عاش الشعب التونسي طيلة أكثر من نصف قرن في خديعة تاريخية كبرى وهي
خديعة الإستقلال الأول من المستعمر الفرنسي حيث قامت أجهزة الدعاية
الجهنمية على تصوير الزعيم الحبيب بورقيبة على أنه باعث أمجاد تونس الحديثة ومهندس إستقلال البلاد
وقد ساعدت إرتفاع نسبة الأمية والجهل المستشرية في نسيج الطبقات الشعبية
في ترسيخ هذه الفكرة المغلوطة في حين أن القلة القليلة الواعية بحقائق
التاريخ وقع قمعها ومحاصرتها وتشريدها لكي لا يرى الشعب التونسي إلا ما
يريهم الزعيم الأوحد والقائد الجهبذ
وبما أن الحق يعلو ولا يعلى عليه مهما أمتد الدهر وطال الزمن فما حدث في
تونس إبان ثورة الحرية و الكرامة فتح الأبواب على مصراعيها لإعادة كتابة
تاريخ الإستقلال الأول ولكشف الحقائق التي غيبتها الطبقة التي حكمت البلاد
طيلة نصف قرن بالحديد والنار وذلك بتنسيق وتواطؤ من المستعمر الفرنسي الذي
يخطأ من يعتقد أنه خرج من البلاد وتركها لأهلها .
إن الزعيم الحبيب بورقيبة لا يمكن أن يكون إلا صنيعة فرنسية تواصل من
خلال حكمه نفوذ المستعمر على البلاد وقد هيأت له فرنسا كل أسباب المجد
والسيادة في حكم البلاد وساعدته بكل قوة في تصفية كل خصومه السياسيين لينام
قرير البال وهو يحكم البلاد ولم تكن عملية إغتيال فرحات حشاد من طرف
الالوية الحمراء الفرنسية وإغتيال صالح بن يوسف في ألمانيا بأوامر مباشرة
من بورقيبة إلا حلقات من سلسلة التصفيات الجسدية لأبطال النضال والاستقلال
ليستفرد بورقيبة بالحكم بدون مزاحمة ولا خصام .
ولم يكتفي بورقيبة ولا أجهزة إستخبارات فرنسا بهذه الأعمال الاجرامية
فحسب بل نسقت معه لتصفية كل ما تبقى من رؤوس المجاهدين حملة السلاح ضد
الاحتلال الفرنسي وفي هذا الاطار كان توجيه تهمة التخطيط لإنقلاب ضد حكم
بورقيبة سنة 1962 ضد مجموعة رجال مناضلين من أشرف ما أنجبت تونس إبان
مقاومة الاستعمار فرصة لبورقيبة للتخلص منهم ولم تكن هذه المحاكمة الظالمة
إلا مسرحية محبوكة للقضاء على من تبقى من رجال الاستقلال الاول الذين
يعارضون منهج العلمانية اليعقوبية الفرنسية وهي أكثر المناهج العلمانية
تطرفا ونفيا للدين الذي تبناها بورقيبة في حكمه بدعم فرنسي غير مشروط.
ويكفي للدلالة على خطة التصفية الجسدية المنهجية لهؤولاء الأبطال أن أشرس وأشهر مقاوم تونسي ضد فرنسا الأزهر الشرايطي كان ضمن المحاكمة وتمت تصفيته بالإعدام وكل التونسيين يعلمون أن الأزهر الشرايطي
كان يمثل الحصان الأسود للمستعمر الفرنسي زمن العمل المسلح حتى أن فرنسا
حارت في أمره ورصدت لمن يبلغ عنه أو يدلي بمعلومات تؤدي لقتله أو القبض
عليه مكافأة مالية هامة قدرت بمبلغ مليوني فرنك فرنسي ونشرت صوره للتبليغ
عنه في صحيفة لومند سنة 1952 .
إن الأزهر الشرايطي الذي أعدمه بورقيبة هو أحد المجاهدين التونسيين
المتطوعين في حرب فلسطين سنة 1948 والذي شارك في جبهات القتال ضد الغاصب
الصهيوني إثر إعلان دولة إسرائيل ولم يرجعه لتونس غير خذلان القادة العرب
ونقص السلاح.
ورغبته الجامحة في المقاومة وتطهير البلاد من الاحتلال فقد أستفاد من
تجربته الحربية بفلسطين لتشكيل نواة المقاومة المسلحة ضد الغاصب الفرنسي
المحتل
وهكذا نجحت للأسف خطة إستئصال جذوة كل المجاهدين الحقيقيين ضد الاحتلال وإستبدالهم في الحكم بطبقة إنتهازية موالية لفرنسا.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire