dimanche 10 août 2014

العلاف عند المعتزلة


العلاف عند المعتزلة




الطبقة السادسة
أبو الهذيل محمد بن الهذيل( ) لعبدي، قال صاحب المصابيح: كان نسيج وحده وعالم دهره ولم يتقدّمه أحد من الموافقين له ولا من المخالفين، وكان يلقّب بالعلاف لأن داره بالبصرة كانت( ) في العلافين وهذا كما قيل أبو سلمة الخلال وأبو سعيد المقبُري كما مرّ( )، وحُكي عن يحيى بن بشر أن لأبي الهذيل ستين كتاباً في الرّد على المخالفين في دقيق الكلام وجليله، وأخذ العلم عن عثمان الطويل( ) وكان إبراهيم النظّام من أصحابه، ثم خرج إلى الحجّ وانصرف على طريق الكوفة فلقي بها هشام بن الحكم وجماعة من المخالفين فناظرهم في أبواب دقيق الكلام فقطعهم، ونظر في شيء من كتب الفلاسفة فلمّا ورد البصرة كان يرى أنه قد أورد من لطيف الكلام ما لم يسبق( ) علمه إلى أبي الهذيل، قال إبراهيم: فناظّرتُ( )
أبا الهذيل( ) في ذلك فخُيَلَ إليَّ أنه لم يكن متشاغلاً قطّ إلا به لتصرّفه فيه وحذقه في المناظرة فيه.








قال القاضي: ومناظراته مع المجوس والثنويّة وغيرهم طويلة ممدودة وكان يقطع( ) الخصم بأقّل( ) كلام، يقال أنه أسلم على يده زيادة على ثلاثة آلاف رجل ومن( ) محاسنها أنه أتاه رجل فقال له: أشكل علّي أشياء من القرآن فقصدت( )ُ هذا البلد فلم أجد عند أحد ممّن سألته شفاء لما أردته فلمّا عرجت في هذا الوقت قال لي قائل: أنّ بغيتك عند هذا الرجل، فأتّق الله وأفِدّني!
فقال أبو الهذيل: فماذا أشكل عليك؟ قال: آيات من القرآن توهمني أنها متناقضة وآيات توهمني أنها ملحونة، قال: فماذ أحبُّ إليك أجيبك( )بالجملة أو تسألني عن( ) آية آية؟ قال: بل تجيبني بالجملة، فقال أبو الهذيل: هل تعلم أن محمداً( ) صلى الله عليه وسلم كان من أوسط العرب وغير مطعون عليه، فقال: اللهم( ) نعم، قال أبو الهذيل: فهل تعلم أن العرب كانوا أهل جدل؟ قال: اللهم( ) نعم، قال: فهل اجتهدوا في تكذيبه؟ قال: اللهم نعم، قال: فهل تعلم أنهم عابوا عليه بالمناقضة أو باللحن؟ قال: اللهم لا، قال: قال أبو الهذيل:فَتَدَعُ قولهم مع علمهم باللغة وتأخذ بقول رجل من الأوساط؟ قال: فأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، قال: كفاني( ) هذا وانصرف وتفقّه في الدين.








قال المبّرد( ): ما( ) رأيت أفصح من أبي الهذيل والجاحظ وكان أبو الهذيل أحسنّ( ) مناظرة شهدتُه في مجلس وقد استشهد في جملة كلامه بثلاث مائة بيت قال ثمامة: وصفتُ( ) أبا( )الهذيل للمأمون فلما دخل عليه جعل المأمون يقول لي: يا أبا معن، وأبو الهذيل يقول لي: يا ثمامة فكدتُّ أتّقد غيظاً، فلما احتفل المجلس استشهد في عرض كلامه بسبع مائة بيت فقلت: أن شئتَ فكَنَني وأن شئت فسَمّيِني.







وحكى يحيى( ) بن بشر الأرجائي عن النظّام قال: ما أشفقت على أبي الهذيل قطّ في استشهاد( ) شعر إلا يومَ قال له الملّقب ببرغوث: أسألك عن مسئلة؟ فرفع أبو الهذيل نفسه عن مكالمته فقال برغوث (من الوافر)( ):-
وما بُقْيا علَّي تَرَكتماني ولكِنْ خِفتُما صَرْد( ) النِبال
ولم أعرف في نقيضه بيتاً يتمّثل به، فبرز أبو الهذيل وقال: لا بل كما قال الشاعر (من الطويل):-
وأرفع( ) نَفْسي عن بجيلةَ أنني أذلُّ بها عند الكلام وتَشرُفُ








وناظر صالح بن عبد القدوس لما قال في العالم أنه من أصلّين قديمّين نور وظلمة كانا( ) متباينين فامتزجا، فقال أبو الهذيل: فامتزاجهما هو هما أم غيرهما؟
قال: بل أقول هو هما، فألزمه( ) أن يكونا ممتزجين متباينين إذا لم يكن هناك معنّى غيرهما ولم يرجع ذلك إلا إليهما( )، فأنقطع وأنشأ يقول (من البسيط):-
أبا الهذّيل جَزاك( ) الله ممن رجلٍ فأنت حقاً لَعْمري مِفضَلٌ جَدِلُ







وصالح هذا كان ثنوياً معروفاً، ورُوى أنه ناظره مرّة وقطعه( ) فقال: على أيّ شيء تعزم يا صالح؟ قال( ): استخير الله وأقول بالاثنين، فقال أبو الهذيل فأيهما( ) استخرتَ لا أمّ لك؟ إلى غير ذلك من مناظراته كما روى محمد بن عيسى( ) النظَام قال:
مات لصالح بن عبد القدوس ابنٌ فمضى إليه( ) أبو الهذبل ومعه النظام وهو غلام حَدَثٌ فرآه حزيناً فقال: لا أعرف لجِزعك وجهاً إلا إذا كان الإنسان عندك( ) كالزرع، فقال: إنما أجزع لأنه لم يقرأ كتاب الشكوك، قال: وما كتاب الشكوك( )؟ قال( ): كتاب وضعتُه، من قرأ فيه شك فيما كان حتى يتوهّم أنه لم يكن وفيما( ) لم يكن حتى يظنّ أنه قد كان، قال أبو الهذيل: فَشُكَ أنت( ) في موت أبنك واعْمَلْ على أنه لم يمت وإن كان قد مات! فَشُكَ أنه قد قرأ ذلك( ) الكتاب وإن كان لم يقرأه! ومات أبو الهذيل( ) وهو ابن( ) مائة وخمسين سنة ذكره القاضي عن محمد زكريا الغيلاني، وذكر الغيلاني في كتاب المشايخ أن عمره مائة وسنة وقيل مائة وخمس،وذكر المرتضى أنه مات أول( ) أيام المتوكل سنة خمس وثلاثين ومائتين، قال ابن يزداذ في كتاب المصابيح قال: حدّثني أبو بكر الزبيري قال: كنت بسر( ) من رأى لما مات أبو الهذيل فجلس الواثق في مجلس التعزية وهذا يدل على( ) أنه مات أيام الواثق، وذكروا أنه صلى عليه أحمد بن أبي داود القاضي فكبّر عليه خمساً ثم لما مات هشام بن عمرو( ) فكّبر عليه أربعاً، فقيل له في ذلك فقال: إن أبا الهذيل كان يتشيّع لبني هاشم فصلّيت عليه صلاتهم، وأبو الهذيل كان يفضّل عليّاً على عثمان وكان الشيعي( ) في ذلك الزمان من يفضَل عليّاً على عثمان، ومات الواثق سنة اثنتين وثلاثين ومائتين ومات أحمد بن أبي دواد في( ) سنة ثلاث وستين ومائتين( ) وهذا يدلّ على أن أبا الهذيل مات سنة خمس وثلاثين ومائتين ما ذكره المرتضى( )، قال أبو القاسم: ولد أبو( ) الهذيل سنة أربع وثلاثين ومائة وكان مولّى( ) لعبد القيس، وذكر أبو الحسين( ) الخيّاط أنه ولد سنة( ) إحدى وثلاثين ومائة.






وكان أبوالهذيل يأخذ من السلطان في كل سنة ستين ألف درهم ويفرّقه على( ) أصحابه، وأنشد ابن يزداذ لبعضهم في مدح أبي الهذيل( من الخفيف)( ):-
آلَ أمْرُ الإِجبار شَرَّ( ) مآلِ وَانْثْنَى مُذْعِناً بِخَزْيَ مُذالِ
بين نابَيْ ( )أبي الهُذَيْلِ حُسامٌ بِيدَ الدِينِ مُرهَفٌ في صِقالِ
قد رَأيناه والخليفةُ يَسطو بيَمينٍ مِن رأيه وشمالِ
قلْ لأِهلِ الإِجبار شاهَتْ وُجوهٌ وقْلوبٌ وُلِدْنَ تحت الضلالِ
مَن يَقُمْ في دُجىّ مِن الشكّ فالنو م رُ مَناطُ بِغُرَّة الإِعتزالِ
وفيه يقول المامون( من الوافر):-
أظَلَّ أبو الهذّيل على الكلام كإظلال الغَمامِ على الأَنامِ




Aucun commentaire: