساري ( م ١٣١٣ هـ ) طهران ـ ١٣٩٠ هـ.

٧٠ ـ الروض النضير : شرف الدين الحسين بن أحمد السياغي ( ١١٨٠ ـ ١٢٢١ هـ ) مكتبة المؤيد ، الطائف ، الطبعة الثانية ـ ١٣٨٨ هـ.

٧١ ـ رياض السالكين : السيد علي خان الحسيني الشيرازي ( ١٠٥٢ ـ ١١٢٠ هـ ) مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين ، قم المقدسة ـ ١٤٠٩ هـ.

٧٢ ـ رياض العلماء وحياض الفضلاء : الميرزا عبد الله أفندي التبريزي ( من أعلام القرن الثاني عشر ) منشورات مكتبة آية الله المرعشي ، قم المقدسة ـ ١٤٠١ هـ.
٥٣٧

( حرف الزاي )

٧٣ ـ زيد الشهيد : السيد محسن الأمين العاملي ( م ١٣٧١ هـ )

٧٤ ـ زيد الشهيد : السيد عبد الرزاق المقرم المعاصر ، منشوات المكتبة الحيدرية ، النجف الأشرف ـ ١٣٥٥ هـ ، أُفسيت منشورات الشريف الرضي ، قم ـ ١٤١١ هـ.

٧٥ ـ الزيدية : أحد محمود صبحي ، منشورات الزهراء للاعلام العربي ، الطبعة الثانية ـ ١٤٠٤ هـ.

٧٦ ـ الزيدية في اليمن : بدر الدين الحوثي الحسني اليماني ، وهو كتيب صغير يبيّن فيه أصل زيدية اليمن وعقائدهم.

٧٧ ـ الزيدية نظرية وتطبيق : علي بن عبد الكريم الفضيل شرف الدين ، عمان ، الطبعة الأُولى ـ ١٤٠٥ هـ.

٧٨ ـ الزينة : ابو الحاتم أحمد بن حمدان الرازي ، تحقيق الدكتور عبد الله سلّوم السامرائي.

( حرف السين )

٧٩ ـ سبل السلام في شرح بلوغ المرام : محمد بن إسماعيل الصنعاني ( ١٠٥٩ ـ ١١٨٢ هـ ) دار احياء التراث العربي ، بيروت ١٣٧٩ هـ.

٨٠ ـ السرائر : ابن ادريس الحلي : أبو جعفر : محمد بن منصور أحمد ( م ٥٩٨ هـ ) مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين ، قم المقدسة ـ ١٤١٠ هـ.

٨١ ـ السنة والشيعة : محمد رشيد رضا ( م ١٣٥٤ هـ )

٨٢ ـ سير أعلام النبلاء : الذهبي : أبو عبد الله : شمس الدين محمد بن أحمد ( ٦٧٣ ـ ٧٤٨ هـ ) مؤسسة الرسالة ، بيروت ـ ١٤٠٩ هـ.

٨٣ ـ السيرة النبوية : ابن هشام : عبد الملك بن أيوب الحميري ( م ٢١٣ أو ٢١٨ هـ ) دار التراث العربي ، بيروت.
٥٣٨

( حرف الشين )

٨٤ ـ شذرات الذهب : ابن عماد الحنبلي ( ١٠٣٢ ـ ١٠٨٩ هـ ) دار الفكر ، بيروت ـ ١٣٩٩ هـ.

٨٥ ـ شرح الأُصول الخمسة : عبد الجبار القاضي المعتزلي ( م ٤١٥ هـ) طبع مصر.

٨٦ ـ شرح التجريد في فقه الزيدية : المؤيد بالله أحمد بن الحسين بن هارون ( ٣٣٣ ـ ٤١١ هـ ) صنعاء ، جامع النهرين ، الطبعة الأُولى ـ ١٤٠٥ هـ.

٨٧ ـ شرح نهج البلاغة : ابن أبي الحديد ( م ٦٥٥ هـ ) دار احياء الكتب العربية ، القاهرة ـ ١٣٧٨ هـ.

( حرف الصاد )

٨٨ ـ الصحيح : البخاري : محمد بن إسماعيل ( ١٩٤ ـ ٢٥٦ هـ ) مكتبة عبد الحميد أحمد حنفي ، مصر ـ ١٣١٤ هـ.

٨٩ ـ الصحيح : مسلم بن الحجاج القشيري ( م ٢٦١ هـ ) مؤسسة عز الدين ، بيروت ـ ١٤٠٧ هـ.

٩٠ ـ الصواعق المحرقة : أحم بن حجر الهيتمي المكي ( ٨٩٩ ـ ٩٧٤ هـ ) مكتبة القاهرة ، مصر ـ ١٣٨٥ هـ.

( حرف الطاء )

٩١ ـ الطبقات الكبرى : محمد بن سعد ( م ٢٣٠ هـ ) دار صادر ، بيروت ـ ١٣٨٠ هـ.

( حرف العين )

٩٢ ـ العقد الثمين في تبييين سيرة الأئمة الهادين : الإمام عبد الله بن حمزة بن سليمان ( ٥٦١ ـ ٦١٤ هـ ) الطبعة الحجرية.
٥٣٩

٩٣ ـ العقد الثمين في معرفة رب العالمين : الأمير الحسين بن بدر الدين محمد ( ٥٨٢ ـ ٦٦٢ هـ ) منشورات مكتبة التراث الإسلامي ـ صعده ، ودار التراث اليمني ـ صنعاء ، الطبعة الثانية ـ ١٤١٥ هـ.

٩٤ ـ العقد الفريد : ابن عبد ربه الأندلسي ( ٢٤٦ ـ ٣٢٨ هـ ) دار الكتب العلمية ، بيروت ـ ١٤٠٤ هـ.

٩٥ ـ عمدة الطالب : ابن مهنا : جمال الدين أحد بن علي ( م ٨٢٨ هـ ) النجف الأشرف ـ ١٣٨٠ هـ.

٩٦ ـ عيون الأخبار : ابن قتيبة الدينوري ( م ٢٧٦ هـ ) دار الكتاب العربي ، بيروت.

٩٧ ـ عيون أخبار الرضا : الشيخ الصدوق ( م ٣٨١ هـ ) مؤسسة الأعلمي ، بيروت ـ ١٤٠٤.

( حرف الغين )

٩٨ ـ الغارات : ابن هلال الثقفي ( م ٢٨٣ هـ ) دار الكتاب الإسلامي ، قم ـ ١٤١١ هـ.

٩٩ ـ الغدير : العلامة عبد الحسين أحمد الأميني ( ١٣٢٠ ـ ١٣٩٠ هـ ) دار الكتاب العربي ، بيروت ـ ١٣٨٧ هـ.

( حرف الفاء )

١٠٠ ـ فتح القدير : الشوكاني : محمد بن علي بن محمد الصنعاني ( ١١٧٢ ـ ١٢٥٠ ) دار المعرفة بالأُفسيت بيروت ـ لبنان.

١٠١ ـ فرحة الغري : عبد الكريم بن طاووس ، النجف الأشرف ـ ١٣٦٨ هـ.

١٠٢ ـ الفرق بين الفرق : البغدادي : عبد القاهر بن طاهر بن محمد ( م ٤٢٩ هـ ) دار المعرفة ، بيروت.
٥٤٠

١٠٣ ـ فرق الشيعة : النوبختي : الحسن بن موسى ( من أعلام القرن الثالث الهجري ) دار الأضواء ، بيروت ـ ١٤٠٤ هـ.

١٠٤ ـ فرق وطبقات المعتزلة : القاضي عبد الجبار الهمداني ( م ٤١٥ هـ ) دار المطبوعات الجامعية ، القاهرة ـ ١٩٧٢ م.

١٠٥ ـ الفصول المختارة من العيون والمحاسن : الشيخ المفيد : محمد بن محمد بن النعمان ( ٣٣٦ أو ٣٣٨ ـ ٤١٣ هـ ) منشورات مكتبة الداوري ، قم ـ ١٣٩٦ هـ.

١٠٦ ـ الفصول المهمة : ابن الصباغ المالكي ( م ٨٥٥ هـ ) المكتبة الحيدرية ، النجف الأشرف ـ ١٣٨١ هـ.

١٠٧ ـ الفهرست : ابن النديم : محمد بن إسحاق ( ٢٩٦ ـ ٣٨٥ هـ ) القاهرة ـ ١٣٤٨ هـ.

١٠٨ ـ الفهرست : الطوسي : محمد بن الحسن ( ٣٨٥ ـ ٤٦٠ هـ ) جامعة مشهد ، إيران ـ ١٣٥١ هـ.

( حرف القاف )

١٠٩ ـ قاموس الرجال : التستري : محمد تقي ( ١٣٢٠ ـ ١٤١٦ هـ ) طهران ـ ١٣٩٧ هـ.

١١٠ ـ القواعد : الشهيد الأول : محمد بن مكي ( ٧٣٣ ـ ٧٨٦ هـ ) منشورات مكتبة الداوري ، قم المقدسة ، إيران.

( حرف الكاف )

١١١ ـ الكافي : محمد بن يعقوب الكليني ( م ٣٢٩ هـ ) دار الكتب الإسلامية ، طهران ـ ١٣٩٧ هـ.

١١٢ ـ الكامل في التاريخ : ابن الأثير الجزري : محمد بن محمد ( م ٦٣٠ هـ ) دار الكتاب العربي ، بيروت.
٥٤١

١١٣ ـ كشف الارتياب : السيد محسن الأمين ( م ١٣٧١ هـ ) منشورات مكتبة الحرمين ، قم المقدسة ، الطبعة الثانية ـ ١٣٨٢ هـ.

١١٤ ـ كشف الظنون : الكاتب الچلبي ، مطبعة العالم ، الطبعة الأُولى ـ ١٣١٠ هـ.

١١٥ ـ كشفة الغمة : الاربلي : علي بن عيسى ( م ٦٩٣ هـ ) دار الأضواء ، بيروت ـ ١٤٠٥ هـ.

١١٦ ـ كفاية الأثر : علي بن محمد الخزار القمي ( من أعلام القرن الرابع الهجري ) منشورات بيدار ، قم ـ ١٤٠١ هـ.

١١٧ ـ الكواكب الدرية : لمحمد بن عبد الرؤوف المناوي الحدادي المصري ( م ١٠٣١ هـ ).

( حرف اللام )

١١٨ ـ لسان العرب : العلامة ابن منظور : محمد بن مكرم ( ٦٣٠ ـ ٧١١ هـ ) قم المقدسة ـ ١٤٠٥ هـ.

١١٩ ـ اللهوف : السيد ابن طاووس ، منشورات المطبعة الحيدرية ، النجف الأشرف ، أُفست ، انتشارات الشريف الرضي ، قم المقدسة ـ ١٤١٢ هـ.

( حرف الميم )

١٢٠ ـ مثير الأحزان : ابن نما الحلي ( ٥٦٧ ـ ٦٤٥ هـ ) منشورات مؤسسة الإمام المهدي ، قم المقدسة ـ ١٤٠٦ هـ.

١٢١ ـ المجدي في الأنساب : علي بن محمد العلوي العمري النسابة ( من أعلام القرن الخامس الهجري ) منشورات مكتبة المرعشي النجفي ، قم المقدسة ـ ١٤٠٩ هـ.
٥٤٢

١٢٢ ـ المحصول في علم الأُصول : جعفر بن محمد حسين السبحاني ( توال ١٣٤٧ هـ مؤلف هذا الكتاب ) منشورات مؤسسة الإمام الصادق عليه‌السلام ، قم المقدسة ـ ١٤١٥ هـ.

١٢٣ ـ مختصر تاريخ دمشق : ابن منظور : محمد بن مكرم ( ٦٣٠ ـ ٧١١ هـ ) دار الفكر ، بيروت ـ ١٤٠٤ هـ.

١٢٤ ـ مرآة العقول : محمد باقر المجلسي ( م ١١١٠ هـ ) دار الكتب الإسلامية ، طهران ـ ١٤٠٤ هـ.

١٢٥ ـ مروج الذهب : المسعودي : علي بن الحسين ( م ٣٤٥ هـ ) منشورات الجامعة اللبنانية ، بيروت ـ ١٩٦٥ م.

١٢٦ ـ مستدرك الوسائل : النوري : الحسين بن محم تقي ( ١٢٥٤ ـ ١٣٢٠ هـ ) مؤسسة آل البيت ، قم ـ ١٤٠٧ هـ.

١٢٧ ـ المسند : أحمد بن حنبل ( م ٢٤١ هـ ) دار الفكر ، بيروت.

١٢٨ ـ مسند الإمام زيد : زيد بن علي بن الحسين ( ٧٦ ـ ١٢٢ هـ ) دار الكتب العلمية ، بيروت.

١٢٩ ـ مصباح العلوم في معرفة الحي القيوم : المعروف بـ « الثلاثين مسألة » : أحمد بن الحسين الرصاص ( م ٦٥٦ هـ ) تقديم الكدكتور محمد عبد السلام كفافي ـ ١٤٠٨ هـ.

١٣٠ ـ معجم البلدن : الحموي : ياقوت بن عبد الله ( م ٢٦٢ هـ ) تقديم الدكتور محمد عبد السلام كفافي ـ ١٤٠٨ هـ.

١٣١ ـ معجم رجال الحديث : السيد الخوئي : أبو القاسم الموسوي ( م ١٣١٧ ـ ١٤١٣ هـ ) بيروت ـ ١٤٠٣ هـ.

١٣٢ ـ مفاهيم القرآن : جعفر بن محمد حسين السبحاني ( تولد ١٣٤٧ هـ مؤلف هذا الكتاب ) قم المقدسة ـ ١٤٠٤ هـ.

١٣٣ ـ مقاتل الطالبيين : أبو الفرج الاصفهاني ( ٢٨٤ ـ ٣٥٦ هـ ) مؤسسة دار الكتاب ، قم المقدسة.
٥٤٣

١٣٤ ـ مقالات الإسلاميين : الأشعري : علي بن إسماعيل ( م ٣٢٤ هـ) الطبعة الثالثة ـ ١٤٠٠ هـ.

١٣٥ ـ مقتل الحسين : الخوارزمي : أبو المؤيد الموفق بن أحمد المكي ( م ٥٦٨ هـ ) مطبعة الزهراء ، النجف الأشرف ـ ١٣٦٧ هـ.

١٣٦ ـ المقدمة : عبد الرحمان بن محمد بن خلدون ( م ٨٠٨ هـ ) دار الكتب العلمية ، بيروت ـ ١٣٩٨ هـ.

١٣٧ ـ الملل والنحل : الشهرستاني : محمد بن عبد الكريم ( ٤٧٩ ـ ٥٤٨ هـ ) دار المعرفة ، بيروت ـ ١٤٠٢ هـ.

١٣٨ ـ مناقب آل أبي طالب : ابن شهر آشوب : محمد بن علي السروي المازندراني ( ٤٨٨ ـ ٥٨٨ هـ ) المطبعة العلمية ، قم المقدسة.

١٣٩ ـ من لا يحضره الفقيه : الشيخ الصدوق ( م ٣٨١ هـ ) دار الكتب الإسلامية طهران ـ ١٣٩٠ هـ.

١٤٠ ـ منهاج السنة : ابن تيمية ( ٦١١ ـ ٧٢٨ هـ ) طبع مصر.

١٤١ ـ المنية والأمل : ابن المرتضى :أحمد بن يحيى ( م ٨٤٠ هـ ) ، الطبعة الثانية ـ ١٤٠٧ هـ.

١٤٢ ـ ميزان الاعتدال : أبو عبد الله : شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي ( ٦٧٣ ـ ٧٤٨ هـ ) دار المعرفة ، بيروت.

( حرف النون )

١٤٣ ـ النزاع والتخاصم بين بني أُمية وبني هاشم :أحمد بن علي المقريزي الشافعي ، مكتبة الأهرام ، مصر.

١٤٤ ـ النظرية السياسية : محمود البغدادي ( المعاصر ) منشورات المعاونية الثقافية للمجمع العالمي لأهل البيت عليهم‌السلام قم المقدسة ـ ١٤١٥ هـ.
٥٤٤

١٤٥ ـ نكت البيان : السيد علي خان المشعشعي الحويزي ( م ١٠٨٨ هـ ) ، ألفه عام ١٠٨٤ ، موجود في مكتبة الملا علي الخياباني التبريزي.

١٤٦ ـ نهج البلاغة : جمع الشريف الرضي ( ٣٥٩ ـ ٤٠٤ هـ ) بيروت ـ ١٣٨٧ هـ.

١٤٧ ـ نور الثقلين : العروسي الحويزي : عبد علي بن جمعة ( م ١١١٢ هـ ) مطبعة الحكمة ، قم ـ إيران.

١٤٨ ـ نيل الأوطار : الشوكاني : محمد بن علي بن محمد ( ١١٧٢ ـ ١٢٥٠ هـ ) دار الكتب العلمية ، بيروت.

( حرف الواو )

١٤٩ ـ الوافي بالوفيات : صلاح الدين خليل بن ايبك الصفدي ( ٦٩٧ ـ ٧٦٤ هـ ) انتشارات جهان ، طهران ـ ١٣٨١ هـ.

١٥٠ ـ وسائل الشيعة : الحر العاملي : محمد بن الحسن ( ١٠٣٣ ـ ١١٠٤ هـ ) دار إحياء التراث العربي ، بيروت ـ ١٤٠٣ هـ.

١٥١ ـ وفيات الأعيان : ابن خلّكان : أحمد بن محمد ( ٦٠٨ ـ ٦٨١ هـ ) منشورات الشريف الرضي ، قم المقدسة ـ ١٣٦٤ هـ.

١٥٢ ـ وقائع الأيام : علي بن عبد العظيم الخياباني التبريزي ( ١٢٨٢ ـ ١٣٦٧ هـ ) منشورات مكتبة قرشي تبريز ـ ١٣٨١ هـ.

( حرف الياء )

١٥٣ ـ اليمن عبر التاريخ : أحمد حسين شرف الدين ، القاهرة ـ ١٩٦٤ م.
٥٤٥
٥٤٦

فهرس محتويات الكتاب

المقدمة...................................................................... ٣

القسم الأوّل

فهرس إجمالي لفصول القسم الأوّل ، الأربعة عشر................................ ٥

الفصل الأوّل

فرق الشيعة بين الحقائق والأوهام ...........٧

الغلاة ليسوا من المسلمين..................................................... ١٠

فرق الغلاة.................................................................. ١٢

١ ـ البيانية ............................................................. ١٣

٢ ـ الجناحية ........................................................... ١٤

٣ ـ الحربية ............................................................ ١٤

٤ ـ المغيرية ............................................................ ١٥
٥٤٧

٥ ـ المنصورية .......................................................... ١٥

٦ ـ الخطابية المطلقه ..................................................... ١٦

٧ ـ الخطابية المعمرية .................................................... ١٧

٨ ـ الخطابية البزيعية .................................................... ١٧

٩ ـ الخطابية العميرية .................................................... ١٧

١٠ ـ الخطابية المفضلية .................................................. ١٧

١١ ـ السبائية........................................................... ١٨

١٢ ـ المفوضة........................................................... ١٨

موقف الأئمّة من الغلاة ................................................... ٢٠

المغيرة بن سعيد في روايات أئمة أهل البيت عليهم‌السلام............................. ٢١

أبو زينب وأتباعه في روايات أئمة أهل البيت عليهم‌السلام........................... ٢٣

الكيسانية والاِبهامات المحدقة بها................................................. ٢٧

فرق الكيسانية.............................................................. ٢٧

معتقدات الكيسانية.......................................................... ٣٠

الاِبهامات حول هذه الفرقة ................................................... ٣١

١ ـ الاختلاف في المسمّى بكيسان ........................................ ٣١

٢ ـ الاختلاف فيمن نصب محمداً الحنفية للاِمامة ........................... ٣١

٣ ـ الاختلاف في مبدأ قيادته ............................................ ٣٢

٤ ـ الاختلاف في كونه حياً أو ميتاً ....................................... ٣٢

٥ ـ اختلافهم في كونه حيّاً كرامة أو عقوبة ............................... ٣٢

٦ ـ الاختلاف في الاِمام بعد أبي هاشم .................................... ٣٢

٧ ـ الاختلاف في المعتقد ................................................ ٣٣
٥٤٨

فرق الشيعة بين الصحة والاختلاق.............................................. ٤٢

الكاملية ................................................................... ٤٧

المحمدية .................................................................... ٤٨

الباقرية والجعفرية ........................................................... ٤٩

الناووسية .................................................................. ٥١

الفرق الواقعية للشيعة بعد رحيل الاِمام الصادق عليه‌السلام ........................... ٥٣

١ ـ السميطية ............................................................. ٥٣

٢ ـ الفطحية .............................................................. ٥٤

٣ ـ الاِسماعيلية ............................................................ ٥٤

٤ ـ الواقفية .............................................................. ٥٥

الفصل الثاني

حياة زيد في عصر الأئمّة الثلاثة.............٥٧

حياته في عصر الاِمام زين العابدين عليه‌السلام ....................................... ٥٧

نسبه الوضّاح .............................................................. ٥٨

ميلاده ..................................................................... ٥٩

القول الحق في ميلاده ........................................................ ٦١

مواصفاته الخلقية ............................................................ ٦٦

حياته في عصر الاِمام الباقر عليه‌السلام ............................................. ٦٩

حياته في عصر الاِمام الصادق عليه‌السلام ........................................... ٧٣
٥٤٩

الفصل الثالث

في خطبه ، وأشعاره ، ومناظراته وعبادته.............٧٥

ما أثر عنه من المواعظ والحكم................................................ ٧٥

رسالة زيد إلى علماء الأُمة قبيل خروجه........................................ ٨١

مناظراته ................................................................... ٩٣

أشعاره .................................................................... ٩٦

عبادته.................................................................... ١٠٢

الفصل الرابع

مشايخه وتلاميذه في الحديث والتفسير..........١٠٥

مشايخه .................................................................. ١٠٦

تلامذته .................................................................. ١٠٧

مشاهير أصحابه الذين أخذوا عنه العلم ...................................... ١٠٨

حديث المنتمين إلى زيد .................................................... ١١١

الثناء عليه ممزوجاً مع المغالاة ................................................ ١١٣

المغالاة في علمه وفقهه ..................................................... ١١٤

الفصل الخامس

الآثار العلمية الباقية عن زيد.............١١٩

المجموع الفقهي............................................................ ١١٩

المجموع الحديثي........................................................... ١١٩
٥٥٠

تفسير غريب القرآن ...................................................... ١٢١

الصفوة .................................................................. ١٢٣

رسالته إلى علماء الأمّة ..................................................... ١٢٤

منسك الحج أو مناسك الحج................................................ ١٢٥

آثاره غير المنشورة.......................................................... ١٢٥

الفصل السادس

دراسة مسند الاِمام زيد سنداً ومضموناً...........١٢٧

دراسة حال الرواة الذين رووا المسند......................................... ١٢٧

١ ـ عبد العزيز بن إسحاق بن البقال .................................... ١٢٨

٢ ـ أبو القاسم علي بن محمّد النخعي الكوفي ............................. ١٣٠

٣ ـ سليمان بن إبراهيم بن عبيد المحاربي ................................. ١٣٢

٤ ـ نصر بن مزاحم المنقري العطار ...................................... ١٣٢

٥ ـ إبراهيم بن الزبرقان ............................................... ١٣٣

٦ ـ أبو خالد ، عمرو بن خالد ......................................... ١٣٤

الرواية عن زيد بن علي في الكتب الأربعة للشيعة الإمامية...................... ١٣٧

كتاب الطهارة.......................................................... ١٣٨

أحكام الشهيد.......................................................... ١٤٢

كتاب الصلاة........................................................... ١٤٣

في الضمان............................................................. ١٤٧

في الربا................................................................ ١٤٨

في الخمر............................................................... ١٤٨
٥٥١

في النكاح.............................................................. ١٤٨

في الطلاق.............................................................. ١٤٩

في الحدود.............................................................. ١٥٠

في الديات.............................................................. ١٥١

في القصاص............................................................ ١٥٢

ما لا يختص بباب....................................................... ١٥٣

الفصل السابع

هل كان زيد معتزليّ المبدأ والفكرة...............١٥٥

كلام بعض المعاصرين من الزيدية............................................ ١٥٩

الفصل الثامن

هل كان زيد إماماً في الأصول والعقائد والأحكام.....١٦٣

عقائد زيد حسب استنباط أبو زهرة ومناقشته................................. ١٦٦

رأيه في مرتكب الكبيرة..................................................... ١٦٦

رأيه في القدر.............................................................. ١٦٦

رأيه في البداء ............................................................. ١٦٧

رأيه في الرجعة والمهدي .................................................... ١٦٨

رأيه في معاجز اللأئمّة ..................................................... ١٧٠

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ........................................... ١٧٢

الصفات ليست غير الذات ................................................. ١٧٣

هل كان لزيد مذهب فقهي خاص .......................................... ١٧٧
٥٥٢

الفصل التاسع

هل دعا إلى نفسه أو دعا إلى الرضا من العترة.....١٨١

كلمات لزيد تعرب عن موقفه .............................................. ١٨٣

اعترافه بإمامة الاِمام الصادق عليه‌السلام........................................... ١٨٥

نصوص علماء الاِمامية في تفسير خروجه .................................... ١٨٩

الفصل العاشر

موقف أئمة أهل البيت من خروج زيد وجهاده.....١٩٥

خروج زيد في روايات أئمة أهل البيت عليهم‌السلام................................. ١٩٥

الفصل الحادي عشر

الخط الثوري المدعَم من قبل أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ٢٠٣

الخط الثوري الثابت لأئمّة أهل البيت عليهم‌السلام.................................. ٢٠٨

الفصل الثاني عشر

موقف علماء الشيعة من جلالة ووثاقة زيد.................٢١٥

بين أُباة الضيم وحماة الذل ................................................. ٢١٩
٥٥٣

الفصل الثالث عشر

الثورات الناجمة عن ثورة الاِمام الحسين عليه‌السلام...٢٢٥

أُباة الضيم وأخبارهم....................................................... ٢٢٦

ثورة الاِمام الحسين عليه‌السلام .................................................... ٢٢٦

الخصومة بين الحسين عليه‌السلام والحاكم الأموي كانت مبدئية ................... ٢٢٧

مناشدة هاشم وأُمية ..................................................... ٢٢٧

دوافعه نحو الثورة ....................................................... ٢٣٣

نجاح الاِمام الحسين عليه‌السلام في ثورته ........................................ ٢٣٥

ثورة أهل المدينة وإخراج عامل يزيد.......................................... ٢٤١

ثورة عبد اللّه بن الزبير...................................................... ٢٤٣

ثورة التوابين في الكوفة...................................................... ٢٤٦

مسير التوابين .......................................................... ٢٥٠

ثورة المختار................................................................. ٢٥٨

مغادرته مكة إلى الكوفة ................................................. ٢٦٠

ميزة ثورة المختار ....................................................... ٢٦٢

قتل المختار بجيش مصعب بن الزبير ....................................... ٢٦٨

ثورة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث........................................ ٢٧٠
٥٥٤

الفصل الرابع عشر

ثورة زيد بن علي كانت استمراراً لثورة الحسين عليهم‌السلام..٢٧٧

تنبّؤ النبي وعترته عليهم‌السلام بقتله ............................................... ٢٧٨

ما أثر عنه من قول قبل الخروج وأوانه ....................................... ٢٨١

توطين النفس على الشهادة ................................................. ٢٨٤

حول الأحداث الجزئية الدافعة إلى الخروج ................................... ٢٨٧

١ ـ اتهامه بأخذ الجائزة من خالد القسري ................................ ٢٨٧

٢ ـ التخاصم في الأوقاف .............................................. ٢٨٩

٣ ـ ردّ زيد على تجرّؤ هشام ........................................... ٢٩٣

زيد الثائر في الكوفة ....................................................... ٢٩٤

من بايع زيداً من المحدثين والفقهاء ........................................... ٢٩٦

دعاته .................................................................... ٣٠١

تحذيره عن القيام .......................................................... ٣٠٢

أعذاره تجاه الناصحين ..................................................... ٣٠٣

المؤامرة على زيد من الداخل ................................................ ٣٠٤

الكوفة في مخاض الثورة .................................................... ٣١٠

الحيلولة بين الناس وزيد..................................................... ٣١١

خطبه في حث المبايعين على القتال .......................................... ٣١٢

تكتيب الكتائب والهجوم على الكوفة والحيرة ................................. ٣١٧

الرأي العام في استشهاد زيد ................................................ ٣٢٣
٥٥٥

القسم الثاني

فهرس إجمالي لفصول القسم الثاني ، العشرة................................... ٣٢٧

الفصل الأوّل

عرض إجمالي للثائرين بعد الاِمام زيد................٣٢٩

قائمة الثائرين بعد زيد الشهيد .............................................. ٣٣٢

الفصل الثاني

أصحاب الانتفاضة.................................٣٣٧

رموز أصحاب الانتفاضة.................................................... ٣٣٧

١ ـ يحيى بن زيد....................................................... ٣٣٧

يحيى بن زيد والصحيفة السجادية ........................................ ٣٤١

٢ ـ عبد اللّه بن الحسن ابن الحسن......................................... ٣٤٧

٣ ـ محمد بن عبد اللّه بن الحسن ابن الحسن................................. ٣٥١

تفرّق إخوة محمد في البلاد ............................................... ٣٥٥

٤ ـ إبراهيم بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن................................ ٣٥٧

٥ ـ عيسى بن زيد الثائر.................................................. ٣٦٠

٦ ـ الحسين بن علي الفخيّ................................................ ٣٦٢

٧ ـ محمد بن إبراهيم طباطبا............................................... ٣٦٣

٨ ـ محمد بن محمد بن زيد بن علي......................................... ٣٦٦

٩ ـ محمد بن القاسم بن علي بن عمر....................................... ٣٦٧
٥٥٦

الفصل الثالث

أئمة الزيدية ودولتهم في اليمن...................٣٦٩

يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي بن إبراهيم طباطبا........................... ٣٦٩

سلسلة أئمة الزيدية في اليمن ............................................... ٣٧١

الفصل الرابع

أئمة الزيدية ودولتهم في طبرستان.............٣٧٩

مؤسسي الدولة الزيدية في طبرستان.......................................... ٣٧٩

الفصل الخامس

الدولة الزيدية في المغرب..................٣٨٢

الأدارسة ................................................................. ٣٨٢

إدريس بن عبد اللّه المحض .................................................. ٣٨٢

إدريس بن إدريس بن عبد اللّه المحض ........................................ ٣٨٤

الفصل السادس

الأعلام المجتهدون من الزيدية..............٣٨٧

١ ـ أحمد بن عيسى بن زيد بن علي........................................ ٣٨٩
٥٥٧

ترجمة محمد بن منصور الكوفي المرادي مؤلف الامالي ....................... ٣٩١

٢ ـ القاسم الرسي........................................................ ٣٩٣

٣ ـ يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي...................................... ٣٩٥

٤ ـ الناصر للحقّ ، الأطروش أبو محمد الحسن بن علي....................... ٣٩٩

أولاده ................................................................ ٤٠١

٥ ـ الاِمام المرتضى أبو القاسم محمد بن يحيى................................. ٤٠٢

٦ ـ الناصر لدين اللّه أحمد بن يحيى ابن الحسين............................... ٤٠٣

٧ ـ الاِمام السيد المؤيد أبو الحسين أحمد بن الحسين بن هارون................. ٤٠٤

٨ ـ الحاكم الجشمي...................................................... ٤٠٧

٩ ـ أبو سعيد نشوان بن سعيد الحميري..................................... ٤٠٨

مؤلفاته ................................................................ ٤٠٩

١٠ ـ الاِمام المنصور باللّه عبد اللّه بن حمزة بن سليمان....................... ٤١١

١١ ـ المؤيد باللّه يحيى بن حمزة بن علي..................................... ٤١٨

١٢ ـ أحمد بن يحيى بن المرتضى المهدي لدين للّه مؤلّف البحر الزخار........... ٤٢٠

آثاره المعروفة .......................................................... ٤٢٤

١ ـ البحر الزخار الجامع لمذاهب أهل الأمصار ........................ ٤٢٤

٢ ـ كتاب الأزهار في فقه الأئمّة الأطهار ............................. ٤٢٤

نظرة في كتاب طبقات المعتزلة ......................................... ٤٢٦

١٣ ـ الاِمام المنصور باللّه القاسم بن محمد علي مؤلف كتابي الأساس والاعتصام. ٤٢٨
٥٥٨

الفصل السابع

شخصيات زيدية ذات اتجاهات خاصة............٤٣٣

١ ـ ابن الوزير محمد بن إبراهيم............................................ ٤٣٤

٢ ـ ابن الأمير محمد بن إسماعيل............................................ ٤٣٨

٣ ـ محمد بن علي بن محمد بن عبد اللّه الشوكاني الصنعاني.................... ٤٤٣

قصة « السيل الجرار المتدفق » ............................................. ٤٤٩

الفصل الثامن

فرق الزيدية في كتب تاريخ العقائد................٤٥٣

١ ـ الجارودية............................................................ ٤٥٣

٢ ـ السليمانية .......................................................... ٤٥٤

٣ ـ الثالثة............................................................... ٤٥٤

٤ ـ النعيمية............................................................. ٤٥٤

دراسة حول فرق الزيدية .................................................. ٤٥٧

في تسميتهم بالزيدية ....................................................... ٤٥٨

الفصل التاسع

في عقائد الزيدية....................٤٦٥

النص بالجلي أو الخفي على إمامة علي عليه‌السلام .................................. ٤٧٢

نقل عقائد الزيدية عن المصدرين............................................. ٤٧٥

١ ـ العقد الثمين في معرفة ربّ العالمين للأمير الحسين بن بدر الدين............ ٤٧٥

٢ ـ مصباح العلوم في معرفة الحيّ القيوم..................................... ٥٠٠
٥٥٩

الفصل العاشر

في أُمور متفرقة.......................٥٠١

١ ـ حلقات المناظرة بين الاِمامية والزيدية ................................... ٥٠١

٢ ـ وجود المزاملة بين الطائفتين ........................................... ٥٠٦

٣ ـ لزوم نشر الثقافة الزيدية .............................................. ٥٠٧

٤ ـ صيغة الحكومة الاِسلامية لدى الزيدية .................................. ٥٠٩

السلطة التشريعية ....................................................... ٥٠٩

السلطة التنفيذية ........................................................ ٥١٠

السلطة القضائية ........................................................ ٥١٠

لا استبداد في الحكومة الاِسلامية ......................................... ٥١١

نظرية الاِمامة لدى الزيدية ............................................... ٥١١

٥ ـ المحاربة بين الطائفتين من الشيعة ....................................... ٥١٦

٦ ـ في الصلة بين الزيدية والمعتزلة ......................................... ٥١٨

٧ ـ عصارة من رسالة أحد المعاصرين الزيديين .............................. ٥١٩

٨ ـ في طبقات رجال المذهب الزيدي ...................................... ٥٢٤

فهارس الكتاب............................٥٢٩

فهرس مصادر الكتاب...................................................... ٥٣١

فهرس محتويات الكتاب..................................................... ٥٤٧






http://rafed.net/booklib/view.php?type=c_fbook&b_id=202&page=420
 

Aucun commentaire: