حديث الافتراق بين الثبوت
والسقوط :
بسم الله الرحمن الرحيم
ألفاظ حديث الافتراق لا تكاد تخلوا من اختلاف في نقلها اختلافا
يؤثر في معناها، فأشهر روايات الحديث وأكثرها مصححين ومخرجين
اقتصرت على الأخبار بافتراق هذه الأمة كما افترق من كان قبلها ولم
تشر إلى ناج ولا هالك، ولم تحدد عدد الفرق الناجية ولا الهالكة،
ولم تعيِّن أو تصف فرقة ناجية أو هالكة، في حين أن روايات أخرى قد
تضمنت زيادة تفيد الإخبار بهلاك الفرق إلا واحدة، مع أنه قد وقع
اختلاف كبير في ألفاظها، فمنها ما ذُكر فيه صفة الفرقة الناجية،
ومنها ما وُصفت فيه الفرق الهالكة، ومنها ما اقتصر على الإشارة إلى
نجاة فرقة وهلاك ما عداها. وهذا يدعو لعرض الروايات لفظاً وسندًا
مستقصاة من كتب الحديث السنية والشيعية مع التقييم والكشف عن العلل
.
أولا : ما ورد في الإخبار بافتراق الأمة فقط:
رواية أبي هريرة: روى أبو داود 5/4رقم 4596، والترمذي5/25رقم 2640،
وابن ماجة2/1321(3991)، وابن حبان14/140رقم(6274)،
و15/125رقم(6731)، وأحمد 3/229رقم8404، والحاكم1/6، و128،
والبيهقي10/208، وابن أبي عاصم1/33(66)، وأبو يعلى10/317رقم5910،
10/502رقم6117، وغيرهم من طريق محمد بن عمرو، عن أبي سلمة عن أبي
هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "افترقت
اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على إحدى أو
ثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة" (اللفظ لأبي
داود).
* اختلف المحدثون في الحكم على هذه الرواية، فأدخلها ابن حبان في
صحيحه، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.
ولوَّح الحاكم بالتصحيح فقال: كثر في الأصول، وقد روي عن سعد بن
أبي وقاص، وعبدالله بن عمرو، وعوف بن مالك، عن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم مثله، وقد احتج مسلم بمحمد بن عمرو، عن أبي سلمة،
عن أبي هريرة، واتفقا جميعا على الاحتجاج بالفضل بن موسى، وهو ثقة([1]).
ولكن الذهبي رد كلام الحاكم بقوله: " ما احتج مسلم بحديث محمد بن
عمرو منفردا بل بانضمامه إلى غيره"([2])،
يعني أنه روى له في المتابعات فقط.
ومما يقلل من شأن هذه الرواية أن مدارها على محمد بن عمرو بن علقمة
الليثي، وليس ممن يحتج بحديثه، فقد تكلم فيه يحيى بن معين والإمام
مالك بن أنس([3]).
وضعفه كل من: الجوزجاني([4])،
ويعقوب بن شيبة، وابن سعد([5])،
والسعدي([6])،
وقال ابن حبان: كان
يخطئ([7]).
تنبيه: جاءت رواية أبي هريرة هذه في سائر كتب الحديث وليس فيها
زيادة: (كلها هالكة إلا فرقة)_كما ترى_ وقد سهى الحافظ السخاوي
فذكر الحديث في (المقاصد الحسنة) عن أبي هريرة بالزيادة. وتبعه
العجلوني في (كشف الخفاء)
([8])،
ووقع الشوكاني في نفس الخطأ لاعتماده عليهما في كتابه (الفوائد
المجموعة) ([9]).
ثانيا: ما ورد في هلاك الفرق إلا فرقة:
رواية عن أنس :
روى أحمد بن حنبل في (المسند3/120) قال: حدثنا وكيع، حدثنا
عبدالعزيز-يعني الماجشون- عن صدقة بن يسار، عن العميري عن أنس بن
مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " إن بني
إسرائيل قد افترقت على ثنتين وسبعين فرقة، وأنتم تفترقون على
مثلها، كلها في النار إلا فرقة".
* العميري، ذُكر أنه شخصية مجهولة، وقد تأكد بعد البحث أنه قد تصحف
عن النميري، وهو زياد بن عبدالله النميري، ضعفه ابن معين وأبو داود([10]).
وقال ابن حبان: منكر الحديث يروي عن أنس أشياء لا تشبه حديث
الثقات، لا يجوز الاحتجاج به، تركه ابن معين([11]).
رواية عن الإمام علي:
روى الشيخ الصدوق- من الإمامية- في (الخصال584- 585) من طريق بكر
بن عبدالله بن حبيب، قال: حدثنا تميم بن بهلول، قال: حدثنا أبو
معاوية، عن سليمان بن مهران، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن
أبيه الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه عليهم السلام قال: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:"إن أمة موسى افترقت بعده
على إحدى وسبعين فرقة، فرقة منها ناجية، وسبعون في النار، وافترقت
أمة عيسى عليه السلام بعده على اثنتين وسبعين فرقة، فرقة منها
ناجية، وإحدى وسبعون في النار، وإن أمتي ستفترق بعدي على ثلاث
وسبعين فرقة، فرقة منها ناجية، واثنتان وسبعون في النار".
* هذه واحدة من روايات الإمامية للحديث، وبعد البحث عن رجالها في
كتبهم وُجِدَ: أن تميم بن بهلول مجهول، وليس مشهورا في كتب الرجال
عند الإمامية، ولا عند غيرهم، فقد ذكره التستري في (قاموس الرجال)([12])
وأشار إلى أن حديثه منكر، وذكر في ترجمة أبيه([13])
أنه ليس له ذكر ولا لأبيه في الرجال، وقال: خبرهم منكر. ومن رجال
إسناد هذه الرواية: بكر بن عبدالله، وهو مجهول أيضاً([14])
.
ثالثا: ما ورد في نجاة الفرق إلا فرقة:
على العكس مما مضى جاء في بعض الروايات أن فرقة واحدة هي التي
تهلك، وأن سائر الفرق ناجية، وقد روي في ذلك عدة روايات منها:
رواية عن أنس:
من
طريق يحيى بن سعيد الأنصاري رواها ابن عدي في
(الكامل3/65رقم613) من طريق خلف بن ياسين الزيات،، والعقيلي في
(الضعفاء4/201) من طريق معاذ بن ياسين الزيات، كلاهما عن الأبرد بن
الأشرس، عن يحيى بن سعيد، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم : "تفترق أمتي على إحدى وسبعين فرقة، كلها في
الجنة إلا واحدة"([15])،
قالوا: ومن هم يا رسول الله؟ قال: "الزنادقة". وهم أهل القدر.
* قال ابن عدي: ولم أرَ لخلف بن ياسين هذا غير هذا الحديث، وإن كان
له غيره فليس له إلا دون خمسة أحاديث، ورواياته عن مجهولين،
والأبرد بن الأشرس ليس بالمعروف.
ومن طريق سعد بن سعيد روى العقيلي في (الضعفاء4/201) من طريق نعيم
بن حماد، عن يحيى بن يمان، عن ياسين الزيات، عن سعد بن سعيد أخي
يحيى بن سعيد الأنصاري، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم : "تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة، كلها في الجنة إلا
فرقة واحدة، وهي الزنادقة".
ورواها الديلمي في (الفردوس رقم2359) بزيادة: "كلها في الجنة إلا
الزنادقة".
* قال العقيلي: هذا حديث لا يرجع منه إلى صحة، ولعل ياسين أخذه عن
أبيه، أو عن ابرد هذا، وليس لهذا الحديث أصل من حديث يحيى بن سعيد
ولا من حديث سعد.
- وهذه الرواية عند ابن عدي في (الكامل7/184) من طريق: الحسن بن
عرفة، حدثني يحيى بن يمان، عن ياسين بن معاذ، عن سعد بن سعيد، عن
أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "تفترق هذه
الأمة على بضع وسبعين فرقة، إني لأعلم أهداها" قالوا: ما هي يا
رسول الله؟ قال: "الجماعة".
قال ابن عدي: ولياسين الزيات غير ما ذكرت عن الزهري، وعن غيره، وكل
رواياته أو عامتها غير محفوظة.
وروى ابن الجوزي([16])
من طريق الدار قطني قال: حدثنا أبو بكر محمد بن عثمان الصيدلاني،
قال: حدثنا أحمد بن داوود السجستاني، قال: حدثنا عثمان بن عفان
القرشي قال حدثنا أبو إسماعيل الإيلي حفص بن عمر، عن مسعر، عن سعد
بن سعيد، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: سمعت رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم يقول: "تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة، كلها في
الجنة إلا الزنادقة" قال أنس: كنا نراهم القدرية.
* قال ابن الجوزي: هذا الحديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم قال علماء الصناعة: وضعه الأبرد وكان وضاعا كذابا، وأخذه
منه ياسين فقلب إسناده وخلطه، وسرقه عثمان بن عفان([17])،
وقال مالك وهذا الحديث على هذا اللفظ لا أصل له. قال ابن حجر([18]):
هذا موضوع وهو كما ترى متناقض. أهـ
وقد لقيت
هذه الرواية قبولا عند بعض العلماء رغم ما قيل: في سندها، فقال
المقدسي: إن حديث "اثنتين وسبعين في الجنة وواحدة في النار" أصح
إسنادا.
وفي (كشف الخفاء) للعجلوني([19]):
ورواه الشعراني في الميزان من حديث ابن النجار، وصححه الحاكم بلفظ
غريب، وهو: "ستفترق أمتي على نيف وسبعين فرقة، كلها في الجنة إلا
واحدة"، وفي رواية عند الديلمي: "الهالك منها واحدة" . قال
العلماء: هي الزنادقة . انتهى.
وفي هامش الميزان المذكور عن أنس عن النبيصلى الله عليه وآله وسلم
بلفظ: "تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة، كلها في الجنة إلا واحدة
وهي الزنادقة"، وقال في رواية عنه أيضاً : "تفترق هذه الأمة على
بضع وسبعين فرقة، إني أعلم أهداها الجماعة". انتهى. ثم رأيت ما في
هامش الميزان مذكورا في تخريج أحاديث مسند الفردوس للحافظ ابن حجر،
ولفظه: "تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة، كلها في الجنة إلا واحدة
وهي الزنادقة" أسنده عن أنس قال : وأخرجه أبو يعلى من وجه آخر، عن
أنس بلفظ: "أهداها فرقة الجماعة". انتهى.
رابعا : الروايات التي فيها صفة فرقة ناجية:
يلحظ المتتبع أن بعض الروايات تحظى باهتمام إحدى الفرق، ويكثر
الترويج لها بين اتباعها، وذلك: إما لأن فيها إشارة إلى أنها هي
الناجية، وإما لأن فيها ما يشير إلى هلاك أبرز خصومها؛ ولهذا
تعددت الزيادات بما يتناسب مع كثرة الأهواء، زعمت كل طائفة أنها
الفرقة الناجية واستدلت بظاهر زيادة الزيادات المذكورة في بعض
الأحاديث، وإليك تلك الروايات بالتفصيل:
1ــ
ما ذكر فيه أن الجماعة هي الفرقة الناجية:
الجماعة لقب يطلق في هذا الباب على السلطان، ومن يلتف حوله من
الأعوان، وقد برز هذا المفهوم عندما تولى معاوية الخلافة فسمى ذلك
العامَ عامَ الجماعة، ثم أخذ السلاطين وأعوانهم يطلقونه على
أنفسهم، ويشاركهم فيه رجال الدين الذين لهم علاقة حميمة بالحكام أو
الذين يؤيدون الطاعة المطلقة للحكام، ؛ ولذلك ورث هذا اللقب خلفاء
العباسيون بعد الأمويين، وعلى ضوء هذا جاءت أكثر روايات الحديث
لتؤكد أن الفرقة الناجية هي الجماعة المشار إليها، بل جاء في بعضها
تصريح بأن المراد بالجماعة: الأمراء كما سيأتي.
ونسوق مجمل الروايات التي وردت في هذا الباب:
رواية عن معاوية:
روى أبو داود 5/5(4597)، وأحمد 6/33رقم16935، والحاكم 1/128، وابن
أبي عاصم ص25رقم2، والطبراني في الكبير19/377(885)، وفي مسند
الشاميين 2/108(1005)، من طريق صفوان بن عمر، قال: حدثني أزهر بن
عبدالله الحرازي، عن أبي عامر الهوزني، عن معاوية بن أبي سفيان أنه
قام فينا فقال: ألا إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قام فينا
فقال: "ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين
ملة، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في
النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة"، (اللفظ لأبي داود).
* تردد الحاكم في تصحيح هذه الرواية بمفردها، فقرنها برواية أبي
هريرة السابقة، ثم قال: هذه أسانيد تقام بها الحجة في تصحيح هذا
الحديث([20]).
أما ابن تيمية فحكى الألباني عنه أنه قال: هو حديث صحيح مشهور([21]).
وكان ابن حجر العسقلاني أكثر دقة حين اقتصر على قوله: إسناده حسن([22]).
وقد صححه من صححه –رغم أن بعض رجاله من مشاهير النواصب- بسبب
تساهلهم في الجرح بالنصب.
فإن مدار هذه الرواية على أزهر بن عبدالله الحرازي، وهو من مشاهير
النواصب، وكان من جند الحجاج، يفتخر أنه كان في الخيل التي سَبَتْ
أنس بن مالك وأتت به إلى الحجاج، وقال ابن الجارود: كان يسب عليا
رضوان الله عليه([23]).
وقال الذهبي: ناصبي([24])،
ينال من علي رضي الله عنه.
أضف إلى ذلك أن أزهر هذا لم يوثقه إلا ابن حبان والعجلي، وهما
معروفان بالتساهل في التوثيق.
وقد زعم بعضهم أنه ما تُكلم فيه إلا لمذهبه، لا لحفظه، ولعمري إن
من يجترئ على سب علي بن أبي طالب
t
ولا يتحرز من أن يكون جنديا للحجاج لا يؤمن على نقل حديث رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم .
أما الحافظ ابن الوزير فقال : في سنده أيضاً ناصبي فلم يصح عنه([25]).
يعني معاوية.
وقال السقاف: الحديث مسلسل بالنواصب([26]).
وبهذا تعرف أن حديث معاوية هذا الذي يطيل بعضهم في تصحيحه لا وزن
له.
رواية عن أنس:
تعتبر رواية أنس
هي الأكثر طرقا، فقد جمع لها الألباني في صحيحته
سبع طرق، وقد روجعت جميعاً وتم العثور على خمس طرق أخرى، ولكنها لا
تخلو واحدة منها من ضعيف أو مجهول، إضافة إلى ما فيها من اختلاف في
الألفاظ، فقد تقدمت إحدى الروايات التي ذكر فيها هلاك الفرق إلا
واحدة، وليس فيها إشارة إلى صفة الناجية أو الهالكة، كما تقدم
روايةٌ ذُكِرَ فيها نجاة الفرق إلا واحدة، وسيأتي رواية أخرى تشير
إلى أن الناجية هي التي تبقى على ما كان عليه النبيصلى الله عليه
وآله وسلم وأصحابه،
وفيما يلي أذكر الروايات التي ذكر فيها أن الناجية هي الجماعة،
وهي:
من طريق يزيد الرقاشي
رواها
ابن عدي في (الكامل6/166رقم1651)، وأبو يعلى كما في
(المجمع6/226)ومسند أبي يعلى7/4127، من طريق عنبسة بن عبدالواحد
القرشي الكوفي، عن محمد بن يعقوب، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن
مالك، عن النبيصلى الله عليه وآله وسلم قال: "إن بني إسرائيل
افترقوا على ثنتين وسبعين فرقة، وإن هذه الأمة تفترق على ثلاث
وسبعين فرقة، كلها في النار إلا فرقة واحدة" قالوا: يا رسول الله
ومن تلك الفرقة الواحدة؟ قال: "الجماعة جماعتكم وأمراؤكم". (اللفظ
لابن عدي).
* وفي سند الرواية : محمد بن يعقوب، وهو مجهول.
وفيه: يزيد الرقاشي قال النسائي وغيره: متروك. وقال البخاري : كان
شعبة يتكلم فيه([27]).
وذكره ابن حبان في (المجروحين) وقال: كان يقلب كلام الحسن فيجعله
عن أنس عن النبيصلى الله عليه وآله وسلم وهو لا يعلم، فلا تحل
الرواية عنه إلا على سبيل التعجب([28]).
وقال الهيثمي: يزيد الرقاشي ضعفه الجمهور، وفيه توثيق لَيِّنٌ([29]).
ومن طريق قتادة
روى ابن ماجة 2/1322(3993)، وابن أبي عاصم في كتاب
(السنة1/49رقم64) عن هشام بن عمار قال: حدثنا الوليد بن مسلم،
حدثنا أبو عمرو الأوزاعي، حدثنا قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم : "إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين
فرقة، وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة، كلها في النار إلا
واحدة، وهي الجماعة"، (هذا لفظ ابن ماجة).
* قال البويصري في زوائده: إسناده صحيح، ورجاله ثقات([30]).
وتعقبه الألباني بقوله: في تصحيحه نظر عندي([31]).
نعم: من رجال إسناد هذه الرواية هشام بن عمار، وقد تكلم فيه : أبو
حاتم([32])،
وعبدالله بن محمد بن سيار([33])،
والآجري([34]).
وقال أبو داود: حدث بأربعمائة حديث مسندة ليس لها أصل([35]).
وقال الذهبي: له ما ينكر، وروي عن أحمد أنه قال: أعرفه طياشا قاتله
الله([36]).
وذكره العجمي فيمن رمي بالاختلاط([37]).
ومن طريق سعيد بن أبي هلال روى أحمد بن حنبل في
(المسند4/292رقم12481)، والشيخ الصدوق في (الخصال 584) من طريق
خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن أنس بن مالك أن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم قال: " إن بني إسرائيل تفرقت إحدى وسبعين
فرقة، فهلكت سبعون فرقة، وخلصت فرقة واحدة، وإن أمتي ستفترق على
اثنتين وسبعين فرقة، فتهلك إحدى وسبعون وتخلص فرقة". قالوا: يا
رسول الله من تلك الفرقة؟ قال: "الجماعة الجماعة".
* في سنده سعيد بن أبي هلال تكلم فيه أحمد، وضعفه ابن حزم، مع أن
روايته عن أنس مرسلة([38]).
ومن طريق عبدالعزيز بن صهيب روى أبو يعلى 7/32رقم3938 و36رقم3944
من طريق مبارك بن سحيم، حدثنا عبدالعزيز بن صهيب، عن أنس، عن
النبيصلى الله عليه وآله وسلم قال: "إن بني إسرائيل افترقت على
إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي تفترق على ثنتين وسبعين فرقة، كلها في
النار إلا السواد الأعظم"، قال محمد بن بحر: يعني الجماعة.
* فيه مبارك بن سحيم. قال النسائي والدولابي: متروك الحديث. وضعفه
أحمد، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وغيرهم. وقال البخاري: منكر الحديث.
وقال ابن حبان: ينفرد بالمناكير لا يجوز الاحتجاج به([39]).
ومن طريق زيد بن أسلم روى أبو يعلى 6/340(3668)، وابن مردويه كما
في (تفسير ابن كثير2/76- 77) وأبو نعيم كما في (الكاف الشاف2/83)
من طريق أبي معشر، عن يعقوب بن زيد بن طلحة، عن زيد بن أسلم، عن
أنس بن مالك (من حديث طويل) قال: "تفرقت أمة موسى على إحدى وسبعين
ملة، سبعون منها في النار، وواحدة في الجنة، وتفرقت أمة عيسى على
ثنتين وسبعين ملة، إحدى وسبعون منها في النار، وواحدة في الجنة"
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "وتعلو أمتي على
الفرقتين جميعاً بملة اثنتين وسبعين في النار وواحدة في الجنة"
قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: "الجماعات".
قال يعقوب بن زيد وكان علي بن أبي طالب
t
إذا حدث بهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تلا فيه
قرآنا: (
وَمِن قَوْمِ مُوسَىَ أُمّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقّ وَبِهِ
يَعْدِلُونَ
)
[الأعراف:159]،
ثم ذكر أمة عيسى فقال: (
وَلَوْ أَنّ أَهْلَ الْكِتَابِ
آمَنُواْ وَاتّقَوْاْ لَكَفّرْنَا عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ
وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنّاتِ النّعِيمِ * وَلَوْ أَنّهُمْ أَقَامُواْ
التّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مّن رّبّهِمْ
لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مّنْهُمْ
أُمّةٌ مّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ)
[المائدة:65- 66]
ثم ذكر أمتنا (
وَمِمّنْ خَلَقْنَآ أُمّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ
)
[الأعراف:181].
* أورده الهيثمي في (المجمع 7/257- 258) وقال : فيه أبو معشر نجيح،
وهو ضعيف، وقال ابن كثير: هذا حديث غريب جدًّا من هذا الوجه وبهذا
السياق.
ومن طريق سليمان أو سلمان بن طريف رواها الآجري (17)، وابن طريف
هذا غير معروف([40]).
رواية عن عوف بن مالك:
روي عن عوف بن مالك في هذا الموضوع روايتان،
تشير أحداهما إلى أن الناجية هي الجماعة، وتشير الأخرى إلى أن أهل
القياس هم شر الفرق الهالكة، وسنذكر هنا الرواية الأولى، فقد
أخرجها ابن ماجة 2/1322(3992)، والطبراني في (المعجم
الكبير18/70رقم129)، وابن أبي عاصم في (السنة 1/49رقم63) من طريق
عباد بن يوسف عن صفوان بن عمرو عن راشد بن سعد عن عوف بن مالك،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "افترقت اليهود على
إحدى وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة، وسبعون في النار. وافترقت
النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، فإحدى وسبعون في النار، وواحدة في
الجنة، والذي نفس محمد بيده لتفترقنّ أمتي على ثلاث وسبعين فرقة،
واحدة في الجنة، وثنتان وسبعون في النار" قيل: : يا رسول الله من
هم؟ قال: "الجماعة". (اللفظ لابن ماجة).
* قال البويصري: إسناد حديث عوف بن مالك فيه مقال. وأشار إلى ضعف
راشد بن سعد، وجهالة عباد بن يوسف([41]).
وأما الألباني فذكره في صحيحته وقال: إسناده جيد([42])،
وزاد فقال : رجاله كلهم ثقات معروفون غير عباد بن يوسف وهو ثقة إن
شاء الله([43]).
وغلَّطه السقاف فقال: " فيه عباد بن يوسف وهو ضعيف قال الحافظ في
(التقريب): "مقبول"1/394، وليس له في الكتب الستة إلا هذا الحديث.
وقال ابن عدي([44]):
"روى عن صفوان بن عمرو وغيره أحاديث ينفرد بها" . قلت: وهذا منها.
(انظر تهذيب التهذيب 5/96). وهو في ديوان الضعفاء للذهبي برقم
(2089) ([45]).
رواية عن أبي أمامة:
أخرجها البيهقي8/188، والطبراني في
الكبير8/274رقم8053،رقم 8054) وابن أبي عاصم 1/50(68)، والحارث بن
أبي أسامة كما في (بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث2/716) كلهم من
طريق أبي غالب، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم : "تفرقت بنو إسرائيل على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق
هذه الأمة على ما تفرقت عليه بنو إسرائيل تزيد فرقة، كلها في النار
إلا السواد" ورواية "إلاَّ السواد الأعظم". فقلنا: يا أبا أمامة :
أوليس في السود ما يكفيه؟ قال: "والله إنا لننكر ما تعلمون".
(اللفظ للطبراني).
*قال السقاف([46]):
وهو ضعيف، ففي سنده قطن بن عبدالله وهو مجهول، وكذا أبو غالب وهو
ضعيف، قال أبو حاتم: ليس بالقوي. وقال النسائي: ضعيف. وقال ابن
حبان: لا يجوز الاحتجاج به إلا فيما وافق الثقات. وقال ابن سعد:
منكر الحديث. (انظر تهذيب التهذيب 12/176، وتهذيب الكمال34/171).
رواية عن سعد بن أبي وقاص:
أخرجها عبد بن حميد في
(المنتخب79رقم148) وابن أبي شيبة كما في (الكاف الشاف2/83) من طريق
موسى بن عبيدة الربذي، عن عبدالله بن عبيدة، عن بنت سعد عن أبيها،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :"افترقت بنو إسرائيل
على إحدى وسبعين ملة ولن تذهب الليالي والأيام حتى تفترق أمتي على
مثلها –أو قال عن مثل ذلك- وكل فرقة منها في النار إلا واحدة وهي
الجماعة".
* أورده الهيثمي في المجمع، وقال: رواه البزار، وفيه موسى بن عبيدة
الربذي وهو ضعيف([47]).
ومثله قال ابن حجر([48]).
2- ما جاء فيه أن الناجية هي المتبعة للنبي صلى الله عليه وآله
وسلم وأصحابه:
لا شك في أن القول بأن الفرقة الناجية هي التي تلازم ما كان عليه
النبيصلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه قول جيد ومقبول، فاتباع
النبيصلى الله عليه وآله وسلم والمضي على منهجه هو –بلا ريب- طريق
النجاة ؛ ولكن النزاع واقع فيمن هو الباقي على ذلك إذا تدعي كل
فرقة أنها التي تمضي على ما كان عليه النبيصلى الله عليه وآله وسلم
وأصحابه، ولا يوجد أحد من المسلمين –بطوائفهم المختلفة- يتعمد أن
يكون على خلاف ما كان عليه النبيصلى الله عليه وآله وسلم، فالكل
يستهدي بهديه، ويتحرك وفق تعاليمه، وما حدث ويحدث من خلاف فهو
نتيجة لاختلاف الأفهام وتغير الظروف.
وهذا يعني أن الفرقة الناجية هي من كان من المسلمين ملتزما بالمضي
على خطى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن الفرق الهالكة هي
المتمردة على شرع الله، المتعمدة لمخالفة رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم .
وغير خفي على المتتبع أن بعض المحدثين وأتباعهم يشهرون هذا الحديث
بهذا اللفظ لما فيه من ذكر الصحابة، الذين كانت مسألةُ تزكيتهم
مطلقا مسألةً ساخنة بين المدرستين الشيعية والسنية، وذلك أن بعضهم
يستوحي من تلك الزيادة إشارة إلى نجاة الفرقة التي تزكي الصحابة
مطلقا. وإليك ما روي في هذا المعنى:
رواية عن عبدالله بن عمرو بن العاص:
روى الترمذي 5/26رقم2641، والحاكم 1/128- 129، من طريق عبدالرحمن
بن زياد الأفريقي، عن عبدالله بن يزيد، عن عبدالله بن عمرو، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "ليأتين على أمتي ما أتى
على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، حتى إن كان منهم من أتى أمه
علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك، وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين
وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا
ملة واحدة" قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: "ما أنا عليه
وأصحابي". (اللفظ للترمذي).
* ذكر الحافظ أن الحديث بهذا اللفظ لا يعرف إلا من طريق الإفريقي
عن ابن يزيد عن ابن عمر،فقال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث مُفَسَّر
غريب لا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه. وذكر الحاكم : أنه تفرد
به الإفريقي، وهو ممن لا تقوم به حجة.
وإلى جانب تأكيدهم على تفرد الإفريقي بالحديث فقد ضعفوه ومنعوا
الاحتجاج به، ثم غلَّطوا من رواه عن أنس ففي (المعجم الصغير
للطبراني1/29 رقم724) حدثنا عيسى بن محمد السمسار الواسطي، حدثنا
وهب بن بقية، حدثنا عبدالله بن سفيان المدني، عن يحيى بن سعيد
الأنصاري، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم : "تفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا
واحدة"، قالوا: وما هي تلك الفرقة؟ قال: "ما أنا عليه اليوم
وأصحابي " . قال الطبراني: لم يروه عن يحيى إلا عبدالله بن سفيان.
وقال العقيلي في (الضعفاء): عبدالله بن سفيان الخزاعي، واسطي، عن
يحيى بن سعيد لا يتابع على حديثه. ثم أورد الحديث، وقال: ليس له من
حديث يحيى بن سعيد أصل، وإنما يعرف هذا الحديث من حديث الإفريقي([49]).
وقال الهيثمي([50]):
فيه عبدالله بن سفيان، قال العقيلي: لا يتابع على حديثه هذا، وقد
ذكره ابن حبان في الثقات. أ.هـ
وقال ابن حجر: إنما يعرف هذا بابن أنعم الافريقي عن عبدالله بن
يزيد، عن عبدالله بن عمرو([51]).
وبهذا يتضح أن ما روي عن أنس بن مالك بهذا اللفظ وَهَمٌ من أحد
الرواة.
وذكر هذه الرواية الحافظ العلوي في (الجامع الكافي) ([52])
مرسلة فقال: قال محمد : بلغنا عن النبيصلى الله عليه وآله وسلم أنه
قال: "تفترق أمتي على ثلاث وسبعين، فرقة منها ناجية" وبلغنا أنه
عليه السلام سئل عن الفرقة الناجية فقال: " من كان على مثل ما أنا
عليه وأصحابي".
رواية عن أبي الدرداء وواثلة وأبي أمامة وأنس:
هنالك حديث روي عن أبي الدرداء وواثلة وأبي أمامة وأنس جمع بين عدة
أوصاف للفرقة الناجية، أخرجه الطبراني في (الكبير8/152رقم7659)،
حدثنا محمود بن محمد الواسطي، حدثنا محمد بن الصباح الجرجاني،
حدثنا كثير بن مروان الفلسطيني، عن عبدالله بن يزيد بن آدم
الدمشقي، قال: حدثني أبو الدرداء وأبو أمامة وواثلة بن الأسقع وانس
بن مالك قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "فإن بني
إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين فرقة، والنصارى على ثنتين وسبعين
فرقة، كلهم على الضلالة إلا السواد الأعظم" قالوا: يا رسول الله:
ومن السواد الأعظم؟ قال: "من كان على ما أنا عليه وأصحابي، من لم
يمار في دين الله، ومن لم يُكَفِّرْ أحدًا من أهل التوحيد بذنب غفر
له". وعزاه في (كنز العمال3/644رقم8312) إلى الديلمي.
* ذكر هذا الحديث الهيثمي في المجمع([53])
وقال : فيه كثير بن مروان وهو ضعيف جدًّا.
3- ما ذكر فيه أن الناجية جماعة أهل الإسلام:
تشير بعض الروايات إلى أن الفرقة الناجية هي كل مسلم ملتزم بتعاليم
دين الله، مقتف لأثر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بريء من
كل عقيدة توجب له كفرا أو فسقا، ومن تلك الروايات:
رواية عن عمرو بن عوف:
روى الحاكم في المستدرك 1/129،
والطبراني17/13(3) وابن أبي عاصم في السنة1/42رقم45، من طريق كثير
بن عبدالله بن عمرو بن عوف بن زيد بن ملحة المزني، عن أبيه عن جده
قال: كنا قعودا حول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مسجده
فقال: لتسلكن سنن مَنْ قبلكم حذو النعل بالنعل ولتأخذن مثل أخذهم:
إنْ شبرا فشبر، وإن ذراعا فذراع، وإن باعا فباع، حتى لو دخلوا جحر
ضب دخلتم فيه، ألا إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة،
كلها ضالة إلا فرقة واحدة، الإسلام وجماعتهم، وإنها افترقت على
عيسى بن مريم على إحدى وسبعين فرقة، كلها ضالة إلا فرقة واحدة،
الإسلام وجماعتهم، ثم إنهم يكونون كذا على اثنتين وسبعين فرقة،
كلها ضالة إلا فرقة واحدة، الإسلام وجماعتهم".
* ذكر الحاكم أنه تفرد به كثير بن عبدالله المزني، وهو ممن لا تقوم
به حجة، المستدرك1/128.
وذكره الهيثمي في (المجمع) وقال: كثير بن عبدالله هو ضعيف وقد حسن
له الترمذي حديثا([54]).
وقال الألباني: إسناده ضعيف جدًّا، كثير بن عبدالله، متروك([55]).
رواية موقوفة عن الإمام علي :
روى ابن أبي حاتم عن علي قال: افترقت بنو إسرائيل بعد موسى على
إحدى وسبعين فرقة، كلها في النار إلا فرقة، وافترقت النصارى بعد
عيسى عليه السلام على اثنتين وسبعين فرقة، كلها في النار إلا فرقة،
فأما اليهود فإن الله يقول: (
وَمِن قَوْمِ مُوسَىَ أُمّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقّ وَبِهِ
يَعْدِلُونَ
)
[الأعراف:159]،
وأما النصارى فإن الله تعالى يقول: (
مّنْهُمْ أُمّةٌ مّقْتَصِدَةٌ
)
[المائدة:66]،
فهذه هي التي تنجو، وأما نحن فيقول الله تعالى : (
وَمِمّنْ خَلَقْنَآ أُمّةٌ يَهْدُونَ
بِالْحَقّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ
)
[الأعراف:181].
فهذه التي تنجو.
ومن طريق الإمامية عن أبي الصهبان البكري قال: سمعت أمير المؤمنين
عليه السلام يقول: "والذي نفسي بيده لتفترقن هذه الأمة على ثلاثة
وسبعين فرقة، كلها في النار، إلا فرقة: (وَمِمّنْ
خَلَقْنَآ أُمّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ
)
[الأعراف:181].،
فهذه التي تنجو من هذه الأمة"([56]).
وفي هذه الرواية أبو الصهباء صهيب البكري ضعفه النسائي(تهذيب
الكمال13/241)، وحميد بن زياد ضعفه ابن معين (تهذيب الكمال7/368).
رواية مرسلة:
روى محمد بن منصور المرادي في كتاب (المناهي) أنه قيل: يا رسول
الله وما الواحدة؟ قال: "الفرقة الناجية المتمسكة بالكتاب
والرسول". حكاه عنه في الاعتصام([57]).
4- ما ذكر فيه أن الناجية هم أهل السنة والجماعة:
تُشعر بعض الروايات أن النجاة حكر على جماعة محددة أو تيار معين قد
أشير إليه بالوصف، ومن تلك الروايات رواية غريبة لم نقف لها على
أصل في كتب الحديث ذكرها الشهرستاني في (الملل والنحل) ولفظها:
"ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، الناجية واحدة، والباقون هلكى،
قيل: ومن الناجية؟ قال: أهل السنة والجماعة، قيل: وما السنة
والجماعة؟ قال: ما أنا عليه اليوم وأصحابي "([58])
.
ونقل هذه الرواية صاحب (شرح الأخبار) من الإمامية فقال: ورووا عنه
صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "افترق بنو إسرائيل على اثنتين
وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، فرقة واحدة
ناجية، وسائرها هالكة في النار"،قيل: يا رسول الله ومن الفرقة
الناجية؟ قال: "أهل السنة والجماعة"، قيل: ومن أهل السنة والجماعة؟
قال: "الذين هم على ما أنا اليوم عليه وأصحابي".
ثم فسر الحديث بأن الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم وأصحابه أنه لم يكن يتقدَّم عليهم ولا يتأمَّر عليهم إلا من
قدمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمره، فأصحاب السنة
والجماعة بعده كذلك، من اتبع من قدمه رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم وأمَّره عليهم، وإن قل عددهم، ومن خالف في ذلك سنته، وقدم من
لم يقدمه، وأمَّر من لم يؤمره، فليسوا من أهل السنة والجماعة
المحمودة، وهم أهل جماعة مذمومة([59]).
5- ما ذكر فيه أن الناجية هم المعتزلة:
حكى الإمام عز الدين بن الحسن عن المعتزلة أنهم يروون عن سفيان
الثوري بإسناده:"ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة، أبرها وأتقاها
الفئة المعتزلة"([60]).
6- ما ذكر فيه أن الفرقة الناجية هم الشيعة:
كثيرة هي تلك الروايات التي في كتب الشيعة الإمامية والتي تنص على
أن الشيعة هم الفرقة الناجية، ومن تلك الروايات:
* ما روى الخزاز عن الحسين بن محمد بن سعيد، عن محمد بن أحمد
الصفواني، عن مروان بن محمد السنجاري، عن أبي يحيى التميمي، عن
يحيى البكاء، عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم :"ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، منها فرقة ناجية،
والباقون هالكة، والناجية الذين يتمسكون بولايتكم، ويقتبسون من
عملكم، ولا يعملون برأيهم، فأولئك ما عليهم من سبيل"([61]).
* وروى العلامة الحلي([62])
عن النبيصلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعلي عليه السلام: " يا
أبا الحسن إن أمة موسى افترقت إحدى وسبعين فرقة، فرقة ناجية،
والباقون في النار، وإن أمة عيسى افترقت اثنتين وسبعين فرقة، فرقة
ناجية، والباقون في النار، وإن أمتي ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة،
فرقة ناجية، والباقون في النار"، فقلت: يا رسول الله ما الناجية؟
فقال: "المتمسك بما أنت وأصحابك عليه"، فأنزل الله في ذلك: (ثَانِيَ
عِطْفِهِ لِيُضِلّ عَن سَبِيلِ اللّهِ لَهُ فِي الدّنْيَا خِزْيٌ
وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ
)
[الحج:9].
* وروى الطبرسي من طريق عن محمد بن جعفر بن محمد قال: حدثنا أبو
عبدالله عليه السلام قال المجاشعي: و حدثنا الرضا عليه السلام عن
أبيه موسى، عن أبيه أبي عبدالله جعفر، عن آبائه عليهم السلام قال:
سمعت عليا يقول لرأس اليهود : افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة،
سبعون منها في النار، وواحدة ناجية في الجنة، وهي التي اتبعت يوشع
بن نون وصي موسى، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، إحدى
وسبعون فرقة في النار وواحدة في الجنة، وهي التي اتبعت شمعون وصي
عيسى، وتفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون في
النار، وواحدة في الجنة، وهي التي اتبعت وصي محمد، وضرب بيده على
صدره، ثم قال: ثلاث عشرة فرقة من الثلاث والسبعين فرقة كلها تنتحل
مودتي وحبي، واحدة منها في الجنة، وهم النمط الأوسط، واثنا عشر في
النار"([63]).
* وروى المفيد في (أماليه) : أخبرنا أبو الحسن علي بن خالد المراغي،
قال: حدثنا أبو طالب محمد بن أحمد بن البهلول قال: حدثنا أبو
العباس أحمد بن الحسن الضرير قال: حدثنا أحمد بن محمد قال: حدثنا
أحمد بن يحيى قال: حدثنا إسماعيل بن أبان قال: حدثني يونس بن أرقم
قال: حدثني أبو هارون العبدي، عن أبي عقيل قال: كنا عند أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه فقال: "لتفترقن هذه
الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، والذي نفسي بيده: إن الفرقة كلها ضالة
إلا من اتبعني وكان من شيعتي"([64])
.
وروى الخوارزمي من طريق أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه، حدثني
أحمد بن محمد بن السري حدثنا المنذر بن محمد بن المنذر، حدثني عمي
الحسين بن سعيد، حدثني أبي، عن أبان بن تغلب، عن فضيل عن عبدالملك
الهمداني عن زاذان، عن علي عليه السلام: تفترق هذه الأمة على ثلاث
وسبعين فرقة، ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهم الذين
قال الله عز وجل : (
وَمِمّنْ خَلَقْنَآ أُمّةٌ يَهْدُونَ
بِالْحَقّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ
)
[الأعراف:181].
وهم أنا وشيعتي([65]).
* ورووا عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "افترقت أمة موسى
على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت أمة عيسى على اثنتين وسبعين فرقة،
وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، فرقة منها ناجية والباقون في
النار" فقال علي عليه السلام: يا رسول الله ومن الفرقة الناجية؟
فقال عليه السلام: "ما أنت عليه وأصحابك"([66]).
* وروى الكليني عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن
محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر عليه
السلام من حديث قال فيه: إن اليهود تفرقوا من بعد موسى عليه السلام
على إحدى وسبعين فرقة، منها فرقة في الجنة، وسبعون فرقة في النار.
وتفرقت النصارى بعد عيسى عليه السلام على اثنتين وسبعين فرقة، فرقة
منها في الجنة، وإحدى وسبعون في النار. وتفرقت هذه الأمة بعد
نبيها صلى الله عليه وآله وسلم على ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان
وسبعون فرقة في النار، وفرقة في الجنة، ومن الثلاث وسبعين فرقة،
ثلاث عشرة فرقة تنتحل ولايتنا ومودتنا، اثنتا عشرة فرقة منها في
النار،وفرقة في الجنة، وستون فرقة من سائر الناس في النار"([67]).
* ورووا عن علي أنه قال: أنا أخبركم على كم اقتسمت الأمم، أخبرني
به حبيبي وقرة عيني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال:
"افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، ففي النار سبعون منها،
وواحدة في الجنة –وهي التي اتبعت وصيه- وتفرقت النصارى على اثنتين
وسبعين فرقة، إحدى وسبعون في النار وواحدة في الجنة، هي التي اتبعت
وصي عيسى عليه السلام، وافترقت أمتي ثلاثا وسبعين فرقة، اثنتان
وسبعون فرقة في النار، وواحدة في الجنة، فهي التي اتبعت وصيي"،
وضرب بيده على منكبي، ثم قال: "اثنتان وسبعون فرقة خلفت عهد الله
فيك، وواحدة في الجنة وهي التي اتخذت محبتك وهم شيعتك"([68]).
* وفي عمدة ابن البطريق: ويدل على صحة ما قلناه ما ذكره الثعلبي أن
زاذان أبا عمر قال: قال لي علي عليه السلام : يا أبا عمر أتدري كم
افترقت اليهود؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: قد افترقت على إحدى
وسبعين فرقة، كلها في الهاوية إلا فرقة واحدة وهي الناجية، أتدري
على كم افترقت النصارى؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: قد افترقت على
اثنتين وسبعين فرقة، كلها في الهاوية إلا واحدة وهي الناجية، ثم
قال: أتدري على كم تفترق فيَّ؟ قلت: وإنه ليفترق فيك؟ قال: نعم،
تفترق فيَّ اثنتا عشرة فرقة، كلها في الهاوية إلا واحدة وهي
الناجية، وأنت منهم يا أبا عمر"([69]).
قالوا: ويؤيده ما روي من طريق الجمهور، عن أبي نعيم وابن مردويه
بإسنادهما عن زاذان عن علي عليه السلام قال: تفترق هذه الأمة على
ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة، وهم
الذين قال الله عز وجل : (
وَمِمّنْ خَلَقْنَآ أُمّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ
)
[الأعراف:181].
وهم أنا وشيعتي، صدق عليه السلام أنه هو وشيعته هم الفرقة الناجية،
وإن لم يكونوا، وإلا فمن؟ انتهى.
هذه نبذة من أحاديث الإمامية في هذا الباب سبقت لإطلاع القارئ على
أكبر قدر من الروايات المختلفة المعاني والمصادر، مع أنها لا تخلو
رواية منها من نقد، تركت التعرض له خشية التطويل، فهي تشهد على
نفسها بالتهافت.
خامسا: روايات تشير إلى هلاك فرقة معينة:
وكما تروج كل طائفة للرواية التي فيها إشارة إلى نجاتها، يروج
بعضها لروايات تشير إلى هلاك فرقة من الفرق، وفيما يلي أذكر ما
وقفنا عليه في هذا الجانب:
1-
ما ذكر فيه أن الفرق الهالكة هم أهل القدر:
تقدمت جملة من الروايات عن أنس أنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم :"تفترق أمتي على إحدى وسبعين فرقة، كلها في الجنة
إلا واحدة"([70])،
قالوا: ومن هم يا رسول الله؟ قال: "الزنادقة". وهم أهل القدر.
2-
ما ذكر فيه أن الشيعة أضل الفرق:
رواية عن الإمام علي:
- روى ابن أبي عاصم 1/473رقم(995) من طريق أسيد بن عاصم، حدثنا
عامر بن إبراهيم، عن يعقوب عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن علي
قال: "تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، والنصارى على اثنتين
وسبعين فرقة، وأنتم على ثلاث وسبعين، وإن من أضلها وأخبثها من
يتشيع أو الشيعة" .
* في إسناده ليث بن أبي سليم، وهو معروف بالضعف، وذكر غير واحد أنه
اختلط.
-وروى الخطيب في (تاريخ بغداد13/104) من طريق محمد بن شجاع، حدثنا
أبو معاوية، عن محمد بن سوقة، عن حبيب بن أبي ثابت، عن علي قال:
"تفترق هذه الأمة على بضع وسبعين فرقة، شرهم قوم ينتحلون حبنا أهل
البيت ويخالفون أعمالنا" . وعزاه في (كنز العمال 1/377(1638) إلى
أبي نعيم في (الحلية)([71]).
- وفي (علل الدار قطني) 4/188(500): "وسئل عن حديث أبي الطفيل عن
علي قال: تفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، شرها فرقة تنتحلنا
أهل البيت. فقال: يرويه محمد بن سوقة، عن أبي الطفيل، عن علي، وقال
أبو معاوية ا لضرير، عن محمد بن سوقة، عن حبيب بن أبي ثابت مرسلا
عن علي، ورواه نعيم بن يحيى السعيدي الكوفي، ثقة، له كتاب مصنف في
القراءات وله عن مسعر نسخة عن محمد بن سوقة قال: قال علي ولم يذكر
بينهما أحد".
3- ما ذكر فيه أن من الفرق الهالكة أهل القياس:
رواية عن عوف بن مالك:
روى الحاكم 3/547، والطبراني في الكبير18/51(90)، والبزار كما في
(كشف الأستار172)، وابن حزم في المحلي1/82، وغيرهم من طريق نعيم بن
حماد، عن عيسى بن يونس([72])،
عن حريز بن عثمان، عن عبدالرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عوف
بن مالك
t،
عن النبيصلى الله عليه وآله وسلم قال: "تفترق أمتي على بضع وسبعين
فرقة، أعظمها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم فيحلون
الحرام ويحرمون الحلال".
* اختلف كلام الحفاظ في هذه الرواية، فقال الحاكم: هذا حديث صحيح
على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وأيده الهيثمي فقال: رجاله رجال
الصحيح([73]).
أما البيهقي فقال: تفرد به نعيم بن حماد، وسرقه منه جماعة من
الضعفاء وهو منكر([74]).
وقال ابن عدي: قال لنا ابن حماد: هذا وضعه نعيم بن حماد([75]).
ورواه الخطيب([76])،
وذكر أن أبا زرعة عبدالرحمن بن عمرو النصري سأل عبدالرحمن بن
إبراهيم –المعروف بدحيم- عنه فرده، وقال: حديث صفوان بن عمرو
ومعاوية .
وعن أبي زرعة قلت ليحيى بن معين في حديث نعيم هذا وسألته عن صحته
فأنكره . قلت: فمن أين يؤتى؟ قال: شبه له.
وقال محمد بن علي بن حمزة المروزي: سألت يحيى بن معين عن هذا
الحديث –يعني حديث عوف بن مالك- فقال: ليس له أصل. وذكر في (كنز
العمال) 1/209 أنه ضُعِّف.
وذكر الخطيب أيضاً([77])
أنه وافق نعيما على روايته عبدالله بن جعفر الرقي، وسويد بن سعيد
الحدثاني، وعمرو بن عيسى بن يونس، وعبدالوهاب بن الضحاك، وعبدالله
بن وهب، ومحمد بن سلام المنبجي، وذكر رواياتهم . ثم قال-أي
الخطيب-: حدثنا محمد بن علي الصوري، قال لي عبد الغني بن سعيد
الحافظ: كل من حدث به عن عيسى بن يونس غير نعيم بن حماد فإنما أخذه
من نعيم؛ وبهذا الحديث سقط نعيم بن حماد عند كثير من أهل العلم
بالحديث، إلا أن يحيى بن معين لم يكن ينسبه إلى الكذب، بل كان
ينسبه إلى الوهم.
وقال ابن عدي: إنما يعرف بنعيم بن حماد، ورواه عن عيسى بن يونس
فتكلم في الناس فيه بجرأة، ثم رواه رجل من أهل خراسان يقال له:
الحكم بن المبارك، يكنى أبا صالح الخواستي، يقال: إنه لا بأس به،
ثم سرقه قوم ضعفاء ممن يعرفون بسرقة الحديث، منهم: عبدالوهاب بن
الضحاك، والنضر بن طاهر، وثالثهم سويد الأنباري، ولسويد أحاديث
كثيرة عن شيوخه، روى عن مالك الموطأ، ويقال: إنه سمعه خلف حائط،
فضعف في مالك أيضاً، ولسويد مما أنكرت عليه غير ما ذكرت وهو إلى
الضعف أقرب([78]).
ومن المسروقات التي أشار إليها ابن عدي وغيره ما أخرج الطبراني في
الكبير 18/51(19)، من طريق عبدالحميد بن إبراهيم الحمصي، عن معدان
بن سليم الحضرمي، عن عبدالرحمن بن نجيح، عن أبي الزاهرية، عن جبير
بن نفير، عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم : "كيف أنت يا عوف إذا افترقت هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة
واحدة في الجنة وسائرهن في النار"؟ قلت: ومتى ذاك يا رسول الله؟
قال: "إذا كثرت الشرط، وملكت الإماء، وقعدت الحملان على المنابر،
واتخذوا القرآن مزامير".
قال الهيثمي : فيه عبدالحميد بن إبراهيم، وثقه ابن حبان، وهو ضعيف،
وفيه جماعة لم أعرفهم([79]).
سادسا: روايات متفرقة:
هنالك مجموعة من الروايات المتفرقة بعضها ليس في الموضوع تماماً
ولكنها تذكر للتكثر بها:
رواية جابر بن عبدالله: ذكر ابن حجر في (تخريج أحاديث الكشاف)
2/83، أنه رواها أسمل بن سهل الواسطي في تاريخه عن جابر، ثم قال:
وفي إسناده من لم يسمه.
رواية مرسلة عن قتادة:
وروى عبدالرزاق10/156(18675) عن معمر، عن
قتادة قال: سأل النبيصلى الله عليه وآله وسلم عبدالله بن سلام: على
كم تفرقت بنو إسرائيل؟ قال : على واحدة أو اثنتين وسبعين فرقة،
قال: "وأمتي أيضاً ستفترق مثلهم أو يزيدون واحدة، كلها في النار
إلا واحدة".
رواية عن ابن عمر:
روى أبو يعلى 10/65 من طريق ليث، عن سعيد بن
عامر، عن ابن عمر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
يقول:"إن أمتي لنيفا وسبعين داعيا، كلهم داع إلى النار، لو أشاء
لأنبأتكم بآبائهم وقبائلهم". قال الهيثمي: فيه ليث بن أبي سليم ،
وهو مدلس([80]).
رواية عن ابن مسعود:
روى الحاكم2/480 وابن أبي عاصم في السنة 1/51(70) حدثنا شيبان بن
فروخ، حدثنا الصعق بن حزن، حدثنا عقيل الجعدي ، عن أبي إسحاق، عن
سويد بن غفلة، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم : "افترق من كان قبلكم على اثنتين وسبعين فرقة، نجا منها
ثلاث، وهلك منها سائرها".
* وفي إسنادها عقيل الجعدي ضعيف جدًّا ، قال البخاري: منكر الحديث.
ورده الذهبي بالجعدي. وقال العلامة السقاف: "هو موضوع في إسناده
عقيل الجعدي. قال الحافظ ابن حجر في (لسان الميزان) 4/180 منكر:
قال البخاري منكر الحديث....، وقال ابن حبان : منكر الحديث . يروي
عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات، فبطل الاحتجاج بما روى، ولو
وافق فيه الثقات"([81]).
- وروى الطبراني 3/74، وابن أبي عاصم1/52(71) من طريق هشام بن
عمار، حدثنا الوليد بن مسلم، أخبرني بكير بن معروف، عن مقاتل بن
حيان، عن القاسم بن عبدالرحمن ، عن أبيه ، عن جده عبدالله بن مسعود
أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إن بني إسرائيل افترقت
على اثنتين وسبعين فرقة، لم ينج منها إلا ثلاث".
* قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، غير بكير بن معروف، وثقه أحمد
وغيره ، وفيه ضعف([82]).
أقول: وفيه هشام بن عمار ضعيف، وقد تقدم الكلام عليه، والوليد بن
مسلم مدلس، ولم يصرح بالتحديث. وقال السقاف: إسناده تالف([83]).
رواية عن سلمان:
وفي (بحار الأنوار) من طريق: عليم والأصبغ بن
نباتة، عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
:"تفترق أمتي بعدي ثلاث فرق، فرقة أهل حق لا يشوبونه بباطل، مثلهم
كمثل الذهب كلما فتنته بالنار ازداد جودة وطيبا، إلى أن قال
الراوي: فسألته عن أهل الحق وإمامهم، فقال: هذا علي بن أبي طالب
إمام المتقين، وأمسك عن الاثنين فجهدت أن يسميهما فلم يفعل([84]).
ما قيل عن زيادة: كلها هالكة إلا فرقة:
عند التأمل في روايات الحديث نجد أن زيادة :"كلها هالكة إلا فرقة"
أو ما في معناها من الزيادات الملازمة لأكثر روايات الحديث هي محور
الإشكال في الحديث وعلى أساسها الأخذ والرد في تفسيره، وعند مراجعة
اقوال المهتمين بنقد وتقييم الأحاديث نجد أن لهم عليها أكثر من
حكم، فبعض الحفاظ شك في صحتها وحكم بردها، وبعضهم صححها وشدد على
قبولها.
قال الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير:"وإياك والاغترار بـ(كلها هالكة
إلا فرقة) فإنها زيادة فاسدة غير صحيحة القاعدة، لا يؤمن أن تكون
من دسيس الملاحدة"([85]).
وحكي عن ابن حزم أنها موضوعة غير موقوفة ولا مرفوعة.
وعن الحافظ زين الدين الموصلي أنه قال: "لم يصح شيء في هذا الباب".
ومثله عن الحافظ بن النحوي الشافعي([86]).
وقال الشوكاني في (فتح القدير) ([87]):
أما زيادة كونها في النار إلا واحدة، فقد ضعفها جماعة من المحدثين
بل قال ابن حزم: إنها موضوعة، الفصل(3/248).
وقال في الفتح الرباني([88]):
"وأما الزيادة التي في الحديث فضعيفة فلا تقوم بها حجة في حكم
شرعي، ولو على بعض المكلفين، فكيف في مثل هذا الأمر العظيم الذي هو
حكم بالهلاك على هذه الأمة المرحومة، ولقد جاد ظن من ظن أنها من
دسيس الملاحدة والزنادقة فإن فيها من التنفير عن الإسلام والتخويف
من الدخول فيه ما لا يقادر قدره، فتحصل لواضعها ما يطلبه من الطعن
على هذه الأمة المرحومة والتنفير عنها، كما هو شأن كثير من
المخذولين الواضعين للمطاعن المنافية للشريعة السمحة السهلة".
وشمر الألباني في صحيحته([89])
لتثبيت هذه الزيادة ، فقال بعد ذكر كلام الحافظ ابن الوزير
والشوكاني:" لا أدري من الذي أشار إليه –يعني الشوكاني- بقوله
جماعة، فإني لا أعلم أحداً من المحدثين المتقدمين ضعف هذه
الزيادة".!
أقول: الجماعة الذين أشار إليهم الشوكاني هم: ابن حزم، وزين الدين
الموصلي، وابن النحوي، وابن الوزير، كما تقدم.
ثم قال: "وأما ابن حزم فلا أدري أين ذكر ذلك؟ وأول ما يتبادر إلى
الذهن أنه في كتابه(الفصل في الملل والنحل)، وقد رجعت إليه وقلبت
مظانه فلم أعثر عليه".
أقول: كلام ابن حزم موجود في (الفصل 3/248) فقد قال –بعد ذكر حديث
القدرية والمرجئة مجوس هذه الأمة وحديث تفترق أمتي هذا- ما
لفظه:"هذان حديثان لا يصحان أصلا من طريق الإسناد، وما كان هكذا
فليس حجة عند من يقول بخبر الواحد، فكيف من لا يقول به؟". ثم قال
الألباني: "ثم إن النقل عنه- أي ابن حزم- مختلف فابن الوزير قال
عنه:(لا يصح) والشوكاني قال عنه:(إنها موضوعة)، وشتان بين النقلين
كما لا يخفى".
أقول: ليس الأمر كما ذكر، وليس النقل عنه مختلفا، فابن الوزير حكى
عنه أنها موضوعة، وكذلك فعل الشوكاني، وقد تقدم نقل كلامهما بلفظه.
قال:"فإن صح ذلك عن ابن حزم فهو مردود من وجهين: الأول: أن النقد
العلمي الحديثي قد دل على صحة هذه الزيادة، فلا عبرة بقول من
ضعفها. الثاني: أن الذين صححوها أكثر وأعلم بالحديث من ابن حزم، لا
سيما وهو معروف عند أهل العلم بتشدده في النقد، فلا ينبغي أن يحتج
به إذا تفرد، عند عدم المخالفة فكيف إذا خالف"؟!
أقول: بل دل النقد العلمي على عدم صحتها، فقد ذكر الألباني –نفسه-
في (صفحة359) من صحيحته أن حديث معاوية –الذي اعتمد في تصحيح
الرواية عليه- أزهر بن عبدالله لم يوثقه إلا ابن حبان والعجلي، وهو
ممن صرح في غير موضع من كتبه أنهما معروفان بالتساهل في التوثيق.
أما كون ابن حزم متشددا في النقد فذلك أمر مطلوب في مثل هذا
المقام.
ثم قال: "إن الوزير في كتاب آخر له قد صحح حديث معاوية هذا، ألا
وهو كتابه القيم(الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم113- 115)
فقد عقد فيه فصلا خاصا بالصحابة الذين طعن فيهم الشيعة وردوا
أحاديثهم ومنهم معاوية فسرد ما له من الأحاديث في كتب السنة مع
الشواهد من طرق جماعة آخرين من الصحابة لم تطعن فيه الشيعة، فكان
هذا الحديث منها".
أقول: بل صرح بعدم صحته فقال:"في سنده ناصبي، فلم يصح عنه"([90]).
وسرده للأحاديث المروية عن معاوية لا يعني تصحيحها، و(الروض
الباسم) مختصر من (العواصم والقواصم) ، وقد ذكر فيه أنه سيسرد
الأحاديث التي في الصحاح السِّتِّ عن معاوية ويذكر لها شواهد عن
غيره، لكي يبين أن ما رواه المحدثون عن معاوية له شاهد عن غيره،
فلا يقال: إنه من رواية معاوية بمفرده.
وممن أشار إلى الاختلاف في الزيادة المذكورة الإمام أبو طالب
الهاروني في (شرح البالغ المدرك) حيث قال:"وقد روي عن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:" ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين
فرقة كلها هالكة إلا فرقة فإنها هي الناجية ، وقد زِيْدَ في هذا
الخبر ونقص منه. وقال قوم:" ستفترق أمتي ثلاثا وسبعين فرقة كلها
ناجية إلا فرقة" ، واعتبروا أنه لا يقال: أمة محمد ضالة في هوى.
وقال قوم: من هي الناجية يا رسول الله؟ فقال: "ما أنا عليه
وأصحابي". ووقف قوم عن هذا الخبر ولم يصدقوه ولم يكذبوه"([91]).
وبهذا تعرف أن موقف المحدثين مختلف في قبول تلك الزيادة، وأنه قد
يكون وراءها أيادٍ خفية، ولها مآرب أخرى.
تعارض الحديث مع القرآن وصحيح السنة:
يلاحظ أن هذا الحديث لا يتلاءم مع التوجه العام للقرآن الكريم،
الذي يقول في شأن اليهود:(
وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَآءَ إِلَىَ
يَوْمِ الْقِيَامَةِ
)
[المائدة:64].
وقال عن النصارى:(
فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ
وَالْبَغْضَآءَ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ
)
[المائدة:14]،
فأخبر أن اليهود والنصارى أهل عداوة وبغضاء وتفرق إلى يوم القيامة.
في الوقت الذي يقول في شأن هذه الأمة: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ
أُخْرِجَتْ للنَّاسِ)
[آل عمران:110]
ويقول: (
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا)
[البقرة:143].
وقد ورد في السنة ما يدل على فضل هذه الأمة ، وأنها مرحومة وأنها
ستكون أكثر أهل الجنة. فثبت بذلك خيرية هذه الأمة ووسطيتها وأنها
مرحومة.
وهذا الحديث المروي في الافتراق يعكس الأمور فيجعل المسلمين أكثر
سوءا في التمزق والتفرق من اليهود والنصارى. وأي خيرية في أمة
تتجاوز في التمزق والعداوة من ذكر الله أنهم غارقون في العداوة
إلى يوم القيامة! وأي وسطية لأمة تكون أكثر فرقها على نقيض الحق
الذي يجب أن يتبع!! وبعد هذا كله فإن حديث الافتراق لا يتجاوز-على
فرض صحته- أن يكون من الأحاديث الظنية، وعلى ذلك فلا يصح الاحتجاج
به في تضليل المسلمين والحكم عليهم بالهلاك.
بقلم د/ المرتضى بن زيد
المُحَطْوَري الحسني
أستاذ الشريعة بجامعة صنعاء
عضو جمعية علماء اليمن
([1])
المستدرك1/6.
([2])
التلخيص بهامش المستدرك1/6.
([3])
ضعفاء العقيلي4/109.
([4])
أحوال الرجال ترجمة(244) وعنه تهذيب الكمال26/216.
([5])
تهذيب التهذيب9/324رقم6478.
([6])
ضعفا ابن عدي6/224رقم1693.
([7])
الثقات7/377.
([8])
كشف الخفاء1/309/رقم1001.
([9])
الفوائد المجموعة ص250.
([10])
تهذيب الكمال26/214.
([11])
المجروحين1/306.
([12])
قاموس الرجال2/423.
([13])
قاموس الرجال2/410.
([14])
منتهى المقال2/164.
([15])
وقع في المطبوعة: من ابن عدي 3/65، كلها في النار، وهو خطأ.
([16])
الموضوعات1/339، 340، 341.
([17])
عثمان هذا محدث وهو غير الخليفة.
([18])
لسان الميزان2/405. الطبعة الأولى سنة 1330.
([19])
كشف الخفاء1/150 رقم 446.
([20])
المستدرك1/128.
([21])
سلسلة الأحاديث الصحيحة1/359.
([22])
الكاف الشاف تخريج أحاديث الكشاف، بهامش الكشاف2/83.
([23])
تهذيب التهذيب1/184رقم 341، 343.
([24])
الكاشف1/231. وميزان الاعتدال 1/81 رقم 681.
([25])
العواصم والقواصم3/170.
([26])
شرح العقيدة الطحاوية 629.
([27])
التاريخ الكبير8/320، وميزان الاعتدال3/308رقم2648، تهذيب
الكمال32/64.
([28])
المجروحين3/98.
([29])
مجمع الزوائد6/226.
([30])
سنن ابن ماجة2/1322.
([31])
سلسلة الأحاديث الصحيحة1/360.
([32])
الجرح والتعديل9/ترجمة255.
([33])
تهذيب الكمال30/250.
([34])
تهذيب الكمال30/248- 249.
([35])ميزان
الاعتدال3/255رقم2209.
([36])ميزان
الاعتدال 3/256.
([37])
الاعتباط فيمن رمي بالاختلاط 105.
([38])
تهذيب التهذيب4/84، وتهذيب الكمال11/94.
([39])
تهذيب الكمال27/175، والتاريخ الكبير ص427.
([40])
ذكر هذا الألباني في صحيحته1/360.
([41])
سنن ابن ماجة2/1322.
([42])
سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم 1492.
([43])
كتاب السنة لابن أبي عاصم بتخريج الألباني ص49.
([44])
ابن عدي4/346.
([45])
شرح العقيدة الطحاوية 360، وقال السقاف: قال البويصري في
(زوائد ابن ماجة) (2/239) عن حديثه هذا : هذا إسناد فيه مقال
راشد بن سعد، قال أبو حاتم: صدوق، وعباد بن يوسف لم يخرج له
أحد سوى ابن ماجة، ومنه تعلم أن قول المتناقض-يعني الألباني-
في (صحيحته)(3/480) عن إسناده أنه (جيد) غير جيد.
([46])
شرح العقيدة الطحاوية 360.
([47])
مجمع الزوائد 7/259.
([48])
تخريج أحاديث الكشاف 2/83.
([49])
ضعفاء العقيلي2/262رقم815.
([50])
مجمع الزوائد1/189.
([51])
لسان الميزان2/291.
([52])
الجامع الكافي الجزء السادس-خ-.
([53])
مجمع الزوائد1/162، 7/259.
([54])
مجمع الزوائد7/259- 260.
([55])
ضلال الجنة في تخريج السنة1/43.
([56])
تفسير ابن أبي حاتم5/1587، وكنز العمال2/413رقم4382.
([57])
الاعتصام1/7.
([58])
الملل والنحل1/13.
([59])
شرح الأخبار2/134- 125.
([60])
المعراج –خ-.
([61])
كفاية الأثر 155، وهو في الوسائل 18/31 عن الكفاية.
([62])
نهج الحق 331.
([63])
بشارة المصطفى 216، والرواية في الاحتجاج 1/391.
([64])
أمالي المفيد 212- 213.
([65])
المناقب 331، وعزاه في تأويل الآيات 190 إلى أبي نعيم وابن
مردويه.
([66])
عوالي اللالئ 4/65- 66.
([67])
الكافي8/223.
([68])
الفضائل 140- 141.
([69])
العمدة 74- 75.
([70])
وقع في المطبوعة: كلها في النار، وهو خطأ.
([71])
حلية الأولياء5/8رقم6122، بلفظ : تنتحل حينا وتفارق أمرنا.
([72])
وقع في رواية ابن حزم زيادة بين نعيم وعيسى: عبدالله بن
المبارك، وقد نبه العلوي عليه بأن اسقطه كما في سائر الروايات.
([73])
مجمع الزوائد1/179.
([74])
المدخل24- 35.
([75])
الكامل في الضعفاء7/2483.
([76])
تاريخ بغداد13/307.
([77])
تاريخ بغداد13/308.
([78])
الكامل 3/1265.
([79])
مجمع الزوائد7/323.
([80])
مجمع الزوائد7/259.
([81])
شرح الطحاوية630.
([82])
مجمع الزوائد7/260.
([83])
شرح الطحاوية631.
([84])
بحار الأنوار 28/10 -11.
([85])
العواصم والقواصم 1/186.
([86])
انظر العواصم1/186.
([87])
فتح القدير2/56.
([88])
حكاه عنه في يقظة أولي الاعتبار1/207، والفتح الرباني ص79.
([89])
انظر : سلسلة الأحاديث الصحيحة1/363.
([90])
العواصم والقواصم3/170.
([91])
شرح البالغ المدرك96.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire