vendredi 1 août 2014

نهرو عبد الصبور طنطاوي - الجهاد والقتال في سبيل الله كما جاء في القرآن - الجزء الرابع





أحوال أهل الكتاب في القرآن مع الإسلاميدعي البعض أن الإسلام والفتوحات الإسلامية قد أجبرت أهل تلك البلدان على اعتناق الإسلام عنوة وكرها وبحد السيف ، وهذا ادعاء باطل ، وإلا كيف نفسر وجود وانتشار كثير من أهل الكتاب اليهود والنصارى في شتى البلدان التي فتحها المسلمون بالآلاف وعشرات الآلاف ومئات الآلاف بل والملايين كما في بعض البلدان كمصر مثلا ، فمصر يوجد بها حوالي عشرة ملايين مسيحي حسب إحصاءات بعض الأقباط أنفسهم ، فالمسيحيون واليهود اليوم منتشرون في كل البلدان العربية والإسلامية وكما هم على دياناتهم ، وتنتشر معابدهم وكنائسهم التراثية الممتد تاريخها إلى مئات السنين حتى من قبل ظهور الإسلام فلم يتعرض لها المسلمون بالهدم أو الإزالة حتى في أشد عصور الدولة الإسلامية همجية وتطرف وتخلف ، فمثلا في بلدتي (القوصية) التابعة لمحافظة أسيوط يتواجد الدير المحرق والذي يرجع تاريخه لأكثر من ألفي عام حسب ما قيل لي وقد زرت هذا الدير أكثر من مرة ، وهو دير يمتد على مساحة شاسعة من الأرض التابعة له والتي تقدر بحوالي 3000 فدان حسبما ذكر لي من بعض الإخوان المسيحيين ، بل إن القرية التي يتواجد فيها ذلك الدير تحمل اسمه (قرية الدير المحرق) وفي مصر مئات الكنائس والأديرة التي يعود تاريخها لمئات السنين وباقية كما هي شامخة بأبراجها وأجراسها الضاربة في عنان السماء والتي يستطيع كل الناس أن يروها أثناء تواجدهم في وسائل المواصلات كالمترو والطائرة والسيارة والماشي على قدميه في محافظة القاهرة والإسكندرية وغيرها من المحافظات ، وفي معظم البلدان العربية كسوريا ولبنان وتونس والمغرب والجزائر والكويت وليبيا وفلسطين والأردن والعراق وتركيا وغيرها من البلدان ، وهنا يحق للمتسائل أن يسأل لماذا أبقى المسلمون الغزاة الناشرون دينهم بحد السيف كما يزعمون والذين فتحوا مصر وغيرها من البلدان لماذا أبقوا على أهل هذه البلدان الأصليين ولم يغيروا دياناتهم بالقوة ولم يهدموا معابدهم وكنائسهم كما يدعي البعض ظلما وتلفيقا وحقدا؟ ولماذا لم يستخدموا معهم التطهير العرقي كما فعل مسيحيوا الأندلس مع المسلمين حين طردوهم منها؟ أليس سؤالا مشروعا يحتاج إلى إجابة عادلة؟
وأقدم لك عزيزي القارئ شهادة شاهد من أهلها ، يقول القمص زكريا بطرس في كتابه (تاريخ انشقاق الكنائس) حول نتائج انشقاق الكنائس ما يلي: (كان نتيجة لهذا الانشقاق أن اضطهد قياصرة القسطنطينية الكنيسة المصرية وذلك لأن أولئك الأباطرة كان من مصلحتهم أن لا يكون هناك انشقاق في إمبراطوريتهم ولذلك حاولوا بشتى الطرق أن يثنوا الكنيسة المصرية عن إيمانها ولكن باءت محاولتها بالفشل وأخيرا أرسل أولئك الأباطرة بطاركة من قبلهم إلى الإسكندرية ليحلوا محل البطاركة الأقباط وعرف أولئك البطاركة المعينين من قبل الملك بالبطاركة "الملكيين" وطبيعي كانوا من أنصار مجمع خلقيدونية).
ثم يتابع القمص زكريا بطرس كلامه قائلا :
(وبهذا أصبح في مصر بطريركان أحدهما يختاره الأرثوذكس الأقباط والآخر يرسله القيصر ليكون بطريركا للملكيين. وكان الأقباط يرسمون بطريركهم سراُ وكان لا يسمح لهم بدخول الإسكندرية. وظل الحال على هذا الوضع حتى دخول العرب "المسلمون" مصر. وتخلص الأقباط من سلطة الرومان وبطاركة الروم الملكيين). انتهى كلام القمص ذكريا بطرس.

أليست هذه شهادة حق أنطقها الله على لسان أكبر المناهضين والحاقدين على الإسلام في وقتنا الحالي؟ حيث شهد بأن الذين حرروا الأقباط من ظلم واضطهاد الرومان المسيحيين أبناء دينهم كانوا هم المسلمون والفتح الإسلامي لمصر.
أما عن أحوال أهل الكتاب في القرآن ، فقد قلنا دائما ونقول أن القرآن الكريم منهج كلي متكامل ، فلا يمكن التعامل معه بأسلوب التجزئة وتقطيع نصوصه ، ولا يمكن فهم بعضه بعيدا عن بعضه الآخر، ولا يمكن التعامل مع موضوعات القرآن بأخذ جزئية من الموضوع وفهمها بمفردها بعيدا عن بقية أجزاء الموضوع ثم ندعي أن هذه الجزئية هي نتيجة ذلك الموضوع وخلاصته التي خرجنا بها من الموضوع ، ولا يمكن الإيمان ببعضه والكفر ببعضه ومنزل الكتاب سبحانه هو من أخبرنا في نفس الكتاب بهذه الطريقة لفهم نصوصه. كما قال تعالى:
(أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض)
وقال تعالى:
(كما أنزلنا على المقتسمين * الذين جعلوا القرآن عضين)
وكما يعلم الجميع أن القرآن الكريم نزل مفرقا حتى يتدبره الناس، وإلا لما كان هناك أي فائدة من دعوة الله للمسلمين وغير المسلمين من تدبر القرآن ، فلو كان كل آية في القرآن تحمل موضوعا كاملا متكاملا ومنفصلا عن بقية الموضوعات لما دعا الله الناس لتدبر القرآن والتفكر والنظر فيه ، بل إن الدعوة إلى التدبر والتفكر والنظر في القرآن لفيها أكبر دلالة على أن القرآن الكريم منهج كلي متكامل يبين بعضه بعضا ويكمل بعضه بعضا ، وهذا يبين عظمة وحكمة منزل الكتاب سبحانه كي يتثنى للناس استعراض موضوعات القرآن والمرور على جميع آياته والبحث فيها وإعمال العقل بفهمه وتدبره. ومن موضوعات القرآن كان موضوع أهل الكتاب وأحوالهم مع الإسلام وحال الإسلام معهم فتدبرنا كتاب الله كما أمرنا منزل الكتاب فوجدنا التالي :
أحوال أهل الكتاب (اليهود والنصارى) في القرآن مع الإسلام:
تدبرنا كتاب الله كاملا حول أحوال أهل الكتاب مع الإسلام وأحوال الإسلام معهم وقت نزول القرآن فوجدنا لأهل الكتاب في القرآن عدة أحوال مع الإسلام وقت ظهوره في زمن الرسول عليه الصلاة والسلام وكان للرسول والقرآن ردود فعل أيضا مع أهل الكتاب ، ووجدنا أن القرآن لم يضع كل أهل الكتاب في سلة واحدة ولم يعاملهم معاملة واحدة ، وكذلك فعل مع المشركين من أهل مكة ، فإنه لم يتعامل معهم معاملة واحدة ، بل تعامل مع الجميع حسب مدى مهادنتهم للمسلمين ومسالمتهم لهم ، وحسب مدى عداوتهم للمسلمين ومحاربتهم لهم ، فوجدنا بعد تدبر القرآن كما أمرنا الله أنه قد صنف أحوال أهل الكتاب مع الرسول والمسلمين إلى أربعة أصناف لا خامس لها:
الصنف الأول: المؤمنون الذين آمنوا برسالة محمد عليه الصلاة والسلام
وهؤلاء هم بعض أهل الكتاب الذين آمنوا بما أنزل إليهم وما أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام واعتنقوا الإسلام وقد قال عنهم القرآن ما يلي:
قال تعالى:
(وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)
وقال تعالى:
(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)
وقال تعالى:
(وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ)
وقال تعالى:
(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ * أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)
وقال تعالى :
(وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ)
وقال تعالى:
ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إن نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبان وأنهم لا يستكبرون* وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين
الصنف الثاني: بعض أهل الكتاب المنصفون والذين بقوا كما هم على دياناتهم:
وهم قوم من أهل الكتاب أمناء يوفون بالعهد ، ومنهم من هو أقرب مودة للمسلمين ومنهم من يؤمن بالله واليوم الآخر ومنهم من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ومن يسارع في الخيرات وهذا ما جاء عنهم في بعض نصوص القرآن:
قال تعالى:
ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك
وقال تعالى:
ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون* يؤمنون بالله وباليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين* وما يفعلون من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين
وقال تعالى:
(مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ)
ومعنى مقتصدة أي غير حائدة عن الصواب. يقال في اللسان العربي: أقصده السهم أصابه دون أن يَحِد عنه.
وقال تعالى:
ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم
وقال تعالى:
إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون
وقال تعالى:
(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)
وقال تعالى:
(وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)
وقال تعالى:
(وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا)
وقال تعالى:
(الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَه ُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)
وهذه النصوص لا تشمل كل أهل الكتاب أيضا بل بعضهم أو طائفة منهم وليس جميعهم، فقد جاء في النصوص أيضا لفظ " من أهل الكتاب – ومنهم" ولفظ "من" هنا للتبعيض أي بعض أهل الكتاب.
الصنف الثالث: المناهضون بدون اعتداء أو قتال من بعض أهل الكتاب للإسلام:
هذا الصنف كان يحمل العداوة للإسلام كدين وللمسلمين لكن لم تتجاوز عداوتهم حدود الكلام والنقد والاستهزاء والسخرية والنقمة والحقد علي المسلمين وكره الخير لهم وتمني الضلال لهم وتشكيك بعض المسلمين في دينهم وعدم رضاهم عن المسلمين ، وكانت هذه العداوة لا تتجاوز حدود الكلام والجدال والتشكيك وهؤلاء أمرنا الله بالعفو والصفح عنهم والصبر عليهم ، وهذا ما جاء في القرآن حول هؤلاء:
قال تعالى:
(لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ)
وقال تعالى:
يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين* وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون
وقال تعالى:
ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم
وقال تعالى:
ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفار حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير
وقال تعالى:
ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون
وقال تعالى:
وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين أمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون* ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربك قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم
وقال تعالى:
ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما
وقال تعالى:
قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا وأنتم شهداء وما الله بغافل عما تعملون
وقال تعالى:
قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون
وقال تعالى:
(وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ)
وقال تعالى:
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ *وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا)
تلك هي كل النصوص التي وردت في القرآن بلفظ "أهل الكتاب" اليهود والنصارى الذين يضمرون العداوة والبغضاء والحقد للمسلمين والذين يسخرون من المسلمين أو يشككون في دينهم ، وكما قرأنا في النصوص أن هذه العداوة لم تتجاوز حدود العداوة القلبية واللفظية ، وبينت النصوص أيضا أنه ليس كل أهل الكتاب وإنما البعض منهم ، وهذا ما ورد في سياق النصوص بألفاظها كالتالي:
"من أهل الكتاب – كثير من أهل الكتاب – طائفة من أهل الكتاب – ومنهم" فمعظم النصوص تشير إلى بعض أهل الكتاب أو طائفة أو جزء منهم وليس كل أهل الكتاب . وهذه الألفاظ في الآيات تخرس الألسنة التي تقول أن القرآن تعامل مع أهل الكتاب معاملة واحدة ووضع الجميع في سلة واحدة ، كلا ، فليس كل أهل الكتاب كانوا يكنون العداوة للمسلمين بل بعضهم وليس كلهم . ورغم ذلك لم يأمرنا الله ببغضهم أو عداوتهم أو قتالهم بل أمرنا بالصفح عنهم فقال سبحانه:فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره.
القسم الرابع: الأعداء المحاربون:
وهؤلاء هم الأعداء المحاربون للمسلمين والذين كانوا يوالون أعداء المسلمين من أهل مكة ويناصرونهم ضد المسلمين ، بل إنهم كانوا يقولون للوثنيين من أهل مكة (هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا) وهؤلاء هم من أمر الله بقتالهم حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، ولم يكن للمسلمين أن يقاتلوهم إلا لما بدءوا هم بالعدوان ونقض العهود ومناصرة وتحريض أعداء المسلمين من أهل مكة وتقديم العون والقوة لهم ومظاهرتهم ضد المسلمين فحينها شرع الله قتالهم وهذا ما ورد في شأن أهل الكتاب المحاربين للمسلمين كما ورد في القرآن.
قال تعالى:
قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهو صاغرون
وفي هذا النص القرآني عدة ملاحظات تقطع لسان كل من يقول أن الإسلام أمر بقتال جميع أهل الكتاب بداعي الأسلمة بمعنى إجبارهم على اعتناق الإسلام، وهذه الملاحظات هي كالتالي:
الملاحظة الأولى:
(الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر)
وهذا يثبت أن هذه الطائفة من أهل الكتاب كانوا ملحدون لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر.
الملاحظة الثانية:
(ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله)
ومعظم المحرمات التي حرمها الله ورسوله في الإسلام هي نفسها التي حرمها الله في التوراة والإنجيل ، كالشرك والكفر والكذب والرياء والنفاق والزنا والسرقة والقتل والظلم ونقض العهود والمواثيق وعدم الوفاء بالوعود أليست هذه محرمات حرمها الله في الديانات الثلاث، وهذا يثبت أيضا أن هذه الطائفة من أهل الكتاب كانوا ملاحدة وليسوا بمؤمنين لا بدياناتهم ولا بدين الإسلام.
الملاحظة الثالثة:
(ولا يدينون دين الحق)
والدين الحق هنا ليس الإسلام كما يظن البعض ، وإنما الدين الحق المقصود في الآية هو دين موسى والمسيح عليهما السلام ، فلم يكنوا ملتزمون بتعاليم الديانتين التعاليم الحقة التي جاء بها موسى وعيسى عليهما السلام في الكتاب المقدس ، وهذه هي بعض النصوص التي تثبت أن هذه الطائفة المعادية والمحاربة والملحدة من أهل الكتاب كانوا غير مؤمنين بدينهم فضلا عن أن يدينوا بالإسلام ، وقد سجل القرآن أوصافهم على النحو التالي:
قال تعالى:
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً)
في هذا النص الكريم قد سجل الله على هذه الطائفة الملحدة من أهل الكتاب انتصارهم للوثنيين من أهل مكة والادعاء بأن الوثنيين هم أهدى سبيلا من الذين آمنوا (المسلمون) فلو كانوا مؤمنون حقا بالكتاب المقدس وبدينهم الحق الذي يدعوا إلى التوحيد وينهي عن الوثنية ويحاربها ويعتبرها شركا بالله ، لما ادعوا بأن الوثنيين أهدى سبيلا من المسلمين.
وقال تعالى:
(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنتُمْ شُهَدَاء وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)
كانوا لا هم لهم وعمل إلا الصد عن سبيل الله بالمال والقتال والعداوة والحرب والسخرية والتحريض ومظاهرة الوثنيين ومساندتهم ضد المسلمين.
وقال تعالى:
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ) وكتاب الله الذي دعوا إليه ليحكم بينهم هو التوراة والإنجيل وليس القرآن والدليل هو قول الله تعالى:
(وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم)
إذن هؤلاء القوم هم الملاحدة الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون الحرام ولا يدينون بالديانة الحقة التي هي ديانة موسى وعيسى عليهما السلام.
الملاحظة الرابعة:
(من أهل الكتاب)
وحرف من هنا يأتي للتبعيض أي بمعنى (بعض أهل الكتاب) كقول الله تعالى: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) أي بعض ما تحبون ، وكقوله تعالى: (منهم أمة مقتصدة) أي بعضهم أمة مقتصدة وليس كلهم ، فهذا الحرف "من" يخرس كل الألسنة التي تقول أن الآية تأمر بقتال جميع أهل الكتاب وأخذ الجزية منهم.
الملاحظة الخامسة:
(حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون)
ولنا هنا وقفة في مسألة الجزية ، يتساءل البعض لماذا اختص الله أهل الكتاب بالجزية من سائر المحاربين للإسلام ؟ وللإجابة على هذا التساؤل نقول لقد سبق وأن قلنا في الجزء الثالث من هذه الدراسة إن جميع الكفار والمشركين المعادين والمحاربين للإسلام وأهله من غير أهل الكتاب إذا اندلع القتال بينهم وبين المسلمين وتفوق المسلمون عليهم في القتال فليس لهم إلا مصيران لا ثالث لهما:
الأول: قتلهم
الثاني: أن يتوبوا ويسلموا.
وقد ذكرنا بعض النصوص القرآنية في ذلك ولا ضير أن نعيد ذكرها كالتالي:
قال تعالى:
(فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم)
وقال تعالى:
(فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم)
وقال تعالى:
(قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لكم ما قد سلف)
وقال تعالى:
(قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولو بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون )
وقال تعالى :
(فإن انتهوا فلا عدوان عليهم)
وقال تعالى:
(فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير)
وقال تعالى:
(فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين)
قال تعالى:
(إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم)
وهذا موجود في جميع حروب الأرض أن المنتصر في الحرب إما أن يقتل عدوه أو يجعله يستسلم فقد يقبل استسلامه أو لا يقبل أو يقوم بأسره ، وكما يقولون كل شيء مباح في الحرب.
أما أهل الكتاب المحاربون للمسلمين أو من يقوموا بمساندة ومظاهرة الأعداء بتقديم القوة والعون لهم ضد المسلمين فقد حباهم الإسلام وميزهم عن بقية المحاربين للإسلام ، فقد جعل الله للمسلمين معهم ثلاثة خيارات إذا تفوق المسلمون عليهم أثناء القتال وهذه الخيارات هي:
الأول: قتلهم.
الثاني: أن يعلنوا توبتهم وإسلامهم.
الثالث: أن يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون ثم تركهم وشأنهم وبذلك يكونوا قد عصموا دمائهم وأفلتوا من القتل.
ويلاحظ أن الله قد ميز أهل الكتاب المحاربين للمسلمين بهذه الخاصية دون غيرهم من الكفار والمشركين ، حيث أن الأعداء من غير أهل الكتاب من المحاربين لا سبيل لهم إلا أمراً من اثنين ، إما القتل ، وإما أن يعلنوا توبتهم وإسلامهم، لكن أهل الكتاب إذا تغلب عليهم المسلمون فإما أن يعلنوا توبتهم وإسلامهم ، أو يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون ويكونوا بذلك قد عصموا دمائهم وأفلتوا من القتل ويبقوا كما هم علي دينهم ، وهذا في أهل الكتاب الذين يحاربون المسلمين أو يعينون أعداء المسلمين ويظاهروهم ضد المسلمين.
أما بقية أهل الكتاب وغيرهم من الكفار والمشركين غير المعادين وغير المحاربين للمسلمين فلا قتال لهم ولا جزية عليهم ، بل يجب معاملتهم بالحب والبر والقسط والعدل كما أمرنا تعالى في قوله:
لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين
ونقوم بسرد بعض النصوص التي سجلت مواقف بعض أهل الكتاب الذين حاربوا الرسول والمسلمين وناصروا أهل مكة الوثنيين ضد المسلمين ، فما كان من الله إلا أن أمر بقتالهم وأسرهم وأخذ الجزية منهم وطردهم من ديارهم وقد ورث المسلمون ديارهم وأرضهم جزاء لخيانتهم ونقضهم لعهودهم ووقوفهم في صف المشركين الوثنيين والمنافقين ضد الرسول وأتباعه، لأنهم هم أول من بدأ بالعداوة والعدوان ونقض العهود ومشاقة الله ورسوله، وهم الذين كانوا يحرضون الوثنيين من أهل مكة ويعينونهم ويناصرونهم في قتالهم للرسول والمسلمين ، وأيضا جاء في هذه النصوص التي ذكرت قتال أهل الكتاب لفظ "من أهل الكتاب" أي بعض أهل الكتاب وليس كل أهل الكتاب.
قال تعالى:
(وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا * مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا * وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا)
ونلحظ في هذا النص القرآني قوله تعالى:
(وأنزل الذين ظاهروهم)
والمظاهرة في اللسان العربي معناها: العون بالقوة والشدة.
وقوله تعالى:
(من أهل الكتاب) أي بعض أهل الكتاب.
وقال تعالى:
(هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ * وَلَوْلَا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاء لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)
ونلحظ من هذا النص التالي:
(من أهل الكتاب) أي بعض أهل الكتاب
(يخربون بيوتهم بأيديهم) أي هم من تسبب في خراب بيوتهم.
وقوله تعالى:
(ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله)
ومعنى شاقه في اللسان العربي: عاداه عداوة ظاهرة ، أي ذلك بأنهم والباء هنا للسببية بمعنى: ذلك بسبب أنهم شاقوا الله ورسوله عادوا الله ورسوله، فالمشاقة العداوة الظاهرة من بعض أهل الكتاب لله ورسوله بمظاهرتهم وعونهم للمشركين ضد الرسول هي التي كانت سببا في طردهم وإخراجهم من ديارهم جزاء لما اقترفته أيديهم.
وقد سجل القرآن عن اليهود الذين هم طائفة من أهل الكتاب والمشركين أنهم أشد الناس عداوة للذين آمنوا "المسلمون" فكانوا هم الذين تعاونوا وتساندوا في حربهم للرسول وأتباعه.
قال تعالى:
ولتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا
وقال تعالى:
(أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لَا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ * لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ * لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُون)
وهذا نص قرآني يسجل موقف بعض المنافقين الذين أسلموا ظاهريا وكانوا عملاء لبعض الأعداء من أهل الكتاب.
ونخلص مما تقدم أن القرآن ذكر أن أهل الكتاب منهم الأمين ، ومنهم المقتصد الغير حائد عن الصواب والغير جائر ، ومنهم المؤمن ، ومنهم الذي هو أقرب مودة للمسلمين ، ومنهم من يبغض المسلمين ويحقد عليهم ، ومنهم من يكره المسلمين ولا يرضى عنهم ، ومنهم المستهزئ بدين الإسلام والساخر منه، ومنهم المحارب للمسلمين والمعين لأعداء المسلمين ضد المسلمين ، ومنهم الأشد عداوة ، فلم ينظر إليهم القرآن نظرة واحدة ، ولم يضع الجميع في سلة واحدة ، بل نظر إلى كل طائفة وكل فريق منهم على قدر مسالمته للمسلمين وعلى قدر عداوته ومحاربته للمسلمين. فأمر الله أن يعامل كل منهم على قدر قربه للمسلمين ومسالمته لهم أو على قدر عداوته وحربه لهم.
وأخيرا: أذكر بعض الكتاب وبعض المثقفين بالعدل مع أنفسهم ومع الناس وفي كتاباتهم وليقرءوا وليتعلموا قبل أن يكتبوا وليعدلوا في قولهم وصدق الله إذ يقول: (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى).

 الجهاد والقتال في سبيل الله كما جاء في القرآن - الجزء الرابع

نهرو عبد الصبور طنطاوي


كاتب وباحث في الفكر الإسلامي مدرس بالأزهر
مصر _ أسيوط
 
 

Aucun commentaire: