رضاعة النبي محمد (ص)
داود سلمان
الشويلي
الرضاعة " واجب
" مهم في بنية المجتمع العربي القديم خاصة ، والجاهلي على العموم .
وكانت الرضاعة، في
بنية ذلك المجتمع الذي كانت فيه العائلة الكبيرة تبحث عن مرضعة لابنها من خارج بنية
المجتمع المديني ، ليتجاوز الى مجتمع الصحراء ، ذات اللغة العربية الام ، والعادات
والتقاليد الاصيلة ، والفروسية المقدامة ،
وان هذه العادات وتلك التقاليد ، هي الاساس في بناء انسان عربي اصيل .
وقد لعبت الرضاعة دور
كبير في حياة النبي محمد ، فقد ولد لاب متوفي ، كما تذكر سيرة ابن هشام ،وقد كفل
جده لابيه حياة امه بعد وفاة الزوج ، وكذلك ما كانت تحمله في بطنها ، وعندما ولدت
، وكان المولود ذكرا ، راح الجد يبحث عن مرضعة له تاخذه الى قومها لترضعه في بيئتها ، فوجد في حليمة السعدية ، ضالته ،
فحملته الى تلك البيئة.
تذكر السيرة النبوية
لابن هشام : (( قال ابن إسحاق : فلما
وضعته أمه صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى جده عبد المطلب : إنه قد ولد لك غلام ،
فأته فانظر إليه ، فأتاه فنظر إليه ، وحدثته بما رأت حين حملت به ، وما قيل لها
فيه ، وما أمرت به أن تسميه فيزعمون أن عبد المطلب أخذه ، فدخل به الكعبة فقام
يدعو الله ، ويشكر له ما أعطاه ، ثم خرج به إلى أمه ، فدفعه إليها ، والتمس لرسول
الله صلى الله عليه وسلم الرضعاء )). (1)
(( قال ابن إسحاق : وحدثني جهم بن أبي جهم مولى
الحارث بن حاطب الجمحي عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، أو عمن حدثه عنه ، قال :
كانت حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية أم رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أرضعته ،
تحدث : أنها خرجت من بلدها مع زوجها وابن لها صغير ترضعه ، في نسوة من بنى سعد بن
بكر ، تلتمس الرضعاء ، قالت : وذلك في سنة شهباء ، لم تبق لنا شيئا .)). (2)
وفي تاريخ اليعقوبي ،
وهو شيعي ، جاء عن مولد النبي ورضاعته :
(( وتوفي عبد الله بن
عبد المطلب أبو رسول الله على ما روى جعفر بن محمد بعد شهرين من مولده . وقال
بعضهم إنه توفي قبل أن يولد ، وهذا قول غير صحيح لان الاجماع على أنه توفي بعد
مولده . وقال آخرون بعد سنة من مولده ، وكانت وفاة عبد الله بالمدينة عند أخوال
أبيه بني النجار في دار تعرف بدار النابغة ، وكانت سنه يوم توفي خمسا وعشرين سنة .
واسترضع في بني سعد بن بكر بن هوازن . وكان عبد المطلب دفعه إلى الحارث بن عبد
العزى بن رفاعة السعدي زوج حليمة بنت أبي ذؤيب السعدي ، فلم يزل مقيما في بني سعد يرون
به البركة في أنفسهم وأموالهم حتى كان من شأنه في الذي أتاه في صورة رجل ، فشق عن
بطنه وغسل جوفه ، ما كان . فخافوا عليه وردوه إلى جده عبد المطلب وله خمس سنين ،
وقيل أربع سنين ، وهو في خلق ابن عشر وقوته . وتوفيت أمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف
بن زهرة بعد ما أتى عليه ست سنين وثلاثة أشهر ، ولها ثلاثون سنة . وكانت وفاتها
بموضع يقال له الأبواء بين مكة والمدينة . وكان عبد المطلب جد رسول الله يكفله ،
وعبد المطلب يومئذ سيد قريش غير مدافع ، قد أعطاه الله من الشرف ما لم يعط أحدا ،
وسقاه زمزم وذا الهرم ، وحكمته قريش في أموالها ، وأطعم في المحل حتى أطعم الطير
والوحوش في الجبال (...) ورفض عبادة الأصنام ووحد الله ، عز وجل ، ووفى بالنذر وسن
سننا نزل القرآن بأكثرها ، وجاءت السنة من رسول الله بها)).(3)
فكان هناك الجد ،
وكانت هناك الام ، وكان هناك الطفل ، وكانت هناك المرضعة ، عندها اكتمل مربع
الرضاعة .
الا ان الكليني في
كتابه الكافي – وهو اصح كتاب حديثي عند الشيعة الامامية – يذكر ان مربع الرضاعة
ذاك يبدأ بعم النبي " ابو طالب " فيقول الحديث :
(( 27 -
محمد بن يحيى ، عن سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن محمد الثقفي ، عن علي بن
المعلى ، عن أخيه محمد ، عن درست بن أبي منصور ، عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير ،
عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لما ولد النبي صلى الله عليه وآله مكث أياما
ليس له لبن ، فألقاه أبو طالب على ثدي نفسه ، فأنزل الله فيه لبنا فرضع منه أياما
حتى وقع أبو طالب على حليمة السعدية فدفعه إليها .)). (4)
سنتجاوز كل ما من
شأنه جعل الرضاعة فعل انثوي ، ونتجاوز ما جاء في الحديث من (فأنزل الله فيه لبنا فرضع
منه اياما) ، فنقول:
ان الحديث اعلاه بروى
نقلا عن ابي بصير ، وابو بصير هو : ((يحيى بن أبي القاسم ، أبو بصير ، الأسدي ،
وقيل : أبو محمد ، الحذاء . سئل علي بن الحسن بن فضال : عن أبي بصير هذا ، هل كان
متهما بالغلو ؟ فقال " أما الغلو فلا
، ولكن كان مخلطا " . واسم أبي القاسم : اسحاق )) . (5)
ثم ينقله عنه " علي
بن ابي حمزة البطائني " ، وهذا البطائني هو : ((من مؤسسي المذهب الواقفي وهو من الكلاب الممطورة على قول علماء
الشيعة ، الملعون الخبيث الخائن ، كان قيّماً لأمور سيدنا موسى بن جعفر ووكيله
واختلس أموال الإمام التي كانت مودعة لديه مع عثمان بن عيسى ، وزياد بن مروان
القندي وهؤلاء الثلاثة كلهم صاروا خونة من بعده ، إذ أنه عندما توفي سيدنا الكاظم
رضي الله عنه في السجن ، أكلوا الأموال التي كانت لديهم وتصرفوا بالجواري الموجودة
عندهم ، وادعوا أن موسى بن جعفر لم يمت بل غاب وسيظهر في آخر الزمان . وهؤلاء هم
الذين أوجدوا المذهب الواقفي والسبعي ( من الأئمة السبعة ) وقد لعنهم سيدنا الرضا
فلو كان سيدنا الكاظم يعلم الغيب لما وثق بهم وجعلهم قيمين على أمواله وأموره))
.
و (( علي بن أبي حمزة ، واسم أبي حمزة سالم البطائني ، أبو الحسن ،
مولى الأنصار ، كوفي ، وكان قائد أبي بصير يحيى بن القاسم ، وله أخ يسمى جعفر بن
أبي حمزة ، روى عن أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) وعن أبي عبد الله ( عليه السلام
) ، وهو أحد عمد الواقفة . قال الشيخ الطوسي رحمه الله في عدة مواضع : انه واقفي .
وقال أبو الحسن علي بن الحسن بن فضال : علي بن أبي حمزة كذاب واقفي ، متهم ملعون ، وقد رويت عنه أحاديث
كثيرة ، وكتبت عنه تفسير القرآن كله من أوله إلى آخره الا اني لا أستحل ان أروي
عنه حديثا واحدا. وقال ابن الغضائري : علي بن أبي حمزة لعنه الله أصل الوقف ، وأشد
الخلق عداوة للولي من بعد أبي إبراهيم ( عليه السلام ) .)). (6)
ثم
ينقله عنه " درست بن أبي منصور " ،
ودرست هذا هو : ((- درست بن منصور الواسطي، الضال ،ضعيف، واقفي المذهب
، ومن الكلاب الممطورة)).(7)
ثم ينقله عنه
غيره حتى يصل الى مسامع الكليني.
مثل اؤلئك الرجال من ناقلي الحديث غبر مؤهلين لنقل الحديث الى
المؤمنين من الشيعة الامامية للاسباب التي ذكرناها سابقا.
***
يذكر الكليني الحديث
التالي:
(( 1 - علي بن
إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي نجران ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله (
عليه السلام ) قال : سمعته يقول : يحرم من الرضاع ما يحرم من القرابة )). (8 )
والحديث :
((4 - الحسين بن محمد
، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن أبان بن عثمان ، عمن حدثه ، عن أبي عبد
الله ( عليه السلام ) قال : قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : عرضت على رسول
الله ( صلى الله عليه وآله ) ابنة حمزة فقال : أما علمت أنها ابنة أخي من الرضاع ؟
)).(9)
والحديث:
(( 2 - محمد بن يحيى
، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن علي بن يعقوب ، عن محمد بن مسلم ، عن عبيد
بن زرارة ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : سألته عن الرضاع ما أدنى ما
يحرم منه قال : ما أنبت اللحم أو الدم ثم قال : ترى واحدة تنبته ، فقلت : أسألك
أصلحك الله [ اثنتان ] ؟ قال : لا ، فلم أزل أعد عليه حتى بلغت عشر رضعات )) . (10)
هذه الاحاديث الثلاثة
تؤكد:
- ان ما يحرم من
النسب يحرم من الرضاعة.
- ان النبي محمد لم
يتزوج من ابنة عمه الحمزة ، وذلك لان الحمزة اخ للنبي يالرضاعة.
- ان عشر رضعات تكفي
للتحريم.
وهذا يعني ان الحديث
عن رضاعة النبي – لو صحت – على ثدي عمه " ابو طالب" في تلك الفترة التي
طالت بين بحث اهل النبي عن المرضعة ، وبين ارضاع عمه له ، كانت من الرضاعة المشبعة
التي انبتت اللحم ، وهي اكثر من عشر رضعات مشبعات.
وبهذا ، تكون هذه
الرضاعة قد آخت بين النبي محمد والامام علي بن ابي طالب ، وعندها يحرم الزواج ، أي
زواج علي من فاطمة ابنة النبي .
***
خلاصة القول ، ان
الحديث اعلاه ، لا كما يقول بعض رجال الدين الشيعة ، في ان الكافي كتاب لا ياتيه
الباطل من بين يديه ولا من خلفه ومن امامه ، يؤكد بما لا يقبل الشك انه حديث غير
صحيح ، ليس برجال سنده فحسب ، بل بما تضمنه متنه من خروج عن المعقول ، وخروج عن
الواقع.
***
الهوامش:
1 - السيرة النبوية -
ابن هشام الحميري - ج 1 - ص 104.
2 – المصدر السابق –
1 – ص 105 .
3 - تاريخ اليعقوبي -
اليعقوبي - ج 2 - ص 10.
4- الكافي - الشيخ
الكليني - ج 1 - ص 448.
يقول عنه مقدم كتاب
المجلسي " بحار الانوار " ج15 ص
340: ((الحديث لا يخلو من غرابة ، وفي اسناده جماعة لا يحتج بحديثهم.
5 – راجع كتاب الكافي بين يدي القرآن الكريم ونهج
البلاغة والعقل.
6 - خلاصة
الأقوال - ص 362 .
وفي هامش المعلق على الكتاب
ومصححه اكبر على الغفاري يقول في هامش ص 448 ان علي هذا : ((كذاب متهم ملعون روى الكشي في ذمه اخبارا
كثيره )).
7 - خلاصة
الأقوال - ص 345 .
8 - الكافي - الشيخ الكليني - ج 5 - ص 437 .
9 - المصدر السابق –
ج5 – ص437 .
10 – المصدر السابق –
ج5 – ص438 .
الاحد، 03
حزيران، 2012
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire