الحديث عن شيعة آل البيت في اليمن، وإن كان يتشابه في بعض فصوله وملامحه مع
التجمعات الشيعية الأخرى في العالم العربي، إلا أن الشيعة في اليمن
يتميزون بكونهم ينتمون إلى المذهب الزيدي الذي ينتشر في بلادهم منذ أواخر
القرن الثالث الهجري وليس إلى المذهب الإمامي الإثني عشري الذي ينتشر في
إيران والعراق ولبنان ودول الخليج العربي وغيرها.
وقد تميزت اليمن أيضاً بأن حكامها المنتسبين إلى آل البيت قبل الثورة اليمنية سنة 1962م هم أيضاً أعلام وفقهاء المذهب الزيدي، فدولتهم التي استمرت 1100 سنة بين امتداد وتقلص كان يحكمها فقهاء المذهب الذين كانوا في الغالب يقاومون ويحاربون الرّفض والغلو في التشيع، كما أنهم كانوا يحاربون الباطنية والاسماعيلية الذين يتواجدون في اليمن، وكان الغلو من قبل علمائهم وعوامهم يعتبر من الاستثناء.
وبالرغم من أن الزيدية كانت طيلة تلك الفترة زيدية صرفة، إلا أن الانفتاح الذي عاشه اليمن بعد تحقيق الوحدة سنة 1990، وتحسن علاقات إيران بالدول العربية، والكُره الذي يُكنه العسكريون والمشايخ المتحولون الى الوهابية، وجمعيات السلفيين المدعومة من الوهابية دولا ورجال دين، والاخوان المسلمن وحزبهم التجمع اليمني للاصلاح في اليمن للزيدية ورموزها الهاشمية وقيامها بتهميشهم وسعيها لمحاصرتهم والحد من نفوذهم، كلّ ذلك ساهم في أن تجد ايران الإمامية الإثني عشرية موطئاً لها في بلاد اليمن، ليس كمذهب، وانما كداعم سياسي وان تستقطب الكثير من قادة العمل الزيدي وعوامهم، بحيث أن الزيدية بدأت تقترب من الإثني عشرية، وبدأت الاثني عشرية تحصل على التفهم في العمل الزيدي من حيث المؤلفات والمحاضرات وإقامة الأعياد والمناسبات الإمامية، وبناء العلاقات مع الآخرين بموجب التوجه الجديد.
وسنسعى في هذا البحث إلى إعطاء نبذة عن المذهب الزيدي، وجوانب الاتفاق والاختلاف مع مذهب أهل السنة ومع مذهب الشيعة الإثني عشرية، وسنعرض لبداية دخول الزيدية إلى اليمن في أواخر القرن الثالث الهجري، وكيف أن دولة الزيدية التي استمرت 11 قرناً كانت تحكم من قبل فقهاء المذهب، بل ان فقهاء المذهب الزيدي كانوا الى مكانتهم الفقهية قادة الجيوش وحكام المقاطعات والوزراء والقضاة وكبار الاداريين بل انهم قديجمعون بين القيادة العسكرية واي من تلك المناصب. حتى قيام ثور 26 سبتمبر 1962م. وتميزوا بالعلم وكرامة الاستقلال وصدق التدين بعكس كثير ممن جاءت الثورة وولتهم المناصب. وقد كان زوال هذه الدولة بنجاح الثورة اليمنية سنة 1962م، وهي الثورة التي شكلت قاصمة الظهر لهذه الدولة، حيث تبنت الحكم الجمهوري الذي قام على انقاض دولة الأئمة الزيديين ونظاماً أقرب إلى العلمانية منه إلى القومية واليسارية، وكان التأثير المصري الناصري على الحكم الجمهوري الجديد في بدايته كبيراً.
من ثم نعرض الدور الذي تقوم به الشيعة الإثني عشرية ودولتها إيران لاختراق المذهب الزيدي، ومحاولة تحويل أنصاره نحو التشيع الإثني عشري، والظروف المحلية والخارجية التي ساعدت على ذلك.
وسنبين ملامح هذا التوجه الجديد في العديد من الأنشطة الدينية والثقافية والتربوية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية للشيعة الزيدية في اليمن، وهو الأمر الذي أوجب على دعاة من يسمون انفسهم أهل السنة والجماعة الحذر والمسارعة إلى مواجهة هذا المد الشيعي الإمامي الإثني عشري في اليمن.
تنتسب الزيدية إلى الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (80-122) هـ، وقد تلقى العلم عن والده زين العابدين علي بن الحسين، ثم عن أخيه الأكبر (محمد بن علي الباقر).
وتنقل في البلاد الشامية والعراقية باحثاً عن العلم أولاً وعن حق آل البيت في الإمامة ثانياً، وكان تقياً ورعاً شجاعاً، وقد اتصل برأس المعتزلة واصل بن عطاء، وتدارس معه العلوم، فتأثر به وبأفكاره التي نقل بعضها إلى الفكر الزيدي، كما أن الإمام أبا حنيفة تتلمذ على الإمام زيد وأخذ عنه العلم.
ونتيجة للأوضاع التي عاش بها، أسس مذهباً فقهياً يجمع بين فقه أهل البيت والاعتزال، وأسس قاعدة مشروعية الخروج على الحاكم الظالم، وهي القاعدة التي طبقها الزيدية جيلاً بعد جيل.
ولم يكن فقه الإمام زيد قد دوّن في حياته، ومع ذلك فإن الزيدية تنسب له كتابين يعتبران عماد الفقه الزيدي، الأول "المجموع في الحديث" والآخر "المجموع في الفقه"، وهما في كتاب واحد اسمه المجموع الكبير، وراوي هذين الكتابين عن الإمام زيد تلميذه أبو خالد عمرو بن خالد الواسطي، وقد اتهمه أهل الحديث، كعادتهم مع فقه آل البيت، بالوضع والكذب.
وقد قاد الإمام زيد ثورة ضد الأمويين، زمن هشام بن عبد الملك سنة 122هـ، وقد دفعه أهل الكوفة لهذا الخروج ثم ما لبثوا أن تخلوا عنه وخذلوه عندما علموا بأنه لا يتبرأ من الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ولا يلعنهما فسماهم الرافضة، واضطر لمقابلة الجيش الأموي وما معه سوى 500 فارس وقيل 200 فقط، حيث أصيب بسهم قضى عليه.
الإمامة:
يجيز الزيدية أن يكون الإمام في كل أولاد فاطمة، سواءً أكانوا من نسل الإمام الحسن أم من نسل الإمام الحسين، والإمامة لديهم ليست بالنص، وهي ليست وراثية بل تقوم على البيعة، ويتم اختيار للإمام من قبل أهل الحل والعقد.
ويجيزون وجود أكثر من إمام واحد في وقت واحد في قطرين مختلفين، وتقول الزيدية بالإمام المفضول مع وجود الأفضل، إذ لا يشترط عندهم أن يكون الإمام أفضل الناس جميعاً، ومعظمهم يقرّون خلافة أبي بكر وعمر، ولا يلعنونهما كما تفعل فرق الشيعة، ويقرون بصحة خلافة عثمان مع مؤاخذته على بعض الأمور.
الاعتزال:
ويميل الزيديون إلى الاعتزال فيما يتعلق بذات الله، والجبر والاختيار، ومرتكب الكبيرة يعتبرونه في منزلة بين المنزلتين كما تقول المعتزلة، ولكنه غير مخلد في النار إذ يعذب فيها حتى يطهر من ذنبه ثم ينتقل إلى الجنة، وقالوا بوجوب الإيمان بالقضاء والقدر مع اعتبار الإنسان حرّاً مختاراً في طاعة الله أو عصيانه، ففصلوا بذلك بين الإرادة وبين المحبة أو الرضا، وهو رأي أهل البيت من الأئمة.
وخرجت عن الزيدية ثلاث فرق طعن بعضها في الشيخين، كما مال بعضها عن القول بإمامة المفضول وهذه الفرق هي:
1-الجارودية: أصحاب أبي الجارود زياد بن أبي زياد.
2-السليمانية: أصحاب سليمان بن جرير، ويقال لها أيضاً "الجريرية".
3-البترية: أصحاب النوى الأبتر والحسن بن صالح، ويقال لها "الصالحية"[1].
التشابه مع الإثني عشرية:
وتعتبر الزيدية إحدى فرق الشيعة، وتتشابه بعض عقائدها مع عقائد الشيعة الإثني عشرية الذين يشكلون معظم الشيعة في العالم، فهم يرون جواز التقية إذا لزم الأمر لقوله تعالى (الا ان تتقوا منهم تقاة)، وأحقية أهل البيت في الخلافة وتفضيل الأحاديث الواردة عنهم على غيرها لأن مدة الحكم الاموي تميزت بانتشار وضع الاحاديث، ورفض الاحاديث الواردة عن اهل البيت، وشيوع لعن آل البيت في الصلاة الجامعة، وكذلك الحال في العصر العباسي الذي يرون انه انتشر فيه وضع الاحاديث وتعظيم ابن عباس كمرجع مع انه لم يدرك الرسول صلى الله عليه وسلم الا وهو طفل، ولا يجيز الزيدية التقليد ويرونه قادحا في كمال الدين، ويقولون "حي على خير العمل" في الأذان، ويرسلون أيديهم في الصلاة، ويعدون صلاة التراويح جماعة والتي شرعهاعمربدعة، لان حق التشريع في العبادات ينحصر في الله ورسوله، ويرفضون الصلاة خلف الفاجر ويرون ان الكافر نجس وان لمسه او مصافحته تنقض الطهارة شأنه في ذلك شأن الميت، ولا يرون في لمس المرأة ناقضا للوضوء ويفسرون لفظة (او لامستم النساء) بانها كناية عن الجماع، ويعتبرون تحرك الساكن، كناية عن انتشار القضيب، من نواقض الوضوء. إذاً فالخصوصية واضحة في مذهبهم، ويتفقون مع السنة في امور كثيرة ويخالفون الإمامية الاثني عشرية في الكثير من الأصول والفروع [2].
نظرة الإثني عشرية إلى الزيدية:
وبالرغم من أن الزيدية تشكل إحدى فرق الشيعة شأنها شأن الإمامية الإثني عشرية والإسماعيلية والشيخية، إلا أن الزيدية كان لها نصيب وافر من كره وحقد بعض الإمامية، بل وإفتاء بعض علماء الشيعة الإمامية بكفر الزيدية، فقد وردت في كتبهم المعتبرة روايات كثيرة في ذم الزيدية وتشبيههم بالنواصب بل وتكفيرهم ذلك أن الإمامية يقولون بكفر كل من لا يؤمن بالأئمة الإثني عشر.
فقد روى الكليني في الكافي (8/235) حديث رقم 314، عن عبد الله بن المغيرة، قال: "قلت لأبي الحسن عليه السلام: إنّ لي جارين أحدهما ناصب والآخر زيدي ولا بد من معاشرتهما، فمن أعاشر؟ فقال: هما سيّان، من كذّب بآية من كتاب الله فقد نبذ الإسلام من وراء ظهره، وهو المكذب بجميع القرآن والأنبياء والمرسلين، وقال: إن هذا نصب لك وهذا الزيدي نصب لنا".
وروى الكشي في رجال الكشي ص198، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصدقة على الناصب وعلى الزيدية، فقال: لا تصدق عليهم بشيء ولا تسقهم من الماء إن استطعت، وقال لي: الزيدية هم النصّاب.
وجاء في بحار الأنوار للمجلسي (48/266) عن عمر بن يزيد قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فحدثني مليّاً عن فضائل الشيعة ثم قال: إن من الشيعة بعدنا من هم شر من النصّاب، قلت: جعلت فداك، أليس ينتحلون حبكم ويتولونكم ويتبرؤون من عدوكم؟ قال: نعم. قلت: جعلت فداك، بين لنا نعرفهم، فلسنا منهم؟ قال: كلا يا عمر، ما أنت منهم، إنما هم قوم يفتنون بزيد ويفتنون بموسى.
وورد عند بعضهم أن الزيدية ليست مذهباً شيعياً، فيقول أحد كبار علمائهم وهو محمد الموسوي الشيرازي الملقب بـ (سلطان الواعظين) في كتاب ليالي بيشاور ص129-130:
"إني لم أذكر في الليلة الماضية أن الشيعة على مذاهب، وإنما الشيعة مذهب واحد، وهم المطيعون لله وللرسول محمد صلى الله عليه وسلم والأئمة الإثني عشر (ع)، ولكن ظهرت مذاهب كثيرة بدواعٍ دنيوية وسياسية زعمت أنها من الشيعة، ونشروا كتباً على هذا الأساس الباطل من غير تحقيق وتدقيق.
وأما المذاهب التي انتسبت إلى الشيعة عن جهل أو عمدٍ لأغراض سياسية ودنيوية، فهي أربعة مذاهب أولية، وقد اضمحل منها مذهبان وبقي مذهبان، تشعبت منهما مذاهب أخرى، والمذاهب الأربعة هي: الزيدية، والكيسانية، والقداحية، والغلاة".
موقف الزيدية من الإثني عشرية:
وفي المقابل كان علماء الزيدية في القديم والحاضر -إلا من شذّ منهم- يقولون بضلال الشيعة الروافض ويحذرون منهم، وينكرون ما هم عليه من الضلال والمنكر، ويتساوى في هذا الشيعة الإثنا عشرية والجارودية، وهم قسم من الزيدية عرفوا بالغلو والميل إلى الرفض والتشيع. وجاء عن الإمام زيد بن علي رحمهما الله (رسائل العدل والتوحيد 3/76 نقلاً عن التحف شرح الزلف) ما نصّه: "اللهم اجعل لعنتك ولعنة آبائي وأجدادي ولعنتي على هؤلاء القوم الذين رفضوني وخرجوا من بيعتي كما رفض أهل حروراء علي بن أبي طالب عليه السلام حتى حاربوه".
والسبب في هذا اللعن هو أن الشيعة في الكوفة طلبوا منه أن يتبرأ من أبي بكر وعمر، حتى ينصروه ضد الجيش الأموي، فأبى ذلك فرفضوه فقال: أنتم الرافضة، وقال أيضاً: الرافضة مرقوا علينا.
وكان الإمام الهادي يحيى بن الحسين يقول (الأحكام في الحلال والحرام 1/454): "حزب الإمامية الرافضة للحق والمحقين"، ويقول ".... هؤلاء الإمامية الذين عطّلوا الجهاد وأظهروا المنكر في البلاد".
وأما الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة المتوفى سنة 614هـ فقد ردّ عليهم بمئات الصفحات في كتابه العقد الثمين، وناقش آراءهم، وفنّد أساطير أتباع عبد الله بن سبأ وربطهم به، وفنّد أدلتهم في دعوى ورود النص الجلي لتعيين الإمام علي بن أبي طالب أميراً للمؤمنين وادعاء العصمة للأئمة الإثني عشر ومعرفتهم للغيب، ودعوى وجود مهدي في السرداب، والتقية والبداء وزندقتهم في دعوى تحريف القرآن، وتحريف معانيه، وغير ذلك.
ومن المعاصرين، يقول العلامة مجد الدين المؤيدي رحمه الله (التحف شرح الزلف ص68) وهو يشرح خروج الإمام زيد بن علي بن الحسين على الأمويين: "ولم يفارقه إلا هذه الفرقة الرافضة التي ورد الخبرالشريف بضلالها".
بداية التشيع في اليمن:
ارتبط دخول المذهب الزيدي إلى اليمن باسم الإمام يحيى بن الحسين بن القاسم المعروف بالهادي (245-298هـ)، ويعود نسب الهادي إلى الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب، وقد ولد في المدينة المنورة وهو حفيد الإمام القاسم بن إبراهيم الرّسي صاحب الطائفة "القاسمية" بالحجاز.
وقد عكف الإمام الهادي على دراسة الفقه على مذهب الإمام زيد ومذهب الإمام أبي حنيفة، ورحل إلى اليمن سنة 280هـ، فوجدها أرضاً صالحة لبذر آرائه الفقهية، وقد رافقه في هذه الرحلة علي بن العباس بن أدهم الحسني الذي كان من أعلم رجال آل البيت بعلم آل البيت، وهو الذي يروي إجماعات آل البيت التي تعد عند الزيدية المصدر الثالث بعد الكتاب والسنة.
لكن الإمام الهادي عاد بعد ذلك إلى الحجاز، ولم يكن قد دعا إلى إمامته في هذه الرحلة ولا بايعه أحد من أهل اليمن، وبعد ذهابه إلى الحجاز، أحس أهل اليمن بالفراغ الذي تركه، وشعروا بالحاجة إليه فراسلوه ليرجع إليهم، فأجاب داعيهم ووصل إلى اليمن سنة 284هـ، واستقر في صعده (شمال اليمن) وأخذ منهم البيعة على إقامة الكتاب والسنة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والطاعة في المعروف.
وقد كانت اليمن تعاني في ذلك الوقت تغلب أهل البدع من الباطنية والقرامطة والإسماعيلية، فبدأ الإمام الهادي حركته الإصلاحية بلم الشمل والقضاء على الفرقة والاختلاف، وبدأ بمجاهدة هؤلاء الباطنية حتى استطاع أن يحكم معظم أنحاء اليمن وجزءاً من الحجاز، وسار في حكمه سيرة حسنة من توفير الأمن والعدل وتنظيم موارد ومصارف الزكوات والجزية وتطبيق الحدود.
وفي سنة 293هـ، استشعر خطر القرامطة المتزايد فخرج لجهادهم واستمر يجاهدهم حتى توفي سنة 298هـ بعد إصابته بجروح في جهاده. وواصل ابنه أحمد بن يحيى ما بدأه والده من جهاد القرامطة، فجاهدهم حتى توفي سنة 325هـ، ودفن بجوار أبيه في مدينة صعدة.
وبهذا يتبين أن انتشار المذهب الزيدي في اليمن كان بسيطرة رجال من آل البيت على الحكم من أمثال الهادي ومن جاء بعده من أولاده وذريته، واستمر رجال آل البيت يحكمون اليمن حتى قيام الثورة اليمنية سنة 1382هـ (1962م) على أنقاض المملكة المتوكلية اليمنية، أي قبل 51 سنة فقط من الآن، وهي أطول فترة حكم في التاريخ لآل البيت، حيث دام أحد عشر قرناً: من بداية حكم الهادي 284هـ وحتى قيام الثورة وسقوط الحكم الإمامي الملكي سنة 1382هـ .
وقد شكّلت الثورة اليمنية ضربة كبيرة للزيدية في اليمن، ذلك أنها أنهت حكم الأئمة الزيدية الذي استمر حوالي 1100 سنة، وخلالها كان آل البيت "السادة" يتمتعون بنفوذ قوي وسلطة وتأثير على العوام، سرعان ما تلاشى مع قدوم الثورة وإنهائها للنظام الزيدي الذي كانت تصفه بـ "الكهنوتي".
وبالرغم من أن معظم الرؤساء الذين حكموا اليمن في العهد الجمهوري (1962م) ينتمون إلى المذهب الزيدي، إلا أنهم لم يكونوا متحمسين لنشر مذهبهم، حيث أنهم كانوا يسعون إلى القضاء على جميع مخلفات النظام السابق، وحيث كان الحكام السابقون الذين ينتمون إلى آل البيت هم أعلام المذهب الزيدي، وصار الكثير من الموالين للمذهب الزيدي يخفون انتماءهم إليه خشية أن تصيبهم لعنة الثورة.
الزيدية في اليمن:
وبالرغم من عدم وجود إحصاء رسمي في اليمن يبين عدد السكان على أساس المذهب، إلا أن الرقم الذي تشير إليه بعض المصادر هو 45% من سكان اليمن الشمالي، أما اليمن الجنوبي فأهله من السنة الشوافع، ويتركز الزيديون في المحافظات الشمالية مثل ذمار وصنعاء وصعدة وحجّة، وأما السنة الشوافع فتركزهم في المحافظات الوسطى والجنوبية مثل عدن وحضرموت وتعز والحديدة وإِب ومأرب، وتتميز معظم المحافظات السنية كونها ذات كثافة سكانية كبيرة، فمحافظة تعز مثلاً، وهي إحدى المحافظات السنيّة تعتبر الأكثر سكاناً.
وباحتساب سكان اليمن الموحّد، فإن نسبة الزيدية تنخفض إلى ما يقرب من 30-35%، حيث أن سكان اليمن الجنوبي هم من السنة الذين يتبعون المذهب الشافعي، حيث ينحصر المذهب الزيدي في المحافظات الشمالية من اليمن الشمالي.
وما زال الكثير من الزيدية في اليمن يعتزون بانتسابهم لآل البيت، وهي تعتبر إحدى الطبقات عالية الشأن في المجتمع اليمني، وخاصة قبل الثورة، ومن عائلات آل البيت "السّادة" البارزة في اليمن: الوزير، المؤيّد، الكِبْسي، المتوكل، الشامي، الأكوع، الديلمي.
وإضافة إلى السنة الشوافع في المحافظات الجنوبية والوسطى، والشيعة الزيديين في المحافظات الشمالية، فإن هناك أعداداً أخرى من الشيعة الإسماعيلية الذين يعرفون "بالمكارمة" ويقطنون مناطق مثل حراز وصعفان وهمدان وعراس في يريم.
التقارب الزيدي الإمامي:
شكلت الثورة الإيرانية سنة 1979م بارقة أمل للزيدية، ذلك أن الفترة التي تلت الثورة اليمنية وسبقت الثورة الإيرانية شهدت انحساراً للمذهب الزيدي، ونشطت خلال تلك الفترة الدعوة الوهابية التي تكفر الشوافع الاشاعرة والصوفية كما تكفر الزيدية، والدعوة الاخوانية التي اصبحت ذيلا للوهابية في المناطق الزيدية والشافعية.
وبالرغم من حماس هؤلاء الزيدية لثورة الشيعة الإمامية في إيران، إلا أن تأثيرها عليهم في الفترة من 1979 إلى 1990 (عام الوحدة اليمنية) لم يكن كبيراً لأسباب عديدة أهمها:
1- عداء النظام في اليمن، نظرا لتبعيته لنظام البعث العراقي وللسعودية في آن معا، للثورة الإيرانية التي رفعت شعار تصدير الثورة، وارسال النظام اليمني قوات عسكرية نصرة للحرب العراقية على ايران.
2- كان اليمن الشمالي خلال تلك الفترة يعيش نظام حكم شمولي، ونظام الحزب الواحد، وكان يمنع تشكيل الأحزاب أو الدعوة إلى أنظمة وتيارات وأفكار مخالفة لتوجهات الدولة والحزب، وكانت الدولة تقيّد إصدار الصحف والمطبوعات.
3- اندلاع الحرب العراقية الإيرانية، ووقوف اليمن في صف العراق ضد إيران، الأمر الذي لم يتح للزيدية تبني نهج دولة تعاديها بلادهم.
ومع قدوم سنة 1990 كانت الكثير من الأحداث المتسارعة في العالم، تصب في صالح الزيدية، ومن ذلك:
1- أن الحرب العراقية الإيرانية كانت قد وضعت أوزارها قبل ذلك بحوالي عامين، الأمر الذي يعني أن أحد مسببات العداء بين اليمن وإيران قد زال.
2- وفاة الخميني سنة 1989، والأمل الذي عُقد على الرئيس الإيراني الجديد هاشمي رفسنجاني في أن تتبع إيران في عهده سياسة سلمية وديّة مع العالم الإسلامي، خاصة وأن إيران بدأت في عهده التقليل التدريجي لتصدير الثورة بالقوة، واتباع أسلوب الغزو الثقافي. ومع مجيء الرئيس خاتمي إلى رئاسة إيران سنة 1997، زاد اندفاع الدول العربية والإسلامية نحوها، ذلك أنهم ظنوا أن خاتمي يمثل قمة الاعتدال، وأن عهداً إيرانياً جديداً قد جاء.
3- لكن الأهم من هذا وذاك هو تحقيق الوحدة اليمنية، الذي يعتبر أهم حدث يمني في التاريخ الحديث، ففي 22/5/1990 توحد شطرا اليمن، ورافقت الوحدة إجراءات سياسية كثيرة، تم بموجبها فتح الباب على مصراعيه لإنشاء الأحزاب والجمعيات والمطبوعات ونشر الأفكار والمذاهب، الأمر الذي جعل الزيدية يبادرون إلى الاستفادة من هذا الوضع الجديد، ويقومون بإنشاء بعض الأحزاب والهيئات والصحف، وبدأ بعض علماء الزيدية ودعاتهم وطلابهم يتوجهون إلى إيران حيث وجدوا التفهم والنصرة.
4- السياسة الجديدة للنظام الإيراني في الانفتاح على الزيدية ضمن جهدها السياسي لرفع الحصار الخانق عليها من خلال البحث عن حلفاء.
الأنشطة الزيدية:
سبق القول أن مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية قد أدّت إلى أن يتجه قادة العمل الزيدي في اليمن اتجاهاً متعاطفا مع ايران، وبدأ هذا الاتجاه يسري إلى عوام الزيدية، وكان لأموال الدعم الإيرانية التي تغدقها أثر كبير في هذا الاتجاه الجديد للزيدية في اليمن.
ونستطيع أن نلمح مجموعة من الأنشطة والأعمال في مختلف المجالات التي تقرب الزيدية الى الشيعية الإثني عشرية.
أولاً: الأنشطة الدينية والتعليمية:
1-تقريب الزيدية إلى الإمامية:
ظهر بفعل الهجمة التكفيرية الوهابية دعاة يدعون إلى التقارب مع ايران يرغبون الناس به، ويدافعون عنه، على قاعدة ان عدو عدوي صديقي من ناحية، ولما اظهرته السياسة الايرانية من مناصرة للمستضعفين ضد الظالمين مسلمين وغير مسلمين دون تمييز مذهبي كمناصرتها لحماس وحزب الله في آن معا ومناصرتها للاخوان المسلمين حيثما اضطهدوا في مصر وتونس والجزائر وليبيا، ولحركات التحرر في افريقيا وآسيا واميركا اللاتينية.
ويقول أحد كبار دعاة الزيدية في اليمن اليوم وهو الدكتور المرتضى بن زيد المحطوري ما نصّه: "وما زلنا نطالع عبر الأيام حشواً من الكلام في كتب وكتيبات عن الشيعة الجعفرية فيها من الكذب والتهم على أهل البيت بدءاً بعلي عليه السلام والحسين السبط والأئمة وهلّم جرا، والتقول على الزيدية بما لا يدع شكّاً أن نوازع سياسية ومخابرات عالمية تحرك الجهلاء لكتابتها وتوزيعها مجاناً"].
وقد جاء كلامه هذا في معرض رده على المحدثين لجرحهم بعض رواة الأحاديث من غلاة الشيعة. ويقول المحطوري في نفس الصفحة: "مع أنهم -أي الشيعة الإمامية- يتلمسون المودة والتقارب من إخوانهم العرب والمسلمين ولايجدون إلا الصلف والغرور".
ويروي المحطوري قصة زيارته لإيران فيقول:
"كنت في زيارة لإيران عام 1997، وبدعوة من حجة الإسلام السيد جواد الشهرستاني، الوكيل العام للمرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني. وخلال خمسة عشر يوماً زرت خلالها عدداً من الحوزات والمنشآت العلمية والبحثية والمكتبية، فوجدت بشاشة وترحيباً وودّاً عند كل من قابلنا، وعندهم نهضة علمية ونشاط في تأليف الكتب يثير الدهشة، فالكل يؤلّف، وبعضهم له موسوعات وعشرات المجلدات. ولكي أبرهن على تعصب العرب والمسلمين فقد أدخلت السجن السياسي فور رجوعي من إيران، فما نزلت من الطائرة إلا إلى عربة الأمن السياسي بتهمة زيارة إيران".
ومن كبار دعاتهم إلى التقارب مع ايران، العلامة بدر الدين الحوثي رحمه الله الذي ألّف كتاباً بعنوان (الزيدية في اليمن) وبيّن فيه أصل زيدية اليمن، وأصولها والتقارب بينها وبين الإمامية الجعفرية، بل الاتفاق في الأصول المهمة.
ويقول محمد بن إسماعيل الويسي في معرض تقريظه لمفكر شيعي امامي: "وأعظم مدرسة فلسفية توضح لنا الاقتصاد الإسلامي بطرح واضح وحقيقة لها جذور إسلامية صحيحة هي مدرسة السيد محمد باقر الصدر رحمه الله تعالى الذي أسدى للإسلام والأمة بل للبشرية حذمة قلّ نظيرها، والذي كان يمثل العلماء العاملين بحق ولم يقتصر على علم جامد يقتصر على النجاسة والطهارة".
ويقول: "فأنا أنصح كل من يريد تحرير فكره ونضوج عقله أن يطلع على مؤلفات الشهيد محمد باقر الصدر وغيره من العلماء الواعين الذين خدموا الإسلام بصدق لا بمنطق مذهبي متعصب وبمنطق التكفير والتفسيق، فللمسلمين الحق بأن يفتخروا بعظماء كهؤلاء" .
2-المساجد والمراكز العلمية والمدارس:
يدير الزيدية مجموعة من المدارس والمساجد منها:
-مركز بدر العلمي: وهو عبارة عن مسجد ملحق به مدرسة في حي الصافية في صنعاء، وفيه قسم داخلي للطلاب، وبجوار المركز توجد مكتبة بدر التي تبيع كتب وأشرطة علمائهم، كما أن المركز يتبع له مجموعة من المحلات المؤجرة، ويدير المركز د. المرتضى ابن زيد المحطوري.
-مركز ومسجد النهرين: الذي يقع في منطقة صنعاء القديمة، ويستمد أهميته من شخصية إمام المسجد حمود بن عباس المؤيد مفتي الجمهورية وهو رجل كبير يتمتع بقبول الناس له. ويتركز نشاط هذا المسجد في إصدار صحيفة صغيرة تدعى "النهرين"، وهي غير منتظمة الصدور.
-الجامع الكبير: في صنعاء، ويتبعه مدرسة لتحفيظ القرآن وعلومه على مذهب "الزيدية "، وله أوقاف تدرّ دخلاً وصندوق خيري لطلاب العلم، كما أن فيه أكثر من حلقة لتدريس الفقه وأصوله واللغة ...
-مركز الهادي: في مدينة صعدة، شمال اليمن، التي تعتبر من أهم التجمعات الزيدية النشطة في اليمن، فيه مدرسة تقع غرب المسجد (الهادي)، وتتكون من طابقين، وبها مكتبة المسجد، ويدير المدرسة العلامة أحمد بن محمد حجر.
-دار العلوم العليا: وهي مدرسة كبيرة في صنعاء بنيت على نفقة إيران، وتنفق عليها الحكومة اليمنية، ومنهجها مختلف عن المدارس العامة، فالمناهج والمدرسون من المذهب الزيدي، ويصل عدد الطلاب في الفترتين الصباحية والمسائية إلى 1500، في جميع المراحل، ويديرها عبد السلام الوجيه.
-مركز الإمام القاسم بن محمد: في مدينة عمران، شمال صنعاء، وقد أقيم حديثاً، ويتكون من مسجد ومكتبة صغيرة ، ويوجد به غرفة كبيرة يتلقى فيها الطلاب دروسهم، ويديره محمد المأخذي.
-المركز الصيفي: في مدينة ضحيان، ويقام هذا المركز في مدرسة الفلاح في ضحيان والتي يديرها يحيى حمران، وتُمارس الكثير من الأنشطة والفعاليات خلاله.
-مركز الثقلين: في حارة الشراعي في صنعاء، ويشرف عليه عراقي إضافة إلى يمني درس في مدينة قم الإيرانية اسمه إسماعيل الشامي، ويمارس مختلف الأنشطة.
3-المطبوعات والمحاضرات والاحتفالات:
ازدادت في الآونة الأخيرة انشطة عقد المحاضرات والندوات، بل وإقامة الاحتفالات وإحياء المناسبات المشتركة مع الإثني عشرية كيوم القدس العالمي، حتى التي لم تكن مألوفة بين الزيدية في اليمن، ومعظهمها ردود افعال على التغول الوهابي الاخواني لاغاظتهم وتحديهم:
-إحياء ذكرى مقتل الحسين -رضي الله عنه- وإقامة المجالس الحسينية في مساجدهم الخاصة لا سيّما في صنعاء القديمة، ويسبقه الإعلانات في المساجد، وتعليق اللافتات الكبيرة في الشوارع التي تدعو إلى المشاركة وتدل على زمان ومكان تلك المجالس.
-إحياء ذكرى وفاة بعض الأئمة كجعفر الصادق ومحمد الباقر وعلي زين العابدين رضي الله عنهم .
-اتخاذ جبل في مدينة صعدة، أطلقوا عليه اسم (معاوية)، يخرجون إليه يوم كربلاء (عاشوراء) بالأسلحة المتوسطة والخفيفة، ويطلقون ما لا يحصى من القذائف، رغم سقوط قتلى وجرحى، ومناشدة الدولة وبعض علمائهم لهم بوقف هذه الأعمال.
-عرض بعض المحلات التجارية والمطاعم لأشرطة (المجالس الحسينية) المسجلة في إيران، وفيها أصوات العويل والندب والقدح في يزيد .
-إدخال أحدى قرى منطقة الحيمة الداخلية تسمى (الجلب) اسم علي بن أبي طالب في الأذان، وقولهم (أشهد أن عليّاً ولي الله).
-الاحتفال بذكرى يوم الغدير.
-إقامة المحاضرات في المساجد والمراكز مثل: علي وعلاقته بالرسول، علي ودوره في معركة بدر، علي السياسي والعسكري.
وسرعان ما تتحول مثل هذه المحاضرات إلى النيل من الوهابية والاخوان وعلمائهم.
-طباعة الكتب والنشرات، وتوزيعها أحياناً بالمجان، مثل كتاب "الوهابية في اليمن" لبدر الدين الحوئي، و"ثم اهتديت" للتيجاني.
4-محاولة الاستيلاء على مساجد الضرار الوهابية الاخوانية في المناطق الزيدية:
يحاول الزيدية استرجاع مساجدهم من ايدي التكفيريين الوهابيين واتباعهم الاخوان التي تم الاستيلاء عليها في مرحلة الاستضعاف ، أو إدخال بعض شعائرهم في المساجد التي لا يستطيعون استعادتها كمساجد مثل (البهمة، حجر...) حاولوا الاستيلاء عليها، وكانوا أحياناً يوفقون في سعيهم هذا.، وقد راح ضحية هذه الأعمال عدد من شبابهم،
ثانياً: الأنشطة الإعلامية والثقافية:
المرحلة الاولى: 1990-2011
مع أجواء الانفتاح التي عاشها اليمن بعد تحقيق الوحدة سنة 1990، سارع الزيدية إلى إصدار بعض الصحف والمطبوعات والهيئات الثقافية، ومنها:
1-صحيفة الشورى: الناطقة باسم اتحاد القوى الشعبية.
2-صحيفة الأمة، الناطقة باسم حزب الحق.
3-صحيفة البلاغ، وصاحب الامتياز هو إبراهيم بن محمد الوزير.
وبالرغم من انتشار هذه الصحف المحدود، وقلة قرائها، إلا أنها لعبت دوراً في الترويج لعقائد الزيدية الفكر المعتدل والرد على هجمات هيئات علماء الوهابية والاخوان على اختلاف تياراتهم كعبد المجيد الزنداني وعبد الوهاب الديلمي، والوقوف في صف حرية الراي والحريات التي يناهضونها، والرّد على ما يكتب في صحف ومجلات التيارات الوهابية والإخوان.
وإضافة إلى الصحف التي يصدرها الزيدية في اليمن، فكانوا يهتمون بنشر وتوزيع عدد من المجلات الشيعية التي تصدر خارج اليمن مثل:
1-العالم، التي تصدرها إيران. وهي مجلة رفيعة المستوى خالية من اي توجه طائفي وقدتم حظرها من قبل الحكومة منذ اعوام.
2-النور، التي تصدرها من لندن مؤسسة الخوئي، ويشرف عليها شيعة عراقيون.
وإضافة للصحف والمجلات، فقد كان للزيود وجود واضح في إذاعة صنعاء، كما أنهم يدعون أنصارهم لمتابعة إذاعة طهران بحجة أنها الإذاعة الوحيدة التي تتبنى قضايا المسلمين الحقيقية وتناهض الطغيان والعمالة.
-معظم أفراد الطائفة "الزيدية " هم من الفئات المتوسطة التي لا تستطيع أن تنفق بسخاء على حزبها ومطبوعاتها، لذلك أنشأوا جمعية تدعى "جمعية الإيمان الخيرية" من أجل جمع الأموال وإنفاقها في نشاطاتهم.
كما أن الجمهورية الإيرانية قدمت وتقدم مساعدات مالية للزيدية والمستقلين في اليمن، وتقيم بعض المشاريع مثل المركز الطبي الإيراني في صنعاء (اغلقته الحكومة)، وتقدم المنح الدراسية لليمنيين لدراسة العلوم الدينية وغيرها، ويقوم السفير الإيراني في اليمن بزيارات للمناطق الزيدية.
المرحلة الثانية : 2011 وحتى الآن
مع قيام الثورة الشبابية الشعبية التي تسميها ايران الصحوة الاسلامية تدفق الدعم الايراني الذي يشرف عليه حزب الله وبعض الحوزات، فجرى انشاء عدد كبير من المراكز والمنتديات الثقافية، وبعضها اثني عشري الا ان غالبيتها ليست شيعية وليست حتى زيدية، وان كان نشاط هذه المراكز خافتا يتعلق بتنفيع الافراد والشخصيات وتمكينهم ماليا كما يقوم بعضها بدور استخباري.
ثالثاً: الأنشطة السياسية:
المرحلة الاولى: 1990-2011
وقد تميزت اليمن أيضاً بأن حكامها المنتسبين إلى آل البيت قبل الثورة اليمنية سنة 1962م هم أيضاً أعلام وفقهاء المذهب الزيدي، فدولتهم التي استمرت 1100 سنة بين امتداد وتقلص كان يحكمها فقهاء المذهب الذين كانوا في الغالب يقاومون ويحاربون الرّفض والغلو في التشيع، كما أنهم كانوا يحاربون الباطنية والاسماعيلية الذين يتواجدون في اليمن، وكان الغلو من قبل علمائهم وعوامهم يعتبر من الاستثناء.
وبالرغم من أن الزيدية كانت طيلة تلك الفترة زيدية صرفة، إلا أن الانفتاح الذي عاشه اليمن بعد تحقيق الوحدة سنة 1990، وتحسن علاقات إيران بالدول العربية، والكُره الذي يُكنه العسكريون والمشايخ المتحولون الى الوهابية، وجمعيات السلفيين المدعومة من الوهابية دولا ورجال دين، والاخوان المسلمن وحزبهم التجمع اليمني للاصلاح في اليمن للزيدية ورموزها الهاشمية وقيامها بتهميشهم وسعيها لمحاصرتهم والحد من نفوذهم، كلّ ذلك ساهم في أن تجد ايران الإمامية الإثني عشرية موطئاً لها في بلاد اليمن، ليس كمذهب، وانما كداعم سياسي وان تستقطب الكثير من قادة العمل الزيدي وعوامهم، بحيث أن الزيدية بدأت تقترب من الإثني عشرية، وبدأت الاثني عشرية تحصل على التفهم في العمل الزيدي من حيث المؤلفات والمحاضرات وإقامة الأعياد والمناسبات الإمامية، وبناء العلاقات مع الآخرين بموجب التوجه الجديد.
وسنسعى في هذا البحث إلى إعطاء نبذة عن المذهب الزيدي، وجوانب الاتفاق والاختلاف مع مذهب أهل السنة ومع مذهب الشيعة الإثني عشرية، وسنعرض لبداية دخول الزيدية إلى اليمن في أواخر القرن الثالث الهجري، وكيف أن دولة الزيدية التي استمرت 11 قرناً كانت تحكم من قبل فقهاء المذهب، بل ان فقهاء المذهب الزيدي كانوا الى مكانتهم الفقهية قادة الجيوش وحكام المقاطعات والوزراء والقضاة وكبار الاداريين بل انهم قديجمعون بين القيادة العسكرية واي من تلك المناصب. حتى قيام ثور 26 سبتمبر 1962م. وتميزوا بالعلم وكرامة الاستقلال وصدق التدين بعكس كثير ممن جاءت الثورة وولتهم المناصب. وقد كان زوال هذه الدولة بنجاح الثورة اليمنية سنة 1962م، وهي الثورة التي شكلت قاصمة الظهر لهذه الدولة، حيث تبنت الحكم الجمهوري الذي قام على انقاض دولة الأئمة الزيديين ونظاماً أقرب إلى العلمانية منه إلى القومية واليسارية، وكان التأثير المصري الناصري على الحكم الجمهوري الجديد في بدايته كبيراً.
من ثم نعرض الدور الذي تقوم به الشيعة الإثني عشرية ودولتها إيران لاختراق المذهب الزيدي، ومحاولة تحويل أنصاره نحو التشيع الإثني عشري، والظروف المحلية والخارجية التي ساعدت على ذلك.
وسنبين ملامح هذا التوجه الجديد في العديد من الأنشطة الدينية والثقافية والتربوية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية للشيعة الزيدية في اليمن، وهو الأمر الذي أوجب على دعاة من يسمون انفسهم أهل السنة والجماعة الحذر والمسارعة إلى مواجهة هذا المد الشيعي الإمامي الإثني عشري في اليمن.
تنتسب الزيدية إلى الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (80-122) هـ، وقد تلقى العلم عن والده زين العابدين علي بن الحسين، ثم عن أخيه الأكبر (محمد بن علي الباقر).
وتنقل في البلاد الشامية والعراقية باحثاً عن العلم أولاً وعن حق آل البيت في الإمامة ثانياً، وكان تقياً ورعاً شجاعاً، وقد اتصل برأس المعتزلة واصل بن عطاء، وتدارس معه العلوم، فتأثر به وبأفكاره التي نقل بعضها إلى الفكر الزيدي، كما أن الإمام أبا حنيفة تتلمذ على الإمام زيد وأخذ عنه العلم.
ونتيجة للأوضاع التي عاش بها، أسس مذهباً فقهياً يجمع بين فقه أهل البيت والاعتزال، وأسس قاعدة مشروعية الخروج على الحاكم الظالم، وهي القاعدة التي طبقها الزيدية جيلاً بعد جيل.
ولم يكن فقه الإمام زيد قد دوّن في حياته، ومع ذلك فإن الزيدية تنسب له كتابين يعتبران عماد الفقه الزيدي، الأول "المجموع في الحديث" والآخر "المجموع في الفقه"، وهما في كتاب واحد اسمه المجموع الكبير، وراوي هذين الكتابين عن الإمام زيد تلميذه أبو خالد عمرو بن خالد الواسطي، وقد اتهمه أهل الحديث، كعادتهم مع فقه آل البيت، بالوضع والكذب.
وقد قاد الإمام زيد ثورة ضد الأمويين، زمن هشام بن عبد الملك سنة 122هـ، وقد دفعه أهل الكوفة لهذا الخروج ثم ما لبثوا أن تخلوا عنه وخذلوه عندما علموا بأنه لا يتبرأ من الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ولا يلعنهما فسماهم الرافضة، واضطر لمقابلة الجيش الأموي وما معه سوى 500 فارس وقيل 200 فقط، حيث أصيب بسهم قضى عليه.
الإمامة:
يجيز الزيدية أن يكون الإمام في كل أولاد فاطمة، سواءً أكانوا من نسل الإمام الحسن أم من نسل الإمام الحسين، والإمامة لديهم ليست بالنص، وهي ليست وراثية بل تقوم على البيعة، ويتم اختيار للإمام من قبل أهل الحل والعقد.
ويجيزون وجود أكثر من إمام واحد في وقت واحد في قطرين مختلفين، وتقول الزيدية بالإمام المفضول مع وجود الأفضل، إذ لا يشترط عندهم أن يكون الإمام أفضل الناس جميعاً، ومعظمهم يقرّون خلافة أبي بكر وعمر، ولا يلعنونهما كما تفعل فرق الشيعة، ويقرون بصحة خلافة عثمان مع مؤاخذته على بعض الأمور.
الاعتزال:
ويميل الزيديون إلى الاعتزال فيما يتعلق بذات الله، والجبر والاختيار، ومرتكب الكبيرة يعتبرونه في منزلة بين المنزلتين كما تقول المعتزلة، ولكنه غير مخلد في النار إذ يعذب فيها حتى يطهر من ذنبه ثم ينتقل إلى الجنة، وقالوا بوجوب الإيمان بالقضاء والقدر مع اعتبار الإنسان حرّاً مختاراً في طاعة الله أو عصيانه، ففصلوا بذلك بين الإرادة وبين المحبة أو الرضا، وهو رأي أهل البيت من الأئمة.
وخرجت عن الزيدية ثلاث فرق طعن بعضها في الشيخين، كما مال بعضها عن القول بإمامة المفضول وهذه الفرق هي:
1-الجارودية: أصحاب أبي الجارود زياد بن أبي زياد.
2-السليمانية: أصحاب سليمان بن جرير، ويقال لها أيضاً "الجريرية".
3-البترية: أصحاب النوى الأبتر والحسن بن صالح، ويقال لها "الصالحية"[1].
التشابه مع الإثني عشرية:
وتعتبر الزيدية إحدى فرق الشيعة، وتتشابه بعض عقائدها مع عقائد الشيعة الإثني عشرية الذين يشكلون معظم الشيعة في العالم، فهم يرون جواز التقية إذا لزم الأمر لقوله تعالى (الا ان تتقوا منهم تقاة)، وأحقية أهل البيت في الخلافة وتفضيل الأحاديث الواردة عنهم على غيرها لأن مدة الحكم الاموي تميزت بانتشار وضع الاحاديث، ورفض الاحاديث الواردة عن اهل البيت، وشيوع لعن آل البيت في الصلاة الجامعة، وكذلك الحال في العصر العباسي الذي يرون انه انتشر فيه وضع الاحاديث وتعظيم ابن عباس كمرجع مع انه لم يدرك الرسول صلى الله عليه وسلم الا وهو طفل، ولا يجيز الزيدية التقليد ويرونه قادحا في كمال الدين، ويقولون "حي على خير العمل" في الأذان، ويرسلون أيديهم في الصلاة، ويعدون صلاة التراويح جماعة والتي شرعهاعمربدعة، لان حق التشريع في العبادات ينحصر في الله ورسوله، ويرفضون الصلاة خلف الفاجر ويرون ان الكافر نجس وان لمسه او مصافحته تنقض الطهارة شأنه في ذلك شأن الميت، ولا يرون في لمس المرأة ناقضا للوضوء ويفسرون لفظة (او لامستم النساء) بانها كناية عن الجماع، ويعتبرون تحرك الساكن، كناية عن انتشار القضيب، من نواقض الوضوء. إذاً فالخصوصية واضحة في مذهبهم، ويتفقون مع السنة في امور كثيرة ويخالفون الإمامية الاثني عشرية في الكثير من الأصول والفروع [2].
نظرة الإثني عشرية إلى الزيدية:
وبالرغم من أن الزيدية تشكل إحدى فرق الشيعة شأنها شأن الإمامية الإثني عشرية والإسماعيلية والشيخية، إلا أن الزيدية كان لها نصيب وافر من كره وحقد بعض الإمامية، بل وإفتاء بعض علماء الشيعة الإمامية بكفر الزيدية، فقد وردت في كتبهم المعتبرة روايات كثيرة في ذم الزيدية وتشبيههم بالنواصب بل وتكفيرهم ذلك أن الإمامية يقولون بكفر كل من لا يؤمن بالأئمة الإثني عشر.
فقد روى الكليني في الكافي (8/235) حديث رقم 314، عن عبد الله بن المغيرة، قال: "قلت لأبي الحسن عليه السلام: إنّ لي جارين أحدهما ناصب والآخر زيدي ولا بد من معاشرتهما، فمن أعاشر؟ فقال: هما سيّان، من كذّب بآية من كتاب الله فقد نبذ الإسلام من وراء ظهره، وهو المكذب بجميع القرآن والأنبياء والمرسلين، وقال: إن هذا نصب لك وهذا الزيدي نصب لنا".
وروى الكشي في رجال الكشي ص198، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصدقة على الناصب وعلى الزيدية، فقال: لا تصدق عليهم بشيء ولا تسقهم من الماء إن استطعت، وقال لي: الزيدية هم النصّاب.
وجاء في بحار الأنوار للمجلسي (48/266) عن عمر بن يزيد قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فحدثني مليّاً عن فضائل الشيعة ثم قال: إن من الشيعة بعدنا من هم شر من النصّاب، قلت: جعلت فداك، أليس ينتحلون حبكم ويتولونكم ويتبرؤون من عدوكم؟ قال: نعم. قلت: جعلت فداك، بين لنا نعرفهم، فلسنا منهم؟ قال: كلا يا عمر، ما أنت منهم، إنما هم قوم يفتنون بزيد ويفتنون بموسى.
وورد عند بعضهم أن الزيدية ليست مذهباً شيعياً، فيقول أحد كبار علمائهم وهو محمد الموسوي الشيرازي الملقب بـ (سلطان الواعظين) في كتاب ليالي بيشاور ص129-130:
"إني لم أذكر في الليلة الماضية أن الشيعة على مذاهب، وإنما الشيعة مذهب واحد، وهم المطيعون لله وللرسول محمد صلى الله عليه وسلم والأئمة الإثني عشر (ع)، ولكن ظهرت مذاهب كثيرة بدواعٍ دنيوية وسياسية زعمت أنها من الشيعة، ونشروا كتباً على هذا الأساس الباطل من غير تحقيق وتدقيق.
وأما المذاهب التي انتسبت إلى الشيعة عن جهل أو عمدٍ لأغراض سياسية ودنيوية، فهي أربعة مذاهب أولية، وقد اضمحل منها مذهبان وبقي مذهبان، تشعبت منهما مذاهب أخرى، والمذاهب الأربعة هي: الزيدية، والكيسانية، والقداحية، والغلاة".
موقف الزيدية من الإثني عشرية:
وفي المقابل كان علماء الزيدية في القديم والحاضر -إلا من شذّ منهم- يقولون بضلال الشيعة الروافض ويحذرون منهم، وينكرون ما هم عليه من الضلال والمنكر، ويتساوى في هذا الشيعة الإثنا عشرية والجارودية، وهم قسم من الزيدية عرفوا بالغلو والميل إلى الرفض والتشيع. وجاء عن الإمام زيد بن علي رحمهما الله (رسائل العدل والتوحيد 3/76 نقلاً عن التحف شرح الزلف) ما نصّه: "اللهم اجعل لعنتك ولعنة آبائي وأجدادي ولعنتي على هؤلاء القوم الذين رفضوني وخرجوا من بيعتي كما رفض أهل حروراء علي بن أبي طالب عليه السلام حتى حاربوه".
والسبب في هذا اللعن هو أن الشيعة في الكوفة طلبوا منه أن يتبرأ من أبي بكر وعمر، حتى ينصروه ضد الجيش الأموي، فأبى ذلك فرفضوه فقال: أنتم الرافضة، وقال أيضاً: الرافضة مرقوا علينا.
وكان الإمام الهادي يحيى بن الحسين يقول (الأحكام في الحلال والحرام 1/454): "حزب الإمامية الرافضة للحق والمحقين"، ويقول ".... هؤلاء الإمامية الذين عطّلوا الجهاد وأظهروا المنكر في البلاد".
وأما الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة المتوفى سنة 614هـ فقد ردّ عليهم بمئات الصفحات في كتابه العقد الثمين، وناقش آراءهم، وفنّد أساطير أتباع عبد الله بن سبأ وربطهم به، وفنّد أدلتهم في دعوى ورود النص الجلي لتعيين الإمام علي بن أبي طالب أميراً للمؤمنين وادعاء العصمة للأئمة الإثني عشر ومعرفتهم للغيب، ودعوى وجود مهدي في السرداب، والتقية والبداء وزندقتهم في دعوى تحريف القرآن، وتحريف معانيه، وغير ذلك.
ومن المعاصرين، يقول العلامة مجد الدين المؤيدي رحمه الله (التحف شرح الزلف ص68) وهو يشرح خروج الإمام زيد بن علي بن الحسين على الأمويين: "ولم يفارقه إلا هذه الفرقة الرافضة التي ورد الخبرالشريف بضلالها".
بداية التشيع في اليمن:
ارتبط دخول المذهب الزيدي إلى اليمن باسم الإمام يحيى بن الحسين بن القاسم المعروف بالهادي (245-298هـ)، ويعود نسب الهادي إلى الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب، وقد ولد في المدينة المنورة وهو حفيد الإمام القاسم بن إبراهيم الرّسي صاحب الطائفة "القاسمية" بالحجاز.
وقد عكف الإمام الهادي على دراسة الفقه على مذهب الإمام زيد ومذهب الإمام أبي حنيفة، ورحل إلى اليمن سنة 280هـ، فوجدها أرضاً صالحة لبذر آرائه الفقهية، وقد رافقه في هذه الرحلة علي بن العباس بن أدهم الحسني الذي كان من أعلم رجال آل البيت بعلم آل البيت، وهو الذي يروي إجماعات آل البيت التي تعد عند الزيدية المصدر الثالث بعد الكتاب والسنة.
لكن الإمام الهادي عاد بعد ذلك إلى الحجاز، ولم يكن قد دعا إلى إمامته في هذه الرحلة ولا بايعه أحد من أهل اليمن، وبعد ذهابه إلى الحجاز، أحس أهل اليمن بالفراغ الذي تركه، وشعروا بالحاجة إليه فراسلوه ليرجع إليهم، فأجاب داعيهم ووصل إلى اليمن سنة 284هـ، واستقر في صعده (شمال اليمن) وأخذ منهم البيعة على إقامة الكتاب والسنة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والطاعة في المعروف.
وقد كانت اليمن تعاني في ذلك الوقت تغلب أهل البدع من الباطنية والقرامطة والإسماعيلية، فبدأ الإمام الهادي حركته الإصلاحية بلم الشمل والقضاء على الفرقة والاختلاف، وبدأ بمجاهدة هؤلاء الباطنية حتى استطاع أن يحكم معظم أنحاء اليمن وجزءاً من الحجاز، وسار في حكمه سيرة حسنة من توفير الأمن والعدل وتنظيم موارد ومصارف الزكوات والجزية وتطبيق الحدود.
وفي سنة 293هـ، استشعر خطر القرامطة المتزايد فخرج لجهادهم واستمر يجاهدهم حتى توفي سنة 298هـ بعد إصابته بجروح في جهاده. وواصل ابنه أحمد بن يحيى ما بدأه والده من جهاد القرامطة، فجاهدهم حتى توفي سنة 325هـ، ودفن بجوار أبيه في مدينة صعدة.
وبهذا يتبين أن انتشار المذهب الزيدي في اليمن كان بسيطرة رجال من آل البيت على الحكم من أمثال الهادي ومن جاء بعده من أولاده وذريته، واستمر رجال آل البيت يحكمون اليمن حتى قيام الثورة اليمنية سنة 1382هـ (1962م) على أنقاض المملكة المتوكلية اليمنية، أي قبل 51 سنة فقط من الآن، وهي أطول فترة حكم في التاريخ لآل البيت، حيث دام أحد عشر قرناً: من بداية حكم الهادي 284هـ وحتى قيام الثورة وسقوط الحكم الإمامي الملكي سنة 1382هـ .
وقد شكّلت الثورة اليمنية ضربة كبيرة للزيدية في اليمن، ذلك أنها أنهت حكم الأئمة الزيدية الذي استمر حوالي 1100 سنة، وخلالها كان آل البيت "السادة" يتمتعون بنفوذ قوي وسلطة وتأثير على العوام، سرعان ما تلاشى مع قدوم الثورة وإنهائها للنظام الزيدي الذي كانت تصفه بـ "الكهنوتي".
وبالرغم من أن معظم الرؤساء الذين حكموا اليمن في العهد الجمهوري (1962م) ينتمون إلى المذهب الزيدي، إلا أنهم لم يكونوا متحمسين لنشر مذهبهم، حيث أنهم كانوا يسعون إلى القضاء على جميع مخلفات النظام السابق، وحيث كان الحكام السابقون الذين ينتمون إلى آل البيت هم أعلام المذهب الزيدي، وصار الكثير من الموالين للمذهب الزيدي يخفون انتماءهم إليه خشية أن تصيبهم لعنة الثورة.
الزيدية في اليمن:
وبالرغم من عدم وجود إحصاء رسمي في اليمن يبين عدد السكان على أساس المذهب، إلا أن الرقم الذي تشير إليه بعض المصادر هو 45% من سكان اليمن الشمالي، أما اليمن الجنوبي فأهله من السنة الشوافع، ويتركز الزيديون في المحافظات الشمالية مثل ذمار وصنعاء وصعدة وحجّة، وأما السنة الشوافع فتركزهم في المحافظات الوسطى والجنوبية مثل عدن وحضرموت وتعز والحديدة وإِب ومأرب، وتتميز معظم المحافظات السنية كونها ذات كثافة سكانية كبيرة، فمحافظة تعز مثلاً، وهي إحدى المحافظات السنيّة تعتبر الأكثر سكاناً.
وباحتساب سكان اليمن الموحّد، فإن نسبة الزيدية تنخفض إلى ما يقرب من 30-35%، حيث أن سكان اليمن الجنوبي هم من السنة الذين يتبعون المذهب الشافعي، حيث ينحصر المذهب الزيدي في المحافظات الشمالية من اليمن الشمالي.
وما زال الكثير من الزيدية في اليمن يعتزون بانتسابهم لآل البيت، وهي تعتبر إحدى الطبقات عالية الشأن في المجتمع اليمني، وخاصة قبل الثورة، ومن عائلات آل البيت "السّادة" البارزة في اليمن: الوزير، المؤيّد، الكِبْسي، المتوكل، الشامي، الأكوع، الديلمي.
وإضافة إلى السنة الشوافع في المحافظات الجنوبية والوسطى، والشيعة الزيديين في المحافظات الشمالية، فإن هناك أعداداً أخرى من الشيعة الإسماعيلية الذين يعرفون "بالمكارمة" ويقطنون مناطق مثل حراز وصعفان وهمدان وعراس في يريم.
التقارب الزيدي الإمامي:
شكلت الثورة الإيرانية سنة 1979م بارقة أمل للزيدية، ذلك أن الفترة التي تلت الثورة اليمنية وسبقت الثورة الإيرانية شهدت انحساراً للمذهب الزيدي، ونشطت خلال تلك الفترة الدعوة الوهابية التي تكفر الشوافع الاشاعرة والصوفية كما تكفر الزيدية، والدعوة الاخوانية التي اصبحت ذيلا للوهابية في المناطق الزيدية والشافعية.
وبالرغم من حماس هؤلاء الزيدية لثورة الشيعة الإمامية في إيران، إلا أن تأثيرها عليهم في الفترة من 1979 إلى 1990 (عام الوحدة اليمنية) لم يكن كبيراً لأسباب عديدة أهمها:
1- عداء النظام في اليمن، نظرا لتبعيته لنظام البعث العراقي وللسعودية في آن معا، للثورة الإيرانية التي رفعت شعار تصدير الثورة، وارسال النظام اليمني قوات عسكرية نصرة للحرب العراقية على ايران.
2- كان اليمن الشمالي خلال تلك الفترة يعيش نظام حكم شمولي، ونظام الحزب الواحد، وكان يمنع تشكيل الأحزاب أو الدعوة إلى أنظمة وتيارات وأفكار مخالفة لتوجهات الدولة والحزب، وكانت الدولة تقيّد إصدار الصحف والمطبوعات.
3- اندلاع الحرب العراقية الإيرانية، ووقوف اليمن في صف العراق ضد إيران، الأمر الذي لم يتح للزيدية تبني نهج دولة تعاديها بلادهم.
ومع قدوم سنة 1990 كانت الكثير من الأحداث المتسارعة في العالم، تصب في صالح الزيدية، ومن ذلك:
1- أن الحرب العراقية الإيرانية كانت قد وضعت أوزارها قبل ذلك بحوالي عامين، الأمر الذي يعني أن أحد مسببات العداء بين اليمن وإيران قد زال.
2- وفاة الخميني سنة 1989، والأمل الذي عُقد على الرئيس الإيراني الجديد هاشمي رفسنجاني في أن تتبع إيران في عهده سياسة سلمية وديّة مع العالم الإسلامي، خاصة وأن إيران بدأت في عهده التقليل التدريجي لتصدير الثورة بالقوة، واتباع أسلوب الغزو الثقافي. ومع مجيء الرئيس خاتمي إلى رئاسة إيران سنة 1997، زاد اندفاع الدول العربية والإسلامية نحوها، ذلك أنهم ظنوا أن خاتمي يمثل قمة الاعتدال، وأن عهداً إيرانياً جديداً قد جاء.
3- لكن الأهم من هذا وذاك هو تحقيق الوحدة اليمنية، الذي يعتبر أهم حدث يمني في التاريخ الحديث، ففي 22/5/1990 توحد شطرا اليمن، ورافقت الوحدة إجراءات سياسية كثيرة، تم بموجبها فتح الباب على مصراعيه لإنشاء الأحزاب والجمعيات والمطبوعات ونشر الأفكار والمذاهب، الأمر الذي جعل الزيدية يبادرون إلى الاستفادة من هذا الوضع الجديد، ويقومون بإنشاء بعض الأحزاب والهيئات والصحف، وبدأ بعض علماء الزيدية ودعاتهم وطلابهم يتوجهون إلى إيران حيث وجدوا التفهم والنصرة.
4- السياسة الجديدة للنظام الإيراني في الانفتاح على الزيدية ضمن جهدها السياسي لرفع الحصار الخانق عليها من خلال البحث عن حلفاء.
الأنشطة الزيدية:
سبق القول أن مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية قد أدّت إلى أن يتجه قادة العمل الزيدي في اليمن اتجاهاً متعاطفا مع ايران، وبدأ هذا الاتجاه يسري إلى عوام الزيدية، وكان لأموال الدعم الإيرانية التي تغدقها أثر كبير في هذا الاتجاه الجديد للزيدية في اليمن.
ونستطيع أن نلمح مجموعة من الأنشطة والأعمال في مختلف المجالات التي تقرب الزيدية الى الشيعية الإثني عشرية.
أولاً: الأنشطة الدينية والتعليمية:
1-تقريب الزيدية إلى الإمامية:
ظهر بفعل الهجمة التكفيرية الوهابية دعاة يدعون إلى التقارب مع ايران يرغبون الناس به، ويدافعون عنه، على قاعدة ان عدو عدوي صديقي من ناحية، ولما اظهرته السياسة الايرانية من مناصرة للمستضعفين ضد الظالمين مسلمين وغير مسلمين دون تمييز مذهبي كمناصرتها لحماس وحزب الله في آن معا ومناصرتها للاخوان المسلمين حيثما اضطهدوا في مصر وتونس والجزائر وليبيا، ولحركات التحرر في افريقيا وآسيا واميركا اللاتينية.
ويقول أحد كبار دعاة الزيدية في اليمن اليوم وهو الدكتور المرتضى بن زيد المحطوري ما نصّه: "وما زلنا نطالع عبر الأيام حشواً من الكلام في كتب وكتيبات عن الشيعة الجعفرية فيها من الكذب والتهم على أهل البيت بدءاً بعلي عليه السلام والحسين السبط والأئمة وهلّم جرا، والتقول على الزيدية بما لا يدع شكّاً أن نوازع سياسية ومخابرات عالمية تحرك الجهلاء لكتابتها وتوزيعها مجاناً"].
وقد جاء كلامه هذا في معرض رده على المحدثين لجرحهم بعض رواة الأحاديث من غلاة الشيعة. ويقول المحطوري في نفس الصفحة: "مع أنهم -أي الشيعة الإمامية- يتلمسون المودة والتقارب من إخوانهم العرب والمسلمين ولايجدون إلا الصلف والغرور".
ويروي المحطوري قصة زيارته لإيران فيقول:
"كنت في زيارة لإيران عام 1997، وبدعوة من حجة الإسلام السيد جواد الشهرستاني، الوكيل العام للمرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني. وخلال خمسة عشر يوماً زرت خلالها عدداً من الحوزات والمنشآت العلمية والبحثية والمكتبية، فوجدت بشاشة وترحيباً وودّاً عند كل من قابلنا، وعندهم نهضة علمية ونشاط في تأليف الكتب يثير الدهشة، فالكل يؤلّف، وبعضهم له موسوعات وعشرات المجلدات. ولكي أبرهن على تعصب العرب والمسلمين فقد أدخلت السجن السياسي فور رجوعي من إيران، فما نزلت من الطائرة إلا إلى عربة الأمن السياسي بتهمة زيارة إيران".
ومن كبار دعاتهم إلى التقارب مع ايران، العلامة بدر الدين الحوثي رحمه الله الذي ألّف كتاباً بعنوان (الزيدية في اليمن) وبيّن فيه أصل زيدية اليمن، وأصولها والتقارب بينها وبين الإمامية الجعفرية، بل الاتفاق في الأصول المهمة.
ويقول محمد بن إسماعيل الويسي في معرض تقريظه لمفكر شيعي امامي: "وأعظم مدرسة فلسفية توضح لنا الاقتصاد الإسلامي بطرح واضح وحقيقة لها جذور إسلامية صحيحة هي مدرسة السيد محمد باقر الصدر رحمه الله تعالى الذي أسدى للإسلام والأمة بل للبشرية حذمة قلّ نظيرها، والذي كان يمثل العلماء العاملين بحق ولم يقتصر على علم جامد يقتصر على النجاسة والطهارة".
ويقول: "فأنا أنصح كل من يريد تحرير فكره ونضوج عقله أن يطلع على مؤلفات الشهيد محمد باقر الصدر وغيره من العلماء الواعين الذين خدموا الإسلام بصدق لا بمنطق مذهبي متعصب وبمنطق التكفير والتفسيق، فللمسلمين الحق بأن يفتخروا بعظماء كهؤلاء" .
2-المساجد والمراكز العلمية والمدارس:
يدير الزيدية مجموعة من المدارس والمساجد منها:
-مركز بدر العلمي: وهو عبارة عن مسجد ملحق به مدرسة في حي الصافية في صنعاء، وفيه قسم داخلي للطلاب، وبجوار المركز توجد مكتبة بدر التي تبيع كتب وأشرطة علمائهم، كما أن المركز يتبع له مجموعة من المحلات المؤجرة، ويدير المركز د. المرتضى ابن زيد المحطوري.
-مركز ومسجد النهرين: الذي يقع في منطقة صنعاء القديمة، ويستمد أهميته من شخصية إمام المسجد حمود بن عباس المؤيد مفتي الجمهورية وهو رجل كبير يتمتع بقبول الناس له. ويتركز نشاط هذا المسجد في إصدار صحيفة صغيرة تدعى "النهرين"، وهي غير منتظمة الصدور.
-الجامع الكبير: في صنعاء، ويتبعه مدرسة لتحفيظ القرآن وعلومه على مذهب "الزيدية "، وله أوقاف تدرّ دخلاً وصندوق خيري لطلاب العلم، كما أن فيه أكثر من حلقة لتدريس الفقه وأصوله واللغة ...
-مركز الهادي: في مدينة صعدة، شمال اليمن، التي تعتبر من أهم التجمعات الزيدية النشطة في اليمن، فيه مدرسة تقع غرب المسجد (الهادي)، وتتكون من طابقين، وبها مكتبة المسجد، ويدير المدرسة العلامة أحمد بن محمد حجر.
-دار العلوم العليا: وهي مدرسة كبيرة في صنعاء بنيت على نفقة إيران، وتنفق عليها الحكومة اليمنية، ومنهجها مختلف عن المدارس العامة، فالمناهج والمدرسون من المذهب الزيدي، ويصل عدد الطلاب في الفترتين الصباحية والمسائية إلى 1500، في جميع المراحل، ويديرها عبد السلام الوجيه.
-مركز الإمام القاسم بن محمد: في مدينة عمران، شمال صنعاء، وقد أقيم حديثاً، ويتكون من مسجد ومكتبة صغيرة ، ويوجد به غرفة كبيرة يتلقى فيها الطلاب دروسهم، ويديره محمد المأخذي.
-المركز الصيفي: في مدينة ضحيان، ويقام هذا المركز في مدرسة الفلاح في ضحيان والتي يديرها يحيى حمران، وتُمارس الكثير من الأنشطة والفعاليات خلاله.
-مركز الثقلين: في حارة الشراعي في صنعاء، ويشرف عليه عراقي إضافة إلى يمني درس في مدينة قم الإيرانية اسمه إسماعيل الشامي، ويمارس مختلف الأنشطة.
3-المطبوعات والمحاضرات والاحتفالات:
ازدادت في الآونة الأخيرة انشطة عقد المحاضرات والندوات، بل وإقامة الاحتفالات وإحياء المناسبات المشتركة مع الإثني عشرية كيوم القدس العالمي، حتى التي لم تكن مألوفة بين الزيدية في اليمن، ومعظهمها ردود افعال على التغول الوهابي الاخواني لاغاظتهم وتحديهم:
-إحياء ذكرى مقتل الحسين -رضي الله عنه- وإقامة المجالس الحسينية في مساجدهم الخاصة لا سيّما في صنعاء القديمة، ويسبقه الإعلانات في المساجد، وتعليق اللافتات الكبيرة في الشوارع التي تدعو إلى المشاركة وتدل على زمان ومكان تلك المجالس.
-إحياء ذكرى وفاة بعض الأئمة كجعفر الصادق ومحمد الباقر وعلي زين العابدين رضي الله عنهم .
-اتخاذ جبل في مدينة صعدة، أطلقوا عليه اسم (معاوية)، يخرجون إليه يوم كربلاء (عاشوراء) بالأسلحة المتوسطة والخفيفة، ويطلقون ما لا يحصى من القذائف، رغم سقوط قتلى وجرحى، ومناشدة الدولة وبعض علمائهم لهم بوقف هذه الأعمال.
-عرض بعض المحلات التجارية والمطاعم لأشرطة (المجالس الحسينية) المسجلة في إيران، وفيها أصوات العويل والندب والقدح في يزيد .
-إدخال أحدى قرى منطقة الحيمة الداخلية تسمى (الجلب) اسم علي بن أبي طالب في الأذان، وقولهم (أشهد أن عليّاً ولي الله).
-الاحتفال بذكرى يوم الغدير.
-إقامة المحاضرات في المساجد والمراكز مثل: علي وعلاقته بالرسول، علي ودوره في معركة بدر، علي السياسي والعسكري.
وسرعان ما تتحول مثل هذه المحاضرات إلى النيل من الوهابية والاخوان وعلمائهم.
-طباعة الكتب والنشرات، وتوزيعها أحياناً بالمجان، مثل كتاب "الوهابية في اليمن" لبدر الدين الحوئي، و"ثم اهتديت" للتيجاني.
4-محاولة الاستيلاء على مساجد الضرار الوهابية الاخوانية في المناطق الزيدية:
يحاول الزيدية استرجاع مساجدهم من ايدي التكفيريين الوهابيين واتباعهم الاخوان التي تم الاستيلاء عليها في مرحلة الاستضعاف ، أو إدخال بعض شعائرهم في المساجد التي لا يستطيعون استعادتها كمساجد مثل (البهمة، حجر...) حاولوا الاستيلاء عليها، وكانوا أحياناً يوفقون في سعيهم هذا.، وقد راح ضحية هذه الأعمال عدد من شبابهم،
ثانياً: الأنشطة الإعلامية والثقافية:
المرحلة الاولى: 1990-2011
مع أجواء الانفتاح التي عاشها اليمن بعد تحقيق الوحدة سنة 1990، سارع الزيدية إلى إصدار بعض الصحف والمطبوعات والهيئات الثقافية، ومنها:
1-صحيفة الشورى: الناطقة باسم اتحاد القوى الشعبية.
2-صحيفة الأمة، الناطقة باسم حزب الحق.
3-صحيفة البلاغ، وصاحب الامتياز هو إبراهيم بن محمد الوزير.
وبالرغم من انتشار هذه الصحف المحدود، وقلة قرائها، إلا أنها لعبت دوراً في الترويج لعقائد الزيدية الفكر المعتدل والرد على هجمات هيئات علماء الوهابية والاخوان على اختلاف تياراتهم كعبد المجيد الزنداني وعبد الوهاب الديلمي، والوقوف في صف حرية الراي والحريات التي يناهضونها، والرّد على ما يكتب في صحف ومجلات التيارات الوهابية والإخوان.
وإضافة إلى الصحف التي يصدرها الزيدية في اليمن، فكانوا يهتمون بنشر وتوزيع عدد من المجلات الشيعية التي تصدر خارج اليمن مثل:
1-العالم، التي تصدرها إيران. وهي مجلة رفيعة المستوى خالية من اي توجه طائفي وقدتم حظرها من قبل الحكومة منذ اعوام.
2-النور، التي تصدرها من لندن مؤسسة الخوئي، ويشرف عليها شيعة عراقيون.
وإضافة للصحف والمجلات، فقد كان للزيود وجود واضح في إذاعة صنعاء، كما أنهم يدعون أنصارهم لمتابعة إذاعة طهران بحجة أنها الإذاعة الوحيدة التي تتبنى قضايا المسلمين الحقيقية وتناهض الطغيان والعمالة.
-معظم أفراد الطائفة "الزيدية " هم من الفئات المتوسطة التي لا تستطيع أن تنفق بسخاء على حزبها ومطبوعاتها، لذلك أنشأوا جمعية تدعى "جمعية الإيمان الخيرية" من أجل جمع الأموال وإنفاقها في نشاطاتهم.
كما أن الجمهورية الإيرانية قدمت وتقدم مساعدات مالية للزيدية والمستقلين في اليمن، وتقيم بعض المشاريع مثل المركز الطبي الإيراني في صنعاء (اغلقته الحكومة)، وتقدم المنح الدراسية لليمنيين لدراسة العلوم الدينية وغيرها، ويقوم السفير الإيراني في اليمن بزيارات للمناطق الزيدية.
المرحلة الثانية : 2011 وحتى الآن
مع قيام الثورة الشبابية الشعبية التي تسميها ايران الصحوة الاسلامية تدفق الدعم الايراني الذي يشرف عليه حزب الله وبعض الحوزات، فجرى انشاء عدد كبير من المراكز والمنتديات الثقافية، وبعضها اثني عشري الا ان غالبيتها ليست شيعية وليست حتى زيدية، وان كان نشاط هذه المراكز خافتا يتعلق بتنفيع الافراد والشخصيات وتمكينهم ماليا كما يقوم بعضها بدور استخباري.
بادر الزيدية إلى دخول المعترك السياسي في اليمن بشكل ملحوظ بعد سنة 1990، حيث سمح في ذلك العام بإنشاء الأحزاب وتأسيس الجمعيات وإصدار المطبوعات، فبادر الزيدية إلى إنشاء:
1-حزب الحق: الذي يرأسه أحمد محمد الشامي.
2-اتحاد القوى الشعبية: ويرأسه إبراهيم علي الوزير.
وهذين الحزبين اصبحا رقمين مهمين بعد مشاركتهما في تاسيس اللقاء المشترك الذي يضم التجمع اليمني للاصلاح، واجهة الاخوان السياسية، إضافة إلى البعث والحزب الاشتراكي والتجمع الوحدوي.
وقد وقف حزب الحق إلى جانب الحزب الاشتراكي اليمني في خلافه مع حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يرأسه الرئيس علي عبد الله صالح، وقد تحول هذا الخلاف إلى حرب نشبت بين الحزبين الذين كان كلّ منهما يحكم جزءاً من اليمن، صيف سنة 1994م، الأمر الذي جعل الحزب يتعرض لاضطهاد كبيركاد يقضي عليه بسبب انتصار علي عبد الله صالح على الحزب الاشتراكي الذي أيّده حزب الحق.
وفي 18 يونيه 2004 ارسل نظام الرئيس علي عبدالله صالح حملة عسكرية الى محافظة صعدة لمواجهة ماوصفه النظام بانه خروج على الدولة، طبقا للمبدأ الزيدي القاضي بالخروج على الحاكم الظالم، وقد قتلت الحملة السيد حسين بدرالدين الحوثي قائد جماعة الشباب المؤمن التي عرفت فيما بعد باسم الحوثيين، وكان السيد حسين قد انشق عن حزب الحق وانضم الى المؤتمر الشعبي العام مشاركا في قيادة جماعة الشباب المؤمن المنشقة ايضا عن حزب الحق والذي اصبح منظرها وقائدها الفعلي فيما بعد قبل استشهاده.
وعلى الرغم من ذلك لم يتم القضاء على الحركة الحوثية، حتى بعد قيام النظام بشن ستة حملات طاحنة شارك في آخرها الجيش السعودي مع قواته الجوية، والذي مني بهزائم مهينة على يد الحوثيين الذين تمكنوا مع انجلاء غبار آخر معارك تلك الحملات في 12 فبراير 2010 من الاستيلاء على كامل محافظة صعدة واجزاء من محافظتي عمران والجوف. وليبرزوا بعد الثورة الشبابية الشعبية عام 2011 حاملين اسم انصار الله.
المرحلة الثانية : 2011 وحتى الآن
بقيام الثورة في 2011 تدفق المال الايراني على اليمن وعملت ايران على دعم كل من يقبل دعمها من غير الاخوان والوهابيين الذين يسمون انفسهم سلفيين، و ذلك في كامل اليمن جنوبا وشمالا، وقد تضمن الدعم شحنات السلاح وتمويل محطات تلفزيونية تعمل من بيروت.
وقد جرى تأسيس عدد من الاحزاب السياسية في هذه الفترة منها حزب واحد اعلن ان مرجعيته اثني عشرية هو حزب البناء والحرية وقد تلقى معظمها الدعم الايراني. وقد اظهر كاتب هذه السطور اسلوب الدعم واغراضه في حوار مع صحيفة الجمهورية جاء فيه:
"ــ التواجد الإقليمي في أغلب حضوره يخدم مصلحة اليمن خلافاً لإيران في أغلبه مضر بمصلحة اليمن؟
قلت قبل قليل أتمنى أن تكون بيننا وبين إيران علاقات اقتصادية تجارية وسياسية رسمية لا عبر أشخاص، من كل النواحي بنظر وعلم الحكومة لا بنظر فصائل وأفراد، وعلى فكرة فما تقوم به إيران في اليمن لا معنى له؟ ما ذا تريد إيران من اليمن؟ اليمن في نظر الجمهورية الإسلامية الإيرانية مهم لأنه يشكل لهم منفذاً مهماً من الحصار الذي يعانون منه خاصة بعد فشل خياراتهم في سوريا فهم محتاجون من يسندهم في الوقت الحالي. بحر العرب قريب من هرمز بوابة الخليج، واليمن على بحر العرب، وهناك باب المندب وشواطئ طولها أكثر من 2000 كيلومتر ولهذا هم يهتمون باليمن، هذا ما ينظرون إليه واهتمامهم بالجنوب يفوق اهتمامهم بالشمال، لأنه إذا قامت دولة مستقلة في الجنوب فسيكون لإيران مركز استراتيجي مهم ومباشر من مضيق هرمز إلى بحر العرب، أما الشمال فكما يبدو لي أنهم يهتمون اساساً بايجاد خلايا مرتبطة بأجهزة استخباراتهم فيه ربما لاستغلالها مستقبلاً في عمليات تخريبية ذات بعد اقليمي. أنا أتمنى أن تكون علاقتنا قوية بمن حولنا ضد المشروع الإمبريالي الرجعي المتصهين لنشكل قوة، وخاصة بعد هذه الثورات التي نشهدها اليوم، قوة قادرة على رسم مصير الشعوب باستقلالية وبما يخدم توجهات ومصالح الشعوب، لكن ربما تلمست توجهات إيرانية مؤخراً عن قرب لم أكن أتوقعها، أنا الآن الأمين العام للحزب الديمقراطي اليمني الذي تأسس في ألمانيا برئاسة الأستاذ سيف الوشلي، من خلال هذا الحزب استطعت أن أقترب من الحقيقة الإيرانية، وهي سياسة غبية وغير صحيحة وتعتمد على أناس فاشلين ومفلسين ثقافياً، وليسوا سياسيين..
ــ على ذكر الحزب الديمقراطي اليمني.. نبذة مختصرة عن الحزب وتوجهاته؟
هو حزب ليبرالي يمني، تأسس في ألمانيا، سعى مؤخراً مع قيام الثورة لأن يعمل بنشاط وجد في الداخل وله الآن فروع في صعدة وحجة والجوف وذمار، ونشاط بسيط في تعز وعدن والحديدة فهو عضو في جبهة انقاذ الثورة. وقد كنت من سابق أميناً عاماً مساعداً واتضح لي بعد أن توليت أمانته العامة أن إيران هي من يموله بعشرين ألف دولار شهرياً.
-ولماذا استقال الأمين العام السابق؟
كان الأستاذ سيف قد قام على مراحل بفصل عدد من قيادات الحزب ولم أعرف إلا مؤخراً انه كان يفصل كل من نجحت الاجهزة في استقطابه وضمه الى خلاياها الاستخباراتية. وقد ظلت الاجهزة تضغط عليه لإعادتهم الى الحزب وهو ما دفعه الى الاستقالة. هو لم يخب ظني فقد انضممت للحزب اقتناعاً مني بشخصه وسلامة نواياه وأهدافه واستقامته وبعده عن الفساد والافساد الرائجين في العمل السياسي، وقد اكتشفت هناك ان استراتيجيتهم فيما يتعلق بالمكونات اليمنية التي يدعمونها، هو استخدامها كوسط او بيئة يتمكنون من خلالها تجنيد عملاء لهم عن طريق بناء علاقات شخصية مع أفراد من الحزب او المكون، فمن خلال الدعوات والزيارات الى دمشق او بيروت او طهران يتم التقاط قليلي الوعي او ضعاف النفوس الذين لا يمانعون من التحول الى عملاء. الايرانيون وحلفاؤهم من اللبنانيين في حزب الله لا يهتمون اطلاقاً بغير ذلك، فجميع الممسكين بملف اليمن من أجهزة الاستخبارات وليس بينهم سياسي. ومن خلال هذا السيل من الزيارات والدعوات يمارس فساد مالي بأبعاد كبيرة ولا ادري ان كان يتم لحساب حزب الله أو لحساب القائمين على العمل من ايرانيين ولبنانيين وإن كنت أرجح الاحتمال الثاني.
ــ عفواً في قانون الأحزاب اليمني، لا يجوز لأي حزب أن يتسلم أموالاً من أية جهة أو دولة أخرى؟
كان المال يأتي من الأمين العام وهو لاجئ مقيم في المانيا لكن استقال الأمين العام، وقد ذهبت إلى بيروت للقائه قبل شهرين تقريباً وهناك التقيت جماعة من أعضاء حزب الله اللبناني، هذا اسمه ابوعلي، وذاك ابوحسن، وآخر ابوحسين، والآخر ابومصطفى، وقد كان معي مجموعة من اعضاء الأمانة العامة للحزب، وقد كان سؤالي أمام الجميع لهم: من أنتم؟ فلم يجيبوا إلا بأسمائهم الحركية...ورفضت التعامل معهم أو أن يكون الحزب الذي أنا أمينه العام تحت وصاية أي جهاز استخباراتي ووجدت أن الذي يدير الملف اليمني رجل إيراني من المخابرات الإيرانية أظنه تابعاً، للحرس الثوري، يتكلم العربية الفصحى يدعى الحجي عبدالله وينوبه شخص من حزب الله، اسمه خليل حرب، من خلال هذا اللقاء أفهمتهم بوضوح أننا حزب سياسي ليبرالي وطني يمني ولا نقبل التعامل مع أجهزة استخبارات ومع أشخاص ذوي اسماء حركية ، وأن علاقاتنا لن تكون الا شفافة ومع اشخاص يحملون بطاقات تعريف (بزنس كارد) تبين أسماءهم وألقابهم والجهة التي يعملون فيها وأرقام هواتفها وبريدها... الخ. حتى نكون على بينة مما نفعل أو نترك، واننا لانقبل اي تدخل في شؤون الحزب ومن ثم قطعت كل علاقة للحزب بهم. ولم تكن هذه الخطوة جديدة علي، فقد سبق لي ان اخترت ايقاف نشاط حزب الأحرار الدستوري اليمني بعد وفاة رئيس الحزب المرحوم عبدالرحمن احمد محمد نعمان، وهو الحزب الذي كنت أمينه العام ورئيس تحرير صحيفته «صوت اليمن» بدلا من القبول بتحويله الى حزب ذيلي كماهو حال أحزاب التحالف الوطني او بعض أحزاب المشترك، فأنا أعمل بالسياسة لتحقيق الاستقلال الوطني والعزة الوطنية والتخلص من التبعيه، نحن نتحالف تحالفاً قائماً على الندية والاقتناع الحر وعلى أساس المبادئ الوطنية وليس لاعتبارات رخيصة، ولا نقبل بالعمل أزلاماً لأحد أو لأي جهة خارجية أو داخلية، فليست العمالة والذيلية هي الطريق لتحقيق هذه الاهداف، تلك هي قناعتي. "
والحال ان القياديين من اعضاء اجهزة المخابرات هؤلاء اشخاص في منتهى الصفاقة والوقاحة والغباء، وقد اشعرتهم مرارا بضآلتهم وخلو وفاضهم وجهلهم وسوقيتهم المقززة، فاكسبني ذلك حقدهم.
وقد سمعت بعضهم يغمز رجالات كبارا من اليمنيين منهم رؤساء سابقون ويتحدث عنهم بمنطق السلعة والثمن. لقد عملت المملكة العربية السعودية لعقود على استتباع اليمنيين عبر مخصصات وجعالات، اما هؤلاء فانهم يحولون اليمنيين الى عملاء لاجهزة مخابراتهم، وقد كان فيماعلمت لانصارالله الحوثيين موقف صارم من عمليات اصطياد جواسيس وعملاء من بينهم واغلب ظني انهم نجحوا في الحد منها.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire