الرئيسية / الصفحة الحرة / رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه – مصطفى فهمي
جميع الآراء الواردة في هذا الموضوع تعبر عن رأي كاتبها، وليس بالضرورة أن تكون متوافقة مع آراء الدكتور محمد شحرور وأفكاره
دعوة للتفكر
رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه
(بحث فى الاجتناب)
مصطفى فهمي
إن اللاحق في هذا البحث هو دعوة
للتفكير والتفكر والعقل والتدبر لما هو وارد إلينا ومشهور لدينا بالنقل
سواء كنا من العامة أو من الخاصة من فقه وتفسير وأثر – وهو بالضرورة ليس كل
ما قيل – نأخذه مأخذ المسلمات ونقدسه ونلحقه بالشارع سبحانه وتعالى ونجزم
ونروع الناس أن هذا مراده.
تم اختياري لموضوع مشهور في العقيدة والفقه قد يكون صادما لأغلب الناس وذلك عن عمد، ليكون مثالا لعموم الحال وليس لخصوص الموضوع.
ونستشهد لهذه الدعوة بالآيات التالية بوجوب إعمال العقل وعدم القصر على النقل غير العاقل والتشبث به.
{وَإِذَا
قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا
أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ
شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ (170) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ
الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ
عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (171) البقرة}
{إِنَّهُمْ
أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ
(70) وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأوَّلِينَ (71) الصافات}
تمهيد عمومي
إن استعمال لله في قرآنه كلمات
وألفاظ مختلفة المعاني تدور في دائرة معينة تتسع وتضيق كالتحريم والنهي
والاجتناب والبعد وعدم القرب وذلك من مقام المنع إلى مقام التحذير –
للأعمال وللأفعال التي إن تمت وإن وقعت وإن تحققت تكون إثما – يجب علينا
استقبالها وفهمها حسب دلالاتها، فإذا التفتنا عن دلالاتها المختلفة أو
أجملنا في معناها أو سوينا بين البعض منها عن جهل أو تقية للمؤمنين، كان
هذا اعتراف منا بعدم ضرورة اختلاف مقصدها وبالتالي انتفاء غرض تنوعها في
سياق الذكر الإلهي.
المنهج
النصوص القرآنية صالحة لكل مكان
وزمان بالضرورة لا يوجد في القرآن آيات ناسخة وآيات منسوخة وبالتالي لا
توجد أحكام ناسخة وأحكام منسوخة، أو أحكام نسخت ورفعت من النص القرآني وبقي
حكمها!، وأحكام بقي نصها وعُطل حكمها! وما إلى ذلك من عقائد وأقوال روجها
فقه السابقون ويرددها التابعون، فمن استدرجوا بأن هذا هو نهاية الفهم ولا
بعده من فهم، كانوا أسرى التطبيق في واقعهم الزمني والمكاني فقط وغاب عنهم
حقيقة حتمية دوام كلمات الله وأحكامه وضرورة دوام صلاحيتها لكل مكان وزمان،
فإن المراد الإلهي من الأحكام لا يتغير ولا يتناقض، فلا يكفي فهمنا القاصر
للإقرار بأن هناك حكم إلهي ينقض حكم آخر أو يطوره أو يدرّجه، فإن كل حكم
إلهي بالضرورة صالح بذاته على كفاية المراد منه
مقدمة
للوصول إلى مبتغى البحث، يجب
علينا فحصه من كل جوانبه، وكذلك بحث كل ما يتعلق ويرتبط به من قريب ومن
بعيد، وهنا نحاول فهم معنى الاجتناب – للعمل به بحقه – وهل المقصود به هنا
هو التحريم، وإذا كان كذلك فلماذا استعمل الله أمر الاجتناب؟، أم أن العقل
والمنطق يحثنا على فهم ضرورة كون أن له معنى مغاير ويناسب الغرض منه!، –
وهو ما نرى ونعتقد – في ضوء خصوصية معاني مفردات اللغة العربية عند
استعمالها (عدم الترادف)، فما بال استعمالها من لدن العلي العليم.
و نحاول فيما يلي وحسب قدرتنا
المتواضعة أن نستوضح تلك المنظومة التي تبدو مركبة معقدة وهي في الحقيقة
واضحة وبسيطة، لمن يستعين بالعقل في فهم رسالة الله الموجهة لنا من خلال
آيات القرآن وبالمنطق البسيط المنضبط من خلال العقل الممنوح المتاح لنا من
الخالق، وقد أقتضى الأمر الدخول في فروع وتحقيق معاني كلمات نراها هامة
لاستيفاء أركانها وللإجابة على ما قد يثار في ذهن المتلقي خلال رحلته
القليلة معنا والتي نأمل أن تحفز لدية الكثير وتجعله من العاملين بالعقل
وليس من أهل النقل أو أسير تراث وهذا هو مرادنا ولا نشاء غيره ولا نملك أن
ندعي أن هذا هو نهاية الفهم أو القول.
وعلى كل قارئ أن يصل بنفسه لقناعة تعينه في فهم الرسالة الإلهية وتساعده في حركته في الحياة التي هي معبر لحياة أخرى، والله المستعان
في محاولة لفهم (الأمر) و(الآمر) و(المأمور)
إن الأمر يكون أمر بفعل أو أمر
بنهي عن فعل وقد يوضح الآمر المراد من الأمر أو سببه وقد لا يوضح مراده وفي
الحالين يقوم المأمور بتفقد منطقية الأمر وهنا ينشأ إما تأييد للأمر أو
مقاومة له بصرف النظر عن وجوب تنفيذه.
إن منطقية ووجوب تنفيذ المأمور للأمر من عدمه يحكمه علاقة ذات اتجاهين
الاتجاه الأول وهو علاقة الأمر بالمأمور ومدى سلطانه وقدرته على المأمور ومنطقية الأمر ومراده، في المكان والزمان الآني.
الاتجاه الثاني هو علاقة المأمور بالآمر ومدى خضوعه للآمر وقناعته به واقتناعه بمنطقية الأمر ومراده، في المكان والزمان الآني.
أما الأوامر والنواهي من الله
للعابد المؤمن به فتحكمها علاقة ذات طبيعة خاصة، تبتدئ بقناعة وإيمان
واعتراف المأمور بألوهية الآمر وسلطانه وقدرته ومطلق منطقية مراده – حتى
ولو لم يتوصل المأمور لتلك المنطقية – وبالتالي وجوب تنفيذ أوامره بلا
مزايدة أو انتقاص.
ومن ذات هذه الطبيعة الخاصة
لتلك العلاقة (إيمان واعتراف المأمور (الإنسان) بألوهية الآمر (الله)
وسلطانه وقدرته ومطلق منطقية مراده) فقد يفصح الله عن المراد من الأمر أو
سببه وقد لا يفصح عن مراده أو سببه ويترك لنا حسب مكاننا وزماننا وعلمنا
فهم المراد من الأمر وفي كل الأحوال إما أن يوضح لنا طريقة وشكل تنفيذه
بالتفصيل فيكون ذلك علامة لنا بأن تلك الطريقة أو ذلك الشكل صالح وممكن
تنفيذه في كل مكان وزمان ولكل إنسان أو يوضح لنا الشكل والطريقة بكلية أو
لا يوضحها إطلاقا فيكون ذلك علامة لنا وسماح بتنفيذها بالطريقة التي تناسب
المكان والزمان والإنسان، بشرط بذل الجهد والعقل للتأكد من فهم المراد
الإلهي لتنفيذه
هل يعقل تحريم عين الوسيلة؟ أم المعقول هو اجتناب الإثم المحتمل من استعمالها؟
إن كل خلق الله – مع الأخذ في
الاعتبار ذاتية كل مخلوق من الخلق ووظيفته وصفاته في الكون – وكل ما اخترع
وخَلقْ الإنسان من خلق الله، هم كلهم وسائل، وكل تلك الوسائل بالضرورة تكون
صالحة لأن تنتج أثر نفع أو أثر ضرر، وبحسب استعمالها ينتج الأثر ويتصف
بصفة النافع أو الضار، وعلينا عند استعمالها تجنب الوقوع في الحيز المحظور
فيها الذي ينتج الأثر الضار منها وخصوصا إن كان الله نبهنا لذلك.
ونستعين هنا بموضوع مثالي لما
نبحثه، وقع معظم من بحثه في فخ الأخذ بالأحوط أو القياس أو تعميم الضرر،
فخلطوا بين أمر الاجتناب والتحريم.
بل وخلطوا أيضا بين استعمال
الوسيلة والأثر الناتج عن استعمالها، فنتج عن ذلك تحريم استعمال الوسيلة
(ونأخذ هنا مثال عين الخمر) ونسوا أو تناسوا أن ذلك يجرنا ويجرهم إلى تحريم
استعمال أي عين وسيلة لها أثر نافع وضار، وما من عين وسيلة إلا كذلك.
{يَسْأَلُونَكَ
عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ
لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا …(219) البقرة}
{يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ
وَالأنْصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ
بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ
وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ
مُنْتَهُونَ (91) المائدة}
وصّف الآمر (الله) للمأمور
(المؤمن به المتبع رسالته) أن (الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) من الوسائل التي
باستعمالها تنتج أفعال وأعمال عواقبها عظيمة التأثيم ومحرمة وأيضا لها
استعمالات وآثار نافعة في ذات الوقت، ونبه الله أن حيز استحضار المحرم من
الإثم باستعمالها، أعظم من حيز استجلاب الفائدة، أو نبه الله أن في
استعمالها ينتج إثم عظيم إلا بضبط هذا الاستعمال تكون الفائدة مع ترجيح
حصول الأثر المؤثم (فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ
وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا).
ثم عاد الله وضم إليهما
(الأنْصَابُ وَالأزْلامُ) ووصفهم كلهم بأنهم أدوات ووسائل للشيطان ينتج عن
استعمالها – في الحيز المحظور منها – رجس (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ
الشَّيْطَانِ) وأمر المؤمنين باجتناب عمل الشيطان (فَاجْتَنِبُوهُ) حتى
يسلموا من الوقوع في الإثم (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ثم نبه الله المؤمنين
تخصيصا (فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) أن الشيطان يتحين فرصة انفلات
استعمال المؤمنين لهما بغرض استجلاب نفعهما فيكون الوقوع في الحيز المحظور
(إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ) ويكون المؤمن في حالة يحرض عليها الشيطان
من ذهاب العقل بتأثير مادة الخمر أو بتأثير غضب الخسارة في الميسر،
والانغماس فيها يقطع صلة المؤمن بالله فيكون مؤهلا لارتكاب الإثم (أَنْ
يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ
وَالْمَيْسِر وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ) ثم يزيد
الله في التشديد على مراده في شكل سؤال بالنهي عن أتباع عمل الشيطان الذي
يؤدي إلى الوقوع في الإثم (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)
فهل مراد الله هنا تحريم
التعامل واستعمال أو اجتناب استعمال (الوسيلة)، أم مراده اجتناب أعمال
الشيطان بالتحوط والحذر من الوقوع في الحيز المحظور عند استعمال الوسيلة أو
عند انفلات استعمالها فتؤدي إلى الوقوع في الإثم؟.
والإجابة على ذلك تخضع لفهم المأمور المؤمن لمراد الله الآمر:
الفهم الأول هو أن الاجتناب هنا
اجتناب المؤمن للوسيلة أو للوسائل التي يصفها الآمر (فيهما إثم كبير
ومنافع للناس وإثمهما اكبر من نفعهما) ، فإنه يتعين عليه الاستجابة للآمر
وأن يتجنب كل الوسائل التي يحتمل أن يؤدي استعمالها إلى إثم ومنافع خشية
الوقوع في الإثم – وما من وسيلة إلا فيها إثم ومنافع للناس – وبالتالي يحرم
من استعمال كل الوسائل ومنافع تلك الوسائل!.
الفهم الثاني هو أن الاجتناب هو
اجتناب المؤمن لأعمال الشيطان المتربص في الحيز المحظور عند الانفلات في
استعمال الوسيلة الذي يؤدي إلى ظهور وتحقق إثم الوسيلة، فهذا أوقع، لأنه لا
يحرمنا من الاستفادة من منافع الوسيلة أو الوسائل وما من وسيلة إلا فيها
إثم ومنافع للناس
مثال للوسائل التي فيها إثم ومنافع حسب استعمالها:
1- وسائل الانتقال وما شابه: تيسر النقل والانتقال وقد تقتل إذا انفلت قيادها وعوادمها تصيب بالمرض
2- وسائل الترفيه من تلفزيون
وسينما ومسرح وما شابه: تروح عن النفس وتنمي الفكر وتحض على ذكر الله وقد
تضيع الوقت وتشجع على ارتكاب الإثم بأنواعه وتحض عن ذكر الله
3- الأسلحة وما شابه: يدافع بها عن الأرض والعرض وقد تستعمل بغرض القتل والبغي بدون حق
4- الغضب: المثير منه للنخوة بالنهي عن المنكر بالحسنى لإقامة المعوج والمدمر منه العنيف المروع الذي يأكل الأخضر واليابس
والأمثلة كثيرة ولا تحصى
في معنى الرجس
الرجس في اللغة هو صفة خبث وقذر
ونجس وقبح، وكذلك الرجس هو كل عمل أو فعل ينتج خبث أو قذر أو نجس أو قبح
بالمفهوم والمعلوم الإنساني لمراد الله ومن القرآن نفهم
يوصف بالرجس كل عمل أو فعل إن جاء من عمل الشيطان {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ
وَالأنْصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) المائدة}
و كذلك يكون كفر الإنسان بالله رجسا ووصفا لكفره {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125) التوبة}
أما إن جاء من الله فيكون صورة من صور العقاب الإلهي للذين لا يؤمنون بألوهيته {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (100) يونس}
في المعنى والمقصود من الاجتناب
الاجتناب في اللغة هو أمر بإعطاء الجنب وإعطاء الجنب يدل على ملازمة الجنب لمحل الاجتناب حتى بعد اجتنابه.
فإن كان بعيدا عنه صح فيه أمر عدم الاقتراب وإن كان يمكن الابتعاد عنه لكان الأمر فيه بالابتعاد أصح
وبذلك لا يعقل ولا يصح أن يكون
محل الاجتناب بعيدا أو يمكن البعد عنه أو إمكان عدمه أو محوه من الوجود لأن
الأمر بتجنبه في هذا الحال يكون بلا معنى لأنه إذا أبتعد عنه أو أعدمه لا
يكون بجانبه
وعليه فلإعطاء الجنب، يجب أن
يكون المراد اجتنابه ملاصق للمأمور وحاضر معه أو ملازم طريقه ومرابط فيه أو
عليه، وإن كان غير ذلك لا ينطبق عليه ولا يصح أمر الاجتناب فيه
وتحضرنا كل الآيات التي بها أمر الاجتناب في القرآن لتؤيد هذا المعنى (ستة مرات في خمس آيات)
{يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ
وَالأنْصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) المائدة}
{وَلَقَدْ
بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ
وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ
حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ
كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) النحل}
{ذَلِكَ
وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ
وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأنْعَامُ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا
الرِّجْسَ مِنَ الأوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) الحج}
{وَالَّذِينَ
اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ
لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِي (17) الزمر}
{يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ
بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا
أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا
فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)
الحجرات}
وتنبئنا الآيات أن القاسم الأول المشترك فيما طُلب منا اجتنابه
1- الطاغوت من طغى وهو صفة ورمز
إلى ما يعبد من دون الله (وهو الجانب المحظور) من استعمال المال والنفوذ
والسلطان وما في حكمهم باعتبارهم هم مصدر القوة والفعل من دون الله
2- وقول الزور وهو الكذب والافتراء وقول كل باطل (وهو الجانب المحظور) من عموم القول
3- أما الرجس فهو صفة فعل كل
نجس قذر باطل وهو بذلك يجمع ويشمل كل ما سبق وما يماثله (أي هو يمثل الجانب
المحظور من استعمال الوسائل) والأوثان هي كل ما يعبد من دون الله
4- أما الظن فهو عدم أخذ الأمور
على عللتها بدعوى تحري الحقيقة، فإذا كثر الظن بين الناس وأصبح هو أساس
التعامل، فإن ذلك يضع الآخرين موضع الاتهام بلا جريرة (وهو أيضا الجانب
المحظور عند تحري الحقيقة).
وكلهم من عمل الشيطان وكل عمل الشيطان وأتباعه رجس وكل الرجس (إن تم ووقع وأتى أثره) هو إثم، والإثم محرم من الله
ولا يخفى عن أي عاقل أن القاسم
الثاني المشترك فيهم هو أنها ظواهر وأدوات ووسائل شائعة محيطة وملازمة لنا
وحاضرة معنا ولا يمكن إقصائها عنا ولا يمكن عدمها أو محوها من الوجود
وحيزها المحظور في جنبنا ما دام الشيطان موجوداً وهي أيضاً جامعة لكل
الأفعال والأعمال المؤثمة، فلا يكون لدينا إلا الجهاد في إعطاء الجنب منها،
لاستمرارها في جنبنا، باستمرار مزينها في جنبنا وفي تزينها لنا وهو
الشيطان، وباستمرار وجود الشيطان في جنبنا يكون استمرار وجود الرجس في
جنبنا واستمرار احتمال حصول ووقوع الإثم
وعليه يكون المقصود هو اجتناب
إتباع عمل الشيطان الذي هو رجس وبالضرورة إثم (إن تم ووقع وأتى أثره)، ولأن
الشيطان مرابط لنا ولا يمكن تنحيته عن جنبنا أو عدمه من الوجود لأن الله
سمح له أن يكون بين أيدينا ومن خلفنا ومن أيماننا وشمائلنا وكلما اتخذنا
منه الجنب مازال في جنبنا وزاد علينا، وكذلك يكون الشيطان مرابط في الجانب
الضار في الوسيلة حين استعمالها وحيث أن أفعال الشيطان (الرجس) ملاصقة
لذاته ولا تنفصل عنه، فباجتناب كل أفعاله التي هي رجس يؤدي إلى أثم، يكون
بذلك الأمر باجتناب الشيطان وأفعاله التي هي رجس لدوام وجوده برجسه في
جنبنا
{قَالَ
أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ
الْمُنْظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ
صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ
أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ
وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) الأعراف}
في موضوع الخمر والميسر وما شابه من وسائل
و نأتي هنا بموضوع الخمر حيث
أنه موضوع مثالي لخلط مفهوم الاجتناب بالتحريم وذلك تأثرا – بوعي أو بدون
وعي – سواء بالتراث المنقول أو بالمنطق العام الذي يتبناه الأغلبية ونجمل
هنا الآيات التي تلم الموضوع ونحاول فهمها
{يَسْأَلُونَكَ
عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ
لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا
يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ
لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)البقرة}
إن الله يخبرنا أن الخمر
والميسر باستعمالهم كوسائل تقود الناس إلى الوقوع في أفعال وأعمال توصف
بالإثم الكبير (الإثم في القرآن هو صفة لفعل أو عمل محرم أو مُجَرّم من
قِبل الله وهو بالضرورة يسبب الضرر ويستوجب عقاب الله، والإثم لا يتحقق إلا
بوقوع الضرر) وكذلك يخبرنا الله أيضا أن الخمر والميسر باستعمالهم كوسائل
تعود عليهم بالمنفعة (المنفعة عكس الضرر وإذا ذكرت من عند الله فهي منفعة
أحلها الله) وأخبرنا أيضاً أن الضرر المؤثم من استعمالهما أكبر من منافعه،
وهذا يقودنا إلى استنتاجين
أولهما أن استعمال تلك الوسيلة
يحتمل مخاطرة الوقوع في الضرر المؤثم المحرم أكبر من احتمال تأمين جلب
النفع المحلل، ويكون توقع النتيجة غير معلوم ولكنه مرجح دائما بوقوع الضرر
المحرم.
وثانيهما أن هناك مساحة تتيح
الاستعمال النافع المحلل ومساحه أخرى أكبر يكون الضرر المؤثم المحرم فيها
محتوم وعلى الناس مسئولية مراقبة وتحري منطقة الاستعمال النافع المحلل وعدم
الدخول في منطقة الاستعمال الآثم الذي يؤدي إلى وقوع الضرر المحرم.
ونحن نرى إذا كان الاستنتاج
الأول هو المحتمل ما كان الله ذكر وأقر منافعها، وكان حرمها صراحة كمثل
تحريم أكل الميتة ولحم الخنزير أو على الأقل كان حذر من الاقتراب منها
أما الاستنتاج الثاني فهو
الأرجح حيث أن علينا تحري استعمال منافعها (في الحيز النافع فيها) واجتناب
ضررها (في الحيز الضار فيه) الذي يوقع في الإثم وإلا ما كان هناك سبب
لإقرار وإظهار منافعها
{يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ
وَالأنْصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ
بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ
وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ
مُنْتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا
فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ
الْمُبِينُ (92) لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا
وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93) المائدة}
أن من ضمن الوسائل التي إذا
أستعملها المؤمنين ويمكن أن توقع بهم في عمل مؤثم لأنها تساعد في إضعاف
عزيمة اجتناب الرجس وتزيد في تزيين وسوسة الشيطان، هما الخمر ولعب الميسر،
وما شابه من وسائل التي قد تؤدي إلى العداوة والبغضاء بين الناس والصد عن
ذكر الله وعن الصلاة.
أن تلك الوسائل – الخمر والميسر
وما شابه من وسائل والتي فيها إثم ومنافع، (إِنَّمَا يُرِيدُ
الشَّيْطَانُ) – وهو نقيض لما يريد الله – أن يسوق المؤمنين باستعمال تلك
الوسائل إلى فعل أفعال وأعمال ظاهرة أو باطنه محرمة ومؤثمة من الله إن تمت
ووقعت وتحققت فقط يكون لها عقوبات سواء في الدنيا أو عقوبات مؤجلة للآخرة
(مثال القتل والضرب والسب والسرقة ورمي المحصنات والغيبة وكل ما يدخل في
طائفة الرجس) وهذه الأفعال والأعمال الموصوفة بالرجس، مؤثمة ومحرمة من الله
لأنها تؤدي إلى العداوة والبغضاء بين الناس أي تؤدي إلى فساد الأرض .
إن الله حذر المؤمنين عند
التعامل بالوسائل باجتناب الوقوع في أعمال وأفعال من عمل الشيطان وصفها
بالرجس ولم يحرم الوسيلة حيث تحريم الوسيلة يحرم المؤمنين من منافعها، فإن
كان الاجتناب هو التحريم أو أشد.
فماذا نفعل بالآية التي تقول {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ….. (12) الحجرات}
هل نحرم وسيلة الظن اللازمة للمعرفة كي لا نقع في قليل من سوء الظن
المؤثم؟، أم المراد هو اجتناب الكثير منه وليس كله، تحسبا لعدم الوقوع في
المساحة التي يكون فيها للظن تبعات سوء مؤثم؟
ويعود الله ويذكرنا استكمالا
للآية بأن الأصل في الطعام والشراب وطرق إطعامه هو الإباحة، طالما كان
الاستعمال مراقبا بالتقوى، فما ينتج من حرام من استعمال مباح لا يكون إلا
في غياب التقوى {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا
اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا
ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93)
المائدة}
في الإثم وما شابهه ويؤدي إليه
حرم الله تلك الأعمال ووصفها وحددها وسماها
{قُلْ
إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ
وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا
لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا
تَعْلَمُونَ (33) الأعراف}
{وَذَرُوا
ظَاهِرَ الاِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الاثْمَ
سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120) الأنعام}
والرسالة هنا من الله بأن
الفواحش والإثم والبغي والشرك بالله وتحوير مراده هي صفات لأعمال وأفعال
حرمها الله، لأن لتفعيل تلك الصفات آثارا تؤدي إلى فساد في الأرض، أما
التجريم والعقوبة فيكون للأعمال وللأفعال التي تتصف بتلك الصفات إن تمت وإن
وقعت وإن تحققت
في السكر
{يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى
حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ
حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ
أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ
تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ
وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43 ) النساء}
وقناعتنا هنا إن مراد الله ليس
النهي أو اجتناب الخمر أو التدرج في تحريمها كما يروج لهذه الآية
بالاستدلال بها مبتورة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا
الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى) إنما مراد الله هو تعليم المؤمن إن من أول
أسس وآداب الاتصال بالله والتحضير له كان بالتأكيد على أن من يريد أن يقيم
الصلة بالله أن يقيمها بعقل واعي لما يقول وليس مغيب من سكر خمر أو غضب أو
غيظ أو فرح يغيب عقله، أو سكر أي حال يكون العقل من أثره مغيب ناقص الوعي
والدليل على مراد الله هنا (حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ)
ونزيد على ذلك ونتوسع ونقول أن
مراد الله على المؤمنين هو دوام إقامة الصلاة أي دوام استقامة الصلة بالله
(فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ
عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) فأن اتفقت رغبة المؤمن في مكانه
وزمانه مع مراد الله الأزلي بأن تكون صلة المؤمن بالله منهاجا له ومقامة
دائما على صراط الله – (كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا)
أي فرضها الله من الأزل إلى الأبد منهاجا للمؤمنين، وموقوتا على وزن
مفعولا أي مؤكد دوام واستمرار الصلة في أي مكان وفي كل زمان (مَوْقُوتًا)
حيث الوقت هو إشارة إلى مكان وزمان مجتمعين- وحيث أن الشرط الأساسي لإقامة
الصلة هو وعي العقل فباجتماع العقل المؤمن الواعي بتقوى الله ودوام الصلة
به وعلى صراطه يكون صلاح الكون للناس واتقاء فساده عليهم (وَأَقِمِ
الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر) وهذا
في رأينا هو مراد الله.
وفي رأينا أيضا إن السكر هو
حالة من حالات تغييب أو تعطيل الوظيفة لعضو في الإنسان (العقل)، تنتج عن
مؤثرات شتى وتؤثر فيه، وتكون ذات شواهد تفصح عن تلك الحالة أو تمثلها
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ … (43 ) النساء}
{وَلَوْ
فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ
(14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ
مَسْحُورُونَ (15) الحجر}
{قَالَ
هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (71) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ
لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ
مُشْرِقِينَ (73) الحجر}
{وَمِنْ
ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا
حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67) النحل}
{يَا
أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ
عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا
أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ
سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)
الحج}
{وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) ق}
في الفقه
إننا لا نستشهد لاحقا بما قاله
الفقهاء لاقتناعنا بما قالوا، بل نستشهد به لنبرز اختلافهم فيه بخلاف ما
يشيعه ما يسمون أنفسهم برجال الدين ويدعون إنه نهاية القول وأنه من المعلوم
من الدين بالضرورة وهو تحريم عين الخمر وشربها!! ونستشهد به أيضا لإزالة
ما هو مازال مترسبا في فكر الذين يحاولون التحرر من النقل عن السلف والأثر.
قالت فرقة فقهاء الحجاز
والجمهور من الصحابة والتابعين والأمصار وأهل الفتوى وبنو فقههم على الأثر
المشهور (كل مسكر خمر وكل خمر حرام) وخصوا الخمر فيما يشرب ويسكر ويغيب
العقل وذهبوا بتحريمها لذاتها ولهم في ذلك حججهم (يراجع – سيد سابق فقه
السنة).
وهذا مردود عليه لأن ما يسكر
ويغيب العقل أوسع من ذلك كما ذكرنا آنفاً، وعليه إذا طبقنا مذهبهم على كل
مسكر لحرم علينا الخمر والغضب الغيظ والفرح وكل حال الغلو فيه أو أقصاه
يسكر ويذهب بالعقل ويغيبه. (انتهى القصد)
و تقول فرقة فقهاء العراق
والكوفة وأكثر علماء البصرة وأبي حنيفة برأي مخالف بتحريم القليل والكثير
من خمر العنب، أما ما كان من غيرها فإنه يحرم الكثير المسكر منه أما القليل
فهو حلال لضعف الأثر الذي استند إليه أصحاب الفرقة الأولى، وأن المحرم هو
السكر نفسه وليس العين ولهم في ذلك حججهم (يراجع – سيد سابق فقه السنة).
وهذا القول أقرب إلى رأينا
ولكنه أيضا مردود عليه لما فيه من تناقض وتفرقه بين القليل من خمر العنب
والقليل من باقي الخمور طالما أن المحرم هو السكر نفسه وليس العين إلا إذا
جاءوا بدليل. (انتهى القصد)
من ذلك نستخلص ما يلي:
1- أن كل فعل يمكن أن يكون لله
أو يكون لغيره فإن كان لغيره فيكون للشيطان ويوصف ويسمى رجسا ويجب اجتنابه
ويكون مؤثماً إن تم ووقع وكان له أثر.
2- إن كانت عين الخمر (مادته)
هو المقصود بالاجتناب – ومادة الخمر هي وسيلة من ضمن الوسائل التي تخمر
العقل كما وضحنا – ومادته يحتمل استعمالها إنتاج أثر نفع وضرر كما قال
الله، فالأثر الضار منها هو المؤثم، ويكون أمر الاجتناب للأفعال والأعمال
التي تنتج أثرا مؤثم من استعمال عين مادتها وليس استعمال عينها بذاته ويكون
أمر الاجتناب للجانب المنتج للضرر عند استخدام الوسيلة.
هذا قولنا وفهمنا في زماننا ومكاننا وحسب علمنا ويجب أن يأتي من بعدنا من يفعل مثلنا.
والله أعلم
المراجع:
العقل
القرآن
القاموس المحيط
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire