“
أذكر جيّدا والدي، رحمه الله ،كان من المؤمنين ببورقيبة حدّ اعتباره معصوما، فالزعيم على حقّ وإن لم يعرف والدي وجه الحقّ في قرار من قرارات بورقيبة، كنت تلميذا زمنها وكنت من مظاهرة إلى أخرى، من جربة إلى مدنين إلى جرجيس وكانت أقسام البوليس بتلك المدن ترسل البرقيات لوالدي تعلمه كلّ مرّة أني رهن اعتقال مؤقّت ، وكنت سريعا ما أعود إلى الشّارع بفضل ضغط التلاميذ في انتفاضتهم، وكان أبي يردّد على مسامعي كل مرة " توّا يجي نهار و تقول: ما ابْرْكًك يا راجل أمّي الأوّل" ، زمنها كنت مأخوذا بتشي غيفارا و مظفر النواب وأحفظ عصمت سيف الدولة عن ظهر قلب، و أتسوّق ومعي" مفهوم الدولة " للعروي و أنام وتحت المخدّة جزء من "نظرية الثورة العربيّة" وأصبح أتصفّح منشورات دار العودة وما سرقت من معرض الكتاب ، أو ما بادلت من كتب مع رفاق من مدنين أو بن قردان ، كنّا ننتقل بها من مدينة إلى أخرى حذرين لأنّ المصادرة كانت على "الشمّ" لا على الاطلاع، فبمجرد أن يشكّ البوليس بمحتوى الكتاب فإنّه يصادره ونتحوّل إلى أقرب مركز شرطة ويكون ما يكون بما يجب ألاّ يكون. والدي رحمه الله، كان زمنها يردّد " يجي نهار وتقول: ما ابْرْكًك يا راجل أمّي الأوّل" ، كنت أناقشه كثيرا وكان يغضب كلّما احتدّ النقاش بيننا أساسا على موقف بورقيبة من القضية الفلسطينية و" خذ وطالب " وبرتقال حيفا، كنت أنا المتشرّب صوت عبد الناصر الهادر، ملكة العالم، و الحافظ لعصمت سيف الدولة والمحاور الرسمي لليسار التلمذي، كنت متحمّسا إلى نسف التسمية أساسا لأنّ فلسطين ليست قضية بل مسألة ضمن قضية أكبر هي الوحدة العربيّة، وكنت زمنها مقتنعا أنّ تونس لن تعرف تاريخا أكثر سوادا ممّا عرفته مع بورقيبة، ذاك الديكتاتور، بائع القضية، الفرنكفوني، المتاجر بقضية التحرّر التونسي، الخميس الأسود، سجن النقابيين، حبيب عاشور، دكّ قفصة ردّا على المزوغي، نسف الوحدة مع ليبيا، قانون 72، السواحلية، المحسوبية، كنت أسرد على مسامع والدي كلّ عيوب بورقيبة ، كلّ ما اقترفت يداه أو خُيّل لي أنها اقترفت، وكان والدي ذو خبرة في إدارة أصعب الحوارات، حوارات الفلاحين عند الخصومة ، التجّار عند الاختلاف، السماسرة عند الهجوم على فريسة، كان يبتسم كلما حاصرته باطلاعي على تاريخ الحركة الوطنية والبورقيبية واليوسفية وتاريخ سوريا والعراق ومصر، لكنّه يترشّف قهوته على مهل ويردّد " يجي نهار وتقول ما ابْرْكًك يا راجل أمّي الأوّل". كنت مقتنعا تمام الاقتناع أنّ ذاك اليوم لن يأتي، اليوم الذي أدافع فيه عن بورقيبة، بغباء ذاك اليسار المراهق، كنت أدافع عن كل قضايا الكون ولم أعرف قضيّتي، كنت أعود آخر الليل ولا خوف من اعتداء ،تسير أخواتي في الطريق العام بلا خوف ولا وجل أن يقذف أحد "ممن يخاف ربي" في وجهها تهمة العهر والسفور و الفساد ، كنّا ننام و أبواب المنازل مشرعة، كان الواحد منّا يعمل صيفا بما يكفيه كامل السنة الدّراسية، لم تسأل أمّي ، رحمها الله، هل كانت سافرة، كانت تصلّي بآيات ، الحق كلّ الحق أنّها تتوهّم ، إلى ليلة وفاتها ، أنها قرآن، كان أخي الأكبر من أنصار بن صالح، وهو ما سبب طرده من المعاهد بتهمة الانتماء إلى اليسار ، كان أخي قد أرهق نفسه منذ ذاك الزمن إلى ليلة وفاتها لتقويم قراءتها للسورتين اللتين تعيدهما في كلّ صلاة، لكنّها ماتت مقتنعة أنّها ما كانت سافرة ولا كافرة ولا ملحدة و ما شعرت يوما أنّها في حاجة إلى "فورماتاج" لإسلامها. مشى زمان وجاء زمان، يا سادة يا إلّي متّعكم ربي بنعمة الشهادة، وكان زمان ضْحكْت فيه على شايب ما خلاّت منّو الأيام كان حكمة الأنام ، وكان بشِيبو و هِيْبتو يتبسّم و يقول" ما ابْرْكًك يا راجل أمّي الأوّل" كان ذاك زمن بورقيبة في آخر أيّامه ، وكان ذاك تلميذا تونسيا ذات ثمانينات من القرن الفارط، وخلَف بورقيبة عسكريّ ومن الأسبوع الأوّل، بدأت أحسّ أنّ والدي كما أعرفه ، يكاد لا ينطق عن الهوى، قلت يكاد ، وأكرّرها ، يكاد، درءا للشبهة، وصار عرْك بين عسكر وإسلاميين وتصفية حسابات وبيع وشرا تحت الطاولة، وتزيّنت المحلات بالديمقراطية وحقوق الإنسان و ربي " من فوق وبن علي من تحت ". مشى زمان وجاء زمان، وكلام "سيدي" رحمه الله كان من فخّار بكري، كان يعرف ما ستنتهي إليه الأمور، سيأتي يوم على تونس سيهجر فيه النّاس المساجد، وستسافر التونسيات لإمتاع الشيشانيين وسيطرد فيه الأمن الرؤساء الثلاثة، الكثرة وقلة البركة، ثلاث أرامل وثلاثة رؤساء، وسيُضرب بالرشّ أبناء سليانة وسيأكل الحوت الطلبة، و سيكون الأزرق اللون الوحيد القادر على تشغيل صاحبه، و سيكون للحزب الحاكم مشتقات من الأحزاب ، و سيتجنّد "مثقفون" لخوض معارك بالنيابة عن الأزرق، وهكذا يا سادة يا مادة ، تصبح تونس طعم الحنظل بعد أن كانت بطعم تفاح سبيبة. سعد برغل ”
|آراء: ما ابْرْكًك يا راجل أمّي الأوّل بقلم سعد برغل
|آراء: ما ابْرْكًك يا راجل أمّي الأوّل بقلم سعد برغل
“
Read more about ar.Tunivisions.net |آراء: ما ابْرْكًك يا راجل أمّي الأوّل بقلم سعد برغل on:
http://ar.tunivisions.net/44398/688/149/%D8%A2%D8%B1%D8%A7%D8%A1:-%D9%85%D8%A7-%D8%A7%D8%A8%D9%92%D8%B1%D9%92%D9%83%D9%8B%D9%83-%D9%8A%D8%A7-%D8%B1%D8%A7%D8%AC%D9%84-%D8%A3%D9%85%D9%91%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%91%D9%84-%D8%A8%D9%82%D9%84%D9%85-%D8%B3%D8%B9%D8%AF-%D8%A8%D8%B1%D8%BA%D9%84.html?utm_source=INK&utm_medium=copy&utm_campaign=share&
Read more about ar.Tunivisions.net |آراء: ما ابْرْكًك يا راجل أمّي الأوّل بقلم سعد برغل on:
http://ar.tunivisions.net/44398/688/149/%D8%A2%D8%B1%D8%A7%D8%A1:-%D9%85%D8%A7-%D8%A7%D8%A8%D9%92%D8%B1%D9%92%D9%83%D9%8B%D9%83-%D9%8A%D8%A7-%D8%B1%D8%A7%D8%AC%D9%84-%D8%A3%D9%85%D9%91%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%91%D9%84-%D8%A8%D9%82%D9%84%D9%85-%D8%B3%D8%B9%D8%AF-%D8%A8%D8%B1%D8%BA%D9%84.html?utm_source=INK&utm_medium=copy&utm_campaign=share&
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire